الفصل الثامن وثلاثين

وصلت تمارا أخيرا للمنزل الذى منحها إياه الحاج شداد مؤقتاً.

اخرجت المفتاح الجديد من حقيبتها المهترئه و دسته فى قفل الباب و تقدمت تجر قدميها تنظر حولها بإستغراب ؛ لازالت تحاول الإعتياد على المكان الجديد.

تنظر للجدران حولها و هى تدور بمكانها ، ثم تبتسم بألم فسبحان مغير الاحوال ، منذ ليله واحده فقط كانت تسير بغير هدى فى الازقه و الشوارع ، لا تعلم لأين تذهب بالضبط... اضطرت للنوم فى الطرقات گ قطط و كلاب الشوارع ، كانت تشعر بالوحدة و الوحشه و هى كذلك بالأساس طوال عمرها ، لم تملك يوما تلك الصديقه المقربه بشده ، ضحكت ساخره و هى تتذكر طفولتها البائسه و حياتها البشعه ، ف كيف لفتاه تحيا فى ظروف ك تلك التي تحيا هى بها أن تخرج منها فتاه سويه الطبيعه و السلوك ، بل بالأساس أنى لها بالوقت الذى ستتعرف به على زميلات لها ، فيومها مقتصر على المدرسة و الدروس فقط ، لم تتعمق يوماً مع أى صديقه لها .

لا تعرف لما ،حتى أنها كانت تجلس مع نفسها كثيرا تشرد فى ذات السؤال، لما لا يحبها أحد ، حتى أنها كانت لأحيان كثيره تصل الى نتيجه واحده و هو أنها فتاه خلقت بلا قبول ، خلقت ليكرهها الجميع ، تتسائل هل الله غاضب عليها كثيرا لدرجة أنه لم يجعل فى وجهها القبول.

ف والدها يعنفها بل هى شبه متأكدة انه يكرهها ، و كل زميلاتها لا يرحبن كثيرا بمصادقتها ، كانوا دوما فر كل مدرسة بكل مرحله عمريه تذهب لها يتعمدن تجنبها صانعين أحزاب و تجمعات إلا هى فلا يتبقى لها إلا أقلية من الفتيات الفاشله لا يصادقهن أحد بالأساس فلا تجد غيرهن يتقبلنها .

ضحكت بألم ساخره و هى تتذكر أن حتى هؤلاء الفتيات لم يكن على القدر الكافي من الحب و الرغبه فى صنع صداقه وطيده معها ، إنما قبلوا صداقتها لأنها ذكيه و نبيهه ، بالتأكيد سيحتاجن مساعدتها.

كانت والدتها دوماً تخبرها أن الكثير من الفتيات لا يحببنها كونها أجمل منهم و أنها جميله جمال غير عادى.

لكن هل الكل هكذا ، لا تعتقد ، خصوصاً أن هناك الكثيرات منن هن جميلات بالفعل .

لا تصدق ذلك المثل القائل بأن العين لا تكره سوى الأعلى منها... تعتقد بل هى على يقين تام بأن والدتها تخبرها بهذا الحديث فقط كى تطيب خاطرها .

عادت لتبتسم من جديد تنظر حولها تردد نفس الجمله"سبحان مغير الاحوال"

فهى قد حصلت على صديقه أحبتها و ارتاحت للحديث معها من أول لقاء ، هى حتى ما بادرت بمد أواصر الصداقة بينهما ، تحكى لها عن قصة حياتها الحزينه البائسه و الغدر و الظلم الذان تعرضت لهما طوال عمرها... جعلتها تدرك أنها ليست وحدها و ما هى إلا واحدة من ضمن فئة كبيره أسمهم "المعذبون فى الأرض"

تمددت على الأريكة تشعر بالتخمه بعد ذلك الصحن الضخم من الكشرى الذى التهمته بنهم شديد و من بعده لم ترحم نفسها سواء هى او نعمت و إنما ذهبتا لشرب كأس كبيره من عصير القصب.


ف مالت تضع رأسها على الوساده التى بجوارها و من كثرة إمتلاء معدتها مع تسلل الدفئ لجسدها الذى لم ينل القسط الكافى من النوم فى قيلولته غرقت في نوم عميق تشعر أو تتمنى أن يكن القادم أفضل ، تتمنى أيضاً لو ينساها والدها لكنها غير متأكده من ذلك مطلقاً... لم يرحم عقلها المرهق و قلبها الضعيف من كثرة التفكير تلك سوى تلك الدوامه التى سحبته منها فى نوم عميق لن تستفيق منه إلا مع ساعات الفجر الأولى .

___________سوما العربي ___________

كذلك وصل علاء لبيته يفتح الباب ويدلف منه حيث تلك الشقه واسعه المساحه التى يقطن بها مع والدته.

كانت تقريباً شقتان و قد قام بفتحهما معا لتصبح شقه واحده فوالديه يعشقان البراح ، خصوصاً حينما كان والده مازال على قيد الحياة، يحب العيش فى مستوى عالى يناسبه و يوفر له الرفاهيه التى تريحه.

ف الجدران كلها مغطاه بورق الحائط و الأرضيه من البورسلين الفاخر ، أثاث البيت يغلب عليه اللون المذهب ، هذا إلى جانب الثرايات الفخمه المصنوعة من الكريستال الأصلى باهظ الثمن و التكلفه .

و السجاد العجمى عتيق الصنع من بلاده ، و المزهريات الخزفيه و التقاطيق المذهبه.

تقدم يخطو على الارضيه الامعه بأقدام ثابته يبحث عن الداته ، يعرف إتجاهه الصحيح فهو ك العاده يتوقع وجودها فى المحراب الخاص بها و المنطقة المحذوره و ليست سوى المطبخ.

تقدم من خلفها جيث جلست توليه ظهرها و هى جالسه على أحد مقاعد طاوله المطبخ الصغيرة متوسطة الحجم .

توقف و هو يستمع لصوتها تتحدث كأنها رأته مردده: حمد لله على السلامه يا حبيب امك.

أبتسم عليها لا يعرف أنى لها بقرون الإستشعار هذه ، فهى دوما تشعر به دون منادتها او حتى يصدر أى صوت .

ليسألها السؤال المعتاد : عرفتى منين انى جيت ده انا ماشى من غير أى صوت.

ابتسمت تضحك بخفه و هى تراقبه بإنظارها يلتف من حولها كى يذهب و يجلس مقابل لها على احد مقاعد نفس الطاوله يسحبه لنفسه ثم يجلس عليه بإرهاق و ذهن شارد فتقول هى: انت إبنى و أنا الى مربياك ، بعرفك من ريحتك و قلبى بيحس بيك و بكل حاجه بتحصل معاك ، ق قلبى بيقولى أنك جيت.

صمتت تكمل تقشير جبة البطاطا بيدها ثم أكملت متنهده و هى ترمقه بنظرات جانبيه خبيثه تكمل: زى ما بيقولى دلوقتي إن ابنى حبيبى فيه حاجه جديده جدت عليه و فكره مشغول .

رفع عيناه ينظر لها وهو يرفع إحدى حاجبيه يردد: أمممم... حتى دى كمان عرفتها؟!

إبتسمت تهز رأسها بثقه ثم قالت و يداها لم تتوقف عم ما تصنعه بينما تردد: ايوووه ، و ياريت تقول باختصار و من غير لف و دوران .

تنهد يسحب نفس عميق ثم قال: مش هتبطلى حركات المحقق كونان دى يا أمى ؟ أنا مابقتش صغير.

تركت ما بيدها و ركزت بأنظارها عليه تردد : و مهما كبرت هتفضل فى عين امك العيل الصغير الى عمره ما هيكبر أبدا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي