الفصل الحادي والعشرون
تنهدت ثم أخبرته :
" لا شيء سألتني أين أنا."
مرت لمحة من السرور في عينيه ثم نظر الى ساعته وأضاف:
" حسنا ، ولكنك إستيقظت مبكرة ."
" إنه صباح مشرق جميل ، وأحب ان أذهب في جولة قصيرة قبل الفطور."
رددت ساندرا كلمته في نفسها لأسباب غامضة ، فشعرت وكأنها صرخة من الماضي ،
صرخة فيها إستغاثة والم ، وإستغربت لهذه الفكرة ، فكرة إرتباط هذه الصرخة
بالماضي البعيد ، لماذا لا تعود الى أوقات أكثر قربا من الحاضر؟ من الممكن أنه كان يحلم ، أو ربما كان بين اليقظة والنوم ، عندما يتمتم المرء باي
كلمات ، وفي هذه الحال ، فكلماته ليس لها أي معنى عميق ، هزت ساندرا رأسها وقد
نفد صبرها من نفسها ، لأنها لم تصل الى أي سبب ثابت يوضح لها سبب قول
باريس تلك.... أين أنت؟
وبقيت هذه التساؤلات تراودها ما يقرب من نصف ساعة ، حيث كانت تسير على
الطريق التي تؤدي الى نهاية الجزيرة. كانت الشمس تسطع فوق سطح
البحر تلونه بلون اللهب ، والسماء تتألق في العلى
بلونها لصافي ، وقد توشحت سفوح الجبال بأثواب ذهبية وخضراء ، والروابي مزيج
من الألوان تغطيها البساتين والحدائق التي تستكن في احضانها بيوت متناثرة بيضاء.
وبعيدا في البحر يبدو العديد من الجزر تلمع تحت اشعة الشمس، ترتفع تلالها عالية
حادة نحو السماء ، إبتسمت ساندرا إذ وجدت نفسها تستعيد إحساسها الأول إتجاه هذا
الفردوس الوضاء حيث كانت الشمس تختفي وراء الغيوم ، والجبال معلقة في أعماق
الضباب ، والوحشة تخيم على كلمكان .
اما الآن وقد ولت الغيوم امام شعاع الشمس وتلاشى الضباب عن الجزيرة ، فإن ألانا
بدأت تحب هذا المكان ، وشعرت انه بإمكانها ان تكون سعيدة بين حنايا هذه الجزيرة
الرائعة الجمال ، لو أن الظروف التي تعيشها غير هذه
حقا ان زوجها يبدو متوحشا همجيا أحيانا ، ولكنه أحيانا أخرى يبدي ملامح عاطفية
لا تكون إلا في قلوب المحبين ، ترى هل يمكنها ان تخفي شيئا من إشمئزازها منه ؟
وفكرت فوجدت ان ذلك بعيد الإحتمال .
إستمتعت ساندرا بالجولة الصباحية التي قامت بها ، بالمناظر الخلابة ، بالنسيم البارد العليل القادم
من البحر ، بالروائح الزكية التي تنتشر في كل مكان فاتحة الأعشاب العطرة التي تنبت
بين الصخور.
كان القصر يبدو روعة في الجمال وقمة في فن العمارة ، كانه معلق على حافة صخرة
عالية ، أما جزيرة لاروس فقد كانت تبدو قريبة جدا خلال ذلك الجو الصافي ،
والجزر الصغيرة الأخرى تكاد تلتصق وكنها جزء من لاروس نفسها ، إنفصلت
عنها قليلا لتستحم في المياه الدافئة على شطآنها الجميلة.
نظرت ساندرا الى ساعتها ، وإستدارت تسرع الخطى بأكثر مما إعتادت أن تفعل ، حتى
لا تتأخر عن موعد الفطور ، لقد سبق وتأخرت مرة عن موعد الطعام ، فحدثت
مشادة بينها وبين باريس ، ولكن كالمعتاد كان باريس المنتصر، وحذّرها ألا تعود
لمثل هذا التأخير في المستقبل .
أحست ساندرا بكثير من الإمتعاض في داخلها وهي تتخيل تصرفات باريس المتعسفة ،
وهي ليست من النوع الذي يرضخ بسهولة ومن غير مقاومة شديدة ، ولذا خففت
من سرعتها وأبطأت في مشيتها ، وأخذت تسير عل مهل سعيدة فرحة .
وصلت الى مائدة الطعام ، بعد أكثر من عشر دقائق من دخول باريس الغرفة،
ضاقت عيناه قليلا كانه ينتظر منها إعتذارا ، ولكنها رفعت وجهها نحوه قليلا ، ثم
جلست وهي تقول:
" ما كان عليك ان تنتظرني ، ألا يكون طعامك قد برد؟ ." جلس باريس قبالتها وقال برقة:
انت تعرفين شعوري بصدد التأخر عن مواعيد الطعام ، وقد حذرتك مرة أنه لا
يمكنني الإنتظار حتى تصلي الى المائدة ."
لم تقل سارندرا شيئا أكثر من انها أحنت رأسها واختارت الصمت حتى لا تقوم بينهما مشادة جديدة
تعجب وأضاف:
هل كان تأخرك لأمر هام ، ساندرا ."
نظرت اليه نظرة شاملة ثم غيّرت إتجاه نظراتها ، قال:
" الاحظ أنه كذلك ، فاين إعتذارك
؟ ."
تمتم بالكلمات الأخيرة ونظره عالق بها يتفحصها من رأسها إلى أخمص قدميها بتسلية واضحة أمام الخادم الذي يضع الطعام
لكنها أطالت بالها وانتظرت حتى غادر لكي لا يحضر تلك المناقشة التي حتما سنتقلب بشد بينهما
نظرت إليه ثم رفعت ذقنها بكبرياء وقالت: كنت أتمشى ، مستمتعة بما أرى من مناظر خلابة ، ويبدو أنني إبتعدت أكثر من
المعتاد ، ولذا فأنا لا اشعر أن هناك ضرورة لأي إعتذار ."
عادة يكون الاعتذار ضروريا خاصة عندما يتأخر المرء عن ميعاده وعندما يكون هناك من ينتظره ، إن
طباعك ينقصها الكثير حتى تصبح مقبولة زوجتي العزيزة."
قال ذلك ثم لاذ بالصمت عندما لم يسمع جوابا ، نظرت ساندرا إليه مستاءة من موقفه، حتى بعد ما فعله معها كان قرارها أن تصبر عليه ولكنه لا يقدر ولا يعرف ذلك من الأساس بل ويستفزها ويضايقها لأتفه الأسباب، إذا كان هذا هو قصده بأنه سيعذبها فهو بالفعل يعذبها بين مشاعرها تجاهه
صمتت ساندرا بينما كان يبدو عليه كأنه غاضب من نفسه لأنه لم يطور المسألة الى أبعد من ذلك
كان في داخله صراع ، ولما كانت ساندرا لا تريد ان تتفاقم الأمور بينهما ، غيّرت الموضوع
واخذت تتحدث عن المشاهد
الجميلة التي راتها في هذا الجانب من الجزيرة خاصة ،
واضافت عندما لم يعلق على حديثها:
" إنها جولة ممتعة حقا ، ألم تذهب مرة الى نهاية الجزيرة؟ ."
" لقد فعلت ."
أجاب بإختصار ، مظهرا انه ليس راغبا في الحديث ، ولكنها لسبب ما لم تعرف له
تفسيرا ، إستمرت بالكلام:
" ما اروع ذلك القصر ، يبدو كأنه في خطر من الإنزلاق عن تلك الصخرة الشاهقة
الى أعماق البحر."
تحركت عيناه وضاقتا قليلا ، ثم قال:
" إنه في أمان."
كان هذا كل ما قاله ، ولكن هذا لم يثنها عن الإستمرار في الحديث ، قررت التكملة وقالت:
" أظن أن المرأة التي تسكن هناك إنجليزية الأصل."
أحنى باريس رأسه وعندما تكلم كان التوتر قد بدا على وجهه:
" إنها متزوجة من رجل يوناني." صمت لحظة ، تابع بعدها:
" إننا لا نكلم بعضنا مطلقا." لحظة اخرى من الصمت ، ولكن فضول ساندرا كان أكثر من رغبتها بألا تغضب زوجها
، وسألته عن السبب الذي يجعلهما لا يكلمان بعضهما ، وأضافت:
" أن هذا يبدو لي غريبا ، وأنتما جيران ."
ضحك باريس فجأة ، ضحكة خشنة مرتفعة فاجأتها ، وتابع:
إنه لمن المضحك حقا ، ألا يرضى عن تصرفاتي وهو الذي يحمل على كتفيه ذلك
الماضي ."
سألته مستفهمه ؟ " الماضي؟ ."
كان باريس لا يزال ينظر اليها عبر مائدة الطعام التي تفصل بينهما ، وقال:
" لقد أرغم فتاة على الزواج منه." شملته ساندرا بنظرة ، والسؤال باد في عينيها .
رددت كلمته تلك غير مصدقة، وأضافت:
هل ارغمها عن طريق التهديد مثلما فعلت ؟ ."
لم يمح سؤالها روح الدعابة ، بل على العكس فقد زادها ، وأطلق ضحكة أخرى
قصيرة ، ثم قال:
شيء من هذا القبيل ، على ما أعتقد ، لم أكن أسكن هنا في ذلك الحين ، ولكن
الجزيرة صغيرة وليس فيها أسرار، لقد تزوجته لتنقذ عائلتها من الدمار."
قالت ساندرا بجفاء:
يبدو أنكم جميعا متشابهون ."
" لا ، ليس الجميع ، انت فقط تعيسة الحظ ." !
" هل تخرج الفتاة من القصر؟."
" لا شك ، في مثل حالتهما يكون الزواج موفقا عادة ."...
قطع كلامه وأطلق ضحكة اخرى ، ثم أضاف:
يقال انهما مثاليان في تعاملهما ، مجنونان في الحب."!
كانت جملته الأخيرة ممزوجة بالسخرية.
" في الحب ! هل تعني أن كل شيء سار سيرا حسنا في النهاية ؟."
كل النساء يحببن أن يسمعن النهاية ، إنهما يعيشان ان بسعادة دائمة لا مثيل لها. "
بقي شيء من الدعابة في نغمات صوته ، ولكنها ممزوجة بشيء من الإحتقار.
أنت يا ساندرا ، لن تكوني محظوظة الى هذا الحد ، لأن لويس جرجيوس كان يحب الفتاة
طيلة الوقت ، بينما أنا أكرهك....
لقد كرهتك منذ اللحظة التي رفضتني بها وجعلتيني أعاني ويلات من بعد رفضك
بدا على وجه ساندرا شيء من الغضب والإنفعال والعصبية، غير أنها قالت بدون لحظة تفكير واحدة :
" ليس من يوم رفضي لك بل منذ اليوم الذي فشلت في زواجك باريس."
سكتت ساندرا ولكن سكوتها جاء متأخرا ، فقد تغير لون وجه باريس وصار قرمزيا ، وثارت
ثائرته:
" زواجي ! الم أقل لك الا تذكريه على الإطلاق... وحق السماء ايتها الفتاة لسوف
اقتلك إذا ذكرته مرة اخرى ! هل تفهمين." !
شحب لونها وإزدادت ضربات قلبها، لم تعرف عاقبة ما فعلت سوى برؤيته بهذه الحالة رددت اعتذارها بتوتر شديد :
" إنني آسفة ."....
لقد ندمت على زلة لسانها ، وتمنت لو أنها لم تفه بتلك الكلمات على الإطلاق ، تلك
الكلمات التي لا تثير غضبه فقط وإنما تسبب له كثيرا من الآلام ، فإنها تذكره بماساته
.... بفقدان ولده.... ورددت:
" إنني اسفة حقا ، باريس."
بدا صدق شعورها في نبرات صوتها ، وفي نظرات عينيها ، ولكن باريس كان كمن
فقد عقله ، وهو ينظر اليها نظرات فارغة كالمجنون ، نظرات بعيدة جدا كمن يعيش
الذكرى ، يجتاز تلك المرحلة المروعة في حياته ، عندما اخبروه أن ولده قد مات ، وأن
مسؤولية موته تقع على زوجته .
" آسفة ."!
تنهد من أعماقه ، ووقف فجأه كأنه مدفوع ان يفعل ذلك ، صفق بيده ، حسبت ساندرا أن
الرجل قد جن فعلا ، جنونا مليئا بالغضب والحزن ، وصاح:
" سوف أجعلك تأسفين حقًا في دقيقة واحدة تعالي الى هنا ." !
قفز نحوها وهو يتكلم ، ولكن ساندرا كانت أسبق منه حيث قفزت من النافذة تركض
على الشرفة نحو الدرجات التي تؤدي الى الممر المرصوف ولم يهمها أبدا أن يراه أحد ولا أي شيء سوى الهروب من هذا المتوحش، شعرها على كتفيها يتطاير
في الهواء ، اسرعت بإتجاه الطريق الطويل ، لقد أدهشها انها وصلت البوابة من غير أن
يمسك بها زوجها من الخلف، وعند هذه النقطة إلتفتت إلتفاته سريعة الى الوراء ولكنها لم تر
لباريس أثرا.
" لا شيء سألتني أين أنا."
مرت لمحة من السرور في عينيه ثم نظر الى ساعته وأضاف:
" حسنا ، ولكنك إستيقظت مبكرة ."
" إنه صباح مشرق جميل ، وأحب ان أذهب في جولة قصيرة قبل الفطور."
رددت ساندرا كلمته في نفسها لأسباب غامضة ، فشعرت وكأنها صرخة من الماضي ،
صرخة فيها إستغاثة والم ، وإستغربت لهذه الفكرة ، فكرة إرتباط هذه الصرخة
بالماضي البعيد ، لماذا لا تعود الى أوقات أكثر قربا من الحاضر؟ من الممكن أنه كان يحلم ، أو ربما كان بين اليقظة والنوم ، عندما يتمتم المرء باي
كلمات ، وفي هذه الحال ، فكلماته ليس لها أي معنى عميق ، هزت ساندرا رأسها وقد
نفد صبرها من نفسها ، لأنها لم تصل الى أي سبب ثابت يوضح لها سبب قول
باريس تلك.... أين أنت؟
وبقيت هذه التساؤلات تراودها ما يقرب من نصف ساعة ، حيث كانت تسير على
الطريق التي تؤدي الى نهاية الجزيرة. كانت الشمس تسطع فوق سطح
البحر تلونه بلون اللهب ، والسماء تتألق في العلى
بلونها لصافي ، وقد توشحت سفوح الجبال بأثواب ذهبية وخضراء ، والروابي مزيج
من الألوان تغطيها البساتين والحدائق التي تستكن في احضانها بيوت متناثرة بيضاء.
وبعيدا في البحر يبدو العديد من الجزر تلمع تحت اشعة الشمس، ترتفع تلالها عالية
حادة نحو السماء ، إبتسمت ساندرا إذ وجدت نفسها تستعيد إحساسها الأول إتجاه هذا
الفردوس الوضاء حيث كانت الشمس تختفي وراء الغيوم ، والجبال معلقة في أعماق
الضباب ، والوحشة تخيم على كلمكان .
اما الآن وقد ولت الغيوم امام شعاع الشمس وتلاشى الضباب عن الجزيرة ، فإن ألانا
بدأت تحب هذا المكان ، وشعرت انه بإمكانها ان تكون سعيدة بين حنايا هذه الجزيرة
الرائعة الجمال ، لو أن الظروف التي تعيشها غير هذه
حقا ان زوجها يبدو متوحشا همجيا أحيانا ، ولكنه أحيانا أخرى يبدي ملامح عاطفية
لا تكون إلا في قلوب المحبين ، ترى هل يمكنها ان تخفي شيئا من إشمئزازها منه ؟
وفكرت فوجدت ان ذلك بعيد الإحتمال .
إستمتعت ساندرا بالجولة الصباحية التي قامت بها ، بالمناظر الخلابة ، بالنسيم البارد العليل القادم
من البحر ، بالروائح الزكية التي تنتشر في كل مكان فاتحة الأعشاب العطرة التي تنبت
بين الصخور.
كان القصر يبدو روعة في الجمال وقمة في فن العمارة ، كانه معلق على حافة صخرة
عالية ، أما جزيرة لاروس فقد كانت تبدو قريبة جدا خلال ذلك الجو الصافي ،
والجزر الصغيرة الأخرى تكاد تلتصق وكنها جزء من لاروس نفسها ، إنفصلت
عنها قليلا لتستحم في المياه الدافئة على شطآنها الجميلة.
نظرت ساندرا الى ساعتها ، وإستدارت تسرع الخطى بأكثر مما إعتادت أن تفعل ، حتى
لا تتأخر عن موعد الفطور ، لقد سبق وتأخرت مرة عن موعد الطعام ، فحدثت
مشادة بينها وبين باريس ، ولكن كالمعتاد كان باريس المنتصر، وحذّرها ألا تعود
لمثل هذا التأخير في المستقبل .
أحست ساندرا بكثير من الإمتعاض في داخلها وهي تتخيل تصرفات باريس المتعسفة ،
وهي ليست من النوع الذي يرضخ بسهولة ومن غير مقاومة شديدة ، ولذا خففت
من سرعتها وأبطأت في مشيتها ، وأخذت تسير عل مهل سعيدة فرحة .
وصلت الى مائدة الطعام ، بعد أكثر من عشر دقائق من دخول باريس الغرفة،
ضاقت عيناه قليلا كانه ينتظر منها إعتذارا ، ولكنها رفعت وجهها نحوه قليلا ، ثم
جلست وهي تقول:
" ما كان عليك ان تنتظرني ، ألا يكون طعامك قد برد؟ ." جلس باريس قبالتها وقال برقة:
انت تعرفين شعوري بصدد التأخر عن مواعيد الطعام ، وقد حذرتك مرة أنه لا
يمكنني الإنتظار حتى تصلي الى المائدة ."
لم تقل سارندرا شيئا أكثر من انها أحنت رأسها واختارت الصمت حتى لا تقوم بينهما مشادة جديدة
تعجب وأضاف:
هل كان تأخرك لأمر هام ، ساندرا ."
نظرت اليه نظرة شاملة ثم غيّرت إتجاه نظراتها ، قال:
" الاحظ أنه كذلك ، فاين إعتذارك
؟ ."
تمتم بالكلمات الأخيرة ونظره عالق بها يتفحصها من رأسها إلى أخمص قدميها بتسلية واضحة أمام الخادم الذي يضع الطعام
لكنها أطالت بالها وانتظرت حتى غادر لكي لا يحضر تلك المناقشة التي حتما سنتقلب بشد بينهما
نظرت إليه ثم رفعت ذقنها بكبرياء وقالت: كنت أتمشى ، مستمتعة بما أرى من مناظر خلابة ، ويبدو أنني إبتعدت أكثر من
المعتاد ، ولذا فأنا لا اشعر أن هناك ضرورة لأي إعتذار ."
عادة يكون الاعتذار ضروريا خاصة عندما يتأخر المرء عن ميعاده وعندما يكون هناك من ينتظره ، إن
طباعك ينقصها الكثير حتى تصبح مقبولة زوجتي العزيزة."
قال ذلك ثم لاذ بالصمت عندما لم يسمع جوابا ، نظرت ساندرا إليه مستاءة من موقفه، حتى بعد ما فعله معها كان قرارها أن تصبر عليه ولكنه لا يقدر ولا يعرف ذلك من الأساس بل ويستفزها ويضايقها لأتفه الأسباب، إذا كان هذا هو قصده بأنه سيعذبها فهو بالفعل يعذبها بين مشاعرها تجاهه
صمتت ساندرا بينما كان يبدو عليه كأنه غاضب من نفسه لأنه لم يطور المسألة الى أبعد من ذلك
كان في داخله صراع ، ولما كانت ساندرا لا تريد ان تتفاقم الأمور بينهما ، غيّرت الموضوع
واخذت تتحدث عن المشاهد
الجميلة التي راتها في هذا الجانب من الجزيرة خاصة ،
واضافت عندما لم يعلق على حديثها:
" إنها جولة ممتعة حقا ، ألم تذهب مرة الى نهاية الجزيرة؟ ."
" لقد فعلت ."
أجاب بإختصار ، مظهرا انه ليس راغبا في الحديث ، ولكنها لسبب ما لم تعرف له
تفسيرا ، إستمرت بالكلام:
" ما اروع ذلك القصر ، يبدو كأنه في خطر من الإنزلاق عن تلك الصخرة الشاهقة
الى أعماق البحر."
تحركت عيناه وضاقتا قليلا ، ثم قال:
" إنه في أمان."
كان هذا كل ما قاله ، ولكن هذا لم يثنها عن الإستمرار في الحديث ، قررت التكملة وقالت:
" أظن أن المرأة التي تسكن هناك إنجليزية الأصل."
أحنى باريس رأسه وعندما تكلم كان التوتر قد بدا على وجهه:
" إنها متزوجة من رجل يوناني." صمت لحظة ، تابع بعدها:
" إننا لا نكلم بعضنا مطلقا." لحظة اخرى من الصمت ، ولكن فضول ساندرا كان أكثر من رغبتها بألا تغضب زوجها
، وسألته عن السبب الذي يجعلهما لا يكلمان بعضهما ، وأضافت:
" أن هذا يبدو لي غريبا ، وأنتما جيران ."
ضحك باريس فجأة ، ضحكة خشنة مرتفعة فاجأتها ، وتابع:
إنه لمن المضحك حقا ، ألا يرضى عن تصرفاتي وهو الذي يحمل على كتفيه ذلك
الماضي ."
سألته مستفهمه ؟ " الماضي؟ ."
كان باريس لا يزال ينظر اليها عبر مائدة الطعام التي تفصل بينهما ، وقال:
" لقد أرغم فتاة على الزواج منه." شملته ساندرا بنظرة ، والسؤال باد في عينيها .
رددت كلمته تلك غير مصدقة، وأضافت:
هل ارغمها عن طريق التهديد مثلما فعلت ؟ ."
لم يمح سؤالها روح الدعابة ، بل على العكس فقد زادها ، وأطلق ضحكة أخرى
قصيرة ، ثم قال:
شيء من هذا القبيل ، على ما أعتقد ، لم أكن أسكن هنا في ذلك الحين ، ولكن
الجزيرة صغيرة وليس فيها أسرار، لقد تزوجته لتنقذ عائلتها من الدمار."
قالت ساندرا بجفاء:
يبدو أنكم جميعا متشابهون ."
" لا ، ليس الجميع ، انت فقط تعيسة الحظ ." !
" هل تخرج الفتاة من القصر؟."
" لا شك ، في مثل حالتهما يكون الزواج موفقا عادة ."...
قطع كلامه وأطلق ضحكة اخرى ، ثم أضاف:
يقال انهما مثاليان في تعاملهما ، مجنونان في الحب."!
كانت جملته الأخيرة ممزوجة بالسخرية.
" في الحب ! هل تعني أن كل شيء سار سيرا حسنا في النهاية ؟."
كل النساء يحببن أن يسمعن النهاية ، إنهما يعيشان ان بسعادة دائمة لا مثيل لها. "
بقي شيء من الدعابة في نغمات صوته ، ولكنها ممزوجة بشيء من الإحتقار.
أنت يا ساندرا ، لن تكوني محظوظة الى هذا الحد ، لأن لويس جرجيوس كان يحب الفتاة
طيلة الوقت ، بينما أنا أكرهك....
لقد كرهتك منذ اللحظة التي رفضتني بها وجعلتيني أعاني ويلات من بعد رفضك
بدا على وجه ساندرا شيء من الغضب والإنفعال والعصبية، غير أنها قالت بدون لحظة تفكير واحدة :
" ليس من يوم رفضي لك بل منذ اليوم الذي فشلت في زواجك باريس."
سكتت ساندرا ولكن سكوتها جاء متأخرا ، فقد تغير لون وجه باريس وصار قرمزيا ، وثارت
ثائرته:
" زواجي ! الم أقل لك الا تذكريه على الإطلاق... وحق السماء ايتها الفتاة لسوف
اقتلك إذا ذكرته مرة اخرى ! هل تفهمين." !
شحب لونها وإزدادت ضربات قلبها، لم تعرف عاقبة ما فعلت سوى برؤيته بهذه الحالة رددت اعتذارها بتوتر شديد :
" إنني آسفة ."....
لقد ندمت على زلة لسانها ، وتمنت لو أنها لم تفه بتلك الكلمات على الإطلاق ، تلك
الكلمات التي لا تثير غضبه فقط وإنما تسبب له كثيرا من الآلام ، فإنها تذكره بماساته
.... بفقدان ولده.... ورددت:
" إنني اسفة حقا ، باريس."
بدا صدق شعورها في نبرات صوتها ، وفي نظرات عينيها ، ولكن باريس كان كمن
فقد عقله ، وهو ينظر اليها نظرات فارغة كالمجنون ، نظرات بعيدة جدا كمن يعيش
الذكرى ، يجتاز تلك المرحلة المروعة في حياته ، عندما اخبروه أن ولده قد مات ، وأن
مسؤولية موته تقع على زوجته .
" آسفة ."!
تنهد من أعماقه ، ووقف فجأه كأنه مدفوع ان يفعل ذلك ، صفق بيده ، حسبت ساندرا أن
الرجل قد جن فعلا ، جنونا مليئا بالغضب والحزن ، وصاح:
" سوف أجعلك تأسفين حقًا في دقيقة واحدة تعالي الى هنا ." !
قفز نحوها وهو يتكلم ، ولكن ساندرا كانت أسبق منه حيث قفزت من النافذة تركض
على الشرفة نحو الدرجات التي تؤدي الى الممر المرصوف ولم يهمها أبدا أن يراه أحد ولا أي شيء سوى الهروب من هذا المتوحش، شعرها على كتفيها يتطاير
في الهواء ، اسرعت بإتجاه الطريق الطويل ، لقد أدهشها انها وصلت البوابة من غير أن
يمسك بها زوجها من الخلف، وعند هذه النقطة إلتفتت إلتفاته سريعة الى الوراء ولكنها لم تر
لباريس أثرا.