الخاتمة
الخاتمة
جلس على مكتبه يريح ظهره إلى ظهر كرسيه، أراح ظهره للخلف حتى تدلى رأسه من على مقعده وأغمض عينه وتدلى كتفيه من تعب اليوم، فقد أُرهق كثيراً اليوم، فقد تراكم العمل عليه ولم يُصدق أنه انتهى حتى يقدر العودة إليها مرتاح البال، فعندما تذكرها جال بباله ذكرى الماضي الحزين والحاضر المُبهج، أيام زفافهم، أيام سعادتهم بعد زفاف، لا يُصدق أنه بالأخير قد حصل عليها بعد عناء، المشقة التي أعقبها راحةٍ كبيرة وقد كانت هي الملجأ الأول والأخير عليه، وهو غمض العينين جال بباله أمواج البحر الأزرق حين تموج بداخل عينها، يرتفع موجها وينخفض وهو يظل أسير وغريق فيها لا يعلم متى ينفك أن يرتاح، بل هو بالفعل وجد الراحة ولكن حبها أحيانا يسبب له الأرق حين يظل يتأملها بأنها الراحة التي أتته بعد أيام، بل سنواتٍ عجافٍ من العذاب حين ظلت بعيدة عنه وظن انه لن يحصل عليها قط، حين غرق في أبحر الانتقام ظن أنه لن يقدر أن يحصل عليها فهذا بحر إن غرق به أحد بالتأكيد لن يخرج، ولكن جُعل له طاقة ربانية يخرج منها، فقد صدق حينما قال بأنه الحق ولن يتخل عنه، وبالفعل لم يفعل، فقد صمد حتى حصل على مبتغى نفسه، وقد وُضع القال المناسب إلى المقا المناسب، زفر أنفاساً تدل على راحة نفسه الشديدة، نهض من مكانه ونظر في ساعته وجد أن الساعة تخطت التاسعة مساءٍ، واليوم قد انقضى ثلاثة أشهر على زواجه، والاعتراف بالحب الذي لم يقل أو ينطفأ أبداً، فهما شُعلة ستظل مضاءة حتى يفينا، سار باتجاه سيارته ليسلك طريق العودة إليها، ولكنه لا يعلم لما دار في نفسه في ذلك الوقت شعور بأنه يود أن يصبح أباً، يحمل طفله بين يديه يدلله، يخبره كم يحبه، يُخبره عن معاناته تلك، ويحميه من أي أذى يُشعره بحمايته له، يتخذه سند صغير سيحول حياته إلى الأفضل بالتأكيد، زفر أنفاسه يُبعد عن نفسه تلك الفكرة المُتمنية التي لا يعلم أسيطول تحقيقها أو سيقصر، ومع عقله الشارد لم يشعر أنه قد خرج من البنى وها هو يقف أمام سيارته يفتح بابها مستعداً للركض إليها، حيث حبها، قاد السيارة يسابق الطريق والوقت في أن يصل إليها، يرمى على كتفيها أعباء ذلك اليوم الثقيل، وتبثه الأمان والراحة التي يحتاجها، مر وقت قليل حتى توقف بسيارته في فيلته، وتوجه صوب الداخل، استعجب من كون الطريق فارغ، والهدوء الذي يعم المنزل الذي دوما ما كان صاخباً بها، حين لم يجد أحد في المنزل، ورأى الظلام ينتشر فزع قلبه الراقد بين أضلعه، لا يعلم لما شعر بالخوف، الفقد من جديد، هرول إلى غرفته حتى رآها تقف خاشعةً بين يدي الله، وغرفته بها إضاءة خافتة، وطاولة صغيرة وبعض الشموع التي تبعث رائحة راحةً في نفسه، استعجب من كل هذا والخوف مازال ينهش في قلبه، ظل واقفاً في مكانه حتى تنهي صلاتها، فقد بدت له في حالة خشوعٍ تامة، ورأى الدمع فاض من عينها، وأخذت تُردد دعواتها
" .. اللهم أنك رحيم فاجعل الرحمة رفيقة دربه وأنت الستار فاجعل سترك حافظ سره اللهم أنك عفو فأعفو عنه اللهم لا تريني فيمن أحب سوء يا رحمن تألمت كثير فاجعل فرجي وفرحتي ف فرجه وفرحته اللهم لا ترني ف عائلة لم اجتمع معها الا قليلا سوء اللهم رحمة بنا وعلينا"
ابتسم داخله على دعواتها التي دوما ما تلحقه في سرائه وضرائه، عبق الحب الذي ينتشر بها، استقر على طرف الفراش ينتظر الوقت الذي ستفرغ فيه من صلاتها حتى يعلم ما سبب ذلك السكون الذي أصابه بالقلق، وما تلك الأجواء السعيدة، يعلم أنها لم تبخل عليه بالسعادة أبداً، ولكن اليوم يبدو مميزاً حقاً، رقد على الفراش بملابسه من شدة تعبه، ولكنه لم يغفو، ظل مستمتعاً بتلك الروائح التي تملأ المكان وترسل في نفسه الراحة من بعد تعب أعوامٍ.
قد فرغت من صلاتها واستدارت تُطالعه، وجدته يرقد غافياً على طرف الفراش، أخذت تتأمل ملامحه التي بدت لها مجهدةً حقاً، وضعت يدها على كتفه بهدوء تربت عليه، ولكنه لم يتحرك إذ ظل مغمض العينين، ظلت تنادي عليه وقد ركعت على ركبتيها تربت على كتفه في حنو:
_آدم، آدم استيقظ.
ظلت تُكرر فعلتها قليلاً حتى استيقظ بالفعل وهو يبتسم، وقد ضحك بخفوتٍ وقال:
_لي حبيبتي، قد صدقتِ أني قد نمت.
وتردد صوت ضحكاته في الغرفة المظلمة، زمت ليليان شفتيها بغضبٍ وقالت:
_أتضحك عليَّ آدم.
جذبها إليه حتى جلست جواره وقال:
_حاش من يفعل عكِ ذلك لي، ولكن تجيبيني ماذا يحدث عنها؟ ولما البيت فارغ عزيزتي؟ قد قلقت عليكِ كثيراً.
ابتسمت في وجهها وقالت:
_قبل أن أُجيبك أنت بالتأكيد لم تأكل شيءٍ من الصباح، سآتي بعشاءٍ خفيف، وأخبرك سراً.
وقد رحلت من أمامه بعدما ألقت في أمواج أفكاره يود أن يعرف أي سر تُخفيه جنيته الصغيرة، بينما هي هبطت إلى الأسفل وأعدت عشاءً خفيفاً وصعدت من جديد، تقدمت صوب غرفتها ووقفت على بابها رأته يقف في شرفة غرفتها يُراقب الليل الذي ستائره على الأرض، ولكنها متأكدة أن تلك المرة لم يبعث في نفسه أي خوف، وإنما هو الليل الذي يُسدل ستاره على العاشقين، اقتربت حتى وضعت العشاء على الطاولة وتقدمت منه، عانقت كفه بيدها، جذبته للداخل وهو لم يُصدر أية محاولة رافضة، فقد كان مستسلم لدفء يدها، جلست على مقعد أمام الطاولة وهو جوارها، شرعا في تناول الطعام دون أدنى حديث، مر وقت قليل كان بالفعل قد انتهيا من تناول الطعام، حملت الأطباق الفارغة وهبطت من جديد، وصعدت ولكن تلك المرة لم يكن بملابسه فقد بدلها لملابس بيتية بديلة، اتجهت إليه وجلست أمامه منكسة الرأس وقد بدا الخجل بادياً على وجهها، حاولت أن تتحدث ولكنها تشعر أن الكلمات غير قادرة على إسعافها للحديث، ابتلعت ماء حلقها حينما شعرت بجفاف وصمتت، ولكنه على الجانب الآخر كان يُراقب صمتها البادي بواضحٍ أمامه، أقلقه مظهرها القلق أمامه، عانق وجهها بيديه وقال:
_لي ماذا بكِ؟ لما أنتِ متوترة هكذا؟
زفرت أنفاسها التي حبستها داخل فمها لفترة طويلة ونهضت من مكانها واتجهت صوب خزنة بجوار السرير، فتحت الدرج الأول منها وأخرجت مظروفٍ صغير، همست أمام آدم بصوتٍ ظهر سعيدا خجولٍ له:
_لقد تحقق حلمك؛ بل حلمنا يا آدم.
لم يفهم ماذا تقصد، أو لم يشعر بأن أمنيته قد اُستُجيبت بمثل تلك السرعة، فتح الظرف وهو يجهل ما يمكن أن يكون به، ولكن منذ أن رأى المعلومات المدونة عليه حتى هلع، ظن أن بها شيء ما أو مريضة، رفع رأسه إليها في فزعٍ، ولكنها هزت رأسها بأنها بخير، وأشارت أن يفتح الظرف الذي بين يديه، فاستجاب بالفعل لها وفتحه، قرأ البيانات وأعاد قراءتها أكثر من مرةٍ، لم يصدق أن هذا قد حدث بالفعل، لا يُصدق أن حلمه قد تحقق بمثل تلك السرعة، أدمعت عيناه وهو يعيد قراءة البيانات، إنه تحليل حمل، ونتيجته إيجابيه، نهض من الفراش وعانقها بشدة ود لو أسكنها بين ضلوعها، يُقيم من حبها بداخله مقاماً لا يقدر أحد أن يصل إليه، أخرجها من عانقه حتى أوقفها أمامه، أمعن النظر إليها، وبداخل عينيه أكثر من سؤال قد أجادت قراءته، جذبته واتجهت إلى الشرفة، جلست على الأرجوحة الكبيرة نسبياً وأجلسته بجوارها، أخذت تقص عليه ما حدث معها، فبدأت الحديث قائلة:
_منذ عدة أيامٍ وأنا أشعر بتعبٍ وغثيان ودوار ظننت أنها ممكن أن تكون أنيميا، ولكن الغثيان جعلني أشك بأنها غير ذلك، بالإضافة إلى أشياء أخرى.
حمحمت ثم أكملت متجاهلة:
_ولكن بعد أن غادرت شعرت بتعبٍ أكبر، لذلك قررت الذهاب إلى معملٍ طبي وعمل تحليل حملٍ حتى اتأكد مائة بالمئة، وبالفعل قد فعلته، وقد كانت النتيجة، حلمنا بطفلٍ يكون سنداً لنا في الحياة آدم، لقد تحقق الحلم وستكبر عائلتنا الصغيرة.
توسدت كتفه وعانقها من جديد، وداخله يردد ألف كلمات الشكر إلى الله عز وجل بأنه قد استجاب بالفعل، جبر قلبه بفرحةٍ يتمناها أي أحدٍ.
*************************
قد مرت الأيام وأدرك سيف أنه لم يحب حور قط، بل أنه كان يتوهم الحب، توهم أبله جعله يذوق مرارة الخيانة، لا يصدق أنه كان رجل أهوج في مشاعره لم يستطع تحديد مشاعره الحقيقة، شعوره الذي وضعه في خانة ضيقة، فقد حبس نفسه في صندوق الخيانة هذا لفترةٍ قصيرة جداً، ولكنه استطاع الخروج منها حينما أدرك أنه لم يكن محباً، بل كان مجرد وهمٍ كمرضٍ خبيث يتمكن من صاحبه حتى يُذيقه من الألم أشده، يجعله يقوى ليقاوم من جديد، يقف على قدميه، يدرك كنه الحقيقي ورغباته، وبالفعل قد استطاع تحقيق ذلك حينما أدرك قلبه من يحب، ومن سيصون ذلك الحب، لم يشعر بنفسه إلا وهو يتقدم في اتجاه عمل حياة، يقف أمامها بأنفاسٍ لاهثة، ينظر لها يتشرب قلبه من ملامحها البريئة، حين وقف أمامها وجد الحزن بادياً على وجهها، والدموع تسللت من عينيها وأقامت وديان حزنٍ على خديها، اقترب منها بملامح هلعةٍ وقال:
_ما بكِ حياة؟ لما تبكين؟
جففت دموعها السائلة على خديها، وقالت:
_لا شيء سيد سيف، أنا بخير.
اقترب منها قائلا:
_لا حياة، أنتِ لستِ بخير، لكن سأتلاشى هذا الآن لأني سأٌثول ما أتيت من أجله، أنا أحبك حياة، أتقبلين الزواج بي، ولكن قبل أن تقولي أي كلمةٍ أنا لم أحب حور قط، بل كان مجرد إعجاب أبله تمكن مني، أقسم أني لم أحبها، إنما أنتِ، أنتِ هي حبيبتي، ذلك الغياب لم يكن حزناً على ما فعلته، بل حزنت على نفسي التي أضاعتكِ من بين يديها، كنت ألومها على جهلها بحبك، أكررها ثانية، أتقبلين الزواج بي حياة.
هزت حياة رأسها بنعمٍ بعدما أدركت صدق حديثه، بل أدركت صدق حبه الذي أحست به في صوته، لم يكن حديثاً فقط، بل توالك الأيام ونفى القول، وجعل من أفعاله خير شاهداً ومؤكداً على حبه لها، ظل ورائها أيامٍ وأيام حتى وافقت على الزواج به، أقام لها عرساً أسطورياً يتحاكى الجميع عنه، وعما فعله ذلك العاشق الذي تزوج امرأة قبلها، ولكن في عرسها هذا أشعرها وكأنها الأولى والأخيرة في حياته.
*************************
مرت الأيام بسعادةٍ على الجميع، ولكن عند ليليان وحلا كان الأمر أكثر جنونا، وكأن حملهما قد أخل من قواهم العقلية السليمة، أذاقا في أشهرهما التسعة آدم ويوسف طعم الجنون، ولكنه جنون بطعم الدفء والسكينة، كانا مرحبين بذلك من قلبيها، مرت أيام حملهما على خير حتى وضعت حلا تؤامين اسمتها آسر وأيهم، وبعدها بثلاثة أشهر قد وضعت ليليان طفلتين اسمتها جوري وجويرية.
قد سعدا يوسف وآدم كثيراً بأطفالهم، ومر أسبوعاً على وضع الطفلتين، أقاما لهما آدم حفلٍ ضخم قد أعد له جيداً، حضر الكثير من الأشخاص مباركين هذا الحب المُخلد منذ الصغر، مهنئين بالطفلتين داعين أن يكونا خير خلفٍ إلى والديهما، وقف آدم وسط أبويه، وأخيه الشقي أدهم الذي يركض خلف فتاة رآه لمرةٍ فأعجبته فطلب منها الزواج، ضحك الجميع عليه، بينما أخذ آدم يُردد في أذن حبيبته:
حبيبتي الحنونة
وعشيقتي المجنونة
وامراتي العطوفة
وطفلتي الصغيرة
وابنتي الأولي
أحبك
بعدد دقات القلب
أحبك
بعدد حبات المطر
أحبك امرأتي وسيدتي
وخير ما جاء به الرب
ليليان، أنا متيم بكِ، فقد عشقتكِ وأنا أوج الانتقام، فقد كنت منتقماً لكم.
جلس على مكتبه يريح ظهره إلى ظهر كرسيه، أراح ظهره للخلف حتى تدلى رأسه من على مقعده وأغمض عينه وتدلى كتفيه من تعب اليوم، فقد أُرهق كثيراً اليوم، فقد تراكم العمل عليه ولم يُصدق أنه انتهى حتى يقدر العودة إليها مرتاح البال، فعندما تذكرها جال بباله ذكرى الماضي الحزين والحاضر المُبهج، أيام زفافهم، أيام سعادتهم بعد زفاف، لا يُصدق أنه بالأخير قد حصل عليها بعد عناء، المشقة التي أعقبها راحةٍ كبيرة وقد كانت هي الملجأ الأول والأخير عليه، وهو غمض العينين جال بباله أمواج البحر الأزرق حين تموج بداخل عينها، يرتفع موجها وينخفض وهو يظل أسير وغريق فيها لا يعلم متى ينفك أن يرتاح، بل هو بالفعل وجد الراحة ولكن حبها أحيانا يسبب له الأرق حين يظل يتأملها بأنها الراحة التي أتته بعد أيام، بل سنواتٍ عجافٍ من العذاب حين ظلت بعيدة عنه وظن انه لن يحصل عليها قط، حين غرق في أبحر الانتقام ظن أنه لن يقدر أن يحصل عليها فهذا بحر إن غرق به أحد بالتأكيد لن يخرج، ولكن جُعل له طاقة ربانية يخرج منها، فقد صدق حينما قال بأنه الحق ولن يتخل عنه، وبالفعل لم يفعل، فقد صمد حتى حصل على مبتغى نفسه، وقد وُضع القال المناسب إلى المقا المناسب، زفر أنفاساً تدل على راحة نفسه الشديدة، نهض من مكانه ونظر في ساعته وجد أن الساعة تخطت التاسعة مساءٍ، واليوم قد انقضى ثلاثة أشهر على زواجه، والاعتراف بالحب الذي لم يقل أو ينطفأ أبداً، فهما شُعلة ستظل مضاءة حتى يفينا، سار باتجاه سيارته ليسلك طريق العودة إليها، ولكنه لا يعلم لما دار في نفسه في ذلك الوقت شعور بأنه يود أن يصبح أباً، يحمل طفله بين يديه يدلله، يخبره كم يحبه، يُخبره عن معاناته تلك، ويحميه من أي أذى يُشعره بحمايته له، يتخذه سند صغير سيحول حياته إلى الأفضل بالتأكيد، زفر أنفاسه يُبعد عن نفسه تلك الفكرة المُتمنية التي لا يعلم أسيطول تحقيقها أو سيقصر، ومع عقله الشارد لم يشعر أنه قد خرج من البنى وها هو يقف أمام سيارته يفتح بابها مستعداً للركض إليها، حيث حبها، قاد السيارة يسابق الطريق والوقت في أن يصل إليها، يرمى على كتفيها أعباء ذلك اليوم الثقيل، وتبثه الأمان والراحة التي يحتاجها، مر وقت قليل حتى توقف بسيارته في فيلته، وتوجه صوب الداخل، استعجب من كون الطريق فارغ، والهدوء الذي يعم المنزل الذي دوما ما كان صاخباً بها، حين لم يجد أحد في المنزل، ورأى الظلام ينتشر فزع قلبه الراقد بين أضلعه، لا يعلم لما شعر بالخوف، الفقد من جديد، هرول إلى غرفته حتى رآها تقف خاشعةً بين يدي الله، وغرفته بها إضاءة خافتة، وطاولة صغيرة وبعض الشموع التي تبعث رائحة راحةً في نفسه، استعجب من كل هذا والخوف مازال ينهش في قلبه، ظل واقفاً في مكانه حتى تنهي صلاتها، فقد بدت له في حالة خشوعٍ تامة، ورأى الدمع فاض من عينها، وأخذت تُردد دعواتها
" .. اللهم أنك رحيم فاجعل الرحمة رفيقة دربه وأنت الستار فاجعل سترك حافظ سره اللهم أنك عفو فأعفو عنه اللهم لا تريني فيمن أحب سوء يا رحمن تألمت كثير فاجعل فرجي وفرحتي ف فرجه وفرحته اللهم لا ترني ف عائلة لم اجتمع معها الا قليلا سوء اللهم رحمة بنا وعلينا"
ابتسم داخله على دعواتها التي دوما ما تلحقه في سرائه وضرائه، عبق الحب الذي ينتشر بها، استقر على طرف الفراش ينتظر الوقت الذي ستفرغ فيه من صلاتها حتى يعلم ما سبب ذلك السكون الذي أصابه بالقلق، وما تلك الأجواء السعيدة، يعلم أنها لم تبخل عليه بالسعادة أبداً، ولكن اليوم يبدو مميزاً حقاً، رقد على الفراش بملابسه من شدة تعبه، ولكنه لم يغفو، ظل مستمتعاً بتلك الروائح التي تملأ المكان وترسل في نفسه الراحة من بعد تعب أعوامٍ.
قد فرغت من صلاتها واستدارت تُطالعه، وجدته يرقد غافياً على طرف الفراش، أخذت تتأمل ملامحه التي بدت لها مجهدةً حقاً، وضعت يدها على كتفه بهدوء تربت عليه، ولكنه لم يتحرك إذ ظل مغمض العينين، ظلت تنادي عليه وقد ركعت على ركبتيها تربت على كتفه في حنو:
_آدم، آدم استيقظ.
ظلت تُكرر فعلتها قليلاً حتى استيقظ بالفعل وهو يبتسم، وقد ضحك بخفوتٍ وقال:
_لي حبيبتي، قد صدقتِ أني قد نمت.
وتردد صوت ضحكاته في الغرفة المظلمة، زمت ليليان شفتيها بغضبٍ وقالت:
_أتضحك عليَّ آدم.
جذبها إليه حتى جلست جواره وقال:
_حاش من يفعل عكِ ذلك لي، ولكن تجيبيني ماذا يحدث عنها؟ ولما البيت فارغ عزيزتي؟ قد قلقت عليكِ كثيراً.
ابتسمت في وجهها وقالت:
_قبل أن أُجيبك أنت بالتأكيد لم تأكل شيءٍ من الصباح، سآتي بعشاءٍ خفيف، وأخبرك سراً.
وقد رحلت من أمامه بعدما ألقت في أمواج أفكاره يود أن يعرف أي سر تُخفيه جنيته الصغيرة، بينما هي هبطت إلى الأسفل وأعدت عشاءً خفيفاً وصعدت من جديد، تقدمت صوب غرفتها ووقفت على بابها رأته يقف في شرفة غرفتها يُراقب الليل الذي ستائره على الأرض، ولكنها متأكدة أن تلك المرة لم يبعث في نفسه أي خوف، وإنما هو الليل الذي يُسدل ستاره على العاشقين، اقتربت حتى وضعت العشاء على الطاولة وتقدمت منه، عانقت كفه بيدها، جذبته للداخل وهو لم يُصدر أية محاولة رافضة، فقد كان مستسلم لدفء يدها، جلست على مقعد أمام الطاولة وهو جوارها، شرعا في تناول الطعام دون أدنى حديث، مر وقت قليل كان بالفعل قد انتهيا من تناول الطعام، حملت الأطباق الفارغة وهبطت من جديد، وصعدت ولكن تلك المرة لم يكن بملابسه فقد بدلها لملابس بيتية بديلة، اتجهت إليه وجلست أمامه منكسة الرأس وقد بدا الخجل بادياً على وجهها، حاولت أن تتحدث ولكنها تشعر أن الكلمات غير قادرة على إسعافها للحديث، ابتلعت ماء حلقها حينما شعرت بجفاف وصمتت، ولكنه على الجانب الآخر كان يُراقب صمتها البادي بواضحٍ أمامه، أقلقه مظهرها القلق أمامه، عانق وجهها بيديه وقال:
_لي ماذا بكِ؟ لما أنتِ متوترة هكذا؟
زفرت أنفاسها التي حبستها داخل فمها لفترة طويلة ونهضت من مكانها واتجهت صوب خزنة بجوار السرير، فتحت الدرج الأول منها وأخرجت مظروفٍ صغير، همست أمام آدم بصوتٍ ظهر سعيدا خجولٍ له:
_لقد تحقق حلمك؛ بل حلمنا يا آدم.
لم يفهم ماذا تقصد، أو لم يشعر بأن أمنيته قد اُستُجيبت بمثل تلك السرعة، فتح الظرف وهو يجهل ما يمكن أن يكون به، ولكن منذ أن رأى المعلومات المدونة عليه حتى هلع، ظن أن بها شيء ما أو مريضة، رفع رأسه إليها في فزعٍ، ولكنها هزت رأسها بأنها بخير، وأشارت أن يفتح الظرف الذي بين يديه، فاستجاب بالفعل لها وفتحه، قرأ البيانات وأعاد قراءتها أكثر من مرةٍ، لم يصدق أن هذا قد حدث بالفعل، لا يُصدق أن حلمه قد تحقق بمثل تلك السرعة، أدمعت عيناه وهو يعيد قراءة البيانات، إنه تحليل حمل، ونتيجته إيجابيه، نهض من الفراش وعانقها بشدة ود لو أسكنها بين ضلوعها، يُقيم من حبها بداخله مقاماً لا يقدر أحد أن يصل إليه، أخرجها من عانقه حتى أوقفها أمامه، أمعن النظر إليها، وبداخل عينيه أكثر من سؤال قد أجادت قراءته، جذبته واتجهت إلى الشرفة، جلست على الأرجوحة الكبيرة نسبياً وأجلسته بجوارها، أخذت تقص عليه ما حدث معها، فبدأت الحديث قائلة:
_منذ عدة أيامٍ وأنا أشعر بتعبٍ وغثيان ودوار ظننت أنها ممكن أن تكون أنيميا، ولكن الغثيان جعلني أشك بأنها غير ذلك، بالإضافة إلى أشياء أخرى.
حمحمت ثم أكملت متجاهلة:
_ولكن بعد أن غادرت شعرت بتعبٍ أكبر، لذلك قررت الذهاب إلى معملٍ طبي وعمل تحليل حملٍ حتى اتأكد مائة بالمئة، وبالفعل قد فعلته، وقد كانت النتيجة، حلمنا بطفلٍ يكون سنداً لنا في الحياة آدم، لقد تحقق الحلم وستكبر عائلتنا الصغيرة.
توسدت كتفه وعانقها من جديد، وداخله يردد ألف كلمات الشكر إلى الله عز وجل بأنه قد استجاب بالفعل، جبر قلبه بفرحةٍ يتمناها أي أحدٍ.
*************************
قد مرت الأيام وأدرك سيف أنه لم يحب حور قط، بل أنه كان يتوهم الحب، توهم أبله جعله يذوق مرارة الخيانة، لا يصدق أنه كان رجل أهوج في مشاعره لم يستطع تحديد مشاعره الحقيقة، شعوره الذي وضعه في خانة ضيقة، فقد حبس نفسه في صندوق الخيانة هذا لفترةٍ قصيرة جداً، ولكنه استطاع الخروج منها حينما أدرك أنه لم يكن محباً، بل كان مجرد وهمٍ كمرضٍ خبيث يتمكن من صاحبه حتى يُذيقه من الألم أشده، يجعله يقوى ليقاوم من جديد، يقف على قدميه، يدرك كنه الحقيقي ورغباته، وبالفعل قد استطاع تحقيق ذلك حينما أدرك قلبه من يحب، ومن سيصون ذلك الحب، لم يشعر بنفسه إلا وهو يتقدم في اتجاه عمل حياة، يقف أمامها بأنفاسٍ لاهثة، ينظر لها يتشرب قلبه من ملامحها البريئة، حين وقف أمامها وجد الحزن بادياً على وجهها، والدموع تسللت من عينيها وأقامت وديان حزنٍ على خديها، اقترب منها بملامح هلعةٍ وقال:
_ما بكِ حياة؟ لما تبكين؟
جففت دموعها السائلة على خديها، وقالت:
_لا شيء سيد سيف، أنا بخير.
اقترب منها قائلا:
_لا حياة، أنتِ لستِ بخير، لكن سأتلاشى هذا الآن لأني سأٌثول ما أتيت من أجله، أنا أحبك حياة، أتقبلين الزواج بي، ولكن قبل أن تقولي أي كلمةٍ أنا لم أحب حور قط، بل كان مجرد إعجاب أبله تمكن مني، أقسم أني لم أحبها، إنما أنتِ، أنتِ هي حبيبتي، ذلك الغياب لم يكن حزناً على ما فعلته، بل حزنت على نفسي التي أضاعتكِ من بين يديها، كنت ألومها على جهلها بحبك، أكررها ثانية، أتقبلين الزواج بي حياة.
هزت حياة رأسها بنعمٍ بعدما أدركت صدق حديثه، بل أدركت صدق حبه الذي أحست به في صوته، لم يكن حديثاً فقط، بل توالك الأيام ونفى القول، وجعل من أفعاله خير شاهداً ومؤكداً على حبه لها، ظل ورائها أيامٍ وأيام حتى وافقت على الزواج به، أقام لها عرساً أسطورياً يتحاكى الجميع عنه، وعما فعله ذلك العاشق الذي تزوج امرأة قبلها، ولكن في عرسها هذا أشعرها وكأنها الأولى والأخيرة في حياته.
*************************
مرت الأيام بسعادةٍ على الجميع، ولكن عند ليليان وحلا كان الأمر أكثر جنونا، وكأن حملهما قد أخل من قواهم العقلية السليمة، أذاقا في أشهرهما التسعة آدم ويوسف طعم الجنون، ولكنه جنون بطعم الدفء والسكينة، كانا مرحبين بذلك من قلبيها، مرت أيام حملهما على خير حتى وضعت حلا تؤامين اسمتها آسر وأيهم، وبعدها بثلاثة أشهر قد وضعت ليليان طفلتين اسمتها جوري وجويرية.
قد سعدا يوسف وآدم كثيراً بأطفالهم، ومر أسبوعاً على وضع الطفلتين، أقاما لهما آدم حفلٍ ضخم قد أعد له جيداً، حضر الكثير من الأشخاص مباركين هذا الحب المُخلد منذ الصغر، مهنئين بالطفلتين داعين أن يكونا خير خلفٍ إلى والديهما، وقف آدم وسط أبويه، وأخيه الشقي أدهم الذي يركض خلف فتاة رآه لمرةٍ فأعجبته فطلب منها الزواج، ضحك الجميع عليه، بينما أخذ آدم يُردد في أذن حبيبته:
حبيبتي الحنونة
وعشيقتي المجنونة
وامراتي العطوفة
وطفلتي الصغيرة
وابنتي الأولي
أحبك
بعدد دقات القلب
أحبك
بعدد حبات المطر
أحبك امرأتي وسيدتي
وخير ما جاء به الرب
ليليان، أنا متيم بكِ، فقد عشقتكِ وأنا أوج الانتقام، فقد كنت منتقماً لكم.