الفصل السادس

سيدة الحظ.


تذكر فينغ لين أن تلك المرأة التي أمامه كانت جارة والده أثناء دراسة الأول للثانوية هنا. لم يستطع التعرف عليها من فوره، فلم يكن يمكث مع والده لكونه طالب مقيم في الحرم الجامعي، يخرج فقط من حين لأخر لأداء بعض الأعمال ، ولم تأته الفرصة لزيارتهما كثيراً.
تمشى فينغ لين بخطواته الشجاعة إلى داخل البيت لتتبعه ريونغ سريعاً مقتربةً منه، وهي تشعر بالغرابة والقلق فلم تعتاد على هذه الأمور بعد. جزعت لرؤية عدد الأشخاص المتواجدين بهذه الغرفة، بدى لها الجمع شريراً، فقد كانوا ضخام البنية وشرسين للغاية مما أرسل رعدة في أوصالها ، بقت تناظر فينغ في حيرةٍ من أمرها فلا فرصة لهُ أمامهم كما ترى.

"هي فينغ تصرف بسرعة"
همست بجانب أذنه تحثه على التركيز ، فعلى الأقل عليه تقدير عددهم أمامه وحيد ووضع خطه للهروب!

"استمروا بالعمل !!"
صرخ أحدهم يُخاطب وفد الرجال بالداخل ولم يكن هناك سوى رجلٌ ضخم ذو وجه مُستدير وقاتم وبجانبه كان قد لمح فتى يتعرض لـ الركل، ليطالعهم فينغ بلا مبالاة وكإن الأمر لا يعنيه.
حسم فينغ أمره ليمسك بيد ريونغ القريبة منه متراجعاً بخطواتٍ سريعة، فإن قاتلهم فينغ هنا سوف تكون الخسائر وخيمة قد تترك أثر على أثاث منزل العمة على أقل تقدير.
ما كاد فينغ أن يخرج إلا وعدد زهيدٍ من الرجال تبعه على عجل، أغلق اثنين منهم البوابة ليحاصره البقية بعدما لحقا بهما بقية الرجال بهدوء.
من تمركزهم أدرك فينغ إن قائدهم هو صاحب الوجه المستدير الممتلئ ، ليس طويل القامة ولكن القوة باديه على بنية جسده الضخم.
"أتدرك من أنا حتى تحاول التدخل في شؤوني وشؤون رجالي؟!"
ابتسم فينغ لين في استحقار أغضب المتباهِ أمامه قائلاً:
"هل أنت مختل عقلياً؟! إن لم تقل اسمك فكيف لي أن أعرف؟!!"

ابتسمت ريونغ بعدم تصديق، عجزت عن الكلام لوخزه متمنيةً إبراحه ضرباً!
لابد من أن الرجل بجانبها بلغ أقصى درجات الغباء! كيف له أن يحاول إغضابهم في وقتٍ كهذا!!

استقرت عيني لانغ على ريونغ بدلاً عن فينغ مجدداً لكي تثير انتباهه. ما كاد أن ينطق مجدداً حتى بصوت يداهم أذنيه ناطقاً "كفى"
ولم يكن سوى تانغ التي تتكئ على الجدار بصعوبة
نطقت بحيره من أمرها سائلةً الرجل الطويل أمامها
"هل أنت فينغ لين"
إبتسم لها فينغ بدفيء ليبادر بكلماته مخاطباً:
"عمتي تانغ! لم أرك منذ وقتٍ طويل"
رحب بها ليشحب وجه تانغ مجدداً بينما تخطو اتجاه لانغ بصعوبة
وقفت أمامه لتخفض رأسها بينما تتوسله " سيد لانغ أرجوك أتركهم يذهبوا، عملك معي أنا لا دخل لهم بذلك"
أمسك لانغ بياقتها بعنف بينما يصرخ بوجهها قائلاً :
"من أنتِ لتعلميني ما أفعل!"
لم تستحمل ريونغ ما يحدث أمامها لتصرخ بينما تحمل ملامحها برودها المعتاد:
"ماذا تفعل؟! أتركها وإلا سأتصل بالشرطة!"
لم تتغير ملامح لانغ ولم يبدي عليه الخوف إطلاقًا ليرد عليها بذات برود ملامحها الجميلة:
"يمكنك الاتصال ولكن هي من سيعاقب، زوجها كان يقامر، إنه مدينٌ لي بثلاثمائة ألف يوان! وقد قاد سيارته إلى النهر وغرق قبل شهرٍ أثناء ثمالته ، أنا أطالب بمالي ليس إلا!"
تحدث ملقياً بكلماته دون مبالاةٍ للمرأة التي تحطم قلبها جراء كل كلمةٍ يقولها بينما اغرورقت عينيها بالدموع المالحة

نظرت له ريونغ بشرود بينما تتمتم :
"إنهم فقط ثلاثمائة ألف.."
لم تكمل ريونغ كلماتها لتنفي برأسها فلم تعد ريونغ الغنية بعد الآن، ليس لديها سوى مئتي يوان، وعليها مساعدة نفسها قبل أن تفكر في مساعدة الأخرين..

عبس فنغ لين قليلاً متذكراً أن زوج تانغ بالفعل كان سيئاً ومدمناً، تنهد بعمق مفكراً ،أنهم مدينون لهم بثلاثمائة يوان، حتى لو قاتلهم سيأتون مجدداً بالتأكيد وبشكلٍ أعنف بينما هو يريد حل المشكلة جذرياً.

قهقه فينغ فجأةً ملفتاً له الأنظار ليقول فوراً:
"سيد لانغ أتقصد إنه يوجد نادٍ للقمار هنا؟!"
تساءل مدعياً الاهتمام ليومئ له الأخر قائلاً:
"نعم ، أتحب المقامرة أيضاً ؟" تساءل بينما يحدق فيه عن كثب ليجيبه الأخر بدوره:
"ألعب أحياناً عندما أشعر بالملل، أيمكنك أخذي إلى هناك؟"
ناظره الأخر ببرودٍ بينما يرفض طلبه ببساطة
"لا ، عملنا لم ينته بعد."
أشار بأصبعه إلى تانغ بلامبالاة ليحادثه فينغ بثقة مسلطاً نظراته الحادة اتجاهه:
"أوه إنها مدينة لك بالمال، سأعطيك إياه"
أحاط بيده حول خصر ريونغ بينما يطالعه بابتسامه ليكمل حديثه قائلاً:
"أخرجي المحفظة"
صكت ريونغ على أسنانها بحنق، أنما لم تستطع الاعتراض أمامهم الآن، أخرجت محفظتها السوداء وسحبت بطاقتها الائتمانية المحجوزة.
أخذ فينغ البطاقة وسأل بابتسامة، "للأسف ليس لدي الملايين في يدي، جميع المال في البطاقة لا أعتقد بأنني مؤهل للعب"
حكَّ لانغ ذقنه مقطباً حاجبا، وفكر عند رؤيته لتلك البطاقة أنها بطاقة لا يمتلكها إلا الأغنياء، ولابد من إنه منهم ولا سيما المرأة بجانبه هي فاحشة الثراء بلا شك ، عليه استغلالهما!
كان فينغ يعلم ما يفعل تماماً، هو يفتقر للمال على أية حال، وسيفوز بأربعة أو خمسة ملايين ويرتاح من ناحية المال في أسرع وقت! سيذهب إلى مدينة صغيره وجميلة وينتقل متمتعاً بالمال.

"حسناً إذاً لا بأس لنذهب للنادي ، تعال وخذ تانغ معك"
لوح لانغ بيده نهاية حديثه مبتسماً بخبث
ناظرته ريونغ بعدم تصديق لتقرص خصره سراً بينما تهمس: "هل جننت؟ لقد حصل زوجها على عشرةً رهانات وخسر في تسعة ، أنظر لابتسامته لابد من أنه مخادع وسيفوز!!"
تقدمت تانغ من فينغ ممسكتاً بدراعه ، بينما تنهمر الدموع من مقلتيها بتوافد "فينغ، لا دخل لك بهذا الموضوع ، أرجوك أذهب وأهرب".
أمسك فينغ بيدها بينما يبتسم لها محاولاً بث الطمأنينة في روحها
"استرخي، لا بأس لطالما كان حظي جيدا".

...

سلكوا طريقهم في هذه القرية بمدينة جيانغ، في الواقع القرية ليست بتلك القرية كبيرة، فقد وصلوا لذلك المصنع المهجور بعد تجاوزهم بضعة طرق صغيرة.
وأثناء الدخول إلى المصنع، لمحوا خمس طاولات بلياردو متموضعة بترتيب، ويحتل كل طاولة مجموعة متوسطة من الأشخاص. كانوا يبدون في شدة الغضب والصخب ويملأ أعينهم الحقد ويستوطن بعض وجوههم الدماء.

"لقد عاد لانغ!"
صاح أحدهم بعلوٍ لتنجذب الأنظار اتجاه المخاطب وتعلو التمتمات بينهم.
"تباً لقد عاد مع ضحية جديده و شابة جميلة!"
حل الصمت وانتقلت الأنظار فوراً لريونغ عندما ظهرت خلف فينغ، ظلوا يحدقون بها بصدمة، هل ستكون ضحية لانغ هي أيضاً؟
"ابتعدوا عن الطريق، سيكون لدينا جولة مثيرة اليوم لنصنع طاولة"
تحدث أحدهم بينما يجهز الطاولة لـ لانغ الذي تقدم بجبروته وجلس على الكرسي الضخم في الوسط، تقدم وفد الرجال مقتربين من الطاولة يريدون رؤية الإثارة التي ستحدث فــلانغ يبدو جدياً بخصوص هذه المنافسة على غير العادة.

"هيا تقدم وأجلس أنت ضيف وعلينا أن نكرمك؟"
تحدث لانغ بابتسامته المعتادة ذات الخبث المتغلغل بزواياها بينما يُشير للألعاب على الطاولة.

جلس فينغ ليسحب ريونغ ناحيته لتقع جالسة في حضنه:
"تعالي إلى هنا يا جالبة الحظ"
ابتسم لها فينغ بينما يغمز بمرح ليحمر وجهها بينما تتمنى قتله في مخيلتها، فهذا الوغد يتعمد إحراجها، حاولت أن تتمالك أعصابها ففي الوضع الحالي لا يمكنها الانتقام منه.
استمرت أعين الحقد تنهال على فينغ بالنظرات حاسدين امتلاكه لامرأة جميلة كريونغ بينما أستمر فينغ بالنظر إليها متجاهلاً إياهم
"فقط القي النرد، اللعب بسيط وسهل، هذا النرد مناسب يمكنكِ تذكره بسهولة أفضل من الكبير"
أشار فنغ لين إلى النرد المجاور له بينما يلقي عليها قوانين اللعبة، لقد تعلم هذه اللعبة من والده عندما كان عمره سبع أو ثماني سنوات. هو يستطيع أن يتحكم في الرقم الذي يريده أن يخرج بطريقة هزه ليده فقط.
ذكاءه لا يمزح…

" أحب هذا النوع من الألعاب التي لا تحتاج إلى التفكير!"
نطق لانغ مقهقهاً بصخب لترتفع القهقهات بأرجاء المكان، كلماته صحيحة لعبة النرد سريعة للغاية ، حتى وإن أردت الفوز ببضعة ملايين، إن حالفك الحظ ستفعلها في وقتٍ قصير، وبالطبع أهم قانون في هذه اللعبة ألا تتجرأ على الغش أبداً
ربت فينغ على ظهر ريونغ بابتسامة صغيرة محاولة منه لمدّ بعض الأمان لها.
"لا بأس أنا هنا، ثقي بي وكل ما عليك فعله هو وضع مائة يوان وإلقاء النرد"
وعلى الرغم من أن ريونغ لم تكن على استعداد للأمر، إلا أنها أخذت مائة يوان من محفظتها ووضعتها على الطاولة واثقة في كلمات الأخر لها، بطريقة ما هي تشعر بالأمان معه.
سيكون عليها إلقاء ثلاثة نرود ومحاولة صنع رقم يرمزون له بالنمر!!
وضع لانغ المائة يوان خاصته في وسط الطاولة ناطقاً " الجولة الأولى تفوز أو تخسر".
"حسنا لنبدأ الأن" تمتم فينغ ليبتسم لانغ مشعلاً سيجارة واضعاً إياها بين شفتاه ليزفر سمها ببطيء
سحب النرود وأعطى لفينغ ثلاثة وأنبوب من الخيزران لرجهم دون غش، وقد جاء وفد الرجال مراقبين الوضع من حولهم بحماس.
قرر فينغ استخدام المائة يوان لاختبار الوضع وبعد ذلك سيبدأ في اللعب الحقيقي..

بدأت الجولة لتهز ريونغ أنبوبها ليهز لانغ بعدها الأنبوب بقوة اثنتي عشرة مرة ووضعها على الطاولة بحذر.
انحنى بعدما أخذ نفساً من السجائر وقال بابتسامة: "سأفتحها أولاً !"
التقاط أنبوب الخيزران، ليفتحه محدقاً بالنرود، نقاطه كانت اثنان واثنان وثلاثة، أي سبع نقاط تحديداً.
هذه هي طريقة فينغ؛ أولاً إنه لا يغش أبدا بل يفوز دائماً وبنزاهة وسيدع الخصم يفوز فالبداية، ثم سيبدأ في إظهار مهاراته الحقيقية.
ابتسم فينغ بجانبية بعدما ناظر العدد أمامه ليخاطب الأخر قائلاً:
"يبدو إنك لست محظوظاً اليوم، لقد حصلت على سبعة فقط"
" لا بأس هذه المائة ليست بالشيء الكبير."

انتقلت أنظار الجميع من حولهم إلى فينغ ليبتسم منادياً:
"السيدة الجالبة للحظ، تعالي افتحي!" ابتسم فينغ مشجعاً المترددة على أحضانه لتبتلع ريقها بتوتر، فهي حتى لا تعرف لمَ تشعر بتوتر جسيم فقط بسبب مائة يوان!
زفرت بحده لتلتقط أنبوب الخيزران بتأني، وفتحته بترقب لتطالع الأرقام بصمت
واحد، واحد، اثنان.
حصلت على أربعة فقط.

"أنا سأذهب، أنظر لقد حصلت على أصغر نقاط!"
تحدثت في انفعال تناظر فينغ بانزعاج
"ليست الأقل إذا تم استبدال الاثنين بواحد عندها ستكون الأقل"
حاول فينغ طمأنتها بقوله ليقاطعه لانغ مقهقهاً:
"يا الهي حصلت على أصغر نقطة ولا تزال تناديها بالجالبة للحظ"
سخر لانغ بينما يضحك بشدة ليلحقه بقية الرجال ضاحكين بصخب.
أحتدت ملامح ريونغ بينما تطالعهم بغضب، لتتقدم تانغ ذات الملامح المرهقة ممسكةً بذراع فينغ
"بني هذا يكفي، لا تراهن أكثر، لا علاقة لك بهذه المشكلة"
قاطعها لانغ بينما يضرب بيده الطاولة
"اخرسي!!"
أشار لها بغضب وهو يهدر: "لابد من إنك لا تعلمين إني أعرف ابنتك التي في الكلية وأعرف أين تدرس, التزمي الصمت لتحافظي على سلامتها!"
شحب وجه تانغ وارتجفت يداها بينما تضغط عليهما بقوة، ولم تجرأ على النطق بكلمة واحده بعد ذلك..
ورغم ذلك ، ابتسم فينغ مسترخياً فقد تعرف على طريقة الأخر في اللعب وذكاءه المحدود.
"ريونغ أعطني المائة الأخرى!"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي