الفصل السابع و العشرون

عاد اسعد كعادته السابقة محمل بالكثير من الحقائب للمشتريات .. من سعادته بعودة غدير و فرحة للبيت لم يترك شيئا لم يشتريه ..
حتي انه رص كل ما ابتاعه بمكانه بيده و هو يشعر براحة افتقدها لايام مع غيابهم ..
لم يترك نافذة مغلقة ترك للشمس التجول بكل ركن بالبيت مع حركتها .. و نثر من معطر البيت بكل مكان ..
تمددت غدير بألم على فراشها بينما اسرعت فرحة قائلة بقلق و هي ترى كظمها لتأوهها :
_ غدير احط لك مخده ورا ضهرك يا حبيبتي .. ولا انتي مرتاحه كده طمنيني شيفاكي بتكتمي المك .
أومأت غدير برأسها بوهن و اسندت رأسها علي الوسادة و قالت بألم :
_ ايوه يا ماما انا مرتاحه كده .. حطيلي مخدة تحت رجلي بس ارفعيها و اديني المسكن عشان اعرف انام رجلي بتوجعني جدا كأن ماية نار بتمشي فيها و مش قادرة استحمل خالص .
جلست فرحه بجوارها و وضعت الوسادة تحت قدمها بحرص و دثرتها و هي تقول بلوم و نبرة مرقة :
_ يا حبيبتي انت بتاخذي مسكنات كتير جدا حدا وده غلط على الكلى .. لازم تستحملي شويه هو انتي صغيرة عالزن ده .. انا هروح اعمل لك دلوقتي حاجه تاكليها وشويه شوربه دافيين كده وبعد كده ان شاء الله في ميعاد الدوا هاديكي المسكن يا فرفورة هانم انتي .
وقفت ايمان بجوار فراشها و هي تحمل قطعة قماش تستعملها في ازالة الاتربة عن الاثاث و قالت بإمتعاض و ضيق من دلالها :
_ بطلي دلع بقى يا غدير كل شويه مسكن مسكن اجمدي كده في ايه زهقتينا .. لو طفل صغير هيستحمل مش عارفه يا طنط بنتك دي فرفوره قوي علي فكرة .
ابتسمت غدير بصعوبة و قالت بمزاح و هي تكظم ألمها :
_ مش هتقدري تقولي الكلمتين دول و انا سليمة يا ايمان .. بس عشان مش قادره هسيبك تقولي اللي انتي عايزاه سماح بس مسيري هروق و ساعتها قابلي مني يا قطة يا جامدة انتي .
تعالت ضحكات ايمان التي حركت معها قلب ذلك الجالس بالخارج و يتابع التلفاز براحة و شعور زاد و امتلأ و فاض به .. بينما قالت لها ايمان بصدق :
_ كل اللي انتي عايزاه اعمليه و زيادة عنه كمان يا ستي ده يوم المني .. انا كنت بتمنى تفتحي عينيكي بس او عملي كل اللي انتي عاوزاه اضربيني و اعملي اللي انت عايزه بس ارجعي تاني كويسه .
ارسلت لها غدير قبلة بالهواء جعلت ايمان تبتسم بسعادة و اردفت قائلة بثبات :
_ على فكره انا هجيب الكتب وكل المحاضرات اللي انا هاخذها الفتره الجاية دي كلها هتذاكريها معايا و هنشوف بقى ايه اللي هيحصل بعد نومتك دي .. انا هاسال في الجامعه واشوف سيستم الامتحانات هيمشي ازاي لان انتي ممنوعة من الحركة فترة كبيرة .. هنشوف الدنيا فيها ايه وهعرفك ولو ما قدرتيش قدمي اعتذار السنه دي وخلاص الجايات افضل .
دلف اسعد للغرفة و تابع حديثهم و قال بتأكيد و هو يجلس بجوار فرحة بأريحية :
_ انا بحاول والله برضه اشوف لها حل لموضوع الجامعه ده .. المهم ان هي نورت بيتها وخلاص و مش عاوز من الدنيا حاجة تانية .
وزعت غدير انظارها بين فرحة و اسعد الجالس جورها بأريحية جعلت فرحة تتصنع الهدوء لتقول هدير بإبتسامة رائقة و اطمئنان :
_ نورتي بيتك يا ماما .. عشان خاطري ما تسبنيش ثاني انا من غيرك كنت تايهه ما كنتش عارفه انا بعمل ايه او ايه اللي بيحصل حواليا .. كنت زي الغرقانه طفله صغيره وتاهت من مامتها ومشيت هي الطريق لواحدها .. اوعي تسيبيني تاني علشان خاطرى .
ملست فرحه علي وجنتها و قالت بحنو اموى منافي لجميع ما تريده و كانت قد قررته من قبل ..
_ ما تخافيش يا غدير مش هسيبك تاني ابدا .. الحمد لله يا حبيبتي انك بخير وكويسه وهو ده اللي انا عاوزاه و بفكر فيه دلوقتي .. انتي اهم من اي حاجة يا قلب ماما .
جذبت ايمان فرحة من ذراعها و قالت بمداعبة مازحة بعدما استشفت تلك الدعات بعيني فرحة و قد قررت ان تقطع حزنه قائلة :
_ طب تعالي بقى بينا يا طنط نروح احنا المطبخ نعمل لها كده حاجه تاكلها وهاوريكي بقى قدراتي ومهاراتي في الطبيخ عشان تعرفي ان انا ست بيت شاطره مش زي بنتك الفاشلة دي اللي ما بتعرفش اتعمل غير مكرونهوايت صوص .. تعالي معايا و بس اقعدي وانا هعمل كل حاجه لانك تعبتي اليومين دول وبقا لك كام يوم ما نمتيش .
وقفت فرحة معها بتثاقل و قالت بتأكيد واهن :
_ معاكي حق و الله يا ايمان .. انا عندي انا اتعب و همل لا بيتعبوني معاهم و الله .
سحب اسعد جسده و جلس مكان فرحو و حمل كف هدير و قبله و قال بدمعاته لاول مرة بحياته امامها :
_ سامحيني يا غدير عشان خاطري انا السبب في كل اللي حصل والله العظيم انا غلطان و معترف بغلطي بس كل اللي انا عايزه منكم انكم تسامحوني وخلاص .
تمسكت غدير بكفه و قالت مسرعة :
_ يا بابا انا مليش غيرك وما مليش غير ماما كلنا بنغلط وموقف وحصل وخللص وانا وسليم ما نقدرش نزعل منك ولا من ماما بس المشكله الكبيره انه ماما تقدر تسامحك .
التفت اسعد ناحية فرحة و طالع لا مبالاتها و تطلعها بالاشيء و قال بتمني و هو يملأ عينيه بملامحها البريئة مثلها :
_ وانا هعمل المستحيل عشان هي تسامحني .. هعمل لها كل اللي هي عايزاه لو مش عايزاني اكون معاها هنا ممكن اسيب البيت وامشي والله .. بس هي هتفضل في وسطكم .
وقفت ايمان متعجبة من استرسالهم لمشاكلهم امامها ببساطة ففطنت انهم يعتبرونها فردا من العائلة فإبتسمت بخجل .. بينما قالت غدير بسعال خفيف و تأوهات من حركتها :
_ ما فيش حد هيمشي من البيت ده خلاص يا بابا ..بقول لك ايه يا بابا ما تديني مسكن من ورا وراهم و لا كأنهم واقفين انا تعب و الله و هموت و انام و هما بيعملوني كأني اسيرة حرب في ام البيت ده .
تعالت ضحكاهم جميعا علي مزحتها ليقول اسعد بمداعبة :
_ اسعد لا طبعا انا مش هعمل حاجه من ورا ماما تاني ابدا .. واتفضلي بقى حاولي تنامي شويه يلا يا حبيبتي و انا هخرج اقعد مع سليم برة شوية وحشني عاوز اعرف عامل ايه في دنيته ما هو ابني زيك .
قطبت غدير حاجبيها و قالت بتعجب :
_ ليه هو سليم هنا المفروض انه نزل ؟!
وقف اسعد و هو يقول بنظرات ذات مغزى و علي ثغره ابتسامة ماكرة :
- كان مع يوسف بيشتروا شويه طلبات كنت قايلهم عليها .. على فكره الولد ده بيحبك بجد بس يخلص الامتحانات انا موافق ان هو يجيب والده ويجي يتقدمولك .
تعالت ضحكات ايمان مجددا فصفع سليم مقدمة رأسه و هدأ شيطانه لتقول هي بمزاح ساخر :
_ تخيلي يا غدير تتخطبي من روميو محطم قلوب العذاري وانتي متدشدشه كده و شبه المومياء .
رفعت غدير عيناها بملل علي مزحتها السخيفة و قالت ببديهية :
_ لا مافيش خطوبة و لا حاجة من دي الا لما ابقى كويسه تماما .
لفت ايمان ذراعها حول كتفي فرحة و غمزت لها بمكر و سألت غدير بفضول مازح :
_ نفهم من كلامك انك موافقة علي الخطوبة و علي سي روميو كمان مش كده ؟!
ابتسمت غدير بخجل و هزت رأسها بيأس و طالعت اسعد و سألته بترقب :
_ قولي يا بابا .. بجد حضرتك شايف ان هو بيحبني بصدق و لا مجرد بنت مقدرش يوصلها فهيرتبط بيها و خلاص ؟!
اسرع اسعد قائلا بثقة و ثبات :
_ انا متاكد ان هو بيحبك و بيحبك جدا كمان .. يا غدير ده كن بيذاكر وهو قاعد قدام باب اوضتك في المستشفي .. ما شفتش حد بيحب حد كده .. رغم انه هو و اصحابه كانوا قالبين المستشفى كافيه و مواقفينها على رجل لما كانوا يقعدوا معاه بس سبحان الله بيحبك قوي .. واهله ناس محترمين وباباه حد محترم جدا لو انتي موافقه يبقي تمام .. بس ما فيش جواز الا بعد امتحاناتك يا ماما لما تتخرجي ابقى اتجوزي ماشي .
تحولت انظارهم جميعا ناحيتها بإنتظار ردها فجذبت الغطاء فوق راسها هربا من عيونهم و قالت :
_ يا بابا اللي حضرتك تشوفه انا هانام شويه زي ما انت قلت يمكن ارتاح من الوجع ده .
ضحكوا علي خجلها و خرجوا و تركوا لها الغرفة كي ترتاح قليلا ..

دلف سليم لغرفته كي لا تشعر ايمان بالحرج من وجوده و ارتمي علي فراشه و وضع ذراعه تحت رأسه و اغلق عينيه قليلا لربما يغفو و يريح جسده من تعب الايام السابقة ..
و ما ان بدأت عينيه في الانغلاق و انزلاق روحه للنوم علا رنين هاتفه ففتح عينيه مذعورا و حمل الهاتف و طالع شاشته ليمتعض وجهه و اجاب الاتصال قائلا بضيق :
_ هو انا مش هخلص منك يا ابني انت .. حرام عليك ابعد عني شوية كنت لسه هدخل في النوم .
اتاه صوت يوسف قائلا بتلهف :
_ مافيش قدامي غيرك انت يا سليمفإستحمل زني بقا .. اخبار غدير ايه طمني عليها بقيت احسن ولا لسه بتتوجع ؟!
حاول سليم فتح عينيه عنوة مقاوما للنوم الذي يداعبه و قال بهدوء :
_ ايوه والله بقت كويسه على الاقل باديه شويه تتكلم وترخم و تغلس و لسانها طول عالكل فما تقلقش هي كده بقت كويسه طالما عملت كل ده .
ساد الصمت لثواني حتي قال يوسف بنبرة حزينة :
_ وانا كده خلاص مش هاشوفها تاني .. انا اتعودت اشوفها كل يوم و لو من بعيد .
استلقي سليم علي جانبه و قال بتعب :
_ هو الاكيد يا يوسف الاكيد انك مش هتشوفها طبعا .. في المستشفى كان في بعض الاستثناءات و المساعدات الخارجي .. عشان كنا في المستشفى كنت بقدر اقول لبابا وماما و بخليهم يوافقوا انك تشوفها انما في البيت هتيجي ازاي انا مش فاهم .. معلش يا حبيبي بس اصبر كده لما تخلص .. هما كام شهر بس ركز في امتحاناتك وفي اللي وراك وانا هاطمنك عليها طول الوقت زي ما كنا متفقين قبل الحادثه .. بس سيبني انام و حياة والديك يا اخي .
اسرع يوسف قائلا بضيق و بنبرة ملتاعة تعكس ما يدور بداخله و يشعر به من شوق :
_ بس قبل الحادثه انا كنت بشوفها في الجامعه من بعيد يعني كنت حرام والله انما دلوقتي انت بتقول لي ما اشوفهاش خالص .. لا اله الا الله .
صفع سليم جبهته و قال بصياح غاضب فاقدا لصبره :
_ فيها ايه يعني يا يوسف الايام هتعدي بسرعه جدا يا دوب هتخلص دراستك ووقتها هنقدر نتكلم اذا كان هينفع يكون في ارتباط رسمي او لا او هي هتوافق او لا او الايام هتمشي معاكم عادي .. مش معقول يعني و سيبني انام بقي الله يخليك .
زفر يوسف بضيق و قال بحدة من طريقته الفاترة :
_ اه انت بتتكلم و انت مش حاسس باللي انا فيه من حقك تتكلم وتتريق وتقول كل اللي انت عايزه .. و تسيبني بقى في اللي انا فيه دلوقتي و عمال افرك زى المجانين .
تعالت ضحكات سليم فابتسم يوسف و قال :
_ طب مش رايحين للدكتور تعرفني .. بس هشوفها وهي نازله من البيت اي حاجه تصبرني كده حرام و الله انا تعبت من دلوقتي .
اجابه سليم ببديهية و قال بإنفعال فاقدا تعقله هذه المرة و ليس صبره فقط :
_ ما هي مش هتنزل من البيت يا ذكي ما ينفعش تتحرك اصلا ده احنا مطلعينها بالعافية .. انا كنت شايلها كاني شايل طفل صغير خايف عليه من اي حركه غلط لاروح في مصيبه .. معلش يا يوسف والله انت صدعتني و انا مش عارف اقنعك ازاي و هموت و اناااام .. ده هي كلها شهر هتخلص امتحاناتك وهتيجي يعني استحمل شويه في ايه.
صاحبه يوسف بحدةو قال :
_ خلاص يا سليم خلاص فهمت .. طب سلملي عليها علشان ما تفتكرش ان انا نسيتها او حاجه كل ما انا اكلمك اسال عليها تقول لها يوسف بيسال عليكي اتفقنا .
اجابه سليم بتثاؤب و هو ينساق وراء غفوته مجددا :
_ حاضر يا سيدي هوصل لها كل اللي انت عايزه حاضر .. و عموما انا هغير رقمي ده عشان ما تكلمنيش عليه تاني .. هغير رقمي وههاجر هاسيب لك البلد وهامشي يمكن ارتاحمنك و من زنك يا اخي .. لا اله الا الله .
كتم يوسف ضحكاته عليه و قال بعدما ترأف بحاله :
_ ايه يا عم خلاص خلاص مكشملي ليه كده قلبك ابيض يعني .. عموما خلي بالك منها وخلي بالك من نفسك واسمع عنكم كل خير يا رب وسلامي لاسرتك .
ودعه سليم قائلا :
_ شكرا يا يوسف ربنا يخليك اشوفك قريب ان شاء الله وعايز درجات من الاخر انما جو نجحنا على الحركرك ده مش هاديك اختي سامعني و لا لأ ؟!
اتسعت ابتسامة يوسف و قال مؤكدا :
_ لا ما تقلقش خير ان شاء الله يلا مع السلامه .
_ الله يسلمك .
و ترك الهاتف من يده و استسلم لسلطان النوم و لجسده الذي يطالبه بالراحة ...

..........................................................
..............

دلف اسلام الا غرفة دعاء و قال بلهاث :
_ دودو انا خلصت الاكل كله اجيب لك تاكلي دلوقتي ولا شويه كده يا حبيبتي اكيد جوعتي صح ؟!
لوحت له دعاء بيدها و قالت نافية بوجه ممتعض :
_ لا لا مش قادره .. انا لسه فاطره من شويه ومش قادره اكل اي حاجه خلاص بطني كده هتوجعني .
اقترب منها اسلام قائلا بتلهف :
- خلاص بلاش .. طيب اجيب لك فاكهه او عصير او كاكاو مثلا .
ابتسمت دعاء بوهن و قالت موضحة :
_ ما هو انا مش قادره .. هي معدتي اللي مش قادره تتغدى مش هتقدر تحط حاجه تاني خلاص لانه هي مليانة عالآخر يا اسلام انت بتعلفني يا حبيبي انا تخنت ما ينفعش كده خالص و الله .
اجابها اسلام ببديهية و هو يملس علي شعراتها بحنو :
_ ما تتخني يا حبيبتي .. المهم الولد يجي صحته حلوه وبعدين لازم نمشي على الدكتور قال عليه بالضبط مش كلام من دماغي يعني .
تعالت ضحكات دعاء و قالت بمداعبة :
_ الدكتور قال ثلاث وجبات مش 20 وجبه في اليوم انت واقف 24 ساعه في المطبخ يا حبيبي مش بتتحرك مش كده انا تعبتلك و الله و معدتي مش مستحملة و برجع الاكل عن اتفه سبب .
جلس سلام بجوارها علي الفراش و قال ببديهية :
_ عادي يا قلبي مش باراعيكي و بهتم بيكي .. كنتي الاول بتقعدي تقولي ان انا مهملك ومش مركز معاكي ولما سبت الدنيا كلها وبقيت مركز معاكي برضه مش عاجبك يعني اعمل لك ايه بالضبط علشان ترضي عني .. نمرودة .
طالعته دعاء بحب و قالت بإمتنان :
_ لا يا حبيبي فارق معايا وبقيت اسعد انسانه في الدنيا كلها لما بشوف حنيتك عليا وخوفك عليا وضحكتك في وشي انا بنسى بيها الدنيا والله .. يا ريتك تحبني زي ما انت بتحب ابنك كده يا اسلام .
رفع اسلام حاجبيه و قال بتعجب من كلماتها :
_ طب ما انا بحبك يا دعاء و جدا .. وانا لو مش بحبك اللي يخليني انا باقي عليكي السنين اللي فاتت دي كلها .
هزت دعاء رأسها نافية و قالت بوجه تهدل من الحزن :
_ لا طبعا مش بتحبني كل الضرب والعذاب اللي كنت بتعذبه ليا ده اكيد مش بتحبني معاملتك ليا تفسيرها الوحيد انك مش بتحبني انت عمرك ما حبتني وانا متاكده انك بتعمل كده دلوقتي عشان ابنك بمجرد ما ابنك هيجي هترميني ولا هفرق معاك في شىء طبع .
قبض اسلام علي كفها بقوة و قال مسرعا :
_ ما تظلمنيش يا دعاء انا لو مش بحبك كنت اتجوزت عليكي تلاته واربعه وكنت طلقتك ورميتك .. بس انا بحبك و الله .. اه كنت قاسي معاكي لاني كنت حاسس ان انا ناقص .. ما كنتش بحب ابص في عينيكي .ز كل ما ببص في عينيكي بشوف ان انا راجل ناقص مش قادر اجيب لك العيل اللي انتي نفسك فيه .. بقيت غصب عني اضربك واعذبك واعمل كل حاجه تكسرك عشان ما تجيش في يوم تقولي لي انت ناقص .. يا حبيبتي انا لو مش بحبك واخليها حلقه في ودنك هشوف غيرك مش هقعد معاكي يوم .
سحبت دعاء كفها من يده و طالعته بحزن و نظرات منكسرة و هي تقول بمرارة يشوبها الاسي :
_ طب ما انت كل يوم كنت بتشوف غيري .. كل يوم كنت مع واحده شكل .. ايه الجديد .
سحب اسلام نفسا طويلا و قال بتفهم :
_ انا عارف انه انا غلطت .. وانه موضوع الستات ده كنت مزوده قوي بس لاني معاهم مش مستني عيل انما انا كل مره كنت ببقى معاكي كنت ببقى حاسس انه ما لهاش لازمه انا بعمل معاكي كده ليه .. ما احنا مش هنجيب عيال .. كل مره كنت باتاذي نفسيا وانتي مش حاسه .
طالعت دعاء ندمه البادى علي وجهه و قالت بتساؤل حذر :
_ وبعد ما جبت لك ابنك اخيرا او بنتك هتخرج برضه للستات بتاعتك كعادتك يا اسلام .
اشاح اسلام بيده و قال بتذمر و هو يشير الا مأزر المطبخ و الذي صار يرتديه اكثر ما يخلعه :
_ بشكلي ده .. و بتعدين انتي بتشوفيني بتحرك من جنبك اصلا .. انا بنزل اجيب طلبات للبيت جري وبرجع لتكوني محتاجه حاجه او عاوزه حاجه انا بتحرك من جنبك .. حتي لامور البيت جبتلك خدامه واتنين مخليين البيت زي الفل جبتهم ستات كبار عشان ما تفكريش في حاجه.. وبعمل لك كل اللي انتي عايزاه سبتك امتى عشان اروح للستات او لا.
طأطأت دعاء رأسها وقالت بقلق ممزوج بالحزن و الانكسار :
_ طب ما انا خايفه بكره تتغير وترجع على حياتك دي تاني.. و تهني و تقل منب قدام اولادي.. واولادي يشوفوني وانا بتضرب وبتهان.
ضمها اسلام لصدره و قال بحنو مؤكدا:
_ عمري ما هعملها تاني هو انا مجنون يعني يا دعاء.. العيل اللي اتمنيته من الدنيا اطلعه معقد نفسيا وهو شايف امه بتتضرب وبتشتم... انا هاجيب عيل بعد سنين انتظار عايزه يبقى اسعد بني ادمي في الدنيا واكتر انسان سوي في العالم... هاوديه اكبر مدارس واحسن دكاتره هيروحلهم.. واحسن تعليم كل حاجه اقدر اعملها هعملها مش هستخسر فيه اي حاجه في الدنيا.. فاكيد مش هطلعه مريض نفسي شايف امه بتضرب قدامه.
شددت دعاء علي ضمته و قالت براحة لم تز خاطرها من قبل:
_ ربنا يهديك ليا يا رب وتفضل كده زى ما انت ما تتغيرش.. انت ما تعرفش السعاده اللي انا فيها الكام يوم اللي فاتوا باهتمامك بيا... بقيت اسعد واحده في الدنيا.. و حياة ابنك اللي لسه ما شافش النور ده بلاش تطلعني لسابع سما وتنزلني سابع ارض على جدور رقبتي يا اسلام.
قبلها اسلام في جبهتها و تعمق بعينيه في عينيها و قال بحب:
_ عمري يا حبيبتي ما هعمل فيكي كده... زي ما انا هعيش عمري اسعد ابني.. هعيش عمري كله اساعدك لانك كنتي السبب ان هو جه للدنيا... ولاني بحبك وبكره هتتاكدي من كلامي ده ولو حصل غير كده ابقي قولي لي انت كذبت عليا.. اوعدك و وعد الحر دين عليه ان عمري ما هضايقك ولا هاذيك تاني.
تنهدت دعاء و هي تبادله نظراته الهائمة و قالت بهمس ساخن:
_ وانا بحبك قوى يا اسلام.
اتسعت عينيه و عاد للوراء قليلا و قال بتعجب:
_ قولتي ايه!! انتي عارفة احنا متجوزين بقالنا قد ايه و انتي عمرك ما قلتي انك بتحبيني.. انا مش مصدق وداني.
ابتسمت دعاء بحب و قالت:
_ عشان انا بحب اسلام الجديد اللي بيطبطب عليا.. الحنين اللي شايلني من على الارض شيل اللي محسسني ان انا ست.. انما اسلام القديم ما يتحبش ما فيش ست سويه في العالم ممكن تحبه.
قبل اسلام وجنتها و قال هامسا امام شفتيها :
_ وانا كمان بحبك و بموت فيكي و وعد مني قدام ربنا اني عمري ما اءذيكي تاني يا نعمه ربنا عليا وهعيش عمري كله عشان اسعدك وبس يا دعاء.

..............................................................
..............


مرت الايام و الاسابيع و الشهور ..
و ما أشبه اليوم بالبارحة .. و لكن كل شىء قد تغير لم تعدتلك الابتسامة علي حالها و لم تعد النظرات دتفئة و حنونة و لم تعد أنا ... أنا ...
عدت من شرودى البعيد و الذي اصبح ملاذي لدائم كلما لاح طيف ألمي امامي على صوت زوجي و هو يقول بلوم :
_ فرحة سرحانة في ايه بس بقالي دقيقتين بتكلم وانتي لا حياة لمن تنادى سيبي الكتاب ده من ايدك بقا يا حبيبتي و يالا نامي انتي تعبتي النهاردة في التحضيرات لحفلة عيد ميلاد غدير و لسه تعب بكرة كمان .. يالا بقا ارتاحي شوية .
اغلقت الكتاب و وضعته علي الكمود بجوارى و ملات كوب الماء خاصتي و شربته وتمددت ساحبة الغطاء فوق راسي و انا اقول بتعب :
_ معاك حق يا اسعد بكرة هيكون طويل و متعب و انا مش عاوزة اقصر باي تفصيله انت عارف غدير مش بتحب التقصير باي حاجة تخصها .
لم اكن اريد ان اسمع صوته مجددا لكنه قال بتنهيدة طويلة مؤلمة :
_ انا لغاية دلوقتي مش مصدق انها بخير و كويسة و قدرت تتخطي كل حاجة مرت بيها .. لو كان جرالها حاجة كنت عمرى ما هسامح نفسي ابدا .. دى بنتي الوحيدة .
ضغطت عيني بقوة و انا اقول باقتضاب :
_ الحمد لله .
شعرت به يتمدد بجوارى مقتربا مني فازدادت ضغطتي لعيني و كأني اعتصرهما بنفور .. مجرد فكرة انه يلمسني تثير ضجرى و غضبي و لكنني سأتمالك و سأ حتمل من اجل اولادى هذا كان قرارى و الآن وقف دفع ثمن هذا القرار ...

قرار واحد كفيل بسجنك داخل روحك للابد هل يعلم ابنائي كم احتمل من اجلهم .. فان كنت فكرت بانانية لربما كنت خسرتهما للابد و هذا ما كنت علي مشارف حدوثه و لكني ادركت خطأي بوقت مناسب و لملمت شتات اسرتي و فتحت روحي و سجنت نفسي كي اضمن لهما حياة سوية .. كل ما بها سوى سواي انا ..
تزحزحت بجسدى قليلا لطرف الفراش حتي ضمنت انه لا يلامسني و استجديت النوم كعادتي كل يوم ان يأتي و يرحمني من ذكرياتي المؤلمة و لكنه ابي الا ان يعذبني و هو يعيد لي التفاصيل بكل حدة و وجع ..
كنت حينها امراة مرحة لي نصيب كبير من اسمي بليلة كليلتنا تلك ليلة عيد ميلاد ابنتي غدير ..

في الصباح ..
كان البيت يقف علي قدم وساق استعداد لعيد ميلاد غدير الاول بعد كل ما مروا به ..
كانوا جميعا يستعدون بملامح سعيدة و تملؤها الفرحة و البهجة الا واحدة ..
قد انطفأ وهيجها و شغفها و تمضي ايامها كي ترى البسمة علي شفاه ابنائها و فقط ..

رفعت فرحة عيناها بملل و قالت بضيق :
_ غدير لو سمحتي يا حبيبتي لو بس شوية تهتمي بكل التفاصيل اللي قولت انا عليها مش عايزه كروته خطيبك واهله جايين وانا مش عايزه اشوف واحد في الميه غلط .. فلو سمحتي اهتمي شويه بالتفاصيل .. انا شايفاكي ماسكه التليفون وقاعده تتكلمي ولا فارق معاكي اي حاجه .. وايمان من الصبح وهي مفحوته معايا .. فا يلا يا ماما معلش تعالي علي نفسك و سيبي الفون انتيهتشوفيه بالليل بلاش محن .
تعالت ضحكات ايمان الشامت و قالت بمزاح ساخر :
- يا ماما انا معاكي اهه و هساعدك في كل شىء .. والله انا مش سايباكي بس سيبيها براحتها مننا انها بقت كويسة وبتمشي وتتحرك .. اما المحن ده فخدى الفون عنيه لغاية ما نخلص .
ضيقت غدير عينيها بغضب .. بينما حركت لها ايمان حاجبيها لإغاظتها ..
اقترب سليم منهم و قال :
_ ها يا شباب مش عايزين اي مساعده انا فاضي و مافيش ورايا حاجة و امي معاماني اعمل كل حاجة و اعجب و الله .
ابتسمت ايمان بخجل و هي ترى نظراته و غمزاته فوارت وجهها و قالت بابتسامة مكتومة من مداعبته :
_ لو سمحت خليك في حالك ما طلبناش مساعدة من حد .. وبعدين احنا قاعدين هنا بنات مع بعض عايزين ناخد حريتنا .. فا اتفضل انزل مش ناقصين عطلة عالفاضي .
رفع سليم طرف شفته و قال بضيق :
_ يا بنتي .. يا بنتي يا حبيبتي في واحده تكلم خطيبها بالمنظر ده .. عيب يا امي هو انا لاقيكي في كيس شيبسي ولا متراهن مع باباكي عليكي .. ده انا تعبان يا جدعان وبصرف اللي ورايا واللي قدامي علشانها و مافيش اي سنس .. اهدي شويه ولمي لسانك ده انا عمري ما شفت والله واحده بتكلم خطيبها بالمنظر ده .
تصنعت ايمان الابتسام و قالت ببرود لتشعل عينيه التي تعشقها بكل جنونها و حبها و هدوئها و اشتعالها :
_ خلصت كلامك اتفضل انزل برضه عشان احنا عايزين نقعد براحتنا يلا اتفضل و ده كلام نهائي يا سليم .
اقترب سيلم من فرحة و قال بضحك :
_ يا ماما ما تقولي لها حاجه المفتريه دي .. يا رب يعني انا اسيب بنات العالم كله وما احبش غير المفتريه دي .. كنت اتسطيت في نظرى و لا ايه بس ؟!
وضعت ايمان ذراعيها في خصرها و اهتزت يمينا و يسارا و هي تقول بصيح غاضب :
_ ما لها المفتريه دي يا استاذ سليم مش فاهمة ؟!
صفر سليم علي حركتها المغوية و اقترب منها قائلا بجرأة وهو يكاد يلتهمها من شوقه :
_ عسل بينقط .. عسل وبموت في تفاصيلها و حركاتها و بصاتها و ضحكتها و حاجات كتير قوى بس الرقابة تمنعني اتكلم .. صبرني يا رب .
تنحنحت ايمان بخجل .. بينما قالت فرحة ضاحكة بنبرة تبدو حازمة بعض الشىء :
_ هيصبرك ان شاء الله بس اتفضل اطلع بره زى ما ايمان قالت يالا اتفضل .. و خلي تليفونك قريب منك علشان ارن عليك تيجي علي طول يلا امشي .
جلست غدير و قالت ساخرة :
_ مبسوطه فيك بشكل يا سليم .. اديك اتطردت شر طرده تستاهل اطلع بره يالا ما تزعجناش .
ابتسم سليم بسخرية و قال بنزق :
_ ايوه ما هو انا لو خطيبك مش هتقبلي عليه اللي بيحصل معايا ده .
ثم جلس بجوارها و قال لها بمداعبة :
_ ما تقعدي مع صاحبتك شويه وعرفيها يا اختي انت عماله تتنحني مع يوسف ازاي يمكن تحن عليا المفتريه القادره حفيدة هولاكو و موسيليني دي .
كظمت ايمان ضحكاتها و قالت بضيق :
- يا ابني انت ليه مطلع علي مفتريه هو انا باجي عليك في حاجه بعد الشر يا ظالم يا مفترى .. واتفضل امشي النهارده عيد ميلاد غدير وعايزين كل حاجه تبقى صح وعشره على عشرة وانت لاهينا كلنا و معطلنا يا اخي .
وقف سليم و قال و هو يلملم اشياؤه :
_ يعني انا بقيت المشكله الوحيدة دلوقتي و كلكم اجمعتم ان انا بقيت المشكله .. ماشي بس برضه بالراحة عليا انا جوزك حتى .. ده انا كاتب كتابي و ممكن اوديكم في 60 داهيه .. فاقعدي بس برضه انتي مع غدير كده واتعلمي شويه سهوكه ونهوكه من اللي هي بتعملهم دي بدل ما انتي دبش كده .
رفع كفيه و طالع سقف شقتهم و قال بمزاح ساخر :
_ يا رب مراتي وبتعمل معايا كده و احنا لسه مكتوب كتابنا بس .. اومال لما اتجوزها ويتقفل علينا باب هتعمل فيا ايه هترجعني لامي في اكياس .
احتدت نظرات فرحه و قالت :
_ بعيد الشر عليك يا حبيبي هي تقدر ده انا اجيبها من كرشها انا ما حدش يبص لاولادي و ربنا لو مين اكله .
اتسعت عيني ايمان و قالت بصدمة :
_ انا يا ماما .. وقعت بيننا يا شر .. والله العظيم ابدا ده ابنك ده ما شاء الله ده قدي اربع مرات .. يا حبيبتي ده انا لو كحيت في وشه هاطير في الحيطه اللي ورايا يعني انا اقدر اءذيه ده .
غمز لها سليم بعينه و قال بمداعبة :
_ يعني انتي مش هتقدري تاذيني عشان فرق الحجم بيننا ولا عشان مش هاهون عليكي.
عضت ايمان علي شفتها و قالت بهمس خجل :
_ طبعا ما تهونش يا حبيبي ربنا يخليك ليا يا رب .
اقترب منها سليم قائلا :
_ قلبي يا ناس .
دفعته فرحه من ذراعه ناحية غرفته و قالت علي مضض :
_ هنقضيها سهوكه بقى ودلع ومش هنشوف اللي ورانا .. ادخل و اقفل عليك باب اوضتك لاحسن و الله اسيبكم تخبطوا دماغكوا في الحيطه و نسيب البيت زى ما هو كده .
اسرعت ايمان قائلة بجدية :
|_ لا خلاص يا ماما مش انا معك وهاعمل كل اللي انت عايزه قولي له بس يمشي .
سار سليم ناحية غرفته و هو يقول :
_ انا هنام شوية مش عاوز دوشة نضفوا في صمت .

في المساء اجتمع الجميع اسرة ايمان و اسرة يوسف و عائلة اسعد و اصدقاء غدير المعتادون ...
وقفت فرحة علي باب المطبخ تطالع الجميع و سعادتهم خاصة اولادها .. اهتمام يوسف بغدير و حبه الذي يقفز من عينيه كلما وقعتا عليها ..
سعادة سليم و ارتباطه بوالد ايمان .. حتي توقفت عند تلك العينان و اللاتي مازالتا يعتذران لها بكل ثانية ..
التفتت وعادت للمطبخ و هي تكتم دمعاتها .. لربما غلطة واحدة كفيلة بقتل انسان و قد تسدل روحه من جسده و يكمل حياته جسد بلا روح ..
فتريثوا قبل ان تدهسوا في طريقكم بأرواح تفانت في اسعادكم و فرحتكم ..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي