أعانق غضبك بلين قلبي

نسمة_مالك`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-07-17ضع على الرف
  • 28.7K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

بأحدى أحياء القاهرة الراقية..
داخل غرفة يسود بها الهدوء و الظلام ، كان الوقت عقب صلاة الفجر،
ينام "مؤمن" نومًا عميق حتى أنه لم يشعر حين فُتح الباب، و طلت منه تلك العيون الشقية التي نظرت تجاهه تتأكد أنه مازال نائم، و من ثم دلفت للداخل غالقة الباب خلفها بحرص شديد ، مستندة عليه بعدما قامت بإشعال الإضاءة الخافتة حتى تتمكن من رؤية ذلك الراقد على الفراش الوثير، وقفت مكانها تتأمله بنظرات لا تخلو من الإعجاب،

انبلجت إبتسامة عابثة على ملامحها الجميلة، و قررت أن تمزح معه كعادتها، فإثارة غضبة متعتها بالحياة..

اقتربت منه تسير بحذر حتى لا تتسبب في إزعاج، و ارتمت فجأة بثقل جسدها على الفراش بجواره، لينتفض بفزع مبتعدا عنها حتى سقط من أعلى الفراش أرضًا، صدحت صوت ضحكاتها الأنثوية، و تحدثت بتقطع من بين ضحكاتها قائله..
"واو شكلك يجنن وأنت بتقع يا مؤمن"..

....كور قبضة يده، و كم تمنى  لو يلكمها على فمها المتسع على آخره من شدة الضحك على هيئته، اصطك على أسنانه بغيظ، وضع كف يده على جبهته يدلكها برفق كمحاوله منه لتهدئة نوبة غضبه حتى لا يفتك بها الآن و يهشم عظامها..

انتصب واقفًا أمامها ليظهر فرق الطول الشاسع بينهما، سار نحو ستائر الغرفة و قام بأزاحتها ليختفي الظلام و يعم نور الشمس جميع أركان الغرفة، كانت تتابعه تلك الوقفه بترقب، تنتظر رد فعله تجاه ما فعلته، ليقطع هو الصمت و يتحدث بنبرة محذرة لا تحمل الجدال قائلاً..
"قومي اطلعي برة حالاً أحسن لك يا جميلة"..

لتزيد هي من إثارة غضبه حين قالت بستفزاز.. "على فكرة أنا جيت أفكرك أني مراتك يا حضرة المقدم و لا أنت نسيت!!!"..

"واضح إن أنتي اللي نسيتي أنه مجرد كتب كتاب لسه يا آنسة جميلة، و إن ميصحش اختلي بيكِ إلا بعد ما يتم الفرح و اللي بسبب تصرفاتك الطايشة دي مش هيتم جوازي منك.. هيبقي طلاقك مني"..
قالها"مؤمن" بلهجة حادة، و هو يرمقها بنظرات حارقة بدت كالسهام القاتلة، ختم حديثه و سحب منشفته القطنية بعنف وسار تجاه حمام الغرفة بخطي تعكس مدى غضبه ، دلف للداخل و صفع الباب بعنف بوجهها، و وقف خلفه يزفر بضيق محدثًا نفسه..
" أنا في أقرب وقت هكون رامي عليكي يمين طلاق وأنهى الجوازة السودة دي".. 
..............................

أنه يوم الجمعة في إحدى الأحياء الشعبية، اليوم عطلة "فتون" الأسبوعية، لكنها استيقظت منذ بكرة الصباح على رنين هاتفها بعدما قامت بضبطه على تمام الساعة السادسة، هرولت بهمة نحو الحمام لتنعم بغسلٍ كامل يساعدها على الأفاقة، و من ثم
توضأت، وأرتدت إسدال صلاتها لتبدأ يومها بإقامة صلاة الصبح، و فور إنتهاء صلاتها توجهت نحو مكانها المفضل بغرفتها الصغيرة المرتبة بعناية، فكما اعتادت سترسل رسالتها الأسبوعية التى لا تعلم عدادها لأبيها..

منذ أن توفاه الله منذ عدة سنوات ، أثناء عمله خارج البلاد بإحدى الدول العربية حيث قاموا أصدقائه بدفنه هناك، و هى لم تتوقف عن كتابة كل ما تريد أخباره به، تقرأ على روحه ما تيسر من القرأن الكريم، تدعو له من صميم قلبها، و تظل تدون ما فعلته خلال الأسبوع بأكمله أثناء غيابه، تسرد أدق التفاصيل و ما قامت به كما لو كان سيطلع على هذه الرسالة،

وبعد أن تنتهي من كتابة كافة شيء تغلقها  و تضعها بصندق محكم الغلق قد ألقت هى مفتاحه بنفسها، تنهدت بألم و مسحت عبراتها الغزيره بأصابع مرتجفةو بدأت تكتب رسالتها..

"أبى الغالي..
أشتقت إليك كثيرًا، لم و لن يقل شوقى إليك يومًا، بل يزداد حتى وصل عنان السماء أبى، أكتب إليك بوابل من قبلاتي و ابتساماتي و حتي دمعاتي، أشتاق لعناقك،لرائحتك، لوجودك بحياتي..
أبي أشتاق لشعورى بالأمان و الحماية داخل حضنك،
أشتاق بأحتراق و لوعة لنطق كلمة أبى....

كنت طفله صغيرة للغاية حين تركتني، هشه ضعيفه، مدللة  كثيرًا، كنت أظن أن هذا الدلال سيدوم معي و ستدوم أنت أيضًا لي، لن تتركنى أبدًا، ولكن يا أبي دوام الحال من المحال، فقد جاء وقت رحيلك دون وداع، تركتني أنا و أمى التى علمت بأنها تحمل في احشائها طفلاً من صلبك بعد خبر صدمة وفاتك بأسبوعين فقط،

كان الله رحيم بقلبي و قلبها و وهب لنا من كرمه و فضله شقيقي بل ابني الصغير "كارم"  يشبهك بدرجة كبيرة و كأنه نسخة مصغرة منك أبى ..

اليوم أكتب إليك لكي أخبرك أنني حصلت على المركز الأول في رياضة البوكسنج و ألعاب القوة بمختلف أنواعها ، نعم أبى لقد أصبحت صغيرتك البريئة، الرقيقة شرسه، متوحشة بل و الأدهى من هذا أنني أدرس بكلية الهندسة بقسم الميكانيكية ..

لو لم تتركنى يا أبي يا قطعة من روحي لأصبحت طبية أطفال كما تمنينا دومًا سويًا، لكن قدر و أراده رب العباد فوق كل شئ، و لا نقل غير ما يرضى ربنا إنا لله و إنا إليه لراجعون..

بغيابك يا أبي أصبحت انا و أمى بمفردنا دون سند ، حتى ظنوا الناس إننا طير ضعيف مكسور الجناح، أو فريسة سهلة الصيد، حينها بدأو يظهرون وجههم الحقيقى، وجهه مليئ بالخبث و النفاق من القريب حتى قبل الغريب..

و ما رأناه منهم من أفعال مشينة دفعتني لاتخلي عن أنوثتي و ارتداء قناع الرجوله لأتمكن من حماية أمي و شقيقي الصغير الذى اُتهمت به أمى بشرفها بأنه ليس منك أنت، أهدء أبي لا تقلق و أطمئن فأنا لقنتهم درسًا لن ينسوه طيلة حياتهم جعلهم جميعًا يعترفون بأخطائهم في حق أمى، لا يستطيع مخلوق منهم النظر لها بطرف عينيه، أصبحوا يخشون و ترتجف أقدامهم من "النون" أجل أبى فقد تخليت أيضًا عن أسمي لأستطيع مواجهه أشباه البشر الذين يستهانون بالأنثى..

ولكني سأظل بيني و بينك كما أنا سأظل "فتون" ابنتك المدللة..
رحمة الله عليك يا أبى يا من أدميت قلبي بفراقك و رزقك الفردوس الأعلى..
..............................................

دلفت سيدة في منتصف عقدها الرابع لداخل غرفة "فتون" بعدما طرقت باب الغرفة و تحدثت بابتسامة دافئة قائلة..
"صباحك خير يا نون ..يله يا بنتي علشان تفطرى معانا..أخوكي مستنياكي و مش عايز ياكل من غيرك"..

"أنا خلصت كلام مع بابا يا ماما بس كنت عايزه أتكلم معاكي أنتي في موضوع يا حبيبتي"..

قالت "صفاء" بقلق.."خير يا قلب ماما.. اتكلمي يا ضنايا قلقتيني"..

"فتون" أجابتها بتوتر.." بصراحة أنا عايزة أعمل مشروع صالة چيم في شقتنا تحت و فكرت أطلع أختك و عيالها منها "..

" و ماله يا فتون.. طلعيهم و اعملي مشروعك "..

اندهشت" فتون" من موافقة والدتها و تحدثت بفرحة فشلت في إخفاءها قائلة..
" عينك في عيني كده يا أم فتون.. أنتي بجد موافقة أخرج أختك من البيت.. طيب إزاي و انتي بنفسك اللي بتمنعيني عنها حتى بعد كل الأذى اللي أذتهولك.. هتخليني أخرجها من البيت!!! "..

بكت" صفاء" و هي تقول.. "هي أختي للأسف عشان كده هفضل أمنتك عنها مهما عملت فيا، و بعدين أنتي عارفه أنك أصغر من ولادها يا فتون و عيب تقفي قصاد خالتك، و كمان قولت قبل كده متدخليش بيني و بين أختي..أنتي ترضى أن حد من ولادها يقف قصادي؟!..

"لا طبعاً مرضاش أبدًا.. ده أنا كنت رنتهم العلقة التمام".. غمغمت بها" فتون" بملامح عابثة،لتكمل "صفاء" حديثها بتعقل قائلة..
"اعملي اللي انتي عايزاه في ولادها أنتو بالنسبة لينا عيال مع بعض لكن خالتك خط أحمر، و لو على الشقة فدى حقك و حق أخوكي في بيت ابوكي رحمة الله عليه "..

اجهشت ببكاء مرير و هي تقول..
" أبوكي كان راجل بمعني الكلمة.. جدع و شهم و حب يعمل خير و قال هجيب أخويا و عياله يعيشوا فى البيت معانا هنا بدل الأوضة الإيجار اللي عايشين فيها كلهم على بعضهم.. وافقت على كلامه عشان مرات أخوه تبقي أختي. و فعلاً خالتك صفية جت هي و ولادها و من ستر ربنا علينا أني رفضت إننا نعملهم عقد إيجار.. و جت أختي بجوزها و عيالها.. كانت فرحتي بيهم متتوصفش و صفية كمان كانت طايرة من الفر، و عاملتني أنا وأنتي أحسن معاملة، و أنا كمان حطتها جوه عنيا هي و عيالها لحد ما قضاء الله وقدره نفذ و ربنا اختار أبوكي ظهر وشها الحقيقي و قالتلي ببجاحة أنتي معاكي بت يعني أنا و عيالي و جوزي نورث معاكِ بس عشان ربك اسمه الجبار جبر خاطري و طلعت حامل في أخوكي "..

".. شلتها هى وعيالها على راسي و جوه عنيا ...
لحد ما ابوكى مات وظهرت على حقيقتها وقالتلى احنا نورث معاكى فى البيت دا علشان معاكى بنت لكن ربك كريم اراد ينصفنى وينصفك وميبهدلناش..
اكتشفت حملى فى أخوكي بعد موت أبوكي.. اتفاجأت بيها تدعى ليل نهار في وشي أني أجيب لك بنت، و اتجننت لما ربنا رزقني و جبت ولد.. نسيت أنى أختها "..
بكت بنحيب و تعالت شهقاتها و هي تقول..
" قالت عليا كلام باطل.. طعنتنى فى شرفى.. صدمتني فيها و قالت أنى حملت في الحرام بعد موت أبوكي من حد غير أبوكي "..

أنهت حديثها و انخرطت في نوبة بكاء حادة، أسرعت ابنتها و ضمتها بحب و لهفة، ترتب على ظهرها بكف يدها بحنو مرددة برجاء..

" كفايا عياط يا ماما.. كفايا عشان خاطري يا حبيبتي..وبعدين مش أنا جبت لك حقك من عنين ولادها الرجاله اللى مخلفاهم..و لو مبطلتيش عياط هنزل أحدفهم كلهم برة في الشارع و أنتي عارفه أني أقدر"..

ضحكت "صفاء" أثناء بكائها، فدائمًا تنجح ابنتها الحبيبة في التخفيف عنها، و محو آثار جروحات قلبها الغائرة، مسحت عبراتها و تحدثت بتنهيدة..

" أنا اللى هنزلهم المرادي "..
هبت واقفة و سارت لخارج الغرفة بخطوات غاضبة، لكنها توقفت قبل أن تصل للباب و التفتت لابنتها و قالت بخوف مصطنع..
"بت يا فتون لو اتأخرت أبقى انزلي الحقيني لخالتك صفية تحبسني عندها لحد ما يبان لي صاحب، و لا تبلعني و تخفيني خالص"..
........................................

خرجت "جميلة" من غرفة "مؤمن" تجر خيبة الأمل خلفها، و لكنها حسمت أمرها و اتخذت قرارها ستفعل كل ما بوسعها حتى تتم هذه الزيجة، فهمي في أمس الحاجة إليها..
"مهما عملت فيا، و مهما حصل منك مش هبعد و لا هتنزل عنك بسهولة يا مؤمن.. أنا ماصدقت أبقى مراتك و مش هتنازل عنك أبدًا "..

بينما خرج" مؤمن" من الحمام بعدما أنتهي من غسلٍ كامل، أبتسم إبتسامة استهزاء حين وجود الغرفة خالية، كان يثق بأنها ستهرب من أمامه خشية من تنفيذ ما ألقاه على سمعها، و بداخله يتمنى لو كانت تظل بالغرفة حتى يلقى عليها يمين الطلاق و يتخلص من هذه الزيجة التي فرضت عليه..

وقف داخل المكان المخصص لثيابه، و بدأ يرتدي ثيابه المكونه من سروال من الجينز القاتم، قميص أسود يظهر ضخامة ذراعيه، حذاء رياضي من نفس اللون الأبيض، وقف أمام المرآة و بدأ يمشط خصلات شعرة الفاحم، نثر عطره الجذاب بغزارة، أخذ أغراضه مفاتيح سيارته، جزدانه الجلدي، نظارته اب؛ الشمسية و غادر الغرفة..

"صباح الخير يا أم مؤمن"..
نطق بها و هو يقترب على "ليلى" والدته الجالسة على مائدة الطعام و مال عليها طبق قبلة حانية على رأسها و من ثم يدها..

"صباح الورد يا ابني.. يله أقعد أفطر معانا"..
قالتها "ليلى" بصوتها الناعم الرقيق، كانت "جميلة" تجلس هي الأخرى على المقعد المقابل لخالتها، نظر لها "مؤمن" نظرة غصب و تحدث بضيق قائلاً..
"مليش نفس دلوقتي.. ورايا كذا مشوار هخلصهم على ما جميلة تخلص فطارها معاكي و تغور من هنا.. مش عايز اجي القيكي هنا"..

شهقت "ليلى " بخفوت، و تحدثت بعتاب قائلة..
" ليه بس كده يا ابني.. مراتك جاية تقضي معاك يوم اجازتك و نفسها تاخدها و تتعشوا برة و تسهروا سهرة حلوة كده في مرة يا مؤمن.. انت على طول مشغول عنها يا حبيبي "..


كاد أن ينفجر بوجهه والدته، لكنه لجم نفسه بلحظة الأخيرة و بنفاذ صبر قال قبل أن يغادر المنزل بأكمله..
" مش عايز القيكي هنا لما أرجع يا جميلة لو عايزه ليلتك دي تعدي على خير "..
أنهى جملته و صفع باب المنزل خلفه بعنف تحت نظرات والدته المتعجبة،

نظرت" ليلى" ل "جميلة" التي مازالت تتناول طعامها بلا مبالاه، و تحدثت بتساؤل قائله..
"بنت يا جميلة انتي عملتي إيه بالظبط عشان مؤمن يزعل منك أوي كده و ميبقاش طايق يشوفك حتي"..

توترت" جميلة" وظهر الخوف على ملامحها، و هي تجيبها..
"أنا زيك بالظبط مش فاهمة أنا عملت فيه أيه يا خالتو!"..

ضيقت "ليلى" عينيها و نظرت لها بشك مردفة..
"على أساس أني مش عارفاكي و عارفة كل حركاتك الطيشة يا بنت علياء!!! "..

رمقتها بنظره محذرة، و تابعت بنبرة تهديد قائلة..
"هتتكلمي معايا بصراحة و تحكيلي اللي حصل و اللي عملتيه خلي مؤمن شايل منك أوي كده و لا هتفضل تخبي و تكدبي عليا لحد ما تلاقي نفسك شايلة لقب مطلقة، و لا تقوليلي اللي حصل و تخليني أساعدك؟ "..

" هحكيلك يا خالتو.. بس ارجوكي تقفي جنبي و متخليش مؤمن يطلقني"..
همست بها" جميلة" بصوتٍ اختنق بالبكاء..

وقفت" ليلى " و اقتربت منها أمسكت يدها، و سحبتها برفق تحثها على النهوض، و سارت بها لأقرب مقعد، اجلستها و جلست بجواره، و تحدثت بهدوء بنبرتها الحنونة قائلة..
" اتكلمي يا جميلة.. أنا سمعاكي يا حبيبتي.. متخفيش من أي حاجة.. أنتي عارفه إنك بعتبرك زي بنتي ليان بالظبط"..

بدأت "جميلة" تبكي، لتضمها "ليلى" لصدرها بلهفة، و تحدثت بقلق قائلة..
"يا بنتي يا حبيبتي احكيلي بس فيكي أيه.. مين زعلك"..

"الدنيا..الدنيا كلها جت عليا و زعلتني أوي يا خالتي"..
غمغمت بها بغصة يملؤها الأسى، أطبقت جفنيها بقوة لتنهمر عبراتها على وجنتيها بغزارة مكملة بألم..
"أنا موجوعة أوي يا خالتو و مافيش حد حاسس بيا و بقلبي"..

أنتهي الفصل..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي