الفصل الرابع

  ربت أنور على كتفي مطمئناً وعاد للغو يبدوا أن مونرو عالق بزحام الميدان وأنور يوفر لي التسلية. أخبرني أنور أن أصوات الغواية التي كانت تخرج عن غرفة العمة عندما تأتي بعشيق للمنزل أكدت رواية الأب والعم؛ أي أن الرجال تحاول قتل النساء ولابد من قتلهم أولاً وإلا الحزن سوف يكسوا وجهها كما يكسوا قسمات العمة باليوم التالي بعد مغادرة العشاق بلا أمل في عودتهم من جديد. أخلاق المقاتل التي تحملها سارة طبقاً لتعاليم العم من حيث الدفاع عن المظلومين والمهضوم حقوقهم جعلتها تطعن نفراً من العشاق الهاربين صباحاً من فراش العمة الهرمة ولكنه كان طويل القامة والسكين اخترقت فخذه، وبمبلغ من المال تكتم العشيق على الحادث ومضى في سبيله.
-  وليه ده كله يا أنور، كنتوا علموها تحمي نفسها من الرجالة البطالة وبس، بدل ما هي ماشية تلطش في خلق الله كلهم حتى أنا.
-  كانوا عايزنها لمؤاخذة تقيلة مش زي عمتها أي حد يضحك علي عقلها بكلمتين.
-  وكان مين بقه اللي هيضحك عليها و البلد كلها عرايس قماش.
-  أنا عارف بقه، هما دماغهم كده.
  الأخوان مختلان هذا هو التفسير الوحيد وتربيتهما القويمة للطفلين أنتجت فتى مخنث وفتاة ذكورية تنتظرني في الحصن أي تحرك مفاجئ يوجسها، تحسبني سوف أجهز عليها؛ دائماً تنسى أنني زوجها.
  وأخيراً أبا القطار، دخل مونرو إلى الغرفة الخشبية فانتصب أنور واقفاً في امتثال وقد أومأ بيمناي محياً وخرج مباشرة من الغرفة بلا كلمة واحدة. جلس مونرو بموضعه وقال مباشرةً:
-  لماذا لم تخبرني أنها ترسب بالجامعة ؟
القطار سوف يدهسني لو أخرجت أسراره إلا أنها خرجت بالفعل وعلي التبرير فحسب فقلت:
-  تخافك، تريدك أن تراها إنسانة ناجحة مثل أخيها.
-  والخطف والسجن وكل تلك الأمور وأخيك المغتصب ذاك ؟
-  لنفس العلة، أما عن أخي أمسيا صديقين الآن.
زم شفتيه في حنق ثم قال:
-  وأنت، لماذا ترفض أن تدعها تدرس في الجامعة ؟
-  لأنها جميلة وأغار عليها، الجامعات الآن نوادي ترفيهية، أخر شيء يمارس بها التعلم، كما أنها تضرب كل مار عليها كما علمتها إن شعرت بالخوف، منذ تعرفت على ابنتك سيد مونرو لا أبرح أقسام الشرطة.
  التفت مونرو للأمام بينما يتنهد في عمق، ثم صمت بلا تعقيب، لم أنتظر صمته تحديداً خاصة في أمور الغيرة، لا بد أنه يشعر بما أحمله في سريرتي فغيرته على ساقطة مثل سلوى سليم أوصلته للأهوال.
أردفت متسائلاً:
-  من أخبرك؟
ضرب بقبضته على الطاولة وقال بعصبية:
-  هي، أخيراً اعترفت بفشلها في كل شيء لمجرد أن تقنعني أنك تحبها، لو لم تهرب وتأتي إلى مصر لعاشت معي في أمان .
  هراء لو لم تهرب إلى مصر لكانت في السجن الآن فالجميلات في أمريكا سواء أمام القضاء. لم أعقب وعدت للأمور خاصتي لما صرحت للمرة المليون:
-  صدقني مونرو أنا أحبها وسوف أمنحها كل شيء حلمت به.
تحول لي من جديد وحدجني في إذراء ثم قال:
-  بالطبع سوف تفعل، لا بد أنك تتضرع لإلهك بالشكر ليل نهار لأنها تزوجتك يا الوسيم ذا الندبة .
  لطيف حماي بدئت أحبه و أضحك لنكاته المنتقصة من ذاتي و خلقتي. يتعجب لتقبلي لمزحاته إنما يقول مغايراً بقلق:
-   تقول أنها حبلى، متى تم الزواج؟
-  منذ يومان.
-  إذاً لست الأب؟
كنت أتمنى أن أكون الأب بعد يومان زواج و لكن الحقيقة تفرض نفسها ابنته تكذب كعادتها فقلت صراحة:
-  أنها تكذب مونرو، سارة كانت عذراء.
  إجابتي هامت به في رحلة لعالم أخر، حملق في الفراغ و قد بدى على محياه التعجب الشديد لكونها عذراء حتى الآن. تعجبت أكثر منه، بل سعادتي لكوني أول رجل في حياتها كادت أن توصلني لبوابات الجنون، عقلي المستنكر لصفاء ينتج في بيئة سلوى سليم خيل لي كآفة الروايات من نسج شياطيني إنما سارة أصرفتهم جميعاً.
عاد بحمد الله من ذهوله وقد أومأ في استحسان ثم قال:
-  ولماذا تكذب مجدداً؟
-  لا أعلم سارة تكذب كهواية، لماذا أتيت لمقابلتي، ماذا تريد؟
زفر بضيق وقال متحضراً للذهاب يغلق زر سترته الوحيد:
-  لا شيء اخبرها إنني لن أعترض طريقها مجدداً ولن تراني كما أرادت.
أمسكت رسخه أستبقيه فنظر لموضع يدي في استنكار شديد حد التقرف فقلت:
-  هل أخبرتها من قبل إنك تحبها ؟
سحب رسخه من يدي بهدوء نظراته تشي بالدهشة وقال:
-  وجيه، سارة منذ ولدت لم تفعل شيء إلا إيذائي ورغم ذلك أحبها.
-  منذ ولدت أم منذ فرقتها عن أخيها؟
-  منذ ولدت كانت تلومني على كل شيء، لأنها عاشت بلا أم، لتغيبي عنها، إن تعثرت وسقطت لأنها خرقاء لا تتوقف عن القفز، كل شيء.
  هن النساء فقط، خلقن ليلومن الرجال. الديب العجوز السيد مراد مالك له حكمة في النساء طبقًا لباعه الطويل في العربدة كمثل ولده، و الحكمة تقول إن لولا النساء ما صنعت حضارة و بنيت مدن، النساء هن الشوكة في الخاصرة التي تحث الرجال على السعي و الكسب و الترقي لتُلبى متطلباتهن، و الهلاك الهلاك يا ولدي إن لم تلبي؛ ملام ومهانة ليل نهار فقد يرهقن من عمل الرجال الذي حاربن للحصول عليه، من شئون منزل هن راعياته بمحض إرادتهن، من أطفال خلقن بأرحامهن وقرة أعينهن، إنما الحديث والتطاول على رجالهن لا يرهقهن أبداً، وعلى سبيل المثال لا حصر ابنتك سيد مونرو تلومني نائمة وغائبة عن الوعي فقد طفت معها كذلك المشافي وسمعت سبابي بأذني، ابنتي سيد مونرو تلومني لأنها تحمل عيون أبي الداكنة وليست الزيتونية كأمها. هن النساء أما من كانت تدعي تلبية غير نهاية وتحسبها كل النساء كنت وسيلتها الفعالة لتحقيق أحلامها وهي ليست نساء بل شيطانة من شياطين الإنس وقد سلط عليك جزاء أعمالك.
تفحصني لهنية ثم عاد للجلوس يقول في حزن:
-  غفرت لها كل شيء إلا بيعها لابنتي، لم أقتلها بالمناسبة وجدتها على تلك الحالة، لو كان في وسعي قتلها لفعلتها بعدما قررتْ التخلي عني للمرة الثانية، أخي ماو لم يكن رجل نساء ولكنه فور رؤيتها أخبرني أنها سوف تكون سرعذابي.
وها هو رجل أخر بعد أبي يغفر لساقطة خيانة، توجهت له سائلاً:
-  ومن قتلها إذاً؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي