حياة مضنية.

Shaimaa magdy`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-10-16ضع على الرف
  • 143.7K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

الجميع بلا استثناء مطأطئو الرؤوس، لم يستطيعوا أن يتحدثوا بأي كلمة على الإطلاق، لا يملكون الدراية حول ما عليهم قوله أو ما التبرير الأصح لموقفهم من تكاسل وتقاعس فى تأدية أعمالهم فى الفترة المنصرمة الأخيرة.

رغم التحذيرات العديدة من مدراءهم في الإدارات التي يعملون بها، ناهيين عن أى تقصير لكى لا تصل الأمور إلى مديرهم العام حينها، ووقتها لن يستطيع أحد التصدي امام مثل تلك الكارثة التي ستودي بهم إلى مصيبة حتمية ومشكلة كبيرة لن تُحل..

-إنني غير مدرك كيف لكل ذلك الإستهتار أن يحدث بشركتي !، ولكن لا.. فهذه لم تعد بشركة على الإطلاق، فقد أضحت حديقة للتنزه على ما يبدو، ما رأيكم انتم في ذلك؟

صاح بتلك الكلمات بعصبية عارمة، وغضب بالغ مع الكثير من التهكم، إذا اعترض أحد طريقه فى وقت كذاك مؤكدا سيلقى حتفه ويودي به إلى الهلاك، "نيكولاس آدامز" اسم يهتز على ذكره أقوى الرجال واعتاهم.

الإحترام والكثير من التقدير يُكن له من مَن هم بمخملية الطبقات وصفوة المجتمع، ولمَ لا وهو صاحب مجموعة شركات من اكبر شركات الولايات المتحدة الأمريكية للأدوية.

استطاع بعلمه وجده فى العمل أن يرتفع بشركاته إلى اعلى منزلة، وارتفع باسمه بين منافسيه جميعهم، وليس ذلك فقط بل أصبح أعلى رؤوسهم جميعا.

النظرات الصامتة المليئة بالرهبة فقط ما كانوا يتبادلوها فيما بينهم، لم ينبسوا ببنت شفة أو يعقبوا على حديثه خوفا بل ارتعادا من أى خطأ يبدر منهم، مما جعل الآخر يستشيط غضبا من صمتهم وعدم ردهم على حديثه منذ دلفوا الغرفة، نهض عن كرسيه بغضب واشار لهم بيده نحو باب مكتبه وهدر بنبره غاضبة عصبية للغاية:

-إلى الخارج جميعكم.. فورا.

قال كلماته بصراخ وزئير قوي جعل أجسادهم ترتجف وعلى اثرها فروا للخارج مذعورين، اعترض خروجهم ولوج "جوسيف بيتشر" شريك "نيكولاس" ولكن ليس بأسهم كثيرة، يدير أحد فروع شركات "آدامز"، وذراعه الأيمن، وصديقه الوحيد.

توجه إليه وهو واقف أمام نافذة مكتبه، بملامح مرتخية عكس ما يعتريه من قلق حيال حديثه له في وقت كذاك، وقال بتردد بعدما جلس على أحد المقاعد الجلدية الوثيرة:

-اهدئ نيكولاس، تلك العصبية لن تفيدنا بشيء على الإطلاق، مشكلة وسوف تُحل مؤكدا، ولن يكون ذلك بعصبيتك هذه.

بينما كان واقف أمام نافذة مكتبه الزجاجية ينظر إلى ما هو بالخارج بنظرة فارغة تحمل الكثير من الحنق وملامح واجمة كثيرا، برزت عروق رقبته بشده اثر عصبيته التي ماتزال متمكنة منه، ضامما شفتيه الرفيعتين بقوة، ولم يخرج عن طوره ذلك إلا عندمة استمع إلى ما قاله صديقه، التف له بوجه غاضب يعتليه الحمرة، وهدر فيه بإنفعال واستهجان:

-أتستمع لما تقوله أنت!، أية مشكلة تلك التي ستحل!، ما يحدث الآن ما هو إلا كارثة حتمية؛ ولن أتغاضى عنها نهائيا، وإذا كنت قادما لكي تثير عصبيتي أكثر، فلترحل إذا.

عقد حاجبيه بربكة، وأردف بهدوء نوضحا ومحاولا التخفيف من غضب الآخر:

-لست أثير عصبيتك صدقا، أحاول تهدئتك فقط حتى نفكر بعقلانية على الأقل، تلك العصبية لن تفيدنا بشيء حقا، وأنا على أتم المعرفة بالإستهتار والعشوائية الغريبة في الفترة الماضية، كما يوجد أيضا خطوات غير مدروسة يسيروا عليها في تأدية أعمالهم وبالأخص في فرع كاليفورنيا، وأنا بعثت إليهم بإنذارات عدة، ولو استمر الوضع على ما هو عليه سأضطر إلى أن آخذ إجراءات فعلية، وسوف استغنى عمن سيخالف الإستراتيجيات الجديدة التي سأقوم بوضعها الفترة المقبلة.

لم يجد من الآخر أية اعتراض او تعقيب على قوله، ليردف حينها متابعا حين نهض قائلا على نفس الشاكلة الهادئة:

-وأنا شخصيا من بداية الغد سوف أذهب لفرع كاليفورنيا، وسوف أتابع سريان العمل بذلك الفرع هناك مع الفرع الذي أديره.

تكلم "نيكولاس" عندما وجد الآخر على مشارف المغادرة فى هدوء نسبى ولكن بجمود بالغ وهو يقف امامه بهيمنته الطاغية وقوته التي تسلب الأنفس مرددا:

-حسنا ولكن جميع الملفات يتم إرسالها لي على البريد الإلكتروني الخاص بي، حول الفترة المنصرمة والقادمة أيضا، وهذا ما سوف نسير على خطاه فيما هو قادم، وليس في هذا الفرع فحسب، بل هذا ما سيحدث في جميع الفروع، فأنا لن أسمح بذلك الإستهتار أن يتكرر مرة أخرى.

غادر صديقه المكتب ووصد بابه خلفه بعد أن انتهى "نيكولاس" من دفعة أوامره، حول نظره مرة أخرى تجاه النافذة، يرمق الخارج بعينيه السوداوتين وبنفس النظرات الثاقبة الخالية من أي مشاعر تختلج داخله، قد لانت و ارتخت ملامحه الهائجة كثيرا عن الوقت الذي مضى، واختفى منها آثار اشتعاله وثورته على موظفيه منذ القليل من الوقت.

فكل ما يملكه الحين عمل عليه بكده وتعبه لسنوات طويلة، لم يتقاعس في عمله نهائيا، لذلك لن يسمح لأي سقوط أو ركود يحدث في شركاته، فهو الذي أعاد لشركات والده اسمها من جديد في سوق العمل وارتفع بها ارتفاعا باهرا بعدما ترك والده كل شيء على كاهله بعد وفاة والدته، تحمل مسئولية كل شيء في سنا صغيرة، لذا لن يقبل بغير التقدم والمجد المحاوط به من كل حدب و صوب.





تقف "إيلا" أمام مرآتها تطالع هيئتها بعدما انتهت من ارتداء ثيابها بنظرة أخيرة قبل خروجها من الغرفة وذهابها إلى جامعتها، مشت فى الرواق المؤدى إلى غرفة السفرة حيث والدتها وأختها الكبرى التى تكبرها بعامين تجلسان معا هناك في بداية كل صباح وهى رفقتهما بالتأكيد يتناولن معا فطورهن.

بابتسامتها الهادئة، المشرقة، والمفعمة بالحياة وملامحها الناعمة الرقيقة، ألقت تحية الصباح على اختها التي تتناول فطورها بطيف حماس فاليوم يوافق أولى ايام دراستها في كلية الفنون الجميلة في عامها الثاني بها، ذلك الحلم والإنجاز الأوحد الذي حققته منذ الصغر وهو ولوجها:

-صباح الخير.

بادلتها أختها "إيزابيلا" ابتسامتها بابتسامة متسعة رائقة، وردت عليها التحية بنبرة مرحة مرددة:

-صباح النور على أكثر واحدة تتسم بالوداعة بذلك الكون.

جلست "إيلا" على كرسى مقابل ل"إيزابيلا" وهي تبتسم بوداعة لطالما اتسمت بها، نظرت في الأرجاء بنظرة متفقدة ثم تساءلت:

-أين أمي؟، لمَ ليست تتناول معاكي الفطور؟

توقفت "إيزابيلا" عن مضغ طعامها وابتلعته دفعة واحدة، ثم رمقت الأخرى بنظرة أدركت منها "إيلا" أنها لن تكف عن المزاح اليوم بالتأكيد:

-أوليس يجب أن يُحضر للأميرة الطعام وبرفقته القهوة الأمريكية التي تتناولها بعده!

نظرت لها بغيظ مليء بالمرح ثم أكملت قائلة بنبرة استفهامية مضحكة:

-لمَ يحملا التقدير لكِ دائما على عكسي تماما؟، أأنتي تسحرين لهما أم ماذا!

كانت تنظر لها بجدية وكأنها تبحث عن الحقيقة، مما جعل الأخرى تكركر ضاحكة على كلماتها الغريبة التي لا تنفك تلقيها على مسامعهم، حاولت "إيزابيلا" باستمرار في الجدية وعدم التأثر بضحك أختها ولكنها لم تلبس حتى انفجرت هى الأخرى فى الضحك معها.

حاولت "إيلا" تهدئة ضحكها وضبط انفاسها ثم قالت نبرة مايزال عليها آثار الضحك:

–انتي لستِ بطبيعية بتاتا، أي سحر الذي تتحدثين عنه، انتي التي تشبهين المهرج لذلك لا يحترمكِ أيا منهما، ما دخلي أنا بالأمر!

ما إن انتهت من قولها حتى ولجت والدتهما الغرفة وأردفت برفق وابتسامة حانية موجهة حديثها ل"إيلا":

-القهوة الأمريكية خاصتك إي، انهي فطورك وتناولي القهوة سريعا كي لا تتأخري على دوامك حبيبتي.

ضيقت "إيزابيلا" عينيها بصدمة مضحكة نحو والدتها "كاميليا" وقالت بتبرم طفولى وضيق مصطنع:

- إي، قهوتك الأمريكية، وحبيبتي!، اعترفِ أمي، ألست متبناه حقا!

يُتبع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي