الفصل الرابع

لم تعر لتبدل هيئته اهتمام وابتسمت له ببلاهة وقالت فى تلقائية غافلة عن نطقها لذلك الاسم الذي يثير حنقه:

-أمر لم يكن مقصود إينو، أكمل أكمل.

نظر لها فى غضب تضاعف من استخفافه بما قاله منذ قليل وتكرارها لذلك اللقب،  مما جعلها تهئ نفسها للفرار منه اذا احست به متوجها ناحيتها، ولم تمر الا ثوان لم تستطع الفرار خلتلها ووجدته أمسك بشعرها جاذبا إياه للخلف لتجد تأوه متألم غادر حلقها، واستمعت له وهو يهدر بها فى قوة وغيظ:

-أيتها الخرقاء، مصممة انتي على إثارة عصبيتي وإخراج الشخص الغاضب الراقد بداخلي أعلم ذلك، ولا يخلصني أن تكون بيلا حبيبتي تريد شيئا ولا أقوم بتحقيقه لها، فما رأيك في ذلك بيلا؟

نظرت له "إيزابيلا" بنظرات تحمل الهلع وأردفت فى توجع وخوف بهرجلة وهي تحرك يدها بطريقة مضحكة:

-إيان حبيبي ماذا بك!، أنت تتحول أم ماذا!، اهدئ اهدئ أخي، أعصابك لن تتحمل، فتاة صغيرة وأخطأت هل ستضع تفكيرك بتفكيرها الأحمق أم ماذا؟

ابتعد عنها "إيان" ولكنه لم يترك خصلاتها وقال بجدية قبل أن يتوجه إلى غرفته لكي يرتاح من عناء اليوم:

-آخر مرة أسمع إينو تلك بيلا، تعلمين أنها تثير غيظي، أتفهمين؟

هزت رأسها مومئة بالإيجاب وملامحها المرتعدة تثير الضحك الذي يكتماه والدتها وأختها فى حين أكمل "إيان" تقريعه لها:

-وأتمنى أن تكفي عن مراوغتك قليلا فقد أضحيت بلهاء للغاية.

من جديد هزت رأسها له بانصياع لما يقوله واشارت له بيدها كى يكمل ما يريد قوله:

-سأتوجه الآن للنوم، صوت أنفاسك وهي تدخل وتخرج لا أريد أن استمع إليه.

لم يعجب "إيزابيلا" نهائيا لهجته الآمرة تلك، وبعادتها المعاندة للغاية تخصرت بإحدى يديها، وعقبت بغير رضاء واضح:

-ماذا تعني أنت بأنك لا تريد ان تستمع لصوت أنفاسي؟، ألا أتنفس أنا لكي أمت؟

دنا "إيان" منها وعينيه تحمل نظرة غير قابلة للتهاون على الإطلاق تلك المرة، رفع إصبعه أمام وجهها، واستطرد بنبرة غير قابلة للنقاش قائلا:

-لا اريد ان استمع لصوتك إيزابيلا، إذا استيقظت على صوتك الأخر، رد فعلي لن يعجبك صدقا.

لاحظت "إيزابيلا" جدية كلماته تلك المرة، ولكي لا تثير حنقه أكثر لرؤيتها الإرهاق البادي عليه من ناحية أخرى، وبمرحها الدائم على كلماتها رددت وهي تستخدم يديها مع الحديث:

-انا لا اتنفس ليلا بالاساس، تفضل انت سيدي، نم كما تحب، لن تشعر بوجودي في البيت نهائيا.

رمقها "إيان" بنظرة يتحرى فيها عن صدق كلماتها، ولكنه ما لبث أن بدأ في السير نحو غرفته، تأكدت "إيزابيلا" من دخوله وغلقه للباب، لتوجه نظراتها التي ما يزال ظاهرا عليها آثار الغيظ، وبنبرة تحمل العناد قالت:

-سأتكلم ولن أصمت ولنرى ماذا سيفعل حيال ذلك..

بُتر باقي الكلام في حلقها عندما وقع على سمعها صوت "إيان" القادم من داخل غرفته المغلقة قائلا:

-ماذا قلت منذ هنيهة انا؟

التفتت "إيزابيلا" برأسها على الفور تجاه غرفة شقيقها، وقالت بصوت مرتفع ليستمع له من الداخل:

-لقد خلدت إلى النوم.

نفخت "إيزابيلا" في ضجر عارم، فهي كانت تظنه يمزح في الأمر، فلا يُعقل أن تظل صامتة كالجماد، لم تكن تريد ان يتناحرا معا بسبب هراء كهذا، لذا أخبرت والدتها وشقيقتها الآثرتين الصمت كابحتين ضحكة تحاول التفلت من حلقهما:

-ساتوجه إلى الداخل لكي أنام، وهذا فقط لأنه آتٌ من العمل متعب ولا اريد ان أضاعف من تعبه واماطل معه في الحديث، لكن إذا كان الأمر غير ذلك لكنت...

لم تكمل هي باقي عبارتها التي كانت مليئة بالغطرسة، التي خبت عندما هتف "إيان" الذي قام بفتح باب غرفته مرددا بحدة:

-إيزابيلاا.

تشكل على ملامحها في خلال لحظة أمارات الحنق، وراحت تبرطم وهي متوجهة نحو غرفتها بكلمات ضائقة:

-ألن استطيع التحدث في بيتي، هذا أمرا يثير الحنق حقا، لقد مللت هكذا من العيش معكم.

اغلقت هي باب غرفتها وهي تتأفف بضجر، لينفجرا كل من "كاميليا" و"إيلا" في الضحك على الأخرى، فقد حاولت أن تصدر جلبة وتعبث معهما، لينقلب الامر عليها كالعادة عندما يتدارك "إيان" مراوغتها المرحة، شاركهما "عدي" ضحكهما، والذي كاد يجلس أرضا من شدة الضحك، على صوت برطمتها الذي لم يخبُ بعد، حتى من وراء باب غرفتها، واصلا إليهم صوت كركبة بداخل حجرتها، معبرا عن إفراغها لشحنة غيظها العارم المتسبب به الآخر في محتويات الغرفة.





تنهد "نيكلاوس" وهو يراجع التقارير التى تُقدم فيما بعد إلى الإدارة التنفيذية ثم تفقد وجه صديقه "جوسيف" قائلا فى عملية بحتة:

-هذا جيد حدا، كل الملفات التي بعثت لي راجعتها ويوجد بعض الملحوظات ارسلتها إلييك على البريد الإلكتروني الخاص بك، اريدك أن تلقي نظرة عليهم وإذا اردت ان تضيف شيء، افعل ولكن ابلغني بالأمر.

أوما له "جوسيف" وهو يغلق الحاسوب الموضوع أمامه على المنضده الملحقة بالمكتب تنهد هو الآخر بتعب وأجابه فى هدوء:

أخذت فكرة سريعة عنهم الحين، وحسنا سأقوم بمراجعتهم، وإذا وجدت شيء ينبغي أن يضاف سأعلمك.

همهم له "نيكلاوس" فى إيجاب ثم نهض متوجها إلى شرفة مكتبه الزجاجية يطالع الخارج كعادته بنظرة فارغة ليلاحظ عليه صديقه شروده منذ بداية اليوم ليحمحم سائلا:

-هل يوحد خطب ما حدث نيكلاوس!، اشعر أنك لست على ما يرام اليوم

نظر له "نيكلاوس" بنصف التفاته قائلا:

-أبي تلك الفترة حالته لا ترضيني، التعب زائد عليه للغاية، وأصبح الحزن طاغيا عليه أكثر من ذي قبل، آخر مرة كنت أزوره بها لم أشعر أنه سعيد لرؤيتي، حتى انه لم يلمني على بقائي في بيت مخر بمفردي كعادته، كلامه نفسه كان قليلا للغاية.

زفر فور انتهغئه فى ارهاق وجلس على الأريكة المجاورة له مكملا فى حزن يحاول إخفائه:

-اعلم أنه لن يعود مثل الماضي مجددا، ولكنني لا اريد ان تسوء حالته عن الوضع الحالي.

رفع بعد انتهائه منتلك الكلمات المشبعة بالحزن، ونظر إلى صديقه سائلا:

-ألم تذهب إليه نهائيا الفترة الماضية؟

هز "جوسيف" رأسه بالسلب ثم أجابه بهدوء:

-لم يكن عندي متسع مت الوقت نهائيا القترة الماضية يسمح لي بالذهاب إليه، ولكنني كنت مرتبا ان اذهب إليه في العطلة الأشبوغية وكتت سأخبرك ان نذهب سويا، اريد ان نقضي معا اليوم، فنحن لم نفعلها منذ مدة كما ان عقلنا تكتمل بالاعباء من العمل ونريد ان نصفي فكرنا قليلا.

ابتسم "نيكلاوس" ابتسامه لم تلامس عينيه ثم قال له:

-عندي بعض الاعمال سأحاول جاهدا ان انهي منها ذلك الاسبوع، وسأقوم بإلغاء اي موعد او اجتماعات الاسبوع المقبل وسأقضيه رفقتهم.

أبتسم "جوسيف" له صديقة ونهض قائلا بسعادة طفيفة:

-هكذا أفضل، فانت تحتاج أن تفصل عن ضغوطات العمل قليلا، سأذهب انا إلى الفرع خاصتي، لكؤ لا أتأخر زيادة عن ذلك.

أومأ له "نيكلاوس" بعدم أكتراث نهائيا أو تركيز فيما قاله فأصبح حال والده أكثر أمر يعنيه حاليا ويشغل كامل تفكيره ولهذا قرر أن يترك العمل على جنب الفترة القادمة فهو لا يستطيع أن يترك والده فى حالة كهذه ، لم يتبقى له سواه ولن يتركه على حالته.

يُتبع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي