سأكون الجزء الثاني

هبةابورحاب`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-10-01ضع على الرف
  • 8.1K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الحب البرئ

الفصل الثامن والعشرون
سأكون
الجزء الثاني
لديها يقين أنه يشعر بها، هل تتوهم اهتمامه الشديد بها وبكل خطواتها، لا تعرف لما تنتظر منه كلمة مجرد كلمة يلقيها عليها تجعل يومها بلون السماء الصافي التقي، تغرد مع كلمته كالعصفور حين يشبع و يجد من يفتح له قفصه فيطير في سماء السعادة والحرية والأمل.
هو لا يتحدث كثيراً لا تنكر هذا ولكن يكفيها أن تكون إحدى اهتمامات يومه المزدحم بكل الأعمال مثله مثل كل الأطباء في بداية عملهم، يكن الضغط عليهم من أشد ما يكون.
تنهدت في حب وصورته لا تفارق خيالها حتى اصطدمت بإحدى الممرضات التي نظرت إليها في كره شديد كاد أن يصيب شمس بالجنون، لا تعرف لما كل هذا الكره في هذا المكان، تعمل في مكان آخر بنفس طريقة عملها هنا وبنفس التعامل مع الأطباء والمرضى وكل العاملين معها، إذن لما يكرهونها هنا.
لم تقف كثيرا أمام تلك النظرة التي تشعر بأنها قسمت روحها نصفين، بل تحركت في آليه ناحية عنبر المرضى لتنجز مهامها بسرعة لتجد الطبيب مهاب أمامها يبتسم لها ابتسامته المشجعة كالعادة ويهتف في هدوء:
_ يوجد تأخير خمس دقائق يا شمس، هل يصح هذا من ممرضة منضبطة مثلك، هذا من الممكن أن يضيع ثلاث نقاط منك ونجمة لامعة أيضا.
ابتسمت شمس فهي تعرف جيدا كم هو منصف للغاية ومن أكثر الأطباء الذين يحترمون ويقدسون العمل الجاد ولا يتركون أهوائهم تتحكم في سير العمل على الاطلاق.
هتفت في هدوء واحترام:
_ بالفعل هناك تأخير دكتور مهاب ولكن لست أنا السبب في حدوثه.
نظر إليها متسائلا دون أن ينطق به فأجابته في سرعة:
_ لقد طلب مدير المستشفى تقريراً وافياً عن إحدى الحالات فورا دون أي تأخير فاضطررت للبحث عنه بمنتهى الجدية حتى وجدته وتم إرساله لمعرفة تطورات الحالة.
تنهد مهاب وهو ينظر إليها والاعجاب واضح في عينيه، يثق فيها ثقة عمياء ويعلم إنها ليست كحال بعض العاملين هنا من الأطباء وطاقم العمل ككل، لا يدرى لما تعود العاملين في الدولة كهيئة في كل مكان على التذمر والشكوى وكم ينعكس هذا على ادائهم في وظيفتهم ومدى اهتمامهم ورعايتهم للمرضى.
تنهد وهو يلقي هذه الافكار من رأسه فليس هذا اوانها واستعاد شخصيته المهتمة بكل تفاصيل للمرضى والعمل بشكل عام وهتف بها في هدوء عملي:
_ مريض غرفة اثنان وسبعون لم يصرف له الدواء حتى الآن يا شمس! من يا ترى السبب في هذا التأخير الغير منطقي بالمرة؟
جاوبه صوت آخر في رقة شديدة واهتمام واضح به:
_ القرار من مدير القسم دكتور مهاب ولا أحد يستطيع معارضته فيما يأمر به.
ظهر الغضب والضيق على وجه مهاب وهو ينظر إلى سعاد في تذمر واضح وتساءل وهو يجز على اسنانه غيظا منها قبل مدير القسم:
_ وهل لي أن أعرف سبب قرار مدير القسم دكتورة سعاد؟ ام أن الأمر سر لا يدرى أو يعرفه احد على ما اظن!
دق قلبها في عنف وهى تتطلع إليه , هكذا الرجال واما فلا، لا يخشى أحد على الإطلاق ولا يهتم الا بعمله وواجبه، شخصية مثل مهاب تثق ثقة عمياء ما إن يسقط في الحب حتى يعشق بكل جوارحه، لا يعرف الغدر او الخيانة، كم هي محظوظة من تسقط في حب شخص مثله ويبادلها نفس المشاعر.
تنهدت وهى تنظر إليه في عينيه مباشرة مما سبب له التوتر للحظات وكم اسعدها هذا للغاية وهتفت في بطء محاولة اطالة الحديث معه لأطول فترة ممكنة متناسية وجود شمس تماما:
_ الحالة تحتاج علاج غالى الثمن ايها الطبيب وهذا العلاج لا يتوفر هنا بكثرة بل كمية تكاد لا تكفى فردين كل شهر، وحاليا يوجد داخل المكان حالة تستحق العلاج اكثر منه، لذا قرر مدير القسم إعطاء العلاج بالتناوب ما بين الحالتين.
كاد مهاب أن يجب شعره في جنون من شدة الغيظ، صدقا هو لا يطيق التعامل مع تلك المسماة سعاد رغم جمالها الواضح الاخاذ ورقتها ونعومتها والتي يشعر أحيانا انها كرقة الأفاعي وتلونها، لا يعجبه كثره حديثها مع كل اطباء بدون استثناء ولا حتى خروجها المستمر معهم حتى لو كان الامر أمام الجميع وفي اماكن عامة، يقنع نفسه أنه لا حقا لديه بالضيق من تصرفاتها الطائشة المستهترة ولكن هكذا هو لا يتحمل الخطأ بكل اشكاله ويكره أن يرى فتاة مثلها تعيش حياتها بكل هذا الاستهتار والتسيب، اشاح بوجهه للناحية الأخرى مستغفرا ربه هاتفا في صرامة:
_ لن يمر هذا الموضوع مرور الكرام على الإطلاق، بل لابد من وقفة حاسمة لنقص الأدوية داخل الأماكن التي
تستقبل مرضى من سائر أنحاء البلاد بل أحيانا يأتي الي هنا وافدين من بلاد أخرى هل وقتها نخبرهم أنه لا علاج لدينا.
لم ترد سعاد عليه بل ظلت تحاول أن تجذب عينيه مرة أخرى إليها إلا إنها فشلت في هذا تماما فتوقفت وهى تزفر هاتفة في نبرة عصبية بعض الشيء:
_ من المقترض أننا نكن على دراية كاملة بمستوى الخدمات الصحية التي توجد لدينا ولا نحمل الإدارة أي مسئولية لقرارات ترى أنها في الصالح العام ومن أجل المجتمع.
تنهد مهاب ولم يرد عليها فهو يعلم داخله أن الإمكانيات المتاحة ليست كافية ومهما كانت الدولة غنية لا يمكن تدبير كل العلاج الكافي خصوصا عندما يكون هذا العلاج من الخارج وتكلفة الحصول عليه ليست بالهينة أو البسيطة، تحرك من أمامها ليزداد ضيقها فتصب جام غضبها على شمس التي كانت تقف بجوار الطبيب مهاب فتصرخ فيها في حدة:
-  هل لي أن أعرف سبب وقوف الطبيبة الهمام العالية المقام شمس ما بين الأطباء أثناء الحديث أم لدي سيادتك تعقيب لما قيل.
تراجعت شمس للخلف في خوف شديد وهى لم ترد عليها على الإطلاق بل تحول وجهها للون الأصفر من شدة الشحوب، تحركت محاولة الفرار من أمام سعاد فليس من الجيد الوقوف أمام تلك الكتلة الصافية من الكراهية الموجهة إليها بكل قسوة.
جز مهاب على أسنانه وهتف في عنف ليرد الصاع صاعين لسعاد:
-  هناك من البشر من لا يعرف كيف يتحدث بأبسط أصول الذوق العام في الحديث، لا يعرف كيف يتعامل بلباقة وهذا ما يحيرني بكل صدق سعاد.
تحولت عيناها للون الأحمر القاني كشلال من الدماء ينساب عبر أخاديد محفورة، تتمنى لو تستطيع الرد عليه بما يفحمه ولكنها صمتت على مضض، لا تريد أن تخسره أبدا وتتمنى لو يكن لها ولا تدرى ماذا تفعل لتقترب منه قيد أنملة ولكن على ما يبدو أنها تظهر أمامه ككتلة من الأخطاء التي لا علاج لها .
توقف الحديث والحدث وتحرك كل منهم إلى عمله في انكسار سببه الآخر والاخر لا يشعر إلا بنفسه.
دخلت شمس بعد عدة ساعات حافلة من العمل الجاد المتواصل كانت شمسا حقا وهى تعطى الأمان والأمل والضوء لجميع المرضى التي تدخل عندهم لتطمئن عليهم.
دق باب غرفة الاستراحة والتي كانت لوحدها داخلها فتعجبت من هذا الأمر فالجميع يفتح الغرفة مباشرةً ويدخل دون استئذان على الاطلاق، توترت وهى تقترب من الباب وتهمس كأنها داخل منزلها وليس غرفة في مستشفى لجميع العاملين.
سمعت صوتا تعرفه وتشتاق إليه للغاية يهمس في هدوء:
-  أنه أنا يا شمس، كنت أبحث عنكِ طوال اليوم وأخيرا وصلت إلى هنا بالطائرة رقم مائة وست وخمسون.
ابتسمت في سعادة وتهلل وجهها وهى تفتحه هاتفة في مرح هي الأخرى:
-  حسنا أيها الطبيب المقدام، طائرتك وصلت بسلام ولكن الا تظن أنها وصلت لمنطقة خطر وهذا ليس في صالحك على الاطلاق.
تنهد بصوت وصلها كتغريد الطيور في الصباح الباكر، هي لا تستطيع السيطرة على كل هذه المشاعر الجياشة والحب الذى يتملكها يوما بعد يوم والأدهى أنه يغديه باهتمامه الواضح بها وكم تخشى من الأيام المقبلة.
أسرعت بالخروج إليه في لهفة وشوق ورفضت في صرامة ووضوح أن يدخل للغرفة فهي لا تريد لسمعتها أن تهتز لأى سبب من الأسباب وهتفت في تساؤل:
-  ماذا هناك دكتور أحمد؟ غريب تواجدك الان وفى المكان تحديدا والوقت ليس مناسباً على الاطلاق.
أقترب منها بضع خطوات لتتراجع هي للخلف في هلع فلم تعتاد على حضوره الطاغي وانعدام ثقتها بنفسها أمامه، كيف مثله ينظر لمثلها، ليست الفكرة جمال هي بل وضع اجتماعي وفرق شاسع ما بين طبيب وممرضة حتى لو كان مثلها فقير الحال لكنه طبيب مازال أمامه المستقبل بكل أبوابه المشرعة أمامه، أما هي ففي رقبتها إخوة ما زالوا صغارا يحتاجون وجودها لعدة سنوات ليست بالقليلة، تنهدت وكل هذه الأفكار تهاجمها في ضراوة لتسمع منه ما جعل كل دفاعاتها تسقط مرة واحدة:
-  شمس أنا لا أستطيع النوم من كثرة التفكير بكِ لقد شغلتي كل فكرى ولا أستطيع الفكاك من محاصرة صوتك وصورتك .
والصمت، الصمت فقط كان سيد الموقف والسائد في المكان.
نهاية الفصل الثامن والعشرون
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي