احتاجك

الفصل الخامس والثلاثون
سأكون
الجزء الثانى
تنهدت وهى تتحرك في شقتها في هدوء وروية، هى سعيدة لا تنكر فزوجها عاطف إنسان قمة في الأخلاق والأدب يتعامل معها على أنها اميرة متوجة لا أحد يضايقها وكل طلباتها مجابة، زفرت وهى تشغل هاتفها على إحدى الاغانى المفضلة لديها حيث كانت تشكو قسوة الهجر وبعد الحبيب.
هى تريده كزوج، تريد حياة طبيعية معه، تعلم أنه لا ينجب وتعلم أن هذا يؤثر على نفسيته تماما ويدمر كل ثقته في نفسه، ستحاول قدر المستطاع أن تجعله يعترف باهتمامها وحبها الوليد له، هو يستحق العشق بكل أنواعه فهو رجلا بصدق يعرف كيف يدلل زوجته .
زفرت في ضيق وهى تدندن المعزوفة وتبدأ في تجهيز طعام الغداء وتغرق في التفكير حتى أنها لم تشعر إلا به يهتف بها في صوت اجفلها وجعلها تقفز إلى الأعلى مترين وهى تسمى بأسم الله الحافظ:
-  ما هذا الصوت الجميل، لك صوت ساحر ميساء بالفعل.
نظرت إليه وهى تضع يدها على قلبها لتهدأ نبضاته التى تقافزت كساعة بوصلة ضربها البرق فتحركت في جنون في جميع الاتجاهات دون هدف لتستقر عليه.
أبتسم حين رأها على هذه الحالة وهتف بها في هدوء حتى يخلصها من هلعها الذى تسبب لها فيه:
-  اشم رائحة الطعام على ما يبدو أن لدينا طباخة ماهرة ونحتاج فورا إلى التذوق حتى نحكم على مدى جودته، هل هو جاهز أم عليّ الصبر حتى العشاء فالجوع نال منى الكثير يا صغيرة.
نظرت إليه في اضطراب وهى تحاول إخفاء إعجابها الشديد به وهربت بعينيها من نظراته المدققة بها وهى تقول في صوت خافت يكاد لا يسمع:
-  كلا يمكنك أن تقوم بتغيير ملابسك وغسل يديك والطعام سيكون معدا على الطاولة في غضون ربع ساعة على الأكثر.
أبتسم وهو يتنهد في حسرة هاتفا لنفسه وهو يوليها ظهره:
-  ماذا تفعلين بي يا صغيرة؟ لا أريد أن اقترب منك ولا أريد اقترابك، لن تحتملي اثق في هذا، أنها غريزة لا يمكن التحكم بها وبالذات لدى النساء.
أسرع ناحية الحمام ليبدل ملابسه في سرعة وهو يحاول ضبط نفسه على أن يتقبل وجودها مؤقتا في حياته ولا يريد أن يحملها فوق طاقتها فليس هذا بالشيء الجيد على الإطلاق .
جلسا على طاولة الطعام متقابلين وبدأت هي في الغرف أمامه في نظام يخلب اللب، لم يستطع الصمت فهتف في حرارة:
-  شكرا لك ميساء، لم اذق في حياتى طعاما مثل هذا الطعام، تكفى رائحته حتى أشعر أنى جائع تقريبا منذ عصر الديناصورات.
وضعت يدها على فمها وهى تضحك في سعادة و مرح وتخفض بصرها للأسفل فهتف بها مرة أخرى مما زاد خجلها:
-  حتى ضحكاتك صغيرتى تزيد من جوعى، هل تصدقين ذلك؟
هزت رأسها موافقة دون رد فعل، لا تعرف بما ترد عليه فهو حنون حد الألم صادق كما لم ترى او تسمع عن رجل من قبل، فهل لم ترى وتسمع إلا الكاذبون فقط تنهدت وهى تمد ناحيته قطعة من اللحم بحركة عفوية لم تقصدها وفوجئت بنفسها تفعلها بكل بساطة .
فتح عاطف فمه يلتقط قطعة اللحم في هدوء حتى لا يشعرها بالحرج او أنه مستاء من وجودها وعنايتها به.
أسرعت بنفض يدها وهى تتحرك من مكانها في سرعة بعد أن تحول وجهها للون الأحمر المحبب له من بعد أن قامت بتلك الحركة التى خطفت قلبه ببراءتها وشقاوتها في نفس الوقت، تراجع للخلف في راحة وهو يتطلع إلى ظهرها البض الجميل وجسدها الممتلئ قليلا وهذا يعجبه صدقا، يتساءل في دهشة هل يمكن أن تتغير القلوب بكل هذه السرعة، مجرد يومين فقط وأصبح يعتاد على وجودها واهتمامها الفائق به، لقد عرفت كل عاداته واهتمت باهتماماته، ضحك فجأة حين تذكر أنها توقف عاداته السيئة بالنسبة لها على الرغم من أنه يرى أنها شئ بسيط لا يحتاج لكل هذه التعديلات وخصوصا شرب الماء المثلج من الزجاجة مباشرة، كم تكره هى هذه العادة حتى انها ما إن تسمع صوت باب الثلاجة يفتح الآن حتى تجرى إليه لتمنعه من هذه الجريمة البشعة النكراء التى يفعلها في حق زجاجة المياه وتحضر له كوبا نظيفا ليصب داخله الماء وتصر أن يشرب أمامها حتى يرتوي.
تنهد في عمق وتفكير الآن يريد أن يجعلها زوجته رسميا ويخشى هذا الأمر بشدة، عقله لا يطاوعه على ما يتمناه قلبه ويتلهف له فؤاده وهذا يثير جنونه ويجعله يتساءل في دهشة هل احب زوجته الأولى قط؟
أما هي بالداخل فكانت أكثر منه ارتجافا وتعبا وتفكيرا، لا تدرى ماذا تفعل حتى يدرك أنها ارتضته زوجا لها، كذب إن قالت إنها لا تريد أن تصبح أما فلا توجد امرأة على وجه الأرض لا تريد هذا ولكن وجود مثل هذا الرجل المحب المراعى في حياتها هي كل ما تحتاجه حاليا.
أسرعت بتجهيز الشاى وهى تفكر كيف تسحبه لدوامه قلبها الذى يفرد شراعه ويفتح أبوابه على مصراعيه بانتظار دخوله إلى حياتها وعيش حياة طبيعة تحلم بها منذ أن كانت صغيرة، زوجة محبة مراعية. زوج حنون يبذل قصارى جهده من أجل سعادتها. لقد فقدت أهلها في سن صغيرة للغاية واضطرت للعيش في بيت خالها لا تنكر أنه أرحم من أن تلقى في أحد الملاجئ بكل بساطة وقد كانت زوجة خالها تريد ذلك بكل صدق وتكرهها للغاية ولا تدرى لهذا سببا، تنهدت وعينيها تذرفان دموعا صامتة وهى تتذكر طريقة المعاملة الغير آدمية منها ومن ابنتي خالها حيث الغيرة والحقد منها نال من صحتها وتم طحنها عملا داخل المنزل واستطاعت بالكاد وبمجهود ثقيل للغاية أن تحصل على شهادتها الجامعية .
كان الكثير من الخطاب يطلبون ود ابنتي الخال اما هى فللعجب لم يتقدم لخطبتها شخص واحد حتى بعد أن انتهت من دراستها وظلت بالمنزل حوالى ثلاث سنوات ولم يتقدم لها أى أحد وكم كسر هذا قلبها وخصوصا أنها ليست بهذا القبح الذى اشعروها به، حاولت البحث عن وظيفة لتعمل بها إلا أن هذا الأمر كان خاطئا للغاية فمعظم الأعمال لا تتناسب مع مؤهلاتها والأدهى من هذا من كان يتعامل معها على أساس أنها سلعة تباع وتشترى ما دام وفر لها وظيفة لديه مما جعلها تترك فكرة العمل تماما وتفكر في طريقة للخروج من بيت خالها في هدوء ودون أن تؤذى نفسها، وجدت نفسها دون وعى تشترك بإحدى مؤسسات طالبي الزواج عن طريق أحد صديقاتها التى حكت عن هذا الموضوع صدفة أمامها وكتبت أنه لا شروط لديها في طلبهاالذىقدمته.
وفجأة قاطع تفكيرها صوت هادئ يهمس خلفها:
-ميساء احتاجك.
نهاية الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي