أقدار شيطانية

مى شغف`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-12-26ضع على الرف
  • 135.1K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

أعلم ماذا تعني كلمة معاناة منذ نعومة أظافري، فأنا أعيش فى ذلك الألم منذ المهد، ولكن مأساة حياتي بدأت منذ الطفولة، مع بداية نمو مشاعر العاطفة الأولى داخل قلبي الصغير.

عندما بدأت أتعلم مرادف كلمة حب، وما تعني تلك الكلمة الصغيرة ثنائية الحرفين، فهذان الحرفان كانا الأصعب على عقلي استيعابه، ولم أتوقع أن أقع فى الحب مرة أخرى بشكلاً طبيعياً وتلقائياً.

منذ البداية كان من الصعب أن أقع فى الحب؛ كما يفعل معظم الفتيان فى مثل عمري، بسبب ذلك المرض اللعين.

لذلك كان يجب أن آخذ نفسا عميقا بكل قوتي وأبتعد بعيداً، عندما بدأ ذلك الإحساس الغير اعتيادي فى التحرك تجاهك، ذلك الإحساس الذي انتهى بالألم من قبل البدء والخطو فى أولى خطواته.

أنا فقط توقعت رغم كل الألم الذي حييت به خلال حياتي السابقة الممتلئ بالمرض والإرهاق، إلا أنها لم تكون شيء كبير فى النهاية، وأنه بعد انتهاء كل شيء سوف نتقابل مرة أخرى، لنعيش ونحيا معا الأبدية حتى النهاية.

ولكن إنها بالفعل الحياة التي تجعلك تعيش الألم، وفى مقابل كل ذلك الألم الذي أعيش وأشعر به الآن، سوف تتغير الحياة وتتحول إلى مستقبل مختلف وأفضل من الحياة التي أعيشها الآن.

وفى كل لحظة من هذه الحياة الجديدة التي منحت ووهبت إلي بكل مصائبها، ورجائها، ودموعها، وأمانيها سوف أعوضك عنها بكل قوتي.

ولكن كل ذلك حدث قبل ذلك الحدث المرير الذي أمتلك من عقلي المخيب، عندما حان مواجهة شبح الماضي بشجاعة.

لم أكن أعلم حينها أني أعيش داخل عالم ممتلئ بالوحوش المفترسة، التي ترتدي قناع الإنسانية وتبتلع كل ما هو جميل ونقي فى ذلك العالم القاتم، الذي أباح افتراس كل شيء محرم وبرئ فى ذلك المجتمع المقيت، الذي أمتلأ بالمرضى النفسيين.

التي هي عبارة عن أشباح متمردة، فى جسد إنسان مجردة من الحس الإنساني، تواجدت نتيجة الجشع، والحقد والحقارة، وعشق الامتلاك، وطمع فى سلب ما يمتلكه الغير، واغتصابه دون أدنى حق فى ذلك.

لكن ما حدث مع فتاتي المسكينة سما الكردان، أسوأ وأقصى بكثير مما يتخيله العقل البشري، ولا يستطيع أن يتحمله القلب الإنساني، كانت سما الكردان هي البراءة التي اغتصبها جحود المجتمع وأشباح الإنسانية.

أتذكر عندما لم يكون لدي فرصة فى أن أحيا حياة طبيعية مثل معظم البشر، عندما كنت أعاني من مرض وراثي خطير.

ولكن رغم كل ذلك كانت الحياة بسيطة وجميلة، وبرغم كل معاناتي الجسدية والنفسية المستمرة، ومعارك الألم التي أحاربها ضدها كل يوم بكل طاقة وقوة وكبرياء.

وبرغم نصيبي الكبير من الألم الذي يسببه ذلك المرض اللئيم، الذي بدأ يأكل روحي وعقلي، والذي كان يدق الساعات الأخيرة من تلك الحياة القصيرة.

وبرغم دموعي التي كُنت دائماً أقوم بسجنها داخل قلبي، واظهار قوة إرادتي التي كانت لا تفيد بشيء امام ذلك الألم القوي الذي أشعر به كل يوم، برغم كل ذلك لم أهتم بشيء ولم أعد أهتم بشيء؛ فما تبقى لي فى تلك الحياة من العمر ليس الكثير.

ولكن مع لحظاتي الأخيرة، اشتقت إلى شخص واحد فقط، اشتقت إلى رؤيتها للمرة الأخيرة.

سما الكردان أجمل فتاة شهدتها عينيا طوال حياتي القصيرة، سما الفتاة التي كانت حلم حياتي عند رؤيتها منذ اللحظة الأولى، الفتاة التي كان مجرد التفكير بها؛ يعطني القوة والإصرار على التحمل.

لكن لم أكن أتخيل أبداً بعد كل ذلك الاشتياق أني سوف أقابلها مرة أخرة، ولكن تلك المرة كانت خلال لحظاتي الأخيرة، مع ذلك القلب المريض الذي أحبها بشدة، الذي سيموت مع كل مشاعره وأحاسيسه التي أمتلكها وكونها تجاها، وحين تم تحقق أمنيته الأخيرة.

كانت تلك الأمنية بالفعل الأمنية الأخيرة، ولكن تلك الأمنية قد تكون السبب فى وجود التعاسة مدى الحياة، بسبب حبي الوحيد الذي تحول وأصبح حلم بعيد المدى.

ولم أستطيع أبداً النيل منه رغم كل رجائي ودعائي ودموعي، وسيكون الأمر الأصعب الآن، هو الوصل اليها، حتى إن بكيت طول حياتي وتحولت تلك الدموع إلى نهر من الدماء، فذلك لن يحدث أبداً.

الآن سأقص عليكم قصة حياتي المؤلمة والتعيسة، أنا كريم وجدي العلاوي، أبلغ من العمر خمسة وعشرون عاماً، أنحدر من أكبر عائلات البلاد، من وسط النخبة المميزين، منحدر من الذين يطلق عليهم الأقلية.

وهم الواحد فى المئة، تلك النخبة التي يعتبر من أكبر وأغنى عائلات العالم والوطن العربي، والذين يحتلون الوطن العربى اقتصادياً وسياسياً.

أمتلك منذ مولدي مرض قلب مزمن، يلازمني منذ الولادة، جعلني قضيت أغلبية أوقات حياتي الذهبية، بين جدران غرف المشافي وغرف الطوارئ، وبرغم كل ذلك تحولت من طفل إلى شاب متفوق فى الدراسة، أدرس دائماً وباستمرار داخل غرفة المشفى الكئيبة.

رغم كل الظلم الذي يحتل داخل أعماق روحي كان يجب على الاستمرار، رغم كل الألم الذي أشعر به كان يجب على التحمل، لأجل والدي الذي كان يتحمل معي عذاب ذلك المرض البائس.

كان يشجعني والدي بسبب شخصيته القوية التي لم تخسر أو تتحمل الفشل والاستسلام أبداً؛ لذلك لم أستطع الشكوى من الإرهاق والاستسلام مثل معظم الأطفال المريضة.

كنت أقضى أغلبية الوقت داخل المشفى، أضيع معظم وقتي بين المذاكرة والفحوصات، أحيانا عندما تتحسن صحتي ويسمح الطبيب، أذهب إلى المنزل لقضاء الوقت والبقاء فى غرفتي، التي لم أعد أتذكر ملامحها، كانت تلك اللحظات تمثل بالنسبة إلي كقضاء الإجازة الصيفية.

أذهب إليها فقط عند يعتدل معدل النبض، ولكن كان والدي يحرص دائماً على وجود معلمين من حولي، لتعليمي كل شيء من المواد الدراسية الإجبارية، إلى تعليم مواد دراسية ولغات غير مطلوبة على أمل أن تأتي فرصة وأستطيع العيش وأقود تلك العائلة وأعمالها.

رغم فقدان الجميع الأمل فى شفائي، كل من عائلتي والاطباء حتى الذين جلبهم والدي من الخارج لعلاجي، إلى الذين كانوا يتبعون مؤشرات قلبي، والحالة الجسدية والصحية، ولكن والدي رغم كل المؤشرات الضعيفة التي يخبره عنها الجميع، وهو أن يستعد لأن أيامي معدودة.

رغم كل ذلك كان والدي طموحه كبير تجاه حياتي، يعطني الأمل فى الحياة وسط كل الألم والأدوية، وكل العمليات الفاشلة التي قامت بها.

ومع ذلك جعلني طموح والدي أن أحب الحياة واتمسك بها تلك التي تجلب إلى قلبي الضعيف القوة والشجاعة، وتجعلني أريد أن أحيا وأقاوم كل الألم الذي يشعر به جسدي المريض الضعيف.

أمتلك شهادة ثانوية عامة، وأيضاً عدد من اللغات المتعددة، وتعليم يسبق تعليم الجامعات الكبيرة، ولكن لم أمتلك شهادة جامعيه حقيقة؛ بسبب أني لازلت أدرس فى الجامعة، رغم مرضي رفضت الالتحاق بالجامعة عن طريقة الامتحانات داخل المشفى.

طلبت من والدي والطبيب الحضور الفعلي فى الجامعة من أجل الامتحانات، لم أفعل ذلك بسبب صعوبة المناهج الدراسية الجامعية.

ولكن لعدم امتلاك فرصة من أجل حضور الدارسة مثل الطلاب الذين فى مثل عمري داخل الجامعة، كنت احارب والدي دائماً لأجل التوقف فى الدراسة بالجامعة.

لأنني أريد أن أدرس فى الجامعة حين يتم شفائي، وأذهب إلى هناك مثل الجميع، ولكن فشلت فى أقناع والدي، لذلك أخذت امتحانات الثلاث سنوات داخل غرفة المشفى، ولكن فى السنة الأخيرة فشلت عن قصد فى الامتحانات أكثر من مرة.

وعندما وجد والدي مدى عنادي واصراري، توقف عن إجباري على أخذ الامتحانات لأخر سنة فى الجامعة.

استمر والدي فى محاولة أقناعي بأن أهتم بالدراسة الجامعية، ولكنني استمريت بالرفض؛ لذلك استسلم والدي ووافق على عدم متابعتي الدراسة، ولكن رغم أقناعه لي تسبب ذلك إلى إحساسه بالإحباط واليأس.

ذلك جعلني أشعر أن والدي بالفعل استسلم لذلك المرض الذي كان يتمكن من قلبي، شعر عقلي بإحساس عدم الأمان، وإحساس فقدان الأمل فى تلك الحياة.

عدم القدرة على الذهاب إلى الجامعة جعلني أشعر بالحرمان، كان يكفيني عدم القدرة على عيش حياة طبيعية طول الفترة الماضية مثل الجميع، كالذهاب إلى المدرسة للدراسة، وامتلاك أصدقاء، والخروج والمرح والسهر والسفر.

والأهم من كل ذلك هو تجربة الدخول فى علاقة وقصة حب مثل كل الشباب، فأنا مثل كل الشباب المراهقين الذين فى مثل عمري؛ أريد أن أفرح وأحب وأبتسم بسعادة، وأيضاً أمتلك سر عن قصة حب أول، قصة حب لم تبدأ ولم تكمل، تعيش بين أضلعي داخل هذا القلب المتهالك.

وعدم وجود بداية فى تلك القصة تجعل قلبي المريض يشعر بالشفقة لأجل نفسي، ولكن كانت تلك القصة قصيرة جداً لكي تحتسب، فكان مجرد أعجاب من طرف واحد، وتعتبر أيضاً قصة حبي الأول الذي جعل قلبي المتهالك يرتعش وينبض بكل قوة.

لأول مرة جعلني ذلك أشعر بأني إنسان ذو جسد طبيعي ويمتلك مشاعر طبيعية مثل الجميع، وليس كائن مريض يعيش فقد لأجل الموت.

كانت أفضل أحلامي هي الذهاب والدراسة فى الجامعة، أعيش وأحيا كل متع الحياة التي مُنعت منها وتمنيتها، وأن أكون صداقات جديدة متعددة، واشترك فى مسابقات الجامعة، وأخرج مع الأصدقاء للسهر والمرح.

والأهم من كل ذلك هو الذهاب للبحث عن حبي الأول، الذي فقدته ولم أعلم عن مكان وجوده شيء فى ذلك الكون، ولكني أمتلك بصيص من الأمل فى أن أحيا أكثر من ذلك العمر، ذلك الأمل المزيف يجعلني أرتجف وأخاف من المواجهة مع البشر، وعدم الذهاب لتكوين صداقة وعلاقات متنوعه.

كان مشهور لدى الجميع أن عمري القصير يقارب على الانتهاء؛ لذلك كان يخاف الجميع من الإقتراب أو إنشاء إتصال أو ارتباط مع أنسان مريض على مشارف الموت، كان خط الوصل والمودة الذي يتجنبه الجميع؛ من أجل تجنب خيبة الأمل والحزن فى المستقبل.

لذلك لم أحظى بعلاقات كالصداقة أو الحب يوماً، وكان ذلك يشمل الجميع بما بينهما عائلتي أو المرضى الكائنين داخل المشفى، وذلك لعدم وجود أمل أو طريقة لإنقاذ حياتي القصيرة، ولكن كان ذلك خوف البشر من الإقتراب.

ذلك الخوف الذي كان يجعلني أشعر أن الموت يطاردني فى كل لحظة حتى داخل أحلامي، رغم بحث والدي المستمر عن طرق شرعية وغير شرعية لأجل إنقاذ حياتي، ولكن كان الناتج دائم سلبي ويؤدي إلى الفشل.

كان سبب سوء حظي وهو أني أمتلك فصيلة دم نادر جداً فى الوجود، وهي فصيلة دماء الباندا، الفصيلة النادرة فى العالم أجمع؛ لذلك لم يستطع والدي إيجاد حل من أجل الحصول على متبرع بسهولة.

حاول والدي كل الطرق الممكنة لإعطائي قلب جديد بطريقة قانونية وغير قانونية، ولكنه لم ينجح فى ذلك مهما بذل من جهد، وذات يوم كنت محظوظاً جداً.

ذلك اليوم أخبرني الطبيب بوجود متبرع ميت إكلينيكياً، ستقوم عائلته بإنهاء أوراق التبرع، والإمضاء بالموافقة على التبرع والآن، لذلك شعرت بالسعادة، واستعديت للدخول إلى غرفة العمليات بعد عدة ساعات.

حين كانت فرحتي لم تسع العالم أنا وعائلتي، حينها نسيت للحظات أن بوجود قلب جديد، ناتج عن وجود شخص انتهت حياته، مقابل بداية الحياة التي سوف أعيشها من الآن بسعادة وهناء، قلوب حزينة وقلوب سعيدة.

ولكن رغم ذلك لم أكن حزين إلى درجة تجعلني أعترض عن استلام ذلك القلب، فأنا اعتبرته هدية من الله وشكرته، ووعدته أني سوف أعيش حياة أفضل بكثير من ذلك الشخص الذي خسر قلبه.

بعد دخولي غرفة العمليات أثناء الجراحة، عندها حدث موقف غريب خلال منتصف أجراء العلمية، عند إيقاف قلبي لفترة ما لتغير القلب القديم بالقلب الجديد، حينها أصبحت ميتاً تقريباً، إلى فترة مدتها خمس ساعات.

وهو وقت إخراج القلب القديم، وإدخال القلب الجديد، حينها رأيت حلم قريب إلى الواقع، وكأنني ذهب إلى عالم آخر، ذلك المكان بالفعل ليس مجرد رؤية داخل حلم؛ لأنه كان واقعي إلى درجة كبيرة.

حينها فى ذلك الوقت وجدتني أقف داخل غرفة كبيرة مظلمة، توجد بها فتاة شابة فى آخر الغرفة، تجلس بجانب الزاوية على الأرض بطريقة مأساوية، تميل برأسها على مرفقها بحزن، وتبكي بقهر وبصوت مرتفع.

شعرت حينها أن قلبي ينشطر إلى جزئيين من الحزن لأجلها؛ لذلك ذهبت إليها لكي أتحدث معها، ووجهت إليها حديثي بصوت منخفض وأخبرتها:

-لاتبكِ.

لم تهتم الفتاة أو تتحدث لذلك أخبرتها مرة أخرى:
-من أنتِ، ولماذا تبكين؟!

عندم لم ترد الفتاة على سؤالي، وضعت يدي على رأسها لإراحتها ومواساتي لها، رفعت بهدوء رأسها، وكانت تسيل من عينها دماء على هيئة دموع، وعندما نظرت فى عيني ورأيت كيف قتلت شعرت بالصدمة والرعب.

ولكن حين حدقت في عيني بثبات وقوة، وحينها بدأت أشاهد شريط حياتها التعيسة، بأكملها وكل ما حدث معها من عذاب واضطهاد طوال فترة حياتها القصيرة.

فى حين كنت أعتقد أن حياتي هي الأصعب فى الوجود؛ كان هناك من يعاني أكثر وبشدة، ولكن عندما شاهدت حياتها علمت أن معاناتي أمام معاناة وكوارث الجميع لا شيء.

حينها علمت ايضاً أنها تلك الفتاة، الحب الأول التي وقعت فى حبها، عندما رأيتها فى المرة الأولى، حين كنت فى المرحلة الإعدادية، كانت حينها تلك المرة الأولى التي أزور بها المدرسة.

لأجراء أوارق الالتحاق، ولكن كان بسبب ذلك المرض لم أستطع الذهاب مثل الطلاب إلى المدرسة، ولكن كان يجب أن أذهب تلك المرة لعمل إثبات قيد، وذلك إثبات أن المريض مازال على قيد الحياة ولم يمت حتى الأن.

حينها قابلت سما الكردان لأول مرة، ومنذ أول مرة وقعت فى حبها، منذ حينها كانت سما هي الحب الأول.

ومن قسوة الحياة كانت هي أيضاً المتبرعة بقلبها الذي يضعونه الآن داخل جسدي، ذلك القلب المسلوب غصبا والذي أخرجه الشيطان بمخالبه الحادة بكل قسوة وظلم.

بعد مشاهدة حياتها المأساوية، وكل ما حدث معها فى الحياة، بدأ قلب سما ينبض داخل جسدي بكل قوة، وكأنه يحارب من أجل البقاء على قيد الحياة مرة أخرى.

لذلك شعرت بالصدمة من تلك الصدفة التعيسة التي أعيشها الآن، وشعرت بمدى الظلم الذي حاصر سما الكردان حياتها، طوال تلك السنين منذ البداية وحتى النهاية، وقبل اختفاء سما طلبت منى تنفيذ وعد وتفويض بالانتقام:

-كريم أعلم أنه ليس ذنبك، ولكنه قدرك أنك ستكون الشخص الذي يأخذ ذلك القلب؛ لذلك سوف أفوض إليك انتقامي، ولأجل اراحة روحي ورح والدي وأطلب منك تحقيق وعد وأمنية، وهي إنقاذ طفلي المسكين.

لذلك يجب عليك تحقيق العدالة، وأعلم أنه سيكون حمل ثقيل عليك، ولكن أن لم تستطع تحقيقه اخبرني بذلك الآن.
كريم:

-سما لا تخافي، واذهبِ الآن ابحثي عن السعادة فى الأخرة.
سما:

-كريم أرجو أن تغفر لي، ولكن لا أستطيع أن أذهب هكذا، لذلك أعدني بتحقيق ذلك الانتقام والعدالة إلى روحى.

لم تكن سما الكردان تعلم حقيقة مشاعر كريم إليها، وكمية الألم التي يشعر به الآن، وأن قلبه يعتصر حزناً بسبب ما حدث معها من غدر وظلم واستبداد.

ولكن كان يجب عليا أن ينتقم من أجل إراحة قلبها وإعادة حقها المسلوب، ليس كتعويض مقابل قلبها الذي ينبض بداخله، أو لأنه سُلب منها؛ بل لأنه قلبها الذي يدق داخل جسده الميت هو قلب من يحب؛ لذا ذلك الثأر أصبح ثأره ليس مجرد واجب إنساني.

وإنما لأخذ ثأره من تلك الكلاب المتوحشة الذين قتلوا الإنسانة الوحيدة التي أحبها فى تلك الدنيا التعيسة، فقد كانت سما بالنسبة له اللون الذي يسطع فى ظلمات حياته؛ لذلك أعطاها وعد وعهد بالانتقام.

نظر كريم إلى سما وأخبرها:

-سما أعدك أني سأنتقم لأجلك ولأجل والدك المسكين وأحمي طفلك المسكين، سأجعل تلك الكلاب الضالة تندم وتدفع ثمن ما فعلوه بكِ غاليا، وأيضاً سوف أرد ثمن قلبك وأعوضك مقابل أنقاذك حياتي مرتين.

سما:
-انقذتك مرتين؟

كريم:
-نعم لذلك لا تقلقي، وأنسي تلك المعاناة وأذهبِ فى سلام.

نظرت سما إلى كريم بدهشة عندما قال أنها أنقذت حياته مرتين، وبعد ذلك أغلقت عينها وتلاشت فى الهواء كالرياح.

بعد فترة أفاق كريم فى غرفة العناية المركزة، وبجواره والده ومجموعة من الأطباء، أخبره والده عن نجاح العملية وهو يتملكه فرحة الدنيا بعد نجاح العملية.

قضى كريم بغرفة العناية المركزة الخاصة بمرضى القلب لمدة أسبوعين، بعد ذلك أنتقل إلى غرفته داخل المشفى لمدة شهر فى متابعة الاطباء لحالته الجسدية ورؤية تأقلم القلب الجديد مع جسمه.

بعد مرور سنة كان كريم يمارس الحياة الطبيعية مثل الجميع، أستطاع تحقيق أشياء لم يكن يتخيلها أبداً، مثل ممارسة الرياضة والخروج والسهر.

والذهاب إلى الأماكن العامة دون الخوف من الجراثيم والميكروبات، وتكوين صدقات جديدة، وايضاً التحق وبدأ بالدراسة فى السنة الأخيرة من الجامعة، وأخيراً كان يحيا الحياة الطبيعية التي كان يتمناها دائماً.

ولكن لم يكن يتذكر كريم ما حدث خلال غيبوبته أثناء عملية نقل القلب؛ لأنه عندما استيقظ بعد العملية كان بالفعل نسى كل شيء حدث أثناء الجراحة، ولكن خلال ذلك العام كان يحلم بكوابيس كثيرة غير مفهومة لوجه فتاة مألوف إليه ولكنه لم يتعرف عليها.

جعله ذلك يستيقظ كل يوم وهو يبكي بحرقة دون توقف بعد فترة الجراحة، لم يستطع كريم فى البداية استيعاب أو فهم الوضع وما يحدث معه، ولماذا يحلم دائما بوجه تلك الفتاة المريبة ذات الوجه المظلم الذي لا يظهر له ملامح وجهها؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي