هجوم الماضي البارت الخامس

*(هجوم الماضي) "البارت الخامس"*
تنهدت إلهام وهي تمسك بيد أحمد وقالت بحزن
إلهام: يبدو أنك ستكون العوض لي عن الكثير من الأشخاص، ابتسم أحمد وعاد ثانية للفجوة التي ظهرت في عقله مؤخراً.


مرت الأيام وجاء يوم ميلاد إلهام تلقت معايدات من معظم أصدقائها ولكنها كانت تريد أن تحصل على معايدة قُدس فقط ولكن خاب أملها عندما تجاوزت الساعة السادسة مساءً ولم تتلقى أي رسالة منها، بالرغم من أن هذا اليوم يُفترض أن تكون فيه أسعد فتاة


في العالم ولكن كان هناك حزن بادي على ملامح وجهها لم تستطع التخلص منه.
مر الوقت سريعا وجاء أحمد بصحبة عائلته وتقدم لخطبة إلهام، كان هناك قبول غير متوقع بين العائلتين حيث أنهم حددوا كل شيء موعد الخطبة وعقد


القران حتى أنهم حددوا موعد الزفاف، كان بعد شهرين من يومهم هذا.
انقضت الأيام سريعا وانغمست إلهام في تجهيزات الزفاف ولم تتذكر أمر قُدس إلا مرات قليلة، لقد وجدت أن اهتمامها بأمر زواجها أفضل من التفكير في أمر



صديقتها.
لم تكن تدرك حجم الألم الذي تجابههُ قُدس في هذا الوقت، لم تكن تدرك أن زواجها سيقضي على صديقتها المقربة، لم تكن تعلم عن الأمر شيئا.
مرّ حفل الزفاف على خير وحظيت إلهام بأسعد


لحظات حياتها التي كانت تتمناها دوما، بعد مرور ثلاثة أشهر على زواجهما حصلت إلهام على ثاني هدية من القدر وكانت بالتأكيد الأجمل على الإطلاق بالنسبة لها، لقد خضعت للفحص عند الطبيب وأخبرها أنها تحمل في أحشائها قطعة من زوجها الذي


عشقته منذ اللحظة الأولى من رؤيتها له، عندما أخبرته بذلك لم يسع العالم فرحته، كانا سعيدين للغاية إلى أن وصلت إلهام في حملها إلى الشهر السابع، كانت سلوكياتها متغيرة بعض الشيء، زاد الإعياء عليها ولكنها لم تخبر أحمد بهذا الأمر، كان الألم يزداد


يوما بعد يوم وهي ما زالت تكابر ولم تخبر زوجها بشيء أبدا.
في يوم من الأيام ازداد ألم رأسها لدرجة أنه أصبح شيء لا يطاق، أمسكت بهاتفها كي تتصل بطبيب المخ والأعصاب ولكن لسوء حظها أو لحسنه نفدت


بطاريته فاضطرت للإتصال من هاتف أحمد، كانت المرة الأولى التي تمسك فيها هاتفه دون علمه، كان مستغرق في النوم ولم تُرد إقلاقه من أجل هذا الأمر فأمسكت بيده اليمنى كي تفتح الهاتف بـ بصمة اليد، قبل أن تضغط على زر الإتصال ضغطت دون قصد على


تطبيق الصور، كانت أن تضغط على زر الرجوع لفتت نظرها صورة تعرفها جيدا فعادت تنظر إليها وتمعن النظر لقد كانت صورة قُدس وليست تلك الصورة فقط فقد اكتشفت أنه هناك العديد من الصور، منهم ما رأته من قبل ومنهم ما لم تراه.


كانت إلهام تنظر للهاتف ببلاهة، لم تقدر قدميها على حملها لذلك اتجهت نحو أقرب مقعد واستندت عليه، كانت تحاول ان تتدارك الأمر برمته ولكن عقلها لم يستطع إستيعاب حجم صدمتها، ازداد ألم رأسها ولكنها أرادت أن تعرف الحقيقة كاملة، خرجت من


تطبيق الصور وقامت بالغضط على تطبيق الواتس اب وقامت بالحث بإسم قُدس، وجدت محادثتها، أخذت شهيق عميق وضغطت على المحادثة، كانت آخر رسالة قبل عشرة أشهر أي قبل حتى خطبت إلهام وأحمد، اعتدلت إلهام في جلستها وجلبت المحادثة


من أولها، مر وقت طويل وهي تقرا حتى أنها أحيانا لم تستطع القراءة من شدة ازدحام الدموع في عينيها، بعد حوالي أكثر من ساعتين انتهت من قراءة ما استطاعت قراءته ووضعت هاتف أحمد جانبا، لقد عرفت الحقيقة، عرفت أن الشخص الذي كانت قُدس تحكي


لها عنه إنه أحمد لا شك في ذلك، إنه القدر لقد أصبحت مذنبة في حق أعز رفيقة لديها، لقد أخذت منها أكثر شيء أجبته على الإطلاق.
في الصباح الباكر استيقظ أحمد وجد إلهام جالسة بجانبه، بدى عليها الإرهاق لكونها لم تنم تلك


الليلة، اعتدل أحمد في جلسته وقبّلها على رأسها وقال
أحمد: صباح الخير يا كل الخير، كيف حالك يا أعز ما أملك، نظرت إليه إلهام ولم تتمكن من السيطرة على دموعها قائلة


إلهام: لماذا تركتني أكتشف الأمر بنفسي؟! لماذا لم تخبرني منذ البداية؟! ، ضم أحمد حاجبيه قائلا
أحمد: لا افهم ماذا تقصدين؟! ، تنهدت إلهام وقالت قبل أن تنهار وتفقد آخر طاقة لديها
إلهام: قُدس!! لقد كانت حبيبتك السابقة، لماذا لم


تخبرني بذلك!!!!، حاول أحمد أن يشرح لها الأمر وأيضا حاول أن يعرف كيف أصبحت على علم بالحقيقة التي كان حريص جدا على أن لا تعلم شيء عنها، ولكن في النهاية لقد علمت كل شيء فلا بد أن يخبرها الحقيقة


أحمد: قُدس بالنسبة لي ليست إلا ماضٍ وانتهى منذ زمن، لا أظن أنه عليكِ القلق بهذا الشأن، حركت إلهام رأسها بالنفي وقالت ببكاء
إلهام: الآن عرفت كل شيء، عرفت لمَ تغيرت في تصرفاتها معي، ترى بماذا تفكر الآن!! تظن أنني سرقت


حبيبها، يجب أن أشرح لها كل شيء، لا أريد أن أخسرها، نهضت إلهام كي تتجه نحو هاتفها وتتصل بـ قُدس كي تتفق على مكان محدد تلتقي بها فيه ولكن إحمد لم يسمح لها بذلك حيث أمسك بيدها وجذبها إليه قائلا


أحمد: ليس هناك شيء يمكنكِ شرحه لها، نحن الآن متزوجان وعما قريب سنرزق بطفلة قطعة مني ومنكِ، ماذا تظنين أنها ستفعل؟!، بعد مرور أشهر عدة تودين مقابلتها وتخبريها أنكِ لم تعرفي أنك تزوجتِ بالشخص الذي أحبته صديقتك!! هل ستصدق!! أتظنين


ذلك؟! ،لم تتحمل إلهام حجم الصدمات التي تعرضت إليها في يومها هذا، لقد دخلت في بكاء هستيري ولم يتمكن أحمد من تهدئتها أبدا بل هي من لم تسمح له بذلك شعرت حينها بدوار وسقطت أرضا مغشي عليها، وسرعان ما أخذها أحمد إلى الطبيب.


أجرت إلهام العديد من الفحوصات، لقد ذهبت للعديد من الأطباء وكل منهم كان يحوّلها إلى طبيب آخر
الطبيب: هل كنتِ تخضعين للعلاج بالكيماوي من قبل يا سيدة إلهام؟!، قالت إلهام بـ إعياء شديد
إلهام: أجل ولكن هذا قبل سنوات، نظر الطبيب إلى


التحاليل التي بين يديه وقال بأسف شديد لاح على ملامحه بشكل واضح جدا
الطبيب: لقد خضعتِ لهذا العلاج الكيماوي بطريقة ليست سلمية أو بالأحرى أن جسدكِ لم يتحمله، وذلك سبب آثار بعيدة المدى، الورم الذي كان حميدا


في السابق أصبح خبيثا ولا يمكننا إتخاذ أي إجراء حيال علاجك حتى تضعين مولودتك.
مرّ شهرين كانا من أصعب فترات حياتهما، كانت إلهام تتجنب أي حديث مع أحمد، كان أحمد حينها مدمر كليا لا يعلم ماذا يفعل.


جاء موعد الولادة وتمت بحمد الله وكانت المولودة بحال جيدة جدا سمياها "مليكة"، لم تكتمل فرحتهما بسبب الألم الذي اشتد على إلهام، ذهبا لأطباء عدة إلى أن وصلا إلى معهد الأورام وقبل أن تخضع إلهام إلى الفحص أصرت أن يتحدث أحمد إلى قُدس ويحاول


أن يجس نبضها حول رجوعهما، ولكن كما توقع لقد غلَّقت قُدس الأبواب جميعها في وجهه.


باك


نظرت إلهام إلى صورتها مع قُدس الموضوعة خلفية على هاتفها الجوال وقالت بأمل
إلهام: سأكفر عن ذنبي مهما كلفني الأمر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عادت قُدس إلى المنزل وهي مفعمة بالأمل، التقت بوالدتها فسرعان ما ضمتها قائلة
قُدس: وأخيرا يا أمي لقد وجدت شيء سيجعلني أتقدم للأمام، هناك منحة سأقدم فيها وأخضع لإمتحانات ولكن كلها إلكترونية، أنا أشعر بحماس شديد،


ابتسمت الأم ومسدت على شعر ابنتها قائلة
الأم منى: هنيئا لكِ يا صغيرتي هكذا أريد أن أراكِ دائما مفعمة بالحيوية والنشاط، أنتِ ثروة ثمينة جدا عليكِ أن تكتشفي ذاتك في أقرب وقت، لا أريد أن ينطفيء توهجك هذا أبدا، قبّلت قُدس خدي والدتها


وقالت وهي تتجه نحو غرفتها
قُدس: بكل تأكيد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في المساء في منزل مراد
كان يجلس هو وأخته روفان على طاولة الطعام يتناولان وجبة العشاء في صمت، حتى اخترقه مراد بقوله
مراد: لطيفة جدا صديقتك قُدس، لقد راقت لي، تبسمت روفان وقالت


روفان: لقد راقت لي أيضا منذ أن تحدثنا للوهلة الأولى، نظر مراد لأخته قائلا بمرح
مراد: بها شيء جميل يجذبني، حدقت روفان بأخيها وقالت بنبرة بها تحذير
روفان: جميع فتيات كوكب الأرض بهن شيء يجذبك


لكن لا أنصحك بالتقرب من قُدس خصيصا، وعلى كل حال إن حاولت ان تتقرب منها فلن يفلح الأمر ستجده فقط باء بالفشل ولن تعرف السبب صدقني، نظر مراد نحو أخته نظرة تحدي قائلة وهو يأخذ قطمة من قطعة الخبز المحشو بالزبدة


مراد: ما رأيك في رهان!! ، نهضت روفان من على الطاولة وهي تدب بكلا يديها عليها وقالت وهي تبتعد عنه
روفان: لن أسمح لك بالإقتراب منها مهما كلف الأمر، نظر مراد في الفراغ وهو يتذكر ملامح قُدس وقد


ابتسم ببلاهة وقال وهو شارد كليا في وجه قُدس الذي هُيِّء له أنها أمامه
مراد: ستقع في حبي خلال شهر واحد هذا رهان بيني وبين ذاتي سأربح كالعادة لا شك في ذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جلست قُدس في غرفتها وجلبت الأوراق التي أعطايا إياها مراد وبدأت في قراءتها، لقد استطاعت أن تترجم بعض الجمل والبعض الآخر لم تستطع ترجمته، ولكنها حاولت على الأقل، وأثناء إنهماكها في مذاكرة تلك الأوراق طرق باب غرفتها وكان الطارق أخيها


إسلام، عندما فتحت له باب غرفتها لم تكن تطيق النظر في وجهه حينها، فقال أخيها وهو يدلف إلى الغرفة
إسلام: هل لي بأن أعرف سبب نظرتك تلك وكأنني قمت بجريمة ما، ضمت قُدس حاجبيها وهي تتجه


نحوه قائلة
قُدس: ألا تدرك حجم فعلتك!؟
إسلام: ماذا فعلت أخبريني!! بأي حق تحاسبينني على شيء تافه مثل هذا، هل أنتِ قاضية لأولائك الفتيات؟! هل يقربونكِ بأي صلة!؟ هل إحداهن صديقتك!،


لم ترد عليه قُدس فتابع قوله
إسلام: ماذا إذاً؟! ما الجريمة التي ارتكبتها في حقهن إن كان حديثي معهن بكامل إرادتهن جميعا
قُدس: هل أنت بعيد جدا عن دينك حتى تتحدث بكل تلك الوقاحه!؟


إسلام: أليس هناك أداب للحديث؟! لماذا تنعتينني بالوقح؟! لقد أخطأت حقا عندما جئت إلى غرفتك ظننت أنني سأتحدث ألى أخت ناضجة تتفهم شعور أخيها وما يمر به ولكنكِ لستِ أهلاً لمناقشتي في شئوني الخاصة، كاد إسلام أن يخرج من الغرفة لولا أن لحقت


به قُدس وهي تحاول أن تلتزم أداب الحديث كي لا تنفره من محادثتها التي ربما ستجدي نفعا حتى ولو بنسبة ضئيلة جدا ولكنها ستحاول، قالت وهي تقف أمامه مباشرة وتمنعه من الخروج من غرفتها
قُدس: أنا حقا أعتذر دعنا نتحدث بهدوء وسنلتزم


بآداب المناقشة اتفقنا!! ،نظر إليه أخيها بطرف عينيه وقال وهو يتجه نحو الكرسي الرابض أمامه
إسلام: حسنا!! ليس لدي مشكلة في ذلك طالما ستتحدثي معي بأسلوب لبق، جلست قُدس بمواجهته وقالت


قُدس: فقط أخرني هل تحب تلك الفتاة التي عرفتها في الجامعة؟!، شرد إسلام لوهلة وهو يتذكرها في مواقف عدة، وهي غاضبة وهي سعيدة وهي أحيانا مجنونه وأيضا تذكرها عندما تبكي، فقال بشرود
إسلام: إنها كـ الهواء تجلب الحياة لمن لا حياة له،


وإن ذهبت ذهب معها كل ما هو غالٍ ونفيس، أحبها بقدر لا يمكن تقديره
قُدس: هل تتمنى الزواج منها؟!
إسلام: إنها الأمنية الوحيدة والتي أرددها ما دمت حيا


قُدس: ماذا تتوقع منها لو اكتشفت أنك تحبها
إسلام: بالطبع هي تعرف، لا سيم أنها تبادلني الشعور ذاته، كم آمل أن أتزوجها ولو اليوم قبل الغد ولكنني لست مؤهلا لذلك الآن
قُدس: ما رأيك لو أنها زُوِّجت لشخص آخر؟!


إسلام: لن أتحمل، ربما حينها سأقوم بجريمة فعليا، لن أسمح بأن تكون لشخص غيري لن أسمح بذلك أبدا
قُدس: ألا يجدر بك أن تكون مخلصا لحبيبتك؟! ألا ترى حديثك مع الأخريات ومقابلاتهم والخروج معهن وما خفي كان أعظم ألا ترى أن كل هذا جُرم في حق


حبك لها!؟ ألم تفكر في أنك بـ فعلتك تلك وارد جدا أن يعاقبك الله بفقدانها بأي طريقة، ألست وفي بالقدر الكافي؟!، شعر إسلام بالتوتر وقد دب الرعب في قلبه على إثر حديث أخته، صحيح هي تصغره سناً ولكن رشد عقلها يبلغ عمرا على عمرها، لقد تذكر الفتيات


التي واعدهن وخلف بوعده وأيضا الفتيات اللواتي وعدهن بالزواج وحينما أخبرنه بمن تقدموا لخطبتهن أدار لهن ظهره وخذلهن، وتذكر أيضا تلك الفتاة التي كانت بقلب عصفور لم تكن تتحمل الحديث بعصبية فما بالك ما الذي حدث حينما تركها ولم يترك لها سببا


كافيا لهجره لها، كل هؤلاء الفتيات حطم فؤادهن جميعا ولم يبالي كيف له أن يحافظ على فؤاد الفتاة التي أحبها بصدق!! لقد استطاعت قُدس أن تغرس في عقله كل تلك الأفكار حتى يخشى خسارة حبيبتك الأولى وحتما يتكون الأخيرة، لذا قرر أنه سيعتذر منهن


جميعا، سيبدأ صفحة جديدة في حياته التي كانت على المحك بسبب عدم المسئولية، قرر أن يبحث عن عمل يمكِّنه في خلال فترة قصيرة أن يذهب لخطبتها، بالتأكيد سيفعل، فهو لن يتخلى عنها تحت أي ظروف، سيفعل المستحيل إن لزم الأمر.


ذهب إسلام إلى غرفته بعد ما توضأ وأحسن الوضوء وذهب ليصلي ركعتين قضاء الحاجة، وبعدما انتهى من الصلاة رفع يديه وهو يناجي ربه وقد سال دمعه وهو يشعر بـ الندم الشديد
إسلام: يا إلهى، لقد أذنبت وأخطأت في حق الكثير


من الفتيات، بإذنك يا الله سأعتذر منهن جميعا، سأتوب توبةً نصوحة بإذن الله، سامحني يا الله، اللهم إني أستعيذك من الشيطان الرجيم، اللهم إني أستعيذ بك من شر الوسواس الخناس، يارب ألهمني وأعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم ساعدني


في أمر زواجي من حبيبتي، طيلة خمس سنوات لم أتجرأ على محادثتها كي لا أكون ليس أهلا بها، لم أُرِد أن أغضبك فيها كي لا تحرمني منها.
كانت قُدس خلف الباب وسمعت مناجات أخيها لربه، نظرت لأعلى وأغمضت عينيها وقالت


قُدس: يارب أعنه على ذلك
#صغيرة_الكُتَّاب
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي