الفصل الثالث

دبليو حرب مشروط.

دبليو الورقة الرابحة.

اندلعت النيران في المكان بأكمله وكل شيء أصبح رمادي وبأقل من دقائق أعلنا الهزيمة وبأنه أنتهى كل شيء، ومع الأسف لم يتبقى جزء واحد لم تتسلل له تلك الألسنة الملتهبة.

أتذكر ذلك اليوم جيدًا كأنه بالأمس، فقد كانت النوافذ حمراء من شدة النيران، وبالكاد كان يظهر طيف الفتيات وهن يركضن من هنا لهناك وهن مشتعلات.

كان المنظر يفطر قلبي من الداخل، فعدم القدرة على مساعدتهن أحزنتني، لكنك أنتِ كنتِ ف...

لكني أتذكر جيدًا، اذ جاءت فتاة ووقفت أمامي من اللاتي كانت تحتضر وهي مشتعلة كالشمعة وتمد يدها لي، فقد كان جسدها محترق بالكامل من كل اتجاه، فكل زاوية بجسدها تخرج منها النيران،

أقتربت مني وهي تشتعل وتمد يدها ومن ثم سقطت أمام عيني مغشياً عليها فوق الأرض والنار ما زالت تلتهم بها.

من الواضح جدًا بأن هذا بفعل فاعل غير إنساني لأنه يعرف الأماكن هنا جيدًا، وقد أدى مهمته بشكل إحترافي دون إقتراف أي خطأ يذكر.

أجل.

اذ كان بكل تأكيد يعرف الأماكن التي يوجد بها غرف الفتيات وأشعل الممرات ليصبح كل شيء فحمًا، وأشك بأنه أنهى مهمته عن طريق شخص خائن كان يعمل هنا.

في الحقيقة.. انا لا أشك، فأنا بالفعل أتأكد يوم تلو الأخر من هذه الحقيقة.
 
لا أستطيع أن أصف لكِ كم كان إرتفاع أصوات الصرخات ليلتها، أشعر الآن بأنها مازالت بأذني ترتفع وتعاد مرة أخرى، كما لو كنت أراها ترفرف بالسماء كالأرواح تمامًا.

 الضحايا في تلك الليلة كانوا كثر، سواء من الفتيات اللاتي سكن بالدار أو العاملين فيه، أو من رجال الجيش اللذينَ كانوا يحرسونه، للأسف لم يستطيعوا تحديد كم عدد الأشخاص المتوفين لليوم، لكنهم أعتبروا كل مفقود من اعداد الموتى.

 وبات ذلك اليوم ينعت بيوم الحزن المشؤوم، وثم تم تشبيهه ب "أيلول الحزين" لتماثل الشهر بالذكرى المختلفة الأليمة التي حدث به، لكي لا ننساه بسهولة.

 لا ننساه أبداً.

قلت وأنا لا أعرف أي الصدمات ما زالت تنتظرني لا أنكر قلقت من الذي قاله وعلى صديقاتي بالسكن، فسألت نفسي هل يعقل بأن الدار يحدث به حريق بالشكل البشع الذي وصفها لي؟ لكني لم ابدي له ما الذي أشعر به فقلت وأنا أمسك يده:

- صدقني أنا لا أعرف شيء عن الحريق وعن تغيركم للسكن أو عن الأشخاص الذين ماتوا بالحادث، فمن الواضح بأن هناك أمور كثيرة لن أعرفها بعد وما أخبرتني بها لينا!

ابتسم وقال ليغير الموضوع وعيناه تلمع بالدموع:

- وها قد اقتربنا على الوصول، فحمد لله على سلامتك أبنتي.

قلت له وأنا أنظر من النافذة وكأني أريد عدم تذكر الذي قاله:

- أنه قريب من المبني القديم، ما أخشاه ان يحدث الذي حدث مرة أخرى؟

قال وهو ينظر لي نظرة عميقة:

- أجل أنه على نفس الجهة تقريبًا.

اجبت عليه وأنا أمسك هاتفي لكي أتصل بلينا:

- جميل سنعبر أمامه اذن؛ لكن لماذا سيارات الشرطة هنا؟

قال عم أحمد وهو يخرج كارت زفاف من درج سيارته ويعطي لي:

- إجراءات حفل الزفاف، وأيضًا ستعرفين كل شيء عندما تصلين تمهلي فأنا شعرت بالتعب ابنتي.

شعرت بشعور مختلف عندما كنا نرحل فطلبت منه بأن يقف بالسيارة قليلًا، شعرت بأني اترك شيء ما هنا خلفي، فعندما طلبت منه التوقف رفض وقال:

- لكن المكان ليس أمن.

أمسكت يده وتوسلت له عندما شعرت بوجع بقلبي ودموع تتساقط من عيني وقلت وأنا أصرخ عليه:

- من فضلك توقف وبعدها سنرحل على الفور رجاءًا.

نزلت من السيارة وأخذت أنفاسي وعندما خطيت خطوتين وجدت لافتة ملقاء على الأرض مكتوب بداخلها.

دار أيتام القلعة.

من المضحك حقًا أنك تعود وأنت لا تبالي بالذي سيحدث بعدها، فقط قذفك قلبك لتلك الذكريات اشتقت بالقليل الذي شاهدته من بعد وشعرت به بقرب، فلم اتحمل الاكتفاء بتلك الذكرى، وقررت أحيائها من جديد، دق قلبي مع أول خطوة نحوى البوابة الكبرى، كأنني أمتلك شيءً يخصني بالداخل.

صحيح لن أتردد عن المجيء عندما أبلغتني معلمتي بحفل زفاف صديقتي حنان، لكن شعرت بالندم، لما أنا هنا! وذلك الأحساس يحيطني كأنه بقربي؟ تأقلمت على حياتي الجديدة وكدتُ أسعد بها، تخطيت تلك العينين بصعوبة فما خطب قلبي الآن.

أيمكن بأن هناك قصة مختلفة خلف تلك الجدران ستبدأ، أو ستكتمل، لكني لكمة نفسي فوق رأسي أنا معتوهه المكان محترق بالكامل، لكن لما يؤلمني قلبي وأنا أقف هنا، ماذا أفقد بالداخل؟

ارتعبت عندما سمعت صوت عم أحمد بجانبي لأن المكان ممتلئ بالدماء ورائحة الحريق ما زالت رغم طول المدة، فكنت أقف وأنا يرتعش جسدي كلما أسير للداخل، وعندما حادثني على غفله عم أحمد أخافني، فطلبت منه أعادة ما قاله مرة أخرى لأني لم أسمعه جيدًا فقال:

- كنت أقول مع من تتحدثين! وماذا كنتي تقولي يا ابنتي لأنيلم أسمعك جيدًا؟

نسيت عم أحمد فرؤية الجدران محترقة تشعرني بالحزن، فقد عشت هنا ما يقارب طوال حياتي ليس يوم بلا ثمانية عشر عام، فرغم قساوة الذكريات لكن أحن لهنا، فهناك سعادة صنعت هنا أيضًا ليس كل ما شعرنا به ألم فقط، الابتسامة التي ملأت الشفتين، والقلب الذي نبض كل هذا لا ينسى أبدًا محفورا في القلب، فقد كنت أشعر بالراحة لأني كنت على تواصل بمعلمتي ولينا وهم الذين يخصوني بذلك المكان، فعندما نزلت دموعي على عيني مسحها لي عم أحمد بيده وقال:

- تدركين يا نارة أنتي فتاة جميلة وتشعرين بالأسى لجمال قلبك هذا، فأنتي تحبين بصدق كبياض قلبك، أتذكر اليوم الأول لكي هنا.

ضحك ضحكات كثيرًا كادت تُخرجني من الحالة الحزينة التي كنت أشعر بها وثم أردف:

- تدرين أنا من أحضرك بسيارتي إلى هنا.

فنظرت للوراء على السيارة بنظرات لوم ولاحظ ذلك وأكمل:

- أجل أنظر عليها فهذه التي هناك هي من أحضرتك لهنا، أعرف بأنه هُلكت معي وأنك كنتي تريدي مكان أفضل من هنا، فأنا لا أنكر بأنها تحملتني كثيرًا، لكن أعرفي بأنه المكان المناسب لك كان هنا، فأخرجتك من السيارة وحملتكِ بين زراعي وعانقتك بكل قوتي، ف كم كنتي صغيرة حينها ولا تتذكري شيء.

أتذكر بأنك أمسكتِ بيدي و لم تفلتيني إلا عندما استغرقتِ بالنوم وبينما أنتِ غير مدركه تركتي يدي فحزنت، صحيح أنا أرتبط بكي من أول يوم واحببتك كأبنتي وأكثر لكنهم أبعدوني عنك، كم احببت ذلك الشعور منك.

نظرت لنفسي لأجد نفسي غارقة بالدموع فقلت وأنا أحاول أخرج الكلام من شفتاي:

لقد عرفت سبب مقدار حبي لك الآن، لكن لأول مرة تخبرني بشيء عن طفولتي لهذا تأثرت أسفة.

عانقني بقوه وبكيت بحضنه و أخرجت الكثير من الدموع التي منعتها لسنوات، محاولا تهدئتي قال:

لم يكن هناك مناسبة و لم أحبب وجعك بالماضي وأذكرك بأنك يتيمة بلا، أووه الهاتف يرن أنتظرني لأرى من هو.


أخرج الهاتف من سترته وقال: مدير الدار يتصل بي، هيا سنتأخر الجميع بانتظارك الآن، سنكمل في السيارة أثناء سيرنا، وأنا حقً أسف لأني أبكيتك.

قلت له وأنا أضم يده لكي لا يلوم نفسه على شيء:

- لا عليك هذه حقيقتي، تخلى عني والداي لأنهم لن يحبونني ول....

قال بلهفة وهو يقاطعني سريعًا:

- أو أنهم قتلوا وفارقوا الحياة.

عندها أصفر وجهي و لم أعرف بماذا أجيب؟ فقال:

- أعتذر مرة أخرى، أسرعي سنتأخر هيٰ، تدركين عندما خطوتي أول خطواتك كنتِ متمسكة بيدي وأنا أقول لك أنا أثق بأنك ستنجحين يا عزيزتي الصغيرة، فكنتي تبتسمين وأغرق بتلك الابتسامة.

قلت له وأنا ابتسم:

- مثل هذه.

قال وهو يستهزئ بي:

- أجل، لكن الأخرى كانت .......

قاطعته وقلت وأنا بملامح جدية:

هل بأمكاني شُكرك على كل شيء فعلتُ لي لليوم؟

قال وهو يعانقني مرة أخرى: أنا الذي يريد شكرك.

غسلت وجهي بالقليل من المياه التي وجدتها بالزجاجة التي كانت في سيارة عم أحمد ومسحت وجهي من أي شيء يظهر بأني كنت أبكي وفتحت النافذة واستنشقت بعض الهواء لم يكن لدي رغبة بالحديث بعد الآن إلى أن وصلنا للدار الجديدة.

كالعادة لأني أحب قراءة جميع اللفتات فتوقفت و قرأت اللافتة الجديدة قبل دخولي للداخل.

دار دبليو عالمان الجديد يرحب بكم.

فقد كان استقبالهم لي مميز وجميل فالكل فرح بي كثيرًا، ومن فرحتي عانقت الجميع عندما وجدتهم أمامي ما زالوا أحياء، وحمدت الله بأنهم لم يحدث لهم أي مكروه، ومن ثم لاحظت بعدد جديد من الفتيات قد أنضممن إلينا أثناء غيابي تعرفت عليهم واحدة واحدة، وتكلمت معهم وتسليت كثيرًا برفقتهم فكانوا مرحين و محبوبين.

بهذا الشكل احتفلت بذكرى ميلادي وللمرة الثانية بيوم واحد كم كنت محظوظة وشعرت بأن القدر أحلو لي فجأة، فصحيح اليوم حزنت بسبب معرفتي بالحريق الذي نشب بالدار، وحزني زاد على الضحايا الذين ماتوا في ذلك اليوم، ألا بأني كنت سعيدة للغاية باستقبالهم لي لأنهم تغيروا معي شعرت بأنهم يحبوني.

راودني شعور بأن اليوم يذكرني بفرحة ماضية لكني لم أتذكرها، أشعر بأني عشت تلك المواقف من قبل وهناك شعور مختلف بقربهم لكني لم اتذكر ما هو، الغريب بأني لم اتأثر ولم تنزل دمعة واحدة عندما كان يحكي لي عم أحمد و لا حتى بما قاله، فقط فيما بعد شعرت بالحزن وليس لدرجة البكاء رغم الموقف كان يتحتم البكاء، كدتُ أشعر بأني معدومة للمشاعر.

بيوم ميلادي وبعدما أحتفلوا بي و بالمناسبة السعيدة قدموا لي هدايا غالية جدًا وجميلة للغاية أحببتها ولبست منها من شدة فرحتي، فقد جربتُ من الهدايا الكثير، وبعد ذلك أكلنا أشهى المأكولات التي أُحبها قد صنعت خصصًا لي، ومن ثم جلست معهم لساعات أتحدث عن جمال روما وحلاوتها ومغامراتي بها، صحيح كنتُ متعبه للغاية بسبب عدم نومي بالطائرة، لكن الحديث معهم مُسلي وقد إنساني إي شيء كنت أشعر به، انتهينى و ذهبت لفرشي على الساعة العاشرة مساءًا.

أستيقظت على صوت نغم صديقتي الجديدة التي تعرفن عليها أمس وهي تقول لي:

- الساعة الآن الواحدة ظهرًا أستيقظِ هيٰ.

قلت لها وأنا أنظر إليها وأكاد ألمحها لأن عيني لا تفتح بالكامل:

- هل حقًا نمتُ كل هذه الساعات؟

تدخلت ميرنا لكي توقظني من نومي بطريقتها الخاصة:

- أفيقي يَ نارة فأنا أريد معرفة أهل أحبتي شخص ما من هناك أم لا؟ وتكلمِ على الشباب بالخارج كيفَ أشكالهم، لن أستطيع قول إي كلمة في الليل أمام المعلمات.

ضحكوا جميع ما بالغرفة على قولها فوضعت الغطاء على رأسي وعاودت النوم وأنا أقول:

- كفى.

فعاودت ميرنا رفع الغطاء من على عيني وهي تقول:

- أستيقظِ هيٰ.

يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي