دروب الطعام

emeeabdo`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-10-25ضع على الرف
  • 36K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

لكل منا عشقه، ولكل عشق رغبته، كذلك حال (حسين) الذى كان من عشاق الطعام؛ لذا حين إختار شريكة لحياته، إختار من ترضى معدته.

لقد كان الطعام صديقه، وملجئه، فحين يحزن يأكل، حين يفرح يأكل، حين يحتفل يأكل، كان الطعام سبيل حياته، يمكنه حتى من خلال الرائحة فقط أن يفطن إذا ما كان الطعام قد نضج أم لا! كما يمكنه معرفة كل ما تتكون منه الوجبة التى أمامه، من دون رؤيته أو تذوقه!

وقد تربت إبنته (نور) على هذا السبيل، لكنها كانت تختلف عنه، فهى مهما تناولت من أطعمه لا يمكن لجسدها أن يسمن، على خلاف والدها الذى جعله الطعام كالفيل البشرى، حتى تمكن منه المرض.

أصبح "حسين" طريح الفراش، ولكنه رغم هذا لم يترك الطعام، فهو إدمانه، الهواء الذى يتنفسه لذا كانت تحذيرات الأطباء بلا فائدة ترجى معه.

ولهذا ظل مع عشقه حتى إنتهت حياته بعد أن أوصى أن يتصدقوا على روحه بتوزيع الأطعمة الشهية حول قبره؛ ليتلذذ روحه برائحة الطعام ورغم أن الجميع وجد هذا درباً من الجنون لكن "نور" ووالدتها لم يهتما، وظلا كلما إستطاعتا مقدرة صنعت"نور" طعام شهى بكمية كبيرة، ووزعته حول قبر والدها.

لقد كان ذلك أسعد وقت تمضيه بين أيامها، فهى تعشق الطعام، ولكنها تعشق أكثر أن تتلذذ بطهوه، وتتفنن فى نكهاته، حتى أصبح طهوها لا مثيل له، لكن كان هناك من يسخروا منها، ويشبهونها بوالدها، قائلين" بأنها ستكون الفيلة الثانية بالعائله".

لطالما أغضبها وصفهم لوالدها هكذا، ولكنه كان يستقبل سخريتهم بصدر رحب، ويردها لهم بالمرح، لكن " نور" لم تكن تتحملها، لذا قررت أن تنتقل إلى مدينة أخرى، لكن والدتها رفضت ترك منزلها، وحياتها، لأى سبب كان، حتى أتت نجدتها من القدر فقد كانت قريتهم لا تحوى مدرسة ثانويه.

ورغم أنها ساعات، وتعود كل يوم إلى منزلها، لكنها وجدت بالغرباء عن قريتها الأصدقاء الجيدين، وتفوقت وإنشغلت بدراستها لكى لا تلتقى أقاربها المزعجين، فقد كان والدها من عائلة ميسورة الحال، وإتهموا والدتها ذات الأصل البسيط أنها خدعته من خلال طهوها اللذيذ.

لقد كان والد " نور" رافضاً للزواج، ولكن ذلك يرجع لأن جميع أفراد عائلته طامعين، يسخرون منه، ولكن والدة "نور" أحبته بصدق، وحين توفى وورثته، أصبحوا يحبونها فجأة، ويتملقونها، ويطلبون ود إبنتها مما جعل"نور" تمقت رؤيتهم حتى.

كذلك أهل القرية الساخرون، فقد ترك لها والدها كنزاً من المال، كما ظنوا وحين إنفجرت بهم غاضبة ذات مره، وأخبرتهم أن والدها لم يترك لهما شىء، لكن لم يتركوها وشأنها، بل إزدادت سخريتهم، فقد ظنوا أن حسين أنفق كل ماله بالطعام، ومن سيتزوج من إبنته لابد وأنه سيفلس بسبب إطعامه لها.

بينما لم تصدق عائلة والدها هذا الحديث، وظنوها تبعدهم عن سبيلها؛ لتستمتع بالميراث وحدها، ولهذا حين تفوقت على جميع قريناتها بالقريه، أصرت أن تذهب إلى أبعد جامعه ممكنه؛ لكى ترتاح منه،م ورفضت والدتها الإنتقال معها، فأصبحت تضطر إلى العودة فى العطلة الصيفيه.

وكلما مرت الأيام كلما إزدادت "نور" جمالاً، وذكاءاً، وفكرت بإستغلال موهبتها فى الطهو، وعشقها للطعام الذى ورثته عن والدها بانشاء مطعم، ولكن قريتهم الصغيرة لن تكن مناسبة لعمل كهذا، كما أن أهل قريتها سيعملون جاهدين على تدمير حلمها بسخريتهم من قدراتها.

بالإضافة إلى أنها لا تملك المال الكافى، لهذا قررت أن تعمل بجد حتى تدخر مبلغاً كافياً، وتبدأ بالأمر، وهى لا تدرى أن سخرية من من بمثل عمرها بالقرية منها، هى لغيرتهن منها، وكلما إزدادت جمالاً، أُعجب بها الشباب.

ورغم السخرية من أبيها، ومنها، ولكنها كانت ذات خلق حميد، طيبة المعشر، فرغبت بها كل النساء زوجة لأبنائهن، لذا إزداد حقد الفتيات عليها، وأضمرن لها الضغينة، ولم تكن تعلم أن البسمة المحبة، خلفها حقد دفين فقد كانت حسنة النيه.

ولكن لها إبنة جارة مقربة منها، كما هى والدتيهما، كن صديقتين، وكن دوماً معاً، تفضى "نور" لها كل ما يختلج صدرها، وتنصت لها الأخرى بإهتمام، وبينمت كانت " نور" تعتبر صداقتهما مقدسة، لم تكن "حسناء" هكذا.

لقد أحبت "حسناء" شاب من القرية يدعى" حازم" ولكن والدته لا ترغب بها،فهى ليست حمقاء؛ لأنها تعلم أن " حسناء" ستستأثر به لنفسها، وتبعده عنها، كما والدتها ماكرة حقود كإبنتها تماماً، لكن "نور" مثال الزوجة التى ترغب بها لإبنها.

تقربت والدة "حازم" من والدة " نور" كما أن "حازم" نفسه ليس أعمى، فنور تستحق بالفعل أن ينجذب إليها،  ولهذا كانت "حسناء" تحث " نور" على النفور منه ومن عائلته، وما كان يساعدها على هذا أن " نور" نفسها لا تريد الزواج من هذه القريه مطلقاً فيكفيها ماعانته من سخريتهم.

وحتى لو رفضت والدة "نور" أن ترسلها بعيداً، فنور تفضل ألا تتزوج مطلقاً على أن تقضى بقية حياتها تعانى هنا، ولكن حين رفضته "نور" لم يأتى إليها، بل زوجته والدته من إحدى قريباتها البعيدات.

ها قد أتت العطلة الصيفيه، ونالت "نور" شهادتها الجامعية أخيراً، وقد إستقبلتها "حسناء" بحفاوة زائفه فى محطة القطار، فلقد فقدت " حازم" نعم، ولكن فى المحيط كثير من الأسماك، وهى لا ترغب مطلقاً بأن تحيا" نور" حياة أفضل منها، لذا تظل بجوارها؛ لتمنع ذلك.

كانتا تسيران فى الطريق الشبه خالى المؤدى إلى منزل " نور" حين وقفت " نور" فى منتصف الطريق، وظلت تدور بسعادة حول نفسها، فاردة ذراعيها، ترفع رأسها للسماء مغمضة العينين، بينما الأخرى تقف على رصيف الطريق، تتابع بقلق كلا الجهتين.

كانت "حسناء" تحاول إقناعها بأن تعود للسير بهدوء معها على الرصيف، لكن " نور" لا تهتم بل إبتسمت بإتساع، ووقفت تنظر لها، ثم هتفت بصوت يملؤه السعاد، والحماس.

- أتعلمين حين أعود إلى المنزل، سأصرخ بأعلى صوتِ لدى، وأقول "يا قوم ها أنا قد عدت".

حركت رأسها لكلا الجانبين بيأس، نعم هى تغار منها، ووالدتها تعزز هذه الغيره، ولكن " نور" فتاة بريئة مرحة، تحب الحياة.

- أنتِ مجنونة حقاً.

إتسعت عينا " حسناء" بذعر، وتجمدت عن الحركه، فقد ظهرت سيارة من العدم فجأه، وتوقفت بحده على بعد إنش واحد من "نور" التى تجمدت من الصدمه للحظه، لكنها كانت فقط لحظه واحده ثم صرخت بغضب فى السائق الذى لم ينزل من سيارته بعد.

- أيها الأحمق! كيف أعطوك رخصة قياده من الأساس.

خرج شاب من السياره، وأقبل نحوها بوجه غاضب، تبين أكثر حين خلع نظارته الشمسيه، فنظراته كانت مخيفه، لكنها أبله من أن تنتبه لهذا، وظلت تنظر له بتحدى، وهمت لتوبخه مجدداً، لكنه قاطعها بحده.

- لم أكن أنا الغبى الذى يقف بمنتصف الطريق، يستقبل السيارات المسرعة بالأحضان.

- ماذا؟! أتريد القول أننى المخطئة الآن! أنت المخطئ هنا يا هذا.

رفع حاجبه مستنكراً: أتتحدثين عنى أنا!

رفعت إصبعها تلوح له به محذرة إياه: إستمع إلى يا هذا، صوتك الغاضب لن يخيفنى، وإن ظننت أن إسراعك لإهتمامى  أولاً سيجدى نفعاً، فأنت أحمق.

قضب جبينه بإرتياب: يبدو لى أنكِ مختله، ولا وقت لدى لكِ.

إرتفع صوتها أكثر: ماذا؟! هل تظننى ألاحقك أم ماذا؟!

لم يبالى بهذيها، بل إرتدى نظارته، وحرك رأسه للجانبين بيأس من عقلها، ثم عاد إلى سيارته، وقادها مبتعداً، فعقبت خلفه بحده.

- مخطئ، وقليل التهذيب، كيف يغادر هكذا، وكأنه لم يفعل شئ؟!

ثم إستدارت تنظر إلى "حسناء" فوجدتها تضع يديها بمنتصف خصرها، وتنظر إليها بحده، فسألتها بغباء.

- ما بكِ، لما تنظرين إلي هكذا؟!

زوت جانب فمها ساخره: فلتحمدى الله أن الأمر مر بسلام، هيا أمامى إلى المنزل قبل أن تأتين بكارثة أخرى.

رفعت كتفيها بلا مبالاه: وما ذنبى؟! هو من ...

قاطعتها بنفاذ صبر: كفاكِ عناداً، ستميتينى بأفعالكِ تلك، لة كان شاباً غيره لضربكِ

عقدت ذراعيها على صدرها، وقضبت جبينها معترضه: ماذا؟! لماذا؟!

- أنتِ تقفين هكذا وكأنك ملكة البلاد، توبخينه، وأنتِ المخطئه!

- ماذا؟!

- نعم ، فأنتِ تقفين بمنتصف الطريق بدلاً من السير على الرصيف.

ثم طرقت بقدمها على الأرض، وتابعت معنفة إياها: هذا الرصيف ليس للزينة أيتها الحمقاء!

تأففت بضجر: لا تبدئى، لقد كان الطريق خاوياً، ثم لما  لم يطلق زموراً قوياً لينبهنى؟!

- يا إلهى، هل يعنى خلو الطريق أن نسير بمنتصفه، أتعلمين سننام به أفضل، وننتظر حتى تأتى شاحنة وتدعسنا.

- لا تهولى الأمر.

- إرحمنى يا إلهى، هيا بنا من هنا، فوالدتى مؤكد أنهت تحضير الطعام.

- لا أنا سأذهب إلى منزلى.

- لا يمكن، لن أسير خطوة أخرى دون أن آكل، لم أتناول شيئاً منذ الصباح.

تهدج صوتها بتأثر: أوه يا عزيزتى، وتتحملين طوال هذا الوقت.

- هل تسخرين منى؟

- بالطبع لا، أنتِ تعلمين جيداً، أننى حين يتعلق الحديث بالطعام لا أمزح.

صرت أسنانها بغيظ: نعم أعلم، أتعلمين أنتِ ما يغيظنى؟ كيف لكِ أن تأكلى كل هذا الطعام، ولا تسمنى أبداً.
 
رفعت كفها ودفعته فى وجه " حسناء": قل أعوذ برب الفلق، عيناكِ الحاقدة تلك ستدمر شهيتى للطعام.

كانت تمازحها ولا تعلم أنها بالقعل تحقد عليها، حتى حين علقت على كلماتها بسخريه.

- لا أعتقد أن هناك شىء قد يدمر شهيتكِ الكبيره.

- يا إلهى، أنتِ مزعجه بحق.

- كفى عن التمر، وهيا لنسرع إلى المنزل، وهناك يمكنك الإتصال بوالدتك لتخبريها بتأخرك عندى.

- أتمزحين؟! بالطبع لن أفعل هذا!

- لماذا؟!

- والدتى لن توافق مطلقاً، بل وستغضب علي قائله.

حاولت تقليد صوت والدتها، وحركتها، وهى تتابع حديثهما: هل صديقتك أهم من والدتك، أتسافرين طوال هذا الوقت، وحينما تعودين تذهبين إلى صديقتك تتسامران بدلاً من تأتى لرؤيتى أيتها الجاحده!

قهقهت " حسناء" بمرح حقيقى، ثم أومأت لها مؤكدة: لديها ألف حق.

- أتعلمين لن أخبرها بشىء، هى تعلم أننى سأعود اليوم، لكنها لا تعلم متى تحديداً، سآتى معك نتناول الطعام، ونقص الحكايا كما نريد، وتخبرينى عن كل ما حدث معكِ منذ تركتكِ وحتى الآن، ومن ثم سأذهب إلى المنزل، ولن تدرى والدتى بشىء.

- حسنا، وأنتِ أيضاً ستخبرينى بكل ما مررتِ به منذ سفركِ وحتى هذه اللحظه.

- حسنا هيا، فالطعام سيبرد.

- هيا أيتها الشرهه.

مر الوقت سريعاً بين الطعام والحديث حتى آذان المغرب، فحثتها "حسناء" على المغادره، فظلام الليل بدأ يغمر القريه، ووالدتها قد تقتل كلاهما إذا ما علمت أن " نور" بالقرية منذ الظهيرة، ولم تذهب مباشرةً إلى المنزل، وكانت قلقة بالفعل، فوالدة " نور" ثورتها مخيفة بحق.

رغم أن "حسناء" أكدت على والدتها ألا تخبر والدة" نور" لكنها لازالت قلقه، لكن " نور" لم تكن تبدو حتى أنها مهتمه.

إستأذنتا من والدة" حسناء" فأكدت على إبنتها ألا تتأخر فالليل على الأبواب، فأجابتها بتأكيد.

- حسنا أمي.

ودعتاها، وغادرتا يسيران سوياً حتى وصلتا إلى منزل " نور" ولكن حين وصلتا كان باب المنزل شبه مفتوح، فتسلل القلق إلى قلب " نور" فدفعت الباب بحذر ودلفت إلى الداخل وتبعتها " حسناء" تتسلل ببطأ، ولم تجدا أحداً ببهو المنزل.

إزداد قلق " نور" وتسائلت أين والدتها؟! هل هاجرت دون أن تخبرها أم ماذا؟! فحاولت "حسناء" تهدئة قلقها، وأخبرتها أن تبحث بهدوء أولاً، فلا داعى للقلق، فلطالما كانت القرية ءمان، لكن والدة " نور" لم تعتاد إهمال باب منزلها هكذا، لكن " حسناء" حثتها على التقدم وإكتشاف الحقيقه.

وما كادت " نور" أن تستدير حتى إصطدمت بصدر عريض، فصرخت، وتراجعت إلى الخلف خطوتين، ورفعت نظرها لتتفاجئ بأنه نفسه من كاد يصدمها بسيارته بالصباح، فصاحن به معنفه.

- أهذا أنت أيها الأحمق، أتمنى أن يقف نموك كما أوقفت قلبى رعباً.

رفع حاجبيه مندهشاً: ما هذا؟! أنتِ؟! يا إلهى، هل تقفين بكل مكان بهذه القريه تصرخين كالبلهاء هكذا؟!

- أنت الأبله الوحيد هنا، ماذا تفعل هنا بمنزلى، نعم أنت لص، مؤكد، ولهذا باب المنزل شبه مفتوح، هاتفى الشرطة فوراً يا حسناء، لن أترك هذا اللص إلا وهو مكبل بالحديد.

إنقضت عليه تمسكه من قميصه بحده، فدفعها عنه بضيق، وإتهمها بالجنون، حينها صدع صوت والدتها من خلفه، تتسائل بتعجب عما يحدث هنا، فتركته "نور" وركضت نحوها تنظر إليها بقلق، تسألها إن كانت بخير، أم أن هذا اللص آذاها؟ فشهقت والدتها بذهول.

عادت "نور" تمسكه حتى لا يهرب، فصرخت والدتها بها بغضب، تستنكر أفعالها الهوجاء، وتأمرها بأن تتركه، فإعترضت " نور".

- طيبتكِ هذه يا أمي ستجعل أمثال هذا لا ينالون عقابهم، إنه لص، وقليل التهذيب أيضاً، ولابد أن يسجن.

صفعت والدتها جبهتها بيأس، وصاحت بها تعنفها، لأنها لازالت بلهاء كما هى، نعم متفوقة لكنها بلهاء، وبدلاً من أن تصبح أكثر تعقلاً، عادت أكثر حماقه، وهددتها بجديه إذا لم تترك هذا الشاب، فحذائها الذى سيطرق رأس "نور" هوى من سيلقن " نور" درساً قاسياً، فتركته مرغمه.

هندم ملابسه، ونظر الى والدتها، وسألها عمن تكون هذه المختله، فأجابته بضيق أنها إبنتها، رمق " نور" بجانب عيناه، ثم أومأ بأسى يؤكد لها أنه يشفق عليها؛ لأن لديها فتاة مثلها، فصرخت به " نور" تعترض، وسألت والدتها عن هوية هذا الشاب، فزوت والدتها جانب فمها بسخريه.

- واخيراً تذكرتِ ان تسألى أيتها البلهاء، إنه "كاظم" والده يكون إبن عم والدك رحمه الله.

- أوه ، أيعنى هذا أنه ليس لصاً.

- واخيراً أدركتِ الأمر.

- أتعنين أنه أحد أقارب والدى؟ حسنا لم أذهب بعيداً بتصورى له كلص، فهيئته تؤكد ذلك.

عنفتها والدتها لإهانتها إياه، فمهما كان هو ضيف بمنزلها، وإعتذرت من " كاظم"، ولم تهتم بإعتراض إبنتها، لكن " كاظم" إبتسم بود نحوها، وسخر من إبنتها وبلاهتها، قثارت عليه مجدداً، فعلق بسخرية حين نهرتها والدتها مجدداً.

- لا تقلقى خالتى، لقد بدأت أعتاد على جنونها، إنها معتادة على الخطأ والتطاول، وعدم الإعتذار.

تعجبت الوالدة من حديثه وكأنها على معرفة سابقة بإبنتها، فسألته، حينها أجابها بأنه إلتقى بها فى صباح اليوم، فشحب وجه "نور" وهى تنظر إليه برعب، لكنه لم ينتبه، وقص لوالدتها ماحدث، وحين سألته والدتها متى كان هذا؟ أخبرها أنه بالصباح بالشارع المجاور.

صفعت " نور" وجهها فى حين ظلت "حسناء" تلوح بيدها ندماً على عدم سماع "نور" لنصحها بشأن إخبار والدتها بتواجدها فى منزلها، وحين لاحظ ملامح وجوهيهمه، أدرك ما يحدث، فقرر تأديب "نور" ولم يبالى بما سيحدث معها، فقد أزعجته مرتان بيوم واحد، دون أن يعلم حتى من تكون؟!

تيقنت "نور" من موتها الحتمى، حين هتفت والدتها بعدم تصديق، وهى تنظر لها بعيون متوعده.

- ماذا؟! اليوم؟!

أومأ مؤكداً، وهو يخبرها أنها كانت برفقة فتاة أخرى لا يذكرها جيداً، فقد كان منشغلاً بمن تصرخ به وهى المخطئه، فتمتمت "نور" بأسى.

- أتمنى لو يفرمك قطار سائقه أحول.

لكن والدتها قاطعت دعواتها المخيفه، بنظرة متعودة، وهى ترحب بعودتها الميمونه، فإلتقفت"نور" أنفاسها بخوف، وحاولت أن تكذب كلمات "كاظم" لكنه ببراءه مصطنعه، إدعى أنه لم يتقصد إيذائها، فعاتبته "نور" لكنه علق بخبث.

- ليس ذنبي أنكِ تفعلين شيئاً خاطئ.

حين إعترضت بغضب، زوى جانب فمه بسخريه، وأخبرها أنه لا داعى للغضب مادامت ترى أنها على حق، وقرر أن يستأذن، وتمنى لهم الخير، لكنها تمتمت بسخط بأن لا خير سيأتى من وراءه، ودعت بأن يتوقف نموه! حينها سخر منها بأنه حتى لو كف جسده عن النمو فستظل هى قصيرة حمقاء.

ثم مال قريباً منها هامساً: ستكون أسعد ليله بحياتى هى هذه، وأنا أتخيل ما قد تعانيه من عقاب والدتكِ.

غادر فحاولت "حسناء" الهرب ولكن "والدة نور" أوقفتها بحده، فقد قررت معاقبتهما سويا، لكن "حسناء" إعترضت فلا ذنب لها، كما أخبرتها أنها لم تستمع لها منذ البدايه، كما أخبرتها أن إبنتها من رفض إخبارها.

نظرت لها "نور" بسخط تعاتبها، أنها باعتها هكذا، لكن "حسناء" كانت قد قررت ألا تهتم، فهى ليست نداً لعاقب "والدة نور" وإستأذنت لتغادر حتى لا تنال عقاب والدتها، حينها بدى على وجه "والدة نور" الحزن، وابتسمت بإنكسار، وهى تؤكد لها أن والدتها قد أحسنت تربيتها.

كلماتها جعلت "نور" تشعر بالذنب بينما غادرت "حسناء" غير مباليه بها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي