فيروز

Shaimaa46`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-10-26ضع على الرف
  • 50.4K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الاول

تجر حقيبتها خلفها وسط ظلام حارتهم الدافئة وعيناها تتكدس بالدموع امام بيت واحد لم تدخله لعام
اضاءة العمود الخافته مازالت باللون البرتقالي.. لون الحنين كما تقول والدتها
تغمض عيناها للحظات خاطفة امام بوابة امانها قبل ان تفتحها بمفتاحها الذي احتفظت جيدا وكأنه يعلم بعودتها، الدموع تنحدر من مقلتيها وهي تغلق البوابة خلفها مصدره صريرها العالي الذي رغم خشونته يطمئن قلبها
صوت الضحكات يصلها وعيناها تمر على المكان بنظرة سريعة، تتنفس بهدوء وتعد حتى العشرة والهواء يلفح وجهها فتطير خصلات شعرها
البرد يحاوطها مع اولى خطواتها مدركة انها باتت وحيدة
تشتد اصابعها على معطفها واليد الاخرى تحمل بها حقيبتها الصغيرة
ترتعش اناملها وهي تفتح باب بيتها
بل بيت والديها
وسيظل رغم خلوه بيت والديها
غصه تحتكم حلقها وهي تشعل الضوء فتبتلعها بصعوبة وهي ترى تراكم التراب في كل مكان معلنه دفنها مع اصحابها
قدماها ترتخيان تحتها فجأة فتخر جالسة
تستند على الباب الذي اغلقته والفراغ يحيطها
صورة كبيرة معلقة على الحائط لاسرة سعيدة
اب وام وطفلة تبتسم
عائلة لم تعد موجودة
زحفت على قدميها بضياع حتى اتسخت ملابسها وهي تستند على الحائط متلقفه الصورة ذات الاطار المتآكل
تمسحها بمعطفها ودموعها، تظهر ملامح الصورة بوجه والديها الحبيب فتبدأ في تقبيل الحاجز الزجاجي
قبلة واثنان وعشرة، تتحدث دون توقف عن كل ما اصابها وفي النهاية تتمتم بكلمات خافتة وتذهب في سبات عميق

__________

- صباح الخير
- ‏صباح الخير يا يونس، متى عدت؟
تسأله امه غامزة له بعينها فيسعل بحرج امام عينيّ زوجة اخيه التي احمرت خجلا لتقف حامله ابنتها على ذراعها قائلة
- سأخذ ريم لأمي فهي تود رؤيتها
قال يونس سريعا وهو يلتقط احدى الشطائر
- ‏يمكنني ان اقلكما يا مرام، انتظري
ردت بسرعة
- ‏لا داعي، المنزل على بعد شارعين.. السلام عليكم
وخرجت تحمل ابنتها الهادئة ذات العام بيد وتحمل حقيبتها باليد الاخرى
- لقد احرجتي كلانا يا هدهد
قالها وهو يلتهم الشطيرة بيد والاخرى امسك بها كوب الشاي خاصته
قالت والدته بغيظ
- لماذا لا تنتظر زوجها
رد يونس بجدية
- لا تتدخلي بينهما يا أمي، انها حياتهما معا فليفعلا ما يناسبهما
- ‏للحق مرام جيدة، بل مثالية ولهذا اخترتها، هل ترى انني ظلمت....
ولم تتم جملتها حينما عاجلها قائلا
- ‏ان كانت كذلك لما استمرا معا، هما فقط يحتاجان لفهم بعضهما
فصمتت والدته لتبتسم قائلة
- سعيدة لانك سعيد
ابتسم بلا معنى لتردف
- ندى فتاة جيدة، الحمد لله الذي اوقعها في طريقك.. انظر إلى مستقبلك يا يونس، لن يفيد في شيء البكاء على اللبن المسكوب
وضع الطعام من يده وقد اشتد الالم في صدره فإبتلع اخر لقمة بصعوبة وامسك بحقيبة حاسوبه هامسا بخفوت وهو يميل ليقبل رأسها
- ادعي لي
- ‏قلبي يدعوا لقلبك دائما بالراحه يا صغيري
- فليستجب الله لكل دعواتك يا حلوتي.. سأغادر الان كي لا اتأخر
- في رعاية الله

ولم يكد يغلق الباب خلفه حتى دخل عليها ولدها الكبير قائلا بلهفة
- اين ريم
نظرت له بعدم رضا وهي تقول بإمتعاض
- قل صباح الخير يا امي اولا اذا
اقترب سامر من جلستها قائلا
- صباح الخير يا امي، اين ريم؟
ظلت تمضغ ما في فمها ببطئ مستفز امام عيناه لترتشف من كوب الشاي بعدها ومن ثم قالت
- اخذتها والدتها لجدتها الاخرى
لاح الغضب على وجه سامر قائلا
- لم تخبرني
- لقد اتصلت والدتها صباحا، واليوم هو اجازتك لذلك لم توقظك فأخبرتني
اومأ لها بإنفعال مكبوت وهو يفرك يديه بعنف
رقت ملامح والدته وهي تهمس بخفوت
- كل هذا من اجل صغيرتك
اتسعت عيناه بعاطفة مشتعلة وهو يكرر
- كل هذا لاجل ريم يا امي، لا تشرق الشمس سوى من عينيّ ريم
- ‏وزوجتك
خفت انفعاله وهو يدير ظهره هامسا
- إمرأة جيدة، سأذهب لهما
- ‏اتق الله في زوجتك يا سامر
سمعها دون رد وقد اختفى وذهب من امام عيناها لتزفر نفسا مرتجفا ودمعة وحيدة تنحدر من احدى عيناها هامسه
- اللهم لا اعتراض

________

- قهوتك
تقولها ندى بإبتسامتها البشوشة واضعة كوب القهوة الورقي امامه
سحب عيناه عن شاشة الحاسوب لينظر لها قائلا
- سلمت يداكِ
وارتشف منها رشفة صغيرة ليتمتم بإعجاب
- طعمها مختلف اليوم
سألته بلهفة
- ‏هل اعجبتك؟
اومأ لها مرتشفا المزيد
- رائعة
ردت بفخر
- انا من صنعتها
كاد ان يسعل وهو يبتلع المزيد هامسا بخفوت
- اتعبت نفسك
- تعبك راحة
كان يشعر بالذنب نحوها وقد قرر خطبتها بأنانية منه.. رأى اهتمامها به، وداخله ايقن انها ربما تعوضه عن الماضي، عن حب السنوات، ولكنه يحتقر نفسه الان وقد فشل كما يفعل كل يوم للنظر لشرفتها المقابله لهم.. انه التحدي الاصعب وكأنما هناك قوة سحرية خارقة اكبر منه تسحب عيناه إلى هناك وكأنما سيراها كما يتخيل
يكذب على نفسه وعلى ندى التي يخبرها كل مساء تود ان تقضيه معه انه مرتبط بإلتزام معين ويكذب على والدته التي تعتقد انه يمضي سهرته برفقة خطيبته
وإلى متى سيظل دائرا في تلك الحلقة.. لا يعلم ولكن ربما تحدث المعجزة وينفك ذاك السحر

فرقعه اصابعها اخرجته من افكاره لينظر لها بدهشة وكأنما نسى وجودها فنظرت له بتساؤل قائلة
- اين شردت؟
ابتسم بإرتباك واضعا كوب القهوة امامه وهو يرد
- هناك بعض الحسابات التي كنت افكر بها
- ‏شاركني اذا افكارك ربما نجد حلا سويا.. سنصبح شريكين في كل شيء
لمعة عيناها وحماسها يضغط على ضميره اكثر فإبتلع ريقه وهو يسألها بإبتسامته الصغيرة
- هل لديك شيء غدًا
- ‏لا
- ما رأيك ان نذهب للعشاء سويا
اتسعت ابتسامتها وهي تتصنع التفكير واضعه اصبعها تحت ذقنها قائلة بعد برهة
- موافقة
- ‏اذن اذهبي لعملك ايتها الكسولة
- ‏حسنا ايها النشيط
رفعت كفها بتحية وتركت مكتبه ذاهبه لغرفتها المقابله والتي تتشاركها مع بعض المحاسبين الاخرين بإبتسامة سعيدة
بينما جلس هو متطلعا للخاتم الذي يزين بنصره منذ اسبوع تقريبا شاعرا بالاستنزاف

__________

تشعر ان جسدها كله يئن وهي تفتح عيناها بصعوبة على صوت اذان الظهر.. نظرت لساعة هاتفها بدهشة وهي تسأل نفسها هل نامت كل هذا الوقت حقا على هذه الارض الصلبة
الامان.. تلك هي الكلمة السحرية لكل خوف
بيت والدها هو امانها الذي افتقدته
تحركت من رقدتها تنفض التراب من ملابسها بتأوه مدلكه عنقها الذي تشنج اثناء نومها
تمطت بذراعيها وكأنما دخلت الجنة بعد جحيم ايام
نظرت للاتربة حولها وفكرت في حملة تنظيف مكثفة للبيت بأكمله.. ولكن اولا لتملأ معدتها التي نسيت مذاق الطعام
حمدت الله انها كانت تدفع فواتير المياه والكهرباء بصفة دورية عن طريق خالها
فكرت في هذا وهي تستحم والماء البارد يغطيها رغم ارتجاف جسدها تحته إلا انها لا تستطيع الانتظار اكثر
سمعت صوت معدتها ينادي فضحكت بقوة وهي تمسك بها قائلة
- لن انساكِ بعد الان

خرجت تجفف شعرها ومن ثم اختارت معطفا خفيفا لترتدية فوق بلوزتها الثقيلة وبنطال من القماش، مشطت شعرها بسرعة وارتدت خفها البيتي واخذت محفظة نقودها والمفتاح وخرجت
انها تشتاق للحياة، الشمس تغطي وجهها والهواء يداعب شعرها.. انها الحرية التي تمنتها
خرجت للشارع العامر ببعض سكانه وتطلعت للمنزل المقابل بحنين حينما سمعت الهتاف المندهش بإسمها
- فيروز
إلتفتت للصوت العالق بذاكرتها.. عم اسماعيل صاحب القهوة المجاورة وصديق والدها، دمعت عيناها وهي تنظر لوجهه الذي يذكرها بوالدها واقتربت منه حينما مد هو ذراعه ليحدثها بلهفة قائلا وعيناه تمران عليها
- فيروز ابنتي كيف حالك؟ متى اتيتِ؟
ردت بإبتسامة واسعة
- كيف حالك انت ايها العجوز، انا كما تراني شابة عشرينية وفي افضل حال
ضحك اسماعيل وهو يربت على كتفها قائلا بمحبه
- مازلتِ كما كنتِ صغيرة، طفلة شقية
غمزت بعينها له لتختفي تلك الشقاوة وهو يسألها
- اين زوجك؟
توترت ابتسامتها لتحسم امرها قائلة
- تطلقت بالامس
ارتد وجه الرجل للخلف ناظرا إليها بعدم تصديق وهو يضرب كفيه ببعضهما مرددا
- لا حول ولا قوة الا بالله
ساد الصمت بينهما لبرهة ومن ثم سألها
- كيف حدث هذا
- انا جائعة.. هل هذا اكرام الضيف لديكم
علم اسماعيل برغبتها في التحفظ بأسبابها ليقول مشيرا للمقهى الخالي من رواده في هذا الوقت من الظهيرة وقد اعتاد الجميع على اخذ قيلولة في تلك الاثناء
- من عينايّ يا ابنه الغالي.. لقد طورت المقهى وبه قسم للشطائر لزبائن الصباح
- ‏كنت اعلم ان بداخلك رجل اعمال صغير
قهقه اسماعيل ضاحكا وقد اخذ جسده الممتلئ في الاهتزاز لتشاركه الضحك وهي تدخل معه المقهى الخاص به
اثناء انتظار الطعام اخذ يحكي لها اسماعيل عن اخبار اهل الحي جميعهم وقد ختمها بقوله
- وقد خطب يونس احدى زميلاته منذ اسبوع تقريبا
اتسعت عيناها بإندهاش قائلة
- لقد اعتقدت انه تزوج فأمي رحمها الله اخبرتني انه سيخطب احداهن منذ وقت طويل
- ‏لم يكن هناك نصيب
رفعت كتفيها بلا رد حينما وقف قائلا
- اذهبي لخالتك هدى فهي لم تكف عن السؤال عنكِ
اومأت له قائلة
- كنت انوي زيارتها بعد تناول الافطار
ابتسم قائلا
- لا تعتادي عليها يا ابنه عبد الرحمن، اليوم استثنائي لخلوه من الزبائن فلا احب ان ينظر لك احدهم
غامت عيناها بالدموع وقد تذكرت والدها فإتسعت ابتسامتها قائلة
- اعلم ان العاشق تفضحه كلماته، ولكنني اعتذر فأنا صغيرة ولدي فرص افضل
للمره الثانيه قهقه ضاحكا وهو يتحرك مبتعدا بجسده السمين قائلا
- ان سمعتك خالتك ام سعاد فلن نفلت من بين يديها
- ‏سأخبرها بنفسي حينما ازورها

وضع احد الصبية العاملين الطعام امامها وكوب شاي بالحليب، نظرت لظهر اسماعيل الجالس امامها بحنان وهي تتفقد محتويات الشطائر.. لم ينسى ما تحبه
اكلت بتلذذ ومعدتها تستجيب فرحا بكل قضمة تدخلها.. رأت وجه سامر الذى ألقى السلام على اسماعيل محتضنا طفلة بين ذراعيه بتملك بينما تسير زوجته منكسه الرأس بجواره في هدوء
لقد حضرت زفافهما الذي اقيم في حفل صغير بأحد المطاعم وقد كان يسبق زواجها بالقليل
ابتلعت غصة خانقه تطبق على حلقها فإرتشفت من كوب الماء قليلا وهي تحشر الطعام في فمها
لن تترك لنفسها العنان كي تحزن، يكفيها ما مضى من عمرها
انهت طعامها وهمت بوضع الثمن فعاجلها اسماعيل بالقول
- لا تفعلي هذا يا بنت الاكرمين
- شكرا لك يا عمي
وصافحته راحلة ليشيعها بنظرات قلقة
ابتاعت بعض الاطعمة سريعة التحضير من البقالة القريبة واثناء عودتها وجدت هدى تسقي الشجيرات التي امام منزلها ولم تنتبه لها
ذكرياتها.. حياتها تمر امام عيناها سريعا كلما خطت خطوة
هدى جارتهم وصديقة والدتها المقربة
إلتفتت هدى للواقفه خلفها بتساؤل سرعان ما تحول لصرخة قصيرة قبل ان تسحبها لاحضانها مردده
- فيروز، انتِ هنا حبيبتي
غمرها حنان حضنها وجعل اعصابها ترتخي فتركت الاكياس تقع من بين يديها وترتفع تلقائيا لتمسك بملابس هدى وكأنها طوق نجاة.. الدموع تتقافز من عيناها متسابقة من التي ستفوز في مضمار وجنتيها.. الان حان وقت الانهيار، تشهق باكية وهي تتمسك بهدى التي اوجعها قلبها من صوت شهقاتها المتتالية
- ماذا بكِ يا فيروز
وألقت نظرة سريعة على بعض النسوة اللاتي ينظرن بفضول نحوهم فحاولت امساكها وهي تفتح باب منزلها وتدخلها اولا كي تجلس على احد المقاعد وخرجت مره اخرى اخذه حاجياتها ثم اغلقت الباب
كانت الاخرى تمسح دموعها وهي تحاول استنشاق الهواء بينما وضعت هدى في يدها كوب ماء قائلة وهي تمسح على شعرها
- اشربي واهدأي حبيبتي
بعد دقائق خرجت من الحمام بعد ان غسلت وجهها واشرقت عليها بإبتسامتها الحلوة فربتت هدى جوارها قائلة
- اجلسي هنا واخرجي ما في قلبك يا ابنتي
كادت الدموع تنفلت من مقلتيها لتحبسها فيروز وهي تتصنع البشاشة هاتفه
- اشتقت لكِ يا خالتي.. جداا
ردت هدى بعتاب
- ‏كان يمكنك القدوم لزيارتي
نكست فيروز رأسها بسكون هامسه
- لم يكن بيدي يا خالتي.. صدقيني
ربتت هدى على كتفها بحنو قائلة
- المهم انكِ بخير
اومأت لها فيروز وقبل ان تسأل هدى عن زوجها قالت الاخرى
- تطلقت بالامس
جحظت عينيّ هدى وكأنما ضربها احدهم في صميم قلبها فرفعت رأسها هاتفه
- مااذا.. كيف حدث هذا؟ ولماذا؟ كنتما تحبان بعضكما
- ‏كنا.. في الماضي
وقبل ان تتفوه احداهما بكلمة اخرى دخل عليهما سامر من باب السلم الذي يؤدي لشقته في الطبق الثاني، نظر لها بدهشة سرعان ما تحولت لتحية عابرة وهو يقول
- السلام عليكم، كيف حالك يا فيروز
تمالكت الاخرى دموعها لترد بهدوء ورأسها منكس
- مرحبا يا سامر
- ‏امي.. اريدك
وقفت فيروز على قدميها سريعا وهي تقول
- اعتذر يا خالتي، سأذهب انا الان ونلتقي في وقت لاحق فأمامي الكثير من الاشياء
لم تشأ هدى الضغط عليها خاصه مع وقفه سامر المستفزة تلك فقالت وهي ترافقها للباب
- حسنا حبيبتي كما تريدين، بابي مفتوح دائما كما تعلمين.. ان احتجت لشيء انا هنا
امسكت فيروز بمشترياتها ناظرة لها بإمتنان وهي تحتضنها هامسة
- لا حرمني الله منك
ونزلت درجات السلم القليلة ملوحه لها وهي تعبر الطريق للجهة المقابله حيث منزلها


" نهاية الفصل الاول "
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي