عدالتناا

راوىالقصص`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-10-12ضع على الرف
  • 11.8K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

وقف ظافر فى صف العساكر الممتد بطول الفناء إلى بوابة قسم الشرطة المركزى و الأكبر بمملكة عيلم، و على الرغم من تخرجه من كلية الشرطة إلا أنه سيتم معاملته كعسكرى لمدة سنة

أو يزيد شأنه كشأن المتقدمين لقضاء الخدمة يتلقى خلالها العديد من التدريبات المتنوعة، استرعى انتباه شاب ذو بشرة شاهقة البياض و شعر أشقر يقف فى الصف الموازى لصفه لم يكن

يتعثر عليه أن يفهم أنه ليس من عليه و إنما من محتلهم مملكة الفردوس إلا أن ما أصابه بالدهشة وقوفه بالصف مثله مثل عساكر عيلم فهؤلاء فى العادة يتم استقدامهم من بلدهم لشغل

مناصب حكومية فى مختلف الوزارات لا أن يصبحوا عساكر و حتى من يحتاجون للتدريب فإنهم يتم تدريبهم بشكل خاص من قبل الضباط فضلاً عن استقبالهم بحفاوة، عاد ليشك مرة أخرى

فى دقة استنتاجه بكون ذلك الشاب فردوسياً فهمس له : هيه أنت ماذا بك لماذا تتأفف جميعنا نقف هنا مثلك دون أدنى انزعاج
نظر إليه من الأعلى إلى الأسفل بانزعاج و كأنما ينظر إلى حشرة ضايقته: ما شأنك !

بدا له أن لكنته تشبه أهل عيلم كثيراً فخمن أنه ربما يكون مختلط النسب عاش هنا منذ طفولته فقد سمع كثيراً عن فتيات يحملن سفاحاً من رجال مملكة الفردوس و من ثم ينتهى بهم الأمر مع

أبنائهم هنا بينما ينكر الفردوسى طفله و يغادر إلى بلاده نظراً لقوانين مملكة الفردوس التي تمنع زواج مواطنيها من العيلميين رجالاً كانوا أم نساءً، تجاهله ظافر بعد ذلك الرد الحاد و قد تذكر

أن عليه تجنب المشاكل ليتثنى له الحصول على وظيفته دون معوقات، استغرق منه الأمر ثلاث ساعات فى الشمس اللافحة كى يجد نفسه فى الداخل أمام مكتب الضابط المسئول عن

توزيعهم في أنحاء المملكة وقد وقع حظه فى الصحراء، حينها أدرك أنه تنتظره الكثير من الأيام الصعبة و الطويلة، اجتمع مع العساكر الذين ينتظرون نقلهم إلى الصحراء مثله

تفاجئ كثيراً عندما رأى ذلك الأشقر معه فى نفس الفرقة و لكن سرعان ما تجاهل الأمر متشاغلاً بوضع كيس الخيش الخاص به على ظهره استعداداً للإنطلاق، ابتدأوا المسير عندما صعد قائد

قائد الفرقة ومعاونيه على الخيل الخاصة بهم وقد شددوا عليهم بضرورة الالتزام بالأوامر و عدم مناقشتها لأى سبب كان، كان ظافر فى أثناء ذلك يتلفت فى الوجوه عله يجد أحداً ممن كانوا

معه فى الأكاديمية و لكن دون جدوى فيبدو أن حظه العاثر أوقعه وحيداً في هذه الصحراء، ساروا لما يقارب الست الساعات فلا يسمح لأي كان عدا الضابط و معاونيه بامتطاء الخيول تدريباً لهم

على تحمل المصاعب و توفيراً للموارد الحيوانية، بدا عليهم الإرهاق و لكن لا يستطيعون التوقف وجد ظافر نفسه يسير بجوار الشاب الأشقر و الذى بدا له أنه يجر قدميه جراً ليتمكن

من مواصلة السير، ضحك ساخرا وهو يهتف: يبدو أن بنيتك هشة مثل هيئتك ،إلا أن الآخر لم يجبه و سرعان ما جثى على ركبتيه من التعب، نظر إليه ظافر بضجر: إن لم تنهض الآن ستترك فى هذه الصحراء

-ما شأنك؟ تابع طريقك
جثى ظافر بجانبه و وضع ذراعه فوق كتفه يوقفه: حتى و أنت بهذه الحالة لا تزال تتبجح
حاول مقاومته إلا أن ظافر تابع بضيق: إن لم نتابع المشى بسرعة سيلحق بنا معاونوا القائد الذين فى المؤخرة و صدقنى لن يعجبك ما سيفعلونه بنا

عاونه على المشي و أخذ منه كيس الخيش الخاص به وهو يتذمر: ماذا وضعت فى هذا الكيس! إنه ثقيل و كأنما قد ملأته بالحجارة
-ما شأنك ؟
تجاهل ظافر ردة فعله وهو يهمس في نفسه يا صبر: ما اسمك أنت؟ أنا ظافر
-ما شأنك !
-اسمك ما شأنك إذا، حقيقة لم استغرب


كانت جالسة في الشرفة تراقب شقيقها الأصغر وهو يتبارز بالسيف مع أستاذه حينما دخلت عليها خادمتها تحمل كوب عصير بارد: العصير خاصتك سيدتي

-ماذا يحدث فى الأسفل لما الجميع مجتمع حول الأمير و أستاذه !
- يقولون أن هذه المبارزة ستحدد مدى ما تعلمه الأمير من فنون المبارزة طوال الأعوام الماضية

-تقولين أن الأستاذ نور الدين لن يتهاون معه هذه المرة إذاً، لمحت الملكة واقفة على مبعدة من الحشد تراقب المشهد فتسائلت ولكن بما أن أمه العزيزة هنا فلا أعتقد أن المبارزة ستسير بشكل عادل

تحدثت مليكة بصوت منخفض: هذه المرة مختلفة سيدتى فهناك أوامر صادرة من جلالته بعدم التهاون مع الأمير الصغير
تنهدت ماريه وهى تتمتم: الملك لم يعد ذى أهمية كبيرة فالكل يفعل ما يحلو له

كانت مارية هى الابنة الكبرى لحاكم مملكة عيلم توفيت والدتها وهي في سن صغير وكان والدها الملك قد تزوج بامرأة أخرى كى ينجب ولى عهد يذكر يخلفه في حكمه الصوري المراقب من قبل الفردوسيين

حصلت على أخت غير شقيقة تحقد عليها و تغار منهما و فى الأخير تمكن الملك أخيراً من الحصول على ولى العهد الأمير محمود، و لكن علاقتها لم تكن جيدة بهم منذ أن كبروا وبدأت أمهم فى تربية الكره لأختهم في قلوبهم

تنبهت من شرودها عندما وجدت أحد الحراس أمامها يطلب منها المثول أم الملك وقد نبهها أنه غاضب بشدة، رفعت ذيل فستانها بأصابعها وسارعت الخطى نحو الجناح الذي يقع فيه مكتبه

تتساءل في نفسها عن الأكذوبة الجديدة التي أخبرت بها الملكة كى تحرضه ضده، استأذنت في الدخول لتجده مولياً ظهره لها ينظر من النافذة فلم تستطع تبين درجة غضبه: ناديتني جلالتك

-كم كان رقمه
تظاهرت بالغباء علها تخفف من الغضب الذي سيصب عليها:
العفو منك جلالتك لم استطع فهم مقصدكم

دق بعصاه على الأرض فأدركت أنه في أوج غضبه: تفهمين ما أقصده جيداً يا مارية إن كنت ستستمرين برفض الشبان الذين يقترحون من قبل الملكة حينها سأختار أنا ذلك الشخص وتعرفين جيداً أنه لا يمكنك رفض الرجل الذي اقترحه أنا

بلعت مارية ريقها الذى جف من هول ما سمعته وبدأت تتحدث بلعثمة: ولكن جلالتكم أنا لست مستعدة لمشروع الزواج حقاً
-بقي القليل لتصلى إلى الثلاثين من عمرك، أتدركين هذا؟

لم تجد مبرراً أو حيلة فى جعبتها تخلصها من هذا المأزق فتابع بعد قليل من الصمت: هذا آخر تحذير لكِ، يمكنكِ الذهاب الآن

انتفخت أوداجها مت غضبها فرمت نفسها إلى اسطبل الخيول فعندما تكون في هذه الحالة تفضل عادة امتطاء الخيل، تظل عدة ساعات على الخيل إلى أن تتعرق و تتعب و من ثم يمكنها النوم في الليل براحة دون تفكير أو حزن


وقف أمام بوابة السجن المركزي لعيلم ينتظر إصدار تصريح دخول له، يعلم أن زيارة وزير المالية الذى سيقدم إلى المحاكمة خلال أيام بتهمة الخيانة تبدو أمراً مستحيلاً، و لكنه لا يزال يعول

على منصبه السابق كضابط مخضرم فى سلاح الشرطة و ربما أيضاً علاقته الوطيدة بمأمور السجن نفسه، تنبه من شروده حينما قاده العسكرى إلى مكتب المأمور عبر دهاليز السجن وطرقاته

إنه يحفظ هذا المكان شبراً شبراً، لا يبالغ إن قال أنه يستطيع 0 خواتم ز د حنم
السير فيه مغمض العينيين وقد أجرى فيه العديد من التحقيقات مع مئات المتهمين على مدار عشرين سنة خلت، وعلى الرغم من

أنه قد مضت عشر سنوات على عزله من عمله إلا أن شيئاً في هذا المكان لم يتغير، استقبله المأمور بالبشر والأحضان: ما هذه الغيبة الطويلة يا يعقوب

جلس يعقوب على المقعد أمام مكتبه وهو يجامله مبتسماً: إنها الأشغال منذ أن استلمت عملى فى الأكاديمية ولم أخرج منها إلا لماماً ……. و من ثم نظرت وإذا بعشر سنوات قد مرت

نظر له المأمور بمكر وهو يلعب بقلم حبر بين أصابعه: هل كان علينا أن نعتقل أحد أصدقائك كي نتمكن من رؤيتك
نظر له يعقوب بشئ من التمعن يحاول أن يرى التغيير الذي طاله

فى السنوات السابقة و لكن لم يجد ما زال كما هو حريص على أناقته و صبغ شعره بالأسود بالإضافة إلى سمنته المفرطة و كرشه المتدلى، و ربما يبدو على مظهره السذاجة لمن لا يعرفه

ولكنه يملك عقلاً يعمل بشكل جنونى: لم استغرب معرفتك كون وزير المالية صديقى و اعلم جيداً أنك لن تسمح لى برؤيته
-إذا ما سبب مجيئك
-أريد الاطلاع على ملفاته و معرفة ما حدث بالضبط

-هذا الأمر غير ممكن يا يعقوب، يجب أن تبقى هذه القضية و ما يجرى فيها من تحقيق طي الكتمان بأوامر مباشرة من الملك، أساساً لا أعلم كيف وصل هذا الخبر إليك إذ أن العاملين هنا ليس

لديهم أدنى معرفة بوجود وزير المالية هنا و قد قبض عليه بواسطة الحرس الخاص للملك
عندما وجد يعقوب أنه لا محالة من كشف أصل الموضوع أمامه، بلع ريقه وبدأ بترتيب الكلمات بعقله: إن لم تساعدنى يا لطفى ستندم كثيراً حقاً

-هل تهددني الآن حقاً، يمكنني تسليمك إلى الحرس الخاص فقط لمجرد سؤالك عن الوزير
-الأميرة مارية هي من أرسلتني

بدأ لطفى لدى سماعه لهذه الكلمات يشعر بأن هواء الغرفة خانقاً، فك الأزرار العليا من قميصه لعل المزيد من الأكسجين يدخل إلى رئتيه: إن وصل هذا الأمر إلى جلالة الملك ستذهب الأميرة و أتباعها إلى حبل المشنقة

-للأسف سنجعل الملك قاتلاً لأولاده فعلاً، لذا أرجوك لنتفادى حدوث تصادم بينهما ما وسعنا ذلك
-استطيع إحاطتك بكل ما وصلت إليه التحقيقات إلى هذه اللحظة ولكن ماذا إن توصلتم إلى نتيجة تعاكس تحقيقاتنا

-لنفكر فى هذا لاحقاً يا لطفى فقط اعطنى المعلومات قبل أن تلحظني عيون الجواسيس هنا
-جيد ما حدث كالتالى ، هناك خزينة خاصة بالملك بعيدة عن الخزينة العامة التي يديرها الفردوسيين، تلك الخزينة كانت تحوي عائدات الملك من الأراضي المزروعة التابعة له

والمصانع و الفنادق و هكذا مؤسسات تدر الربح عليه بالإضافة إلى أموال بقية العائلة والمجوهرات التي يتم ارتدائها في المناسبات الخاصة، فى السنوات الأخيرة كان يلاحظ نقص فى

أموال الخزينة و لكن بشكل طفيف لا يلتفت له، إلى أن اتى اليوم الذي سُرق من الخزينة قُدر بثلثي ما تم إيداعه هذه السنة، تم التحقيق مع جميع الحراس الذين اعترفوا باشتراكهم في الجريمة

بعد أن وصل قصاصي الأثر إلى جثث بقية المشتركين من غير الحراس و تبين بالدليل وجود علاقة قرابة و مصاهرة بينهم، في النهاية أعطى أولئك الحراس اسم زاهر باشا وزير المالية كونه الرأس الكبيرة

-تقول أن التهمة باتت ثابتةً عليه
-للأسف نعم، المحاكمة بعد أسبوع من الآن إن لم يظهره ما ينفى التهمة عنه فلا بد أنك تعرف أنه سيذهب إلى حبل المشنقة
حك يعقوب ذقنه وقد بدا أنه مستغرق في التفكير: ماذا عن الأموال

-نحن نبحث عن الأموال بشكل خفى و غير معلن منذ ما يقارب الأسبوعين ولكن دون جدوى وكأن الأرض انشقت وابتلعتهم
-ألم تفكروا في هذا الاحتمال أن يكونوا قد دفنوها

-فكرنا حيث أرسلنا الكلاب و القصاصين و لكن دون جدوى و حفرنا فى الأماكن التى اشتبهنا بها و لكن لم نعثر على شئ
-الأمر محير هذه المرة
بدا للطفى أنه فوت أمراً مهماً في غمرة الكلام: و لكن كيف عرفت الأميرة بالأمر فهذه القضية بالذات محصورة بين الملك و حراسه الخاصين، الملكة بحد ذاتها لا تعلم بخصوص هذا الأمر شيئاً

-إنها تهتم كثيراً بأمور السياسة بشكل زائد عن الحد وعندما أُشيع خبر سفر الوزير مع عائلته في رحلة استجمام و خصوصاً أنه ليس وقت لهذا، حيث تكون جميع المؤسسات في أوج انشغالها

بالعمل أصابها الشك، و عزز شكوكها أن الملك أجل وقت المنح التى كان ينعم بها على أفراد عائلته في هذا الوقت من السنة، لذا أرسلتني للتحقق من حقيقة ما توصلت إليه

-نصيحتى لك حاول التملص من هذه المهمة و إلا فبقائك بين الملك وابنته سيؤدي بك إلى عواقب جد وخيمة
-لا أعلم يا لطفى، أنا أيضاً أريد مساعدة زاهر باشا، له أفضال على من أيام شبابى، رجل مثله من الرجال القلائل الذين يقاسون بالذهب ولا يمكن أن يكون لصاً وضيعاً

لم يجد لطفى ما يعقب به على كلام يعقوب ولكنه أدرك جيداً أن يتخذ جانب الحذر والحيطة ويكلف من يقوم بمراقبة يعقوب، حيث أن رجلاً مثله اشتهر فى زمانه بسرعة البديهة وكشف اصعب القضايا يمكن بسهولة أن يضعه في موقف صعب أمام رؤسائه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي