قلب رجل و 99 أنثى البارت السابع

*"قلب رجل و99 أنثى" "البارت السابع"*
إزداد نحيب جويرية بل وازدادت حشرجات قلبها، كادت أن تستعطفهم ثانية ولكنهم تبخروا فجأة، تطايروا كحبات الرمال، اختفوا وكأنهم لم يكونا هنا منذ قليل، كانت أعين الأهالي تنظر إليها وكأنها مجرمة، شعرت أنها انتهكت عِرضهم أجمعين،

حاولت أن تتحدث كي تخبرهم أن ما فعلته لم يكن سوى سبيل لنجاة الكثير من بناتهن ولكن اختفى صوتها، لوهلة شعرت أنها بكماء حتى صرخاتها لم تخرج، ولم يسعفها أيضا البكاء أو العويل، فجأة أفسح الأهالي وانقسموا إلى قسمين،

صُعقت جويرية حينما رأت الحاكم يصعد نحو كريسه بغروره المعتاد، جلس على كرسيه وأخذ سهمه وقوسه من جلاده الخاص ورمق جويرية بابتسامة الإنتصار وصوّب نحوها، لم تخرج منها صرخاتها سوى حينما اخترق السهم جسدها.

فجأة استيقظت جويرية تتنفس بسرعة وقد سال العرق من جبينها بغزارة، كانت أنفاسها تتسارع بقوة بينما تزايدت اضطرابات قلبها، كادت أن تنهض بجسدها ولكنها تألمت بشدة، نظرت إلى بطنها ففوجئت أنها ترتدي ثيابا غير التي كانت ترتديها قبل فقدانها للوعي،

قامت برفع الجلباب الذي ترتيه لحين وصلت إلى إصابتها فوجدت جُرحها مضمد بعناية وقد لُف بوشاح أبيض، تنهدت بارتياح وأعادت رأسها إلى الوراء وتنفست الصعداء.

نظرت جويرية حولها فوجدت الصخر يحيط بها من كل جانب فعلمت أن هذا كهف داخل جبل.
كانت تشعر أن جلسدها بالكامل يؤلمها، تحسست قدمها فلم تجد أسلحتها البيضاء التي كانت تثبتها بعناية حول قدمها،

فنهضت وتحسست جسدها بالكامل فلم تجد أي منهم، تسلل القلق والتوتر إلى أواصر قوتها الكامنة بداخلها وظلت تتلفت نحوها فلم تجد أي شي، وفجأة أتى صوت عذب من خلفها قائلا:
_أتبحثين عن شيء ما؟!.

خفق قلب جويرية بشدة واستدارت ببطء شديد ونظرت نحو مصدر الصوت، فخفق قلبها ثانيةً ولكن هذه المرة كانت أقوى من التي قبلها، كان شاب طويل لون بشرته قمحي لامع، وُضع جمال زُرقة السماء بعينيه التي تزينت برموشها الكثيفة، بينما تزين وجهه بلحية كثيفة نسبيا،

كان يرتدي سُترة لم ترى مثلها من قبل وبنطال لم يحيك مثله أحد في قريتها، نظرت إلى يديه فوجدته يُمسك بأسلحتها البيضاء التي كانت تدسها في أماكن متفرقة في جسدها فقالت على عجلة:
_كيف أخذتهم!؟.

عقد الشاب حاجبيه بدهشة وقال:
_هل هذا ما يشغل بالكِ حقاً!!.
أطالت جويرية النظر لعينيه بينما متعت سمعها بصوته الذي أذاب جبلا شاهق كان أمام قلبها فقد دكه دكاً،

ولكن سرعان ما انتبهت وتذكرت أنه قد تبدلت ملابسها فقالت وقد احمرت وجنتيها بشدة:
_من بدل ثيابي؟!.
ضحك الشاب وقال:
_أهذا حقا ما يهم الآن؟!.

غضبت جويرية واتجهت نحوه كي تسدد له ضربة قوية ولكنهت شعرت بالدوار وكادت أن تسقط أرضا لولا أن لحق بها وأمسك بخصرها وجذبها إليه بقوة كي لا تقع، تلاقت أعينهما، كان جسد جويرية يرتجف بشدة من هول ما حدث.

ابتسم هذا الشاب وهمس في أذنها قائلا:
_أنا من قام بتبديل ملابسك.
انتفضت جويرية وقد احمرت وجنتيها من شدة الخجل وأزاحته بعيدا عنها وصاحت بغصب قائلة:
_كيف تجرؤ على فعل ذلك؟! هل جننت؟!.

ضحك الشاب ورفع كلتا يديه قائلا:
_أقسم أنني كنت أنظر بعيدا.
شعرت جويرية بالحرج الشديد، وعادت نحو الفراش الذي صنعه ذلك الشاب خصيصا لأجلها، وبعدما جلست قالت له:
_هل غرُبت الشمس؟! أقصد كم من الوقت صرت فاقدة للوعي!؟.

عقد الشاب حاجبيه وقال:
_لقد مر ثلاث ليالٍ على فقدانكِ للوعي، حينما وجدتك مسجية على رمال الصحراء وجئت بكِ إلى هنا لم تكوني بصحة جيدة أبدا، لقد ضمدت جُرحك وبدلت ملابسك،

ولكنكِ كنتِ ضعيفة للغاية حتى أن جسدك أصبح هزيلا وقد تشققت شفتيكِ من شدة الإرهاق والجوع والعطش، أمس ارتفعت حرارتكِ جدا أصبحت أضع لكِ كمادات وأمسيت الليلة بأكملها بجانبكِ حتى أطمئن عليكِ، والآن استعدي لإلتهام دجاجة كاملة أأعددتها خصيصا لأجلك.

نظرت إليه جويرية وقالت بدهشة:
_دجاجة!! من أين جئت بها؟ أقصد لا تعيش الدواجن في الصحاري فكيف عثرت عليها؟!.
تبسم الشاب وانحنى قائلا:
_بكل تواضع أود إخبارك أنه يمكنني فعل أي شيء أريده وأن أجلب كل ما يحلو لي فقط باتصال واحد.

عقدت جويرية حاجبيها وقالت:
_ماذا تعني باتصال واحد؟!.
فأخرج ذلك الشاب من جيب بنطاله شيء كالذي رأته في خزانة الحاكم وقال:
_من هاتفي، يمكنني أن أتصل بمن شئت.

نهضت جويرية من جلستها سريعا وقد لاح التوتر على وجهها وقالت:
_من أين حصلت على هذا الشيء؟!.
فتمتمت بصوت منخفض وتابعت بقولها:
_لا بد وأنك من أعوان الحاكم، عليكم اللعنة، ألن أستطع الإفلات منكم أبدا!!!.

قال الشاب حينما رأى القلق والتوتر باديان على وجهها:
_ماذا حدث؟! هل كل شيء على ما يرام!.
اتجهت جويرية نحوه والتقطت أسلحتها البيضاء التي أُلقيت في الأرض حينما لحق بها ذلك الشاب.
نظر إليها الشاب بتعجب وقال:
_ماذا حدث؟!.

فنظرت إليه بعينين حادتين وقالت:
_لا بد وأنك ساحر، أفسح لي الطريق ودعني أذهب.
أكملت جويرية بتمتمة:
_عليكم اللعنة جميعكم أتباع ذلك الحاكم، يجب أن أذهب من هنا.

ظلت جويرية تبحث عن حقيبتها القماشية ولكنها لم تستطع أن تجدها، اتجه الشاب نحوها وأمسك بساعديها برفق قائلا:
_فقط اهدأي وتنفسي ببطء، كل شيء سيكون على ما يرام أنا هنا بجانبك ولا يمكنني أن أدعك ترحلين لأنكِ ما زلتِ مريضة وجسدكِ ضعيف للغاية،

لذا عليكِ فقط أن اجلسي هنا على الفراش وتأخذي نفسا عميقا وتخبريني عن ما يجول في خاطرك ربما أستطع مساعدتك، فقط ثقي بي.
نظرت جويرية بينما كانت عاقدة حاجبيها وقالت بتهكم:
_ولمَ أفعل ذلك؟! من أنت لأثق بك؟!.

تبسم الشاب قائلا:
_أنا بكر وأنتِ؟!.
تحركت جويرية من أمامه وقالت:
_لا بد وأنك تمازحني.
فأمسك بها بكر ثانية وقال:
_لماذا أنتِ غاضبة؟! ماذا فعلت لتغضبي هكذا؟!.

نظرت إليه جويرية بعدما جذبت يدها من بين أصابعه قائلة:
_لن أنتظر، سأرحل قبل أن تفكر في فعل شيء.
نظر إليها بكر بابتسامته التي تذيب عقل وفؤاد جويرية قائلا:
_لقد كنتِ فاقدة للوعي ثلاثة ليالٍ، وقد اهتميت بكِ، إن كنت أريد أن أفعل شيء كنت سأفعله ولكنني لم أفعل.

كادت جويرية أن تطمئن له ولكن فجأة تذكر الحلم الذي رأته فقالت سريعا:
_عليْ أن أذهب دعني وشأني أرجوك.
أمسك بكر بيدها وجذبها نحوه برفق وقال بنبرة حنونة:
_صدقيني أنتِ ما زلتِ ضعيفة جدا،

لقد نزفتِ الكثير من الدماء، كونكِ ما زلتِ على قيد الحياة فهذه معجزة من الله سبحانه وتعالى، فقط اهدأي ودعيني أهتم بصحتك حتى تتمكني من الوقوف دون أن ترتجف أطرافك.

نظرت إليه جويرية وقالت بنفاذ صبر:
_ولكنني لا أريد أن أبقى، دعني أرحل.
أخذ بكر نفسا عميقا وقال:
_حسنا، إلى أين ستذهبين؟! هل تعرفين وُجهتكِ؟!

صمتت جويرية وقد اغرورقت عينيها وحاولت أن تُخفي ذلك، ولكن بكر انتبه فقال بتفهم:
_يمكنكِ أن تشاركيني حزنكِ، فلتتخذيني رفيق درب.
نظرت جويرية بعيدا عنه وقالت:
_لا يمكنني الوثوق بك.

تبسم بكر بحماس قائلا:
_حسنا فلنجرب إن كنت جدير بثقتكِ أم لا، وإن خيبت ظنكِ يمكنكِ قتلي.
نظرت جويرية إلى هاتفه وقالت:
_من أين جئت بهذا الشيء؟!.

تعجب بكر قائلا:
_ومن منا يمكنه التجول بدون هاتفه؟!.
عقدت جويرية حاجبيها وقالت:
_ماذا تعني هذه الكلمة؟!.
رفع بكر كلا حاجبيه بدهشة وقال:
_ألا تعرفينه حقا!! إنه هاتف محمول.

كان حديث بكر غريب جدا بالنسبة لجويرية فقالت:
_ماذا يفعله ذلك الشيء العجيب!؟ ما فائدته؟!.
كانت دهشة بكر تسيطر عليه كليا فقد كان يحدق بجويرية لأنه لوهلة ظن أنها تدّعي الغباء ولكنها فاجئته بجهلها،

ولكنه أراد أن يعرف أكثر عن عقليتها والمعلومات التي لديها فقال:
_هذا يدعى هاتف محمول، فهو يُمكنكِ من الإتصال بأي شخص تريدينه حتى وإن كان في أقصى الأرض ويمكنكِ أيضا أن تتصفحي وسائل التواصل الإجتماعي ويمكنكِ أن تلتقطي الصور أيضا.

قام بكر بفتح أيقونة الكاميرا وقام بأخذ سيلفي مع جويرية، عندما انتبهت ورأت صورتها على هاتفه صُعقت وتذكرت الحلم الذي رأته وتذكرت أيضا الهاتف المشابه الذي رأته في خزانة الحاكم فقالت بذعر:
_لا بد وأنك من أتباع الحاكم.

همَّت جويرية بالرحيل فلحق بها بكر قائلا:
_كيف تستخدمين تلك المصطلحات البدائية؟! ومن هذا الحاكم الذي تتحدثين عنه؟! إن أمركِ مريب، في بداية الأمر ظننتكِ بدوية ولكن لهجتكِ وثيابكِ تخبرني أنكِ لستِ بدوية البته، الان أخبريني من أين أنتِ؟! ولمَ كنتِ مسجية على الرمال ويبدو أنكِ تعرضتِ للهجوم، أخبريني بالحقيقة.

صاحت جويرية في وجهه قائلة:
_ولمَ علي أن أخبرك إن كنت لا أثق بك؟! حدسي يخبرني أنك من اتباع الحاكم وتريد الإيقاع بي كي تتخلصوا مني ولكنني لن أجعل بتلك الفرصة تسنح لك.
صاح بكر في وجهها أيضا وقال:
_ولمَ أفعل ذلك؟! إن كنت أود أن أتخلص منكِ حقا لم أكن لأقوم بإنقاذكِ.

نظرت إليه جويرية وقالت بشرود:
_غرور الحاكم يجعله يفعل ما بوسعه حتى يُلحق الإذلال بضحاياه.
تنهد بكر وقد أحس أن قصتها طويلة جدا وقد أثارت فضوله، فقال بنبرة حانية:
_حسنا حسنا، فلنتفق على شيء، إن اكتشفتِ أنني لست جدير بالثقة وأنني من أعوان حاكمكِ هذا قومي بقتلي، ثقي بي لن أردعكِ حينها.

عقدت جويرية حاجبيها وقالت:
_وكيف سأعرف ذلك؟!.
تبسم بكر وقال:
_ثلاثة ليالٍ وها قد تحل تجن علينا الرابعة ولم أفعل شيء، يقولون أنه إن اجتمع رجل وامرأة بالتأكيد يكون الشيطان ثالثهما، وها قد قضينا الكثير من الوقت سويا وأنا ما زلت أتحكم في كل شيء.

ضحكت جويرية بسخرية واقتربت منه وهمست في أذنه قائلة:
_ربما لأنك الشيطان بعينه عزيزي!!.
ضحك بكر وهمس في أذنها أيضا قائلا:
_هل أبدو كذلك؟!، ليس من الجيد التسرع في الحكم على أحدهم، حسنا! فلنأكل الآن لأنني أتضور جوعا ولا بد أنكِ كذلك.

ابتعدت جويرية عنه وأطاحت بنظرها بعيدا.
خرج بكر من الكهف وأحضر الطعام وأكلا سويا، لم تستطع جويرية أن تخفي إعجابها بالطعام فهي لم تتذوق مثله طيلة حياتها، لاحظ بكر علامات الرضا على وجهها فأراد أن يُنشب صراعا معها فقال:
_لا بد وأنكِ وثقتِ بي الآن!!.

نظرت إليه جويرية بطرف عينها وقالت:
_لمَ؟!.
ضحك بكر وقال:
_لأنه لو لم تكوني واثقة بي لن تقتربي من الطعام الذي أعددته بنفسي، ربما وضعت شيئا فيه.

توقفت جويرية عن المضغ لبرهة ولكنها أكملت وقالت:
_أقسم أنك إن كنت فعلت سأريق دمائك قبل أن أغيب عن الوعي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في المساء في القرية
كانا بشار وعمار يقفان بجانب بعضهما، فقد اصطفوا أهالي القرية كي يتم تفتيش بيوتهن بحثا عن القاتل.
نظر عمار نحو بشار وقال بصوت خافت:
_كيف سنطمئن على حال جويرية؟! أخشى أن يجدونها.

فقال بشار وقد أصابه من الذعر مثل ما أصاب عمار:
_لقد ولت بالفرار من القرية، لا أظن ذلك.
فقال عمار وهو ما زال خائفا:
_حقا!! لقد خرجت من القرية وهي مصابة لا أعلم إن كانت ستستطيع تدبر أمرها وتضميد جُرحها أم لا.

فقال بشار بتوجس:
_ما يقلقني حقا، أن سبيل الخروج من القرية واحد، وجميع الفتيات اللواتي خرجن من القرية بنية الفرار عادوا ثانية بعد عدة أيام معدودات.

فقال عمار بحزم:
_لن نسمح بحدوث مثل هذا الشيء، أليس كذلك؟!.
تبسم بشار قائلا:
_وإن حدث، فسنصنع فتنة كي يتمرد الأهالي على الجلادون.

عقد عمار حاجبيه قائلا:
_وكيف ذلك؟!.
تنهد بشار قائلا:
_لا تقلق، لقد تحدثت جويرية معي قبل رحيلها وأخبرتني أنه إن حدث وتم الإمساك بها علينا أن نقوم بفعل شيء ما.

فقال عمار مسرعا:
_وما هو ذلك الشيء أخبرني؟!.
كاد بشار أن يتحدث لولا أن جائهم أحد الجلادون قائلا:
_كُفا عن الحديث والتزما الصمت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كانت جويرية نائمة في الفراش بينما كان بكر مستغرقا في النوم عند مدخل الكهف، استيقظ فجأة على صوت أقدام تقترب من الكهف، فنهض سريعا وأخذ كل شيء كان يضعه عند المدخل، واتجه نحو جويرية وهمس إليها قائلا:
_هيا انهضي بسرعة، هناك أحد بالخارج.

نهضت جويرية وقد اضطر قلبها من شدة الخوف، لملما سويا كل شيء وأطفئا النار التي أشعلها بكر لتدفئتهم، اتجهوا للداخل في الكهف وقام بكر بإزاحة صخرة كبيرة حاول جاهدا كي لا يُصدر صوتا، كان خلف تلك الصخرة مكمن سري دلفا إليه سويا وقام بكر بإغلاقه ثانية بعدما أدخل الأمتعة كلها.

دلف أربعة جلادون إلى الكهف فلم يجدوا شيئا، فقال أحدهم:
_ترى أين ذهبت تلك اللعينة؟!.
فقال الآخر:
_لا أظنها ابتعدت كثيرا، فلنكمل البحث.

فقال ثالثهم:
_أخشى أن تكون قضت نحبها، يجب علينا أن نعيدها إلى القرية حية ترزق كي تنال عقابها المناسب.
تحرك رابعهم إلى داخل الكهف بينما تابع بقيتهم تبادل أطراف الحديث.

ظل رابعهم ينظر حوله في الكهف حتى وطأت قدمه موضع النار التي كان يشعلها بكر، فسرعان ما تأوه من شدة لهيبها وقال بغضب:
_إنها قريبة جدا منا، فلنفترق ونمعن البحث، هيا بنا ليس هناك وقت لنضيعه.

أخرجت جويرية سلاحها الأبيض وكادت أن تخرح من مكمنها لولا أن أمسك بها بكر وقال:
_هل جننتِ؟! ماذا ستفعلين؟!.
فقالت جويرية بجدية:
_سأتخلص منهم، دعني وشأني.

كادت أن تخرج ولكن أمسك بها بشار ثانية وقال بحزم:
_ما زال جسدك ضعيف، لن تتمكني من مقاومتهم، ثم أنكِ تحت رعايتي وسأقوم بحمايتكِ مهما كلفني الأمر، فقط امكثي هنا لحينما أخرج وأتخلص منهم.
أمسكت جويرية بيده وقالت:
_لن تستطيع الإجهاذ عليهم بمفردك سآتي معك، ستحتاج لمساعدتي أقسم بذلك.

فقال بكر وهو يربت على يدها:
_اطمئني سأفعل ما بوسعي فقط التزمي بالصمت ولا تغادري هذا المكمن اتفقنا؟!.
حركت جويرية رأسها بالإيجاب ومن ثَم خرج بكر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خرج بكر من الكهف وهو ينظر في كلا الجانبين، نظر في الجهة اليمنى فلم يرى أحد، كان ضوء القمر كافيا ليتمكن من الرؤية دون مصباح، كان أن ينظر في الجهة اليُسرى لولا أن أتى أحد الجلادون من الأمام وهو يصوّب بسهمه نحو بكر،

كان بكر سريع البديهة لذلك خفض جسده كي لا يصيبه السهم، وسرعان ما اقترب من ذلك الجلاد ولكمه في وجهه بقوة وأخرج السلاح الأبيض الذي أخذه من جويرية خلسة،

وقبل أن ينتهي من هذا الجلاد أتى الآخر وهو يقول:
_كنت أعلم أنه يوجد أحد هنا، صوّب الجلاد بسهمه فأمسك بكر بالجلاد الذي قتله توا فاخترق السهم جسد الجلاد.

تحرك بكر سريعا وابتعد عن الجلاد وهبط بجسده وأخذ حجرا ليس بكبير وألقاه في وجه الجلاد الآخر قبل أن يصوّب عليه فأصابه في أنفه وسقط أرضا، أسرع إليه بكر وقام بكسر رقبته.
ركض بكر واحتمى بجانب الكهف من الخارج وأخذ يلتقط أنفاسه،

وفجأة أحس بأحد يقترب نحوه وسمع صوت السهم قبل أن ينطلق نحو فسرعان ما أسقط جسده ونظر لأعلى فوجد السهم مغروسا في الصخر، نظر نحو الجلاد واتجه نحو بسرعه وداهمه بالسلاح الأبيض، كان يغرس السلاح الأبيض في منتصف صدر الجلاد ويخرجه عدة مرات،

لم ينتبه بكر للجلاد الذي كان يقترب منه بحرص شديد، وفجأة سقط ذلك الجلاد فوق بكر وكانت الدماء تسيل من فمه، فأزاحه بكر سريعا وجده قد طُعن في ظهره، فنظر للخلف وجد جويرية تقف وبيدها سلاحها الأبيض ملطخ بالدماء فقال بمزاح:
_ألم أقل لكِ لا تبرحي مكمنكِ حتى أعود إليكِ؟!.

ضحكت جويرية وقالت:
_إن كنت فعلت كما أمرتني فحينها لم تكن لتعود أبدا.
ضحكا سويا وقال بكر بعدما نهض:
_أنا مدين لكِ بحياتي، شكرا جزيلا.

نظرت إليه جويرية وإدعت التكبر والغرور قائلة:
_على الرحب والسعة.
ضحك بكر قائلا:
_لنأخذ أمتعتنا ونغادر سريعا قبل أن يأتي جيشا من أولائك الأُناس الغريبين.

ابسمت جويرية ابتسامة باهتة وقالت بصوت خافت:
_لن يتركوني وشأني.
انتبهت فجأة وتابعت بصوت مرتفع قائلة:
_هيا بنا قبل أن يحدث ما نخشاه.
عادا جويرية وبكر ثانية إلى الكهف وأخذا أمتعتهما وغادرا سريعا،

وأثناء سيرهم في الطريق قالت جويرية بإعياء:
_هل تعرف إلى أين نحن ذاهبون؟! هل كدنا نصل؟!.
نظر إليها بكر ولاحظ أن جُرحها بدأ ينزف، فقال سريعا بعدما توقف وجعلها تتوقف:
_إن جُرحك ينزف، لا يمكنكِ الإستمرار.

فقالت بأنفاس متلاحقة وهي تلهث بشدة:
_ماذا سنفعل إذا!! لا يمكننا التوقف، سيلحقون بنا لا محال.
فقال بكر بعدما حملها بين ذراعيه بينما كانت هي تحت تأثير صدمتها من فعلته:
_على ما أظن أنني أتمتع بصحة جيدة تُمكنني من حملك،

حمدا لله فمن حسن حظي أن وزنك لا يتعدى الستون كيلو جرام.
نظرت إليه جويرية وحملقت به قائلة:
_كيف تجرؤ على السخرية من وزني هكذا؟!.
ضحك بكر قائلا:
_حقا!! حسنا، كم يبلغ وزنك؟!.

قالت جويرية بتذكر:
_لا أعلم، فنحن لا نهتم في قريتنا بمثل هذه الأمور بالإضافة لأننا لا نعرف كيف نفعلها.
تنهد بكر وهو يسير حاملا لها قائلا:
_يبدو أنه لدينا الكثير من المواضيع كي نتحدث فيها حينما نصل إلى وجهتنا.

شعرت جويرية بالدوار ومما زاد الأمر سوءا عثرات بكر الذي كان أن يقع من شدة إنحدار الأرض والصخور التي تملأها.
إلتفت يدي جويرية حول عنق بكر وخبأت وجهها في كتفه وقالت بإرهاق:
_أتمنى أن نصل سريعا قبل أن أفقد صوابي.

ضحك بكر قائلا:
_ما الذي بينكِ وبين الله كي يستجيب دعوتكِ بهذه السرعة؟!.
قالت جويرية بعدم تصديق:
_هل تمزح معي؟!.
فقال بكر سريعا:
_بالطبع لا، هيا اهبطي قبل أن أفقد توازني.
#صغيرة_الكُتَّاب
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي