الفصل الرابع

الفصل الرابع

عندما رجع فيرو للمكتبة ولم يجدها في مكانها ذهل، ولم يصدق ما حدث، وظن أن مرض الذهان قد عاوده بشدة، لعن المرض والظروف جميعًا.

التي جعلته كالتائه، لا يعرف للحياة طعمًا، كره نفسه وكره كل شيء، أصبح كالمجنون، لا يدري أهذا مرض نفسي أم أن أحدًا يتربص به، ويخطط لجعله مجنونًا.

راح يفكر من يا تُرى يفعل به هذا كله، لابد أن هناك شيئًا خطيرًا في الأمر، بدأ يشك في مرضه بالذهان، بل حاول أن يتذكر، من يا تُرى يكرهه لهذه الدرجة، إن الأمر أصبح مقلقًا جدًا.

لقد أثر على جسده، وأحيانًا يشعر بالتعب من كثرة هذه الأحداث التي تؤرق مضجعة، والتي أصبحت كالشوكة في ظهره، تهدده في كل وقت، خاف أن يؤثر هذا على نفسيته، وحياته، ماذا ستظن فيه حبيبته شانا.

هل ستظن أنه يدعي المرض من أجل أن يتهرب منها أم إنها ستتهمه بالجنون؟ وتفكر في الابتعاد عنه؛ قرر أن يأخذ خطوة جدية في الأمر، إنه قد سمع عن أمراض كثيرة تشبه حالته، لكن ليس بهذه الطريقة التي تحدث معه.

حاول أن يفكر في أعداءه، وهل له عدو معين يتمنى أن يتخلص منه؟ فلم يجد أحدًا إن الكل يحبه، ويتمنى له الخير، وافق تمامًا على البحث عن عدوه الذي يتربص به، سلم لهذا الأمر؛ وقرر أن يخبر أمه بالأمر، لعلها تخبره بأحد يكرهه.

تمنى لو أنه يملك عصا سحرية؛ لتدله على هذا العدو، وفجأة أثناء تفكره وسيره في الطريق إلى البيت، وجد المكتبة التي كان سيشتري منها دفتر التحضير.

أوقف دراجته، ونزل ليعرف الأمر، دخل المكتبة فوجد تلك الفتاة التي تشبه حبيبته شانا، واقفة بداخلها لكن ملابسها مختلفة ليست كما كانت ترتديه منذ نصف ساعة.

أيعقل أنها قد استبدلت ملابسها بهذه السرعة! وأين استبدلتها؟ أتكون معها ملابس أخرى؟ أم أنها كانت بنفس الملابس وهو لم يلاحظها؟!

اقترب منها، وقال مذهولًا:
-لو سمحتِ، كيف تغير موقع المكتبة، لقد لاحظت أن مكتبتك في مكان آخر غير هذا، أليس كذلك؟ وكنتِ ترتدين ثوب أزرق، لماذا تغير للون الأحمر؟ هل استبدلتي ملابسك؟

جحظت عين الفتاة وبدأت تحدثه بصوت أجش غير صوتها الناعم الذي كانت تحدثه به في المرة السابقة، وهزت رأسها نافيه ثم أردفت:
-أنا لم أستبدل ملابسي، وموقع المكتبة هذا مكانة منذ ثلاث سنوات، أتأمر بشيء يا سيدي؟

ذُهِل فيرو مما تقول، وأكد لنفسه أن في الأمر عدو، يتربص به، إذ كيف تحدث هذه التغيرات فجأة في دقائق معدودة، ثم أردف قائلًا:
-أرجوك يا آنسة أخبريني بالصدق؛ لأني قد احترت في الأمر جدًا.

وأتمنى أن أعرف الحقيقة، وصدقيني، أعدك أني لن أؤذيك أبدًا، إذا أخبرتيني بعدوي الذي أمرك أن تثيري ذهولي، وتجعليني أُجن، أوعد ثانيةً، أني لن أمسك بسوء.

حاولت الفتاة أن تنهي الحوار معه، لأنها قد أحست بشيء وراء فيرو؛ فأردفت:
-سيدي هذا طلبك، دفتر التحضير الذي كنت تريده، أرجوك إنهي هذا الحوار، فلدي عمل آخر داخل المكتبة، علي أن أرتبها وأفتح الحقائب الجديدة، كي أفرغها على الرفوف.

إن صاحب هذه المكتبة صارم، ولن يرحمني إذا أهملت في عملي، تفضل الدفتر واتركني لعملي أرجوك.

وجد فيرو نفسه في مأزق كبير، فأنهى معها الأمر وأخذ الدفتر، وركب دراجته واتجه إلى البيت، دون أن يلتفت وراءه؛ كي لا يرى هلاوس أخرى تؤرقه، وتضايقه، إنه لم يعد قادرًا على تحمل المزيد، لقد أصبح مجنونًا، وإنه لسيء الحظ إذا لم يعرف حقيقة ما يحدث له.

أصبح كل شيء ضبابي أمامه، سار في طريقه إلى البيت شاردًا يفكر في حل لهذه الورطة، كل ما يشغله، أن يجد حلًا يعينه على تجاوز أزمته.

وجد في طريقه أثناء إنشغاله بالبحث عن الحقيقة بحيرة، تعجب ثانيةً، لقد كان هذا المكان مأهولًا بالسكان، أين هم؟ وكيف اختفوا! وكيف ظهرت هذه البحيرة!

نعم إن جانب بيته بحيرة تشبه هذه، لكن هذا المكان بعيد عن بيته، يتذكر جيدًا أنه كان مأهولًا بالسكان والبشر منتشرين فيه، فجأة رأى فتاة ظهرت له من العدم، مرتديه نفس ثوب فتاة المكتبة التي اشترى منها الدفتر منذ قليل.

حاولت الفتاة أن تنزل إلى البحيرة بملابسها، تعجب فيرو وترك دراجته جانبًا، وذهب ليستطلع الأمر، ويعرف كيف أتت هذه الفتاة إلى هنا؟ ولماذا تنزل إلى هذه البحيرة بثوبها؟ نادى عليها قائلًا:
-أرجوكِ أيتها الفتاة، انتظري إني قادم إليكِ، انتظري أرجوك، أريد أن أسألك على أمر هام.

لم ترد عليه الفتاة وتعمقت في الماء وراحت تسبح إلى الشاطيء الآخر، اقترب فيرو من الشاطيء وبدأ ينزل إلى الماء، التفتت إليه الفتاة، وهي تناديه قائلة:
-فيرو اقترب اسبح ورائي؛ كي تعرف الأمر.

سبح فيرو ورائها دون وعي منه، كأنه مسحور، لا يستطيع التراجع، أسرع إليها اقترب جدًا منها لامس قدمها أمسكها.

التفتت إليه فإذا هي فتاة مقلوعة العين دامية الفم، يسيل الدم على جانبي فمها، أسنانها بارزة، كأنياب الوحوش، صرخت فيه وقالت له:
-اتركني لماذا تمسك بقدمي إنك تعطلني عن انقاذ حبيبي.

ارتعب فيرو من منظرها، وسألها بغضب:
-اخبريني من وراءك؟ من الذي حرضك كي تفعلي بي هذا؟ إن لم تجيبي سأقتلك؟ أتفهمين، أجيبي وإلا خنقتك؟!

مد فيرو يده ليخنقها التفت يده حول رقبتها، حتى اختنقت، وكادت أن تموت، ثم فجأة ركلته بأرجلها، فابتعد عنها، واصطدم بقارب ظهر من العدم، تلفت حوله ليعود لها ليقتلها، فلم يجدها.

اختفت تمامًا، كأنها لم تكن موجودة، صرخ عاليًا وراح يقول:
-اظهر أيها الندل الذي يتتبعني، أعرف أنك مأجور من عدو لي، اظهر الآن يا جبان، لقد دمرت حياتي، اظهر.

عاود فيرو إلى دراجته مبتل تمامًا، شعر بالبرد، ارتعش، راح يحاول أن يعود إلى بيته، تعجب من نفسه، لماذا يتتبع هذه الهلاوس؟ لماذا هو مغيب الإرادة هكذا.

كان من الأفضل ألا يتتبع ما رآه، وأن يستمر في العودة، لام نفسه كثيرًا، وبخها، بدأ يسأل نفسه قائلًا:
-تذكر يا فيرو، من الذي كان عدو لك؟ أيكون مارو صديقي يحقد علي، ويستأجر أحدًا؛ ليصيبني بالجنون؟ حقًا.

إن مارو كان يغار مني، ونحن صغار في المدرسة الابتدائية، كان يتضايق لأني أحصل على الدرجات النهائية، وهو دومًا لا يحصل عليها.

بالفعل إنه هو، لابد أنه استأجر أحدًا؛ ليجعلني أخسر وظيفتي الجديدة، لابد أن أختبر نواياه بلمس اليد، عجبًا، لماذا لم أختبر فتاة المكتبة بلمس اليد؟

ما الذي جعلني أنسى أهم صفة فينا نحن شعب مدينة العقلاء نقرأ النوايا ونعرف ما يدور في العقول، تبًا لغبائي.

هكذا ظل فيرو يلوم نفسه، وتأكد أن مارو صديقه هو الذي يدبر له كل هذه المكائد، سوف يختبر نواياه عند مقابلته، بدأ يهدأ قليلًا، وصل إلى البيت منهكًا شديد الإعياء.

رأته أمه مبتل الملابس يرتجف، فهرولت إليه تسأله قائلة:
-ماذا حدث لك يا فيرو؟ أخبرني يا بني، إنك مريض ترتجف، تعال واخلع ملابسك هيا.

أتت أمه بملابس أخرى وتركته ليستبدل ملابسه، ثم بعد خمس دقائق دخلت عليه بقرص مخفض للحرارة وكوب ماء؛ لأن حرارته مرتفعة.

لابد أنه أصيب ببرد شديد، أجلسته على الفراش، وراح يجذب الغطاء على نفسه فغطته، وعاودت تسأله في حيرة:
-من الذي جعلك هكذا؟ هل وقعت أم أمطرت بالخارج؟ اخبرني حتى أطمئن عليك، تكلم يا فيرو.

تنفس فيرو بعمق وقال:
-إن أحدًا يتربص بي ويفعل الأفاعيل لأجن، ولقد خمنت من هو، إنه يظهر لي عندما أكون وحدي، فلا يستطيع أحد تصديقي، لكني يا أمي قد عرفته إنه صديقي مارو، سوف أتأكد من نيته بلمس يده، لقد كنت أثق فيه ثقة عمياء.

جعلتني لم أختبر نواياه ولو لمرة واحدة، أتذكرين يا أمي حين أتيت من المدرسة مصاب في رأسي، لقد كان هو من أصابني، أثناء عودتنا من المدرسة، لكني فطنت للأمر الآن، لن أثق فيه بعد الآن، سوف أدمره، سأجعله يندم على أفعاله معي.

أحست الأم أن ابنها قد أصابته الحمى وبدأ في الهلاوس، فأردفت بحب:
-نعم يا بني، سوف تنتقم منه، لكن استرخ الآن واهدأ، لابد أن تنام؛ لكي تشفى، لابد أن يأخذ الدواء مفعوله في جسدك.

لنصبر حتى تُشفى، وسوف أحل أمر مارو معك، أعدك أنني سأواجهه بنفسي وسوف أوبخه لا تقلق، نم الآن، هيا تغطى جيدًا، ولا تجهد نفسك بشيء، لا تفكر في الأمر الآن.

في بيت مارو في اليوم التالي، يحاول أن يركز في ترجمة كتاب معه، تعجب كثيرًا، إن أي كتاب يترجمه لا يأخذ معه إلا إسبوعين، فلماذا هذا الكتاب العجيب استمر معه شهرًا.

حاول أن يعرف السبب، لكنه انشغل بإنهائه كي يسلمه، مل من جلوسه على الكرسي؛ فقام ليبحث عن شيء يغير ملله.

فكر أن يصنع كوب قهوة، لكنه هذه المرة تأكد من الموقد وأنبوب الغاز أنهما على ما يرام، فصنع كوب القهوة على عجل فقابلته أخته صفا وهو في طريقه إلى حجرته، فسألته قائلة:
-مارو، تعلم أنني قد كبرت، وأصبحت شبه ناضجة، أنا الآن في الرابعة عشر.

لماذا لا أعمل لأساعدك في مصاريف البيت؟ ولا تقل لي إنك ستشتري لي كل ما يلزمني، أعرف أن معك نقود، لكني أود أن أعتمد على نفسي؛ وقد وجدت محل قريب يطلب بائعات؛ فلمَ لا ألتحق به؟

ابتسم مارو وحاول أن يحتضنها، وقال بحب:
-أعلم أنك قد كبرتي لكنك مشغولة بالمذاكرة، وأصبحتِ في المرحلة الثانوية، وهي مرحلة جد صعبة وتحتاج للمذاكرة الشديدة جدًا.

فلا تشغلي نفسك، وركزي في مذاكرتك وأعدك أني سأجعلك تعملين حينما تلتحقين بالجامعة، حينها ستكونين قد اجتازتِ مرحلة الخطر.

ابتسمت صفا وحاولت أن تعترض قائلة:
-كنت أعلم أنك ستقول هذا، لكني أعرف أن أوفق بين المذاكرة والعمل، ولن أخذلك أبدًا، أُقسم لك، دعني فقط أعمل ولو في الإجازة، أرجوك يا مارو.

حاول مارو أن يغير رأيها لتركز في مستقبلها، وتذكر لحظة موت أمه في المستشفى بعد الحادثة، قبل أن تموت.

رحوع للماضي

كانت أم مارو قد أصيبت في حادثة هي وزوجها، فمات زوجها قبلها، فنادت على مارو وهي في لحظتها الأخيرة وقالت له:
-مارو، ابني، أعلم أن أبيك قد مات، وإني أشعر أنني سألحقه، فصحتي أصبحت ضعيفة جدًا بعد الحادثة.

بكى مارو وحاول أن يطمئنها قائلًا:
-أنتِ بخير يا أمي، وسوف تنجين وستكوني بخير، فلا تجهدي نفسك حبيبتي، صحتك أهم من أي كلام ستقولينه.

أصرت الأم على أن تتكلم؛ فقالت وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة:
-اسمع يا مارو صفا أختك، اهتم بها، إنها يتيمة، أرجوك لا تقم بأمر يضايقها، وحافظ عليها، وكن لها خير معين، أرجوك يا بني، هذه وصيتي لك الأخيرة.

بكى مارو وحاول أن يمسك يد أمه وقال:
-أعدك، أن أهتم بها، ولا أضايقها مطلقًا، أعدك يا أمي، فلا تخافي واطمئني، واهدأي.

نظرت أم مارو له ثم نطقت الشهادتين، ثم لفظت أنفاسها الأخيرة.

عودة للحاضر.

صفا تنظر لمارو بحزن لأنها لاحظت دموعه تنهمر، وراحت تحتضنه وتقول في حب:
-حبيبي مارو أرجوك لا تبك، لن أضايقك بهذا الموضوع ثانيةً.

أعدك يا مارو، لا تبك يا غالي، فأنا ليس لي غيرك في هذه الدنيا، تماسك حتى لا أنهار أنا، إني أستمد قوتي منك، فلا قيمة لي بدونك، هيا قم لنخرج سويًا، نتناول الطعام بالخارج، حتى تهدأ.

قام مارو ليخرج مع أخته، وضع كوب القهوة وقام ليستبدل ملابسه، ارتدى سترته، لأنه أحس بالبرد، لكن فجأة رن هاتفه، نظر للهاتف فوجد رقم فيرو، أسرع ليرد عليه، أخبره فيرو أنه مريض جدًا، ويريد منه أن يأتي إليه.

وعده مارو أن يأتي إليه في الحال وأغلق الهاتف، نظر مارو لصفا باهتمام وأخبرها أنه سيذهب ليرى فيرو؛ لأنه متعب جدًا، وسوف يخرج معها عندما يعود، ابتسمت له وأعلمته أنها في انتظاره، المهم أن يطمئن على فيرو.

خرج مارو متعجلًا، قلقًا، لأنه أحس أن فيرو متضايق من أمر ما، سار مارو إلى فيرو الذي طلبه ليعرف نواياه بلمس يده كعادة مدينة العقلاء.

لكن مارو لا يعرف الأمر، إلا أنه أحس من صوته أن ظروفه الصحية خطيرة، لهذا أسرع بدراجته مسرعًا على غير عادته.

فجأة أثناء سيره قابلته سيارة، حاول أن يتنحى جانبًا؛ فاصطدم بعامود الكهرباء؛ فجرح في رأسه، نزل الرجل سائق السيارة، ليأخذه لأقرب مستشفى، أسرع به وأخذه في سيارته، وتوجه لأقرب مستشفى، كان فيها مارو غائب عن الوعي.

ظل سائق السيارة معه، وطلب من الطبيب أن يبحث في هاتفه عن رقم أهله ليتصل بهم، لكنهم وجدوا أن الهاتف مغلق ولا يعرفون كلمة السر. انتظروا حتى يفيق، وبعد ساعة رن هاتف مارو.

فرد الطبيب على الهاتف، قال المتكلم وكانت أخته صفا:
-مارو أين أنت؟! إن فيرو اتصل بك وكان هاتفك مغلق فاتصل علي ليعرف سبب تأخرك.

رد الطبيب المعالج قائلًا:
-إن صاحب هذا الهاتف أصيب في حادثة، وهو الآن نائم.

صرخت صفا وسألته عن عنوان المستشفى، فأبلغها، وبعد قليل أتت له، حاولت أن تكلمه لكنه كان متعب، أخبرها الطبيب أن أحدًا أتى به، وقال إنه قد اصطدم بالعامود.

وأصيب، لكنه لا يعرفه، حاول مارو أن يتكلم، ونظر حوله، فقال مذهولًا:
-أين أنا؟ صفا من أتى بي إلى هنا، وما هذا الجرح؟! نعم تذكرت لقد صدمت وأنا في طريقي لفيرو، هل هو بخير؟ أريد أن أطمئن عليه.

حاولت صفا أن تهدئه، وأخبرته أن فيرو بخير، وذكرت له أن المهم صحته، فلا يجب أن يتكلم، بكت صفا بحرقة، لأنها تحب فيرو، فهو سندها الوحيد راحت تفكر ماذا لو حدث له شيء؟

بالتأكيد ستضيع، وتتوه في الحياة، إنها وحيدة بدونه، لا تشعر بقيمة نفسها إلا معه، بدأت تحدث نفسها قائلة:
-ماذا سأصنع وحدي في الحياة، إني لا أملك شيء، ومارو هو كل ما لدي، وأنا لا زلت صغيرة، لم أفهم الحياة بعد.

كيف سأعمل، حقًا أنني فاتحت مارو في العمل، لكني كنت أستند عليه، وأتكيء على ساعده، كان هو سندي وقوتي، اتمنى من الله أن يشفيه وألا تكون إصابته عميقة، إني أسمع أن من جرح في رأسه يفقد الذاكرة، لكن الحمد لله فقد تذكر كل شيء.

لكنه متعب لا يستطيع الحركة، ماذا سأفعل اليوم؟ هل سأبيت معه هنا؟ أم سأبيت وحدي بالبيت، أنا أخاف أن أكون وحدي، منذ أن مات أبي وأمي وهو معي، لا لن أعود للبيت بدونه، سأظل معه حتى يُشفى، أرجوك يا الله أن تحفظه لي، فأنا وحيدة ليس لي أحد.

أتمنى أن يكون مارو معي حتى أتخرج من الجامعة، وألتحق بوظيفة مرموقة كما كان أبي يحلم، أتذكر أبي كان يود أن أصبح طبيبة؛ لهذا أذاكر جيدًا حتى أحصل على درجات عالية، أتذكر أمي عندما كان عيد ميلادي العاشر.

راحت تحتضنني، وتعلمني أن مارو هو سندي وأخي الذي ليس لي غيره، أخذت تنصحني بجدية ألا أضايقه، وأكون له عونًا، يا رب أرجوك نجه من الهلاك، واحفظه لي.

قطع حديثها لنفسها صوت الطبيب، يسألها:
-هل معك سيارة؛ لكي تعودي للبيت، أم إنك ستظلين معه؟

فرحت صفا بكلام الطبيب فمن الممكن أن تبيت معه، فأردفت متعجلة:
-نعم أيها الطبيب الطيب سأبيت معه، لأن ليس لي أحد، ولا أستطيع المبيت بمفردي بالمنزل.

نظر لها الطبيب وقال:
-إذًا، لا تقلقي إنه بخير، وسوف يعود معك للبيت غدًا.

فرحت صفا بكلام الطبيب، وفجأة رن هاتفها، فوجدت أن فيرو هو المتصل، سألها عن مارو فأخبرته أنه مصاب، اضطرب وطلب عنوان المستشفى وأخبرها أنه سيأتي حالًا.

حاول فيرو أن يقوم لكنه غير قادر، منعته أمه من الخروج لأنه متعب، لكنه أصر على أن يذهب ليتأكد من نية مارو بلمس يده، وأنه سوف يجن إن لم يعرف السر وراء ما يحدث له، هدأته أمه.

وحاولت أن تستعطفه، وتذكره أن مارو مصاب وصديق عمره، ولن يكون هو وراء شر له أبدًا، وأنه لابد أن يطمئن عليه أولًا، فهذه هي الأصول.

خرج فيرو دون أن يلتفت لكلام أمه، وأسرع بدراجته إلى المستشفى، وصل إلى حجرة مارو وجده نائم، رحبت به صفا، لكنه لم يلتفت لها وأيقظ مارو، وقال له:
-اعطني يدك لأتأكد من نوياك تجاهي هذه الأيام لأني سأجن.

نظر له مارو بحزن ومد يده ليلمسها.

يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي