3

إقترب اليوم المنشود و لم يتبقى سوى ساعاتٍ قليلةٍ
إنهمكت فيها سوهندرا بالتدريب و التطوير من ذاتها،
بمجرد أن تمسك الكمان ويحط ذقنها عليه، تغمض عينيها و تسبح بين نوتات عزفها تتخيل ذاتها بين
تلك الاسطر سواء كانت حزينةً او سعيدةً، فهي تتخيل نفسها بينهما.


"واو أحسنتي سوهي!! لقد تطور عزفك أفضل من ذي
قبل؟!"



"ماريا!! متى أتيتي يا فتاة؟!"



تصفيقٌ من خلفها جعلها تتوقف عن العزف فجأءه و قد وسعت عينيها، و ركضت تختطف الاخرى بعناقٍ
حار و بإشتياق لصديقة طفولتها المخلصة ماريا.



"أنا هنا منذ بداية عزفك لم أشأ أن أخرب عليك لحظتك، لذلك بقيت أتفرج بصمت و كم ادهشني يا
فتاة أصبحتي اروع و افضل من قبل!"


"شكراً لكي عزيزتي! لكن مهلاً أفهم من كلامك أن عزفي السابق كان سيئاً؟!"



"لا يا غبية ما قصدته أن المقطوعة بعد تلك الإضافات أصبحت اروع و أكثر تناغماً، عزفك لم يكن
أبداً سيئاً في يومٍ من الأيام لا تنسي أنتي إبنة أمهر
العازفين الاستاذ اريان إيناند!"



"على ذكر والدي السلطان يأمل مني أن أكون بنفس
مستوى والدي و خائفة من أن أخذله!"



"مستحيل أن يحصل ذلك فصيتك تسبقك يا فتاة
و فوق هذا أصبحتي العازفة الخاصة بالسلطان، لذلك
لا تيأسي و لستي أنتي ممن يفعلون ذلك!"


"أتمنى ذلك و لكن أخشى من يتم إفساد كل شيئ
يراودني شعورٌ سيئ لذلك اليوم وهاهو يزيد معي
منذ هذه اللحظة!"



"ماذا تقصدين؟! لا تقولي أن السلطانه ما زالت تكيد
لك و تغار منك؟!"



"هي كذلك للاسف و هدوئها هذه الأيام تخيفني لا
أعلم مالذي تنوي عليه، حتى أنها كلما رأتني قابلتني
بإبتسامةٍ ساخرة كما لو أنها تتوعدني بشيئ ماريا!"



"لا تقلقي و ركزي على نفسك فالسلطان بظهرك و لن
يسمح بحدوث شيئ، ألا تفهم تلك المتبجحة أنه ينظر إليك كإبنة و ليس كالجواري اللاتي عنده في القصر!"



"ومن سيفهمها هذا لقد حاولت أن أوصل لها  تلك المعلمومة بطريقةٍ غير مباشرة و لكنها لا تفهم!"


"ومنذ متى الحمير تفهم!"


"ماريا!!! اخفضي صوتك لن تخرجي حيةً من هنا اذا سمعك أحد!"



قلبت ماريا عينيها بضجر من صديقتها و عادتا إلى
تبادل الأحاديث و الذكريات قليلاً، بعدها عاودت سوهندرا إكمال تدريبها عليها أن تتقن معزوفة والدها
الذي غادر قبل أن ينجزها و يخرجها للعلن، تلك
المعزوفة التي باتت حلمها في أن تتراقص أنغامها
لمشارق الارض و مغاربه.




"هل كل شيئٍ جاهز أيها الوزير؟!"



"بالطبع جلالة السلطان كل شيئٍ تم حسب رغبة جلالتك!"


"و ماذا عن سوهندرا؟!"


"إنها تبذل قصارى جهدها و متأكدٌ بأنها ستشعل الحفل بحضورها و ستكون الحدث المتناول بين
العامه خاصة امام الدون ووفده!"


"ممتاز وهذا هو المطلوب! لقد تعمدت فعل ذلك حتى
تحقق حلمها لطالما كانت رغبة والدها ان يتم إستدعاءها خارج أسوار هذه البلاد و تنقل فنها!"



"وهذا ما سيحدث الليلة يا سيدي سيتحقق رجاءك و
حلمها الليلة إطمئن!!"


"أمل ذلك حقاً!"





(في جناح السلطانه)


"كيف تسير الامور تكلمي!"



"كل شيئ كما خططنا له سيدتي، و حتى رامي السهام أصبح رهن إشارتك سلطانتي لم يبقى إلا
أن يندس بين الحظور و يتم عمله!"



"ممتاز لا اريد أية أخطاء و اطلبي من الحارس الذي
أخبرتك عنه ان يتخلص من رامي السهام يجب الا
نترك اي دليلٍ في المستقبل!"


"لكي هذا سيدتي لقد أغويته بالذهب و اخبرته الباقي بعد انجاز المهمة و لا يعلم ان روحه ستكون
الثمن!"


"جيد، أسرعي و ساعديني بالتحضير يجب ان اكون
حاهزة قبل إستدعاء السلطان لي!"



"أمرك جلالتك!"

 

حانت الساعة المنشودة و كان السلطان و زوجتة في
إستقبال ذاك الوفد الذي يقوده الدوق، إنبهر الأخير
من رفاهية المكان و تمام إستعداده على أكمل و أبهى
صورة، و قد أثنى على إستقبال السلطان له ولوفده،
و كم كان ممتناً لذلك.


إمتلأت الساحة بالمدعوين و إنشغل الجواري و العبيد
في تقديم الخدمة و الراحة للضيوف، و هاقد حان
الوقت الحاسم لتضيئ الأضواء و الشموع فوق تلك
المنصة التي توسطتها سوهندرا بلبسها الاسود
الحريري اللماع، الذي إعتادت على إرتدائه في
كافة حفلات السلطان.


صدع تصفيق الحضور في المكان حال ظهور سوهندرا، ثواني و يعم السكون إنصاتاً لها حالما بدأت
العزف على كمانها بحسٍ مرهف و أسلوبٍ متقن
و التناغم بين المعزوفة جعل الجميع يُسحر و يغرق
في بحر التامل و الانصات التام لها.

دون كللٍ و ملل الجميع مشدوهٌ مع تلك التي تتراقص
و تهز ذراعيها و جسدها مع أنغام معزوفتها، مغمضة
العينين لا ترى سوا خيال والدها الذي يشجعها على
الاستمرار و المضي بحلمها، لكن للاسف إختفى ذاك
الخيال و تجمد جسدها للالم الذي إخترق قلبها.

لم تسمع سوى صرخات الحضور و اخر ما راته هو
طيف صديقتها ماريا وهي تركض نحوها تصرخ بإسمها، و علامات الهلع و الخوف أخر ما راته فيها
لترى والدها مبتسماً لها يمد يده لها يرحب بها لانضمامها إليه.





(العودة للوقت الحاضر)



"واه..مهلاً أين البقية لما لم تكمل بقية ما حصل
تباً هذا لا يجوز ابداً!"


_لان صاحبة الكتاب لم يسعفها الوقت لتكمل الباقي
لان روحها غادرتها في لحظتها!!.



"ياإلهي!! أخخ يا راسي! هذا مؤلمٌ حقاً.. تباً لكي أيتها
العفريته الا يمكنك ان تصدري صوتاً او حتى تتحمحمي قبل ظهورك؟! سأموت صريعة قلبي بسببك يوماً ما!"



_انا لست عفريته!! ويمكنني ان اظهر في اي وقت
و اي مكان لذا عليكي أن تعتادي على هذا!.


"اي مكان؟! ماذا تقصدين أي مكان؟ مهلاً هل هذا
يعني الأي مكان يشمل الحمام و غرفة تبديل الملابس؟!"


"ماذا برأيك هل أطلب الاذن مثلاً قبل ظهوري؟!"


"تباً لكي! سأحرص أن اتعامل مع شامان ليحمي
خصوصياتي منكي ايتها الروح المتحرشه!"



_غبية!! انا لا أهتم أصلا حتى بقيتي عاريةً أمامي
لا تنسي كلتانا فتاة ولا فارق بيني و بينك!.


"إخرسي!! إخرسي فهمت لا داعي لقول المزيد و الان أخبريني عن هذا الكتاب فلم اجد ما كنتي تقولينه
فيه!"


_لم أخطئ بنعتي لكي بالغبية! الم تفهمي شيئ مما
لخص فيه؟!.



"كفي عن إهانتي انتي الاخرى، كل ما فهمته ان تلك
المدعوة بسوهندرا قتلت ظلماً دون ان تحقق طموحها و حلمها، لقد بدا الكتاب و كأنه مذكرة بسبب
كتابة اليد و الاخطاء التي به!"



_هو كذلك إنها مذكره او سجل كنت أخط بها يومياتي، و كذلك عند تأليفي لمقطوعةٍ جديدة!.



"ماذا؟! اذا أنتي هي سوهندرا البجعة السوداء؟!"



_أجل انا و البجعة السوداء ماهي الا إسم معزوفتي
التي لم استطع إكمالها!.


"لكن مالذي حصل بعدها؟!"



_لا أعلم كل ما أعرفه ان زوجة السلطان هي
السبب بموتي و قد أغضب ذلك جدتي من السلطان،
ولم تشفع له أبدا بل شملته بلعنةٍ تصيبه هو و زوجته
و نسله وكل من كان بالقصر، وقد شملتني تلك اللعنة
أيضاً!.


"لما و ما ذنبكِ انتي!"


_الانتقام تريدني ان أنتقم لنفسي و ما حصل معي!.


"وكيف ستفعلين ولم يتبقى أحد من ذاك الوقت،
لقد مر مائة عام و اكثر فممن ستنتقمين؟!"



تنهدت سوهندرا بأسى على حالها و حال تلك الصغيرة ،التي تربعت فوق سريرها و تنصت لها
بإهتمامٍ كبير زمت شفتيها بقهرٍ لما ستقوله الان
لها، لكن ما حدث سابقاً كان خارج إرادتها.



_لانني من إنتقمت منهم بمساعدة جدتي إلا السلطان و من لا علاقة له بالامر، لم أجرا على اذيتهم
بسبب تعاملهم معي الانساني كان إنتقامي مركزاً على
السلطانة و من عاونها على التخلص مني!.



"ولما لم تجدي السلام حتى بعد إنتقامك؟!"



_لأنني لم احقق غايتي بعد ما كنت أطمح له لم أستطع تحقيقه و ها انا الان أبحث عن السبيل لذلك!.



"تقصدين حلمك في إظهار معزوفتك البجعة السوداء
الم يعرف عنها بعد؟!"


_كلا لا أحد يعلم بالمقطوعة الاصلية و لا حتى مكانها سواي لقد حرصت على إخفاءها حتى لا يتم
سرقتها مني!.



"وكيف ستحققين ذلك و انتي لستي سوى روحٌ تائهة!"



_أنتي يا هيلدا! أنتي السبيل و الطريق الوحيد لتحقيق مبتغاي !.



"عفواً لم أفهم؟!"



_هيلدا انا و انتي نحمل نفس الشغف و نفس
الروح التي تطمح في تحقيق النجاح وراء تلك الالة
لذا إسمحي لي بالمرور، و ستتغير حياتك و يتحقق
كل ما تحلمين به و ستنعمي بالراحة و السلام بعدها
لذا دعيني فقط أمر أرجوكي هيلدا!.



ذهلت هيلدا من طلبها و لجم لسانها عرض سوهندرا
مغريٍ و بحق، لكنها تختلف عنها إن كان مقصدها
السلام و ذلك عن طريق الانتقام ممن تسببوا بإذائها
فهذا لن ترضى به أبداً، لكن هذا لن يشفع لها امام
بطش توم و اتباعه عليها و اذيتها و تحطيمها داخلياً.






يتبع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي