4

تسير في الرواق باتجاة قاعة الموسيقى فلديها درسٌ
و تدريب، و مازالت سوهندرا تحوم حولها تحاول إقناعها بما تريده، حاولت هيلدا أن تضبط نفسها و تتجاهلها حتى لا تثير الشبهات حولها و لا يتم نعتها
بالمجنونه اذا أنهم لا يرون ما تراه هيا، اثار ذلك
غضب سوهندرا لتجمد ساقيها عن الحركة حتى
تتمكن من إقناعها.

-هيلدا لما أنتي عنيدةٌ هكذا؟! صدقيني لن تتقدمي بخطوةٍ واحدةٍ و انتي بهذا الأسلوب لذلك دعيني
أنا أقوم بذلك و ستذهلين من النتائج!

ضجرت هيلدا من تصرفها لتأفف و تنظر حولها تتاكد من خلو المكان، ما إن فعلت ذلك حتى أعادت أبصارها نحو طيف سوهندرا ترد عليها.


_ما تطلبينه صعبٌ جداً سوهندرا! صحيح ان كمية الأذى و الإهانة التي أتلاقاها لا تحتمل لكن هذا لا يعني أن أكون مثلهم و ارد الإساءة بالأساءة، مطلقاً
لن أفعل ذلك لكن سأكون ممتنةٌ اذا علمتني تلك المعزوفة و انا سأتقنها و اجعلها مسموعةً للجميع
لكن بطريقةٍ سليمه!.

سوهندرا لم يعجبها ذلك أبداً و أخذت تحدق بعينيها
بحدةٍ قبل ان تنظف حلقها و تنطق.

_لن أوافق ان أسلم عملي و تعبي لسنين معقوداتٍ من حياتي لشخصٍ اخر و بإسمٍ اخر!.

وسعت هيلدا عينيها بإندهاش لتفكير الأخرى، حسناً
لقد ظنت بها سوءاً كيف تفكر لوهلةٍ أنها ستسرق
معزوفتها و مجهودها هي لم تقصد ذلك أبداً، لذلك
ستبرر لها و توضح لها ما تقصده.


_سوهندرا أنتي أسأتي الفهم أنا لم أقصد أن أنسب هذا الشيئ لنفسي، كل ما قصدته سأشهر المعزوفة
و عليها أسمك أنت و سيشير بالثناء إليك أنت فقط
اما أنا سأكون مجرد الوسيطه لا غير!.

تبدلت معالم سوهندرا إلى السخرية بإبتسامتها الجانبية و رفع حاجبيها، لتعقد ذراعيها ناحية صدرها
و تعيد انظارها للصغرى لكن نظراتها كانت غريبةً نوعاً
ما و غامضةً بالنسبة لهيلدا، هذه المرة لن تستسلم
أبداً لذلك ستوضح أمراً أخيراً لها و تتركها وشأنها
لتعاني وحدها.

__حسناً هيلدا سأتركك و لن أعلمك شيئاً من معزوفتي
لأنني انا من أريد ان أظهرها للملأ بنفسي، أريد ان أتذوق طعم النجاح و الشهرة و لكن للاسف إخترت
الشخص الخطأ، أنتي جبانةٌ يا هيلدا تذكري هذا
جبانة و ضعيفةٌ وسيغدوا حالك كأخيكٍ تماماً كالذي
رحل.

و لم يكترث أحدٌ له و أنتي مثله تماما تعيشين
نكرةً و ستموتين كذلك، ولن تحققي أي شيئٍ مما
تحلمين به و لن تحققي السلام لروح أخيكِ لذا انا
راحلةٌ و لن أبقى مع شخصٍ ضعيفٍ مهزومٍ مثلك!


كلام سوهندرا كالسيف إخترق قلبها، لذلك لُجم لسانها
ولم تستطع أن ترد عليها و إختفت من أمامها و هي
مازالت تحدق بالبقعة التي كانت بها، هي على حق
بنعتها بالضعيفة المستسلمة لألمها هي بالفعل نكرةً
بين الجميع فلا أحد يهتم لها بالأصل و لا يكترث
بحالها.

لم تشعر بذاتها وهي تسكب دموع قهرها على نفسها
لتركض نحو السكن تتجه إلى غرفتها الفارغة من بعد
أخيها، حتى الغرفة رفض الجميع مشاركتها بعد رحيله عنها، إرتمت فوق سريرها تندس بين لحافها
تطلق سلسلة ألمها وبكائها تكتم صوتها عن طريق
وسادتها.


(في مكانٍ أخر)

_سيد برايت هل طلبت حضوري؟!

_اوه سيدة جوان أهلاً نعم لقد فعلت، تفضلي بالجلوس ريثما أنتهي من بضع تواقيع دقائق و اكون
معك!.

أومات له السيدة جوان لتتخذ أقرب مقعدٍ لها و تجلس تنتظر السيد برايت حتى ينتهي من عمله،
التوتر بدا يخالجها لا تعلم لما إستدعاها تسترق النظر
إليه و تراه منغمسٌ بين تلك الاوراق و نظارته الطبية
تتوسط جسر أنفه، يعدلها بين لحظةٍ و أخرى.

تنهد الأخر براحةٍ حالما إنتهى من عمله ليجمع الأوراق و يعدل ترتيبهم ثم يدسهم بملفٍ آخر،
و يجنبه ليعيد أنظاره نحو تلك السيدة التي تنتظره
إبتسم نحوها وهو يعقد كفيه و يسندهما على سطح
مكتبه ليخبرها عن سبب حضورها لديه.


_كيف حال فرقة الجوقة التي ننشأها سيده جوان؟!.

إبتسمت المشرفة بتوتر و أخذت تلعب بأصابعها تنظر
نحوهم، تنهدت بضيقٍ تبتلع ريقها و تعيد أبصارها
نحوه حتى ترد عليه.

_كل شيئٍ على ما يرام عدا مشكلة مكان الطالب آلن
فبعد إصابته الشديده لم نجد من يأخذ مكانه في
العزف على الكمان!.


نظر نحوها السيد برايت بتهكم ليجعد بين حاحبيه
بغير رضاً عن إجابتها، ليعتدل بجلسته و يعدل
نظارته و يرد على ما قالته.

_هذا إستهتارٌ كبير سيده جوان أنتي تعلمين لقد
تم إختيار دارنا لاقامة الحفل الخيري من قبل
رئيس الدولة نفسه، لإحياء حفله الذي سيقيمه
بعد أقل من شهرين!.

زمت شفتيها جوان و ابتلعت ريقها بتوتر لا تعلم
كيف ستغطي ذالك الفراغ، زفرت أنفاسها بضيق
لتتكلم و تقترح عليه بالانسحاب و الاعتذار عن
فقرة عازف الكمان.

_سيد برايت أعتذر عن ما حدث لكنه فوق إرادتنا،
ولا ضير ان نقوم بحذف هذه الفقرة من الحفل!.

_مستحيل!!.


جفلت جوان و إرتعبت عندما ضرب  المدير سطح
المكتب بعنفٍ معارضٍ لما إقترحته، نهض من فوق كرسيه ووقف أمام النافذة يقابلها بظهره، رابط
ذراعيه خلفه و هو يتامل خارج إطار نافذة مكتبه،
إلى أن قرر أن يخبرها بقراره الاخير و عليها الإلتزام
به مهما كلفها الثمن.


_الحل أمامك ولكنك تتجاهلينه إهمالاً سيدة جوان
و هذا لن أسمح به أبداً!.

_عفواً سيد برايت لم أفهم قصدك؟!.

عقدت جوان حاحبيها إستنكاراً لما تفوه به، و قد
ردت عليه تطالبه بتفسيرٍ لما قاله زفر السيد برايت
أنفاسه و التفت إليها حتى يفصح عن مافي جعبته.

_هيلدا ستكون البديلة وهذا أمرٌ لن أقبل التراجع فيه
سيدة جوان و انتي المسؤولة عنها من الان وحتى
نهاية الحفل!.

إندهشت جوان ووسعت عينيها لتنهض من مكانها تتقدم نحوه، لا تعلم لما إختار هيلدا الان و لما بهذا
الوقت الضيق عليها ان تعارض طلبه.

_سيدي ما تطلبه مستحيل هيلدا ليست بتلك الموهبة
كما انها بحاجةٍ إلى تدريبٍ مكثف و لا أظن ان الوقت
سيسعفنا!.

_سيده جوان أنتي من لا تريدين إظهار موهبتها و
تريدين دفنها لان لا مكسب لك من وراءها كما كان
آلن أليس كذلك!.

كلامه صدمها حقاً جعلها تنظر نحوه بجمود و الاخر
يبادلها بنظراتٍ ساخرةٍ جانبيه، فهو يعلم نواياها
لم إختارت آلن بالذات رغم أنه اقل موهبةً من هيلدا
بسبب المال الذي ستحصل عليه بعد ان تم إختياره
من معلمٍ للموسيقى و رغبةً في تبنيه و طلب منها
ان تجعله يشترك بالحفل و سيكافأها جيداً.

لعلاقة الصبي بعائلة خسرة ثروتها و اختفت أثناء
ولادته، وهو يعتبره صفقةً رابحةً له من ناحية
الموسيقى و الثروة لذلك أصر ان يظهر الصبي
للعلن، لكن الحظ لم يسعفه بسبب الحادث الذي
تعرض ادى إلى كسر ذراعيه و يتطلب شفاءها
شهورٍ عديدة.


_سيد برايت أنا لم أقصد سوءاً للفتاة كل ما قصدته
هو أنها مازالت بحاجةٍ إلى تدريب و الوقت ضيق
لذا...!

سكتت جوان حينما رفع السيد برايت كفه يأمرها
بالتوقف عن الحديث، ليعود إلى مكتبه و يجلس
على كرسيه بنفس وضعيته الاولى ويتحدث بصرامةٍ
إليها يخبرها بقراره النهائي و لن يتراجع عنه أبداً.


_ سيده جوان أنا أخبرتكِ بقراري و كفى أمامك أقل
من شهرين وهي مدةٌ لا بأس بها، و تذكري أية أخطاءٍ
و قصورٌ منكٍ أحملك كامل المسؤولية و الدار يتعذر
تواجدك هنا مرةً أخرى سيدة جوان!.

_أتتطردني إن خذلت تلك الفتاة؟! ما علاقتي أنا
إن كانت فاشلةً كأخيها سيدي هذا..!


_ يكفي!!.

صرخ بوجهها بإنفعال لما تفوهت به أماما أعطاها إشارةً بيده كي تنصرف من أمامه و تبدا بتنفيذ
طلبه، تجاهلها و عاد ينغمس داخل اوراقه، تنهدت
جوان بضيقٍ لتخرج من مكتبه و النيران تشتعل
بداخلها ،كيف يتفاوض معها و يتخلى عن خدمتها
طيلة هذه السنوات من اجل فتاة لا اصل لها ولا
نسب.


(في سكن الطلاب)



-هيلدا السيدة جوان تريدك الان في مكتبها!.


_لكن لما؟!.


_و ما ادراني طلبت مني إخبارك فقط أسرعي!.


_حسناً.


لا أعلم فيما تريدني السيدة جوان لا أذكر أنني أرتكبت خطأً ما، لكن هذا لا يعني أنها ستعاقبني
لطالما دافعت عني و انا ممتنةٌ لذلك، سأعرف حال
ذهابي إليها تلك الروح مضى على إختفائها ثلاثة
أيام، لقد كانت صادقةٌ بتنفيذ وعدها و تخلت عني
لانني فقط رفضت مساعدتها لي.



أخذت هيلدا تتلفت حولها وهي في طريقها إلى مكتب المشرفة، تبحث بناظريها عن طيف تلك الروح
التائهة لا تعلم لما تشعر بفراغٍ كبير بعد إختفائها، ربما
لانها الوحيدة من تحدثت إليها و تعرف معاناتها بعد
تم رفضها من الجميع، ستكون كاذبةً إن قالت أنها لم
تشتاق لها.




_أدخل!!.


تلقت هيلدا الاجابة بعد ان طرقت باب المكتب حال
وصولها، زفرت أنفاسها و أمسكت بالمقبض لتديره
و تدخل لقد تمكنها التوتر، دون ان تعرف حتى السبب.


_أهلاً هيلدا إقتربي!.


_ حاضر.


_ كيف حالك مع الكمان!.


إستغربت هيلدا من هذا السؤال لم يسألها أحدٌ عن ما
تفعله او تعزفه، لم يلتفت إليها أحد عندما كانت
تمسك به و تتدرب عليه، شعرت بالغرابة حيال ذلك
ولكنها قررت أن تجيب عليها.


_بدات أتحسن انا أتدرب في اوقات الفراغ و حتى في الليل لقد أتقنت عدة معزوفاتٍ كانت لأخي!.


_أممم.. جيد.. هل تعلمين لما إستدعيتك الان؟!.


_كلا! هل إرتكبت خطأً ما سيدتي؟!.


تنهدت جوان وهي تنظر إليها لتنفي لها براسها بأن لا
نهضت من مكانها لتقترب من الصغرى، حتى أصبحت
تقف أمامها تقابلها و تتحدث لها بجديه.


_هيلدا سأكون واضحةً معك و ادخل بصلب الموضوع مباشرة!.


_نعم أنا أستمع!.


_لقد تم إختيارك لتكوني بديلة لآلن في الحفل الخيري الذي سيقيمه الرئيس بعد أقل من شهرين!.


وسعت هيلدا عينيها دهشةً و صدمةً مما تسمعه،
لتشير بإصبعها على نفسها تتاكد مما قالته مشرفتها
لتومأ لها الأخرى، تأكد لها ما سمعته الان إجتاح التوتر
و التردد الى قلب الصغرى مع الفرح لذلك و قد لاحظت جوان ذلك، لتتحدث إليها و تكمل باقي حديثها معها.



_هيلدا أعلم ان هذا مفاجأً لكِ لكن عليكِ أن تتشجعي
و تظهري للعالم موهبتكِ، لذلك قرر السيد برايت
أن يجازف و يختارك بديلةً لآلن!.


_يجازف؟! هذا يعني بأنني سيئةٌ و لست على حسب
مطلوبه لست مغرورةً سيدتي و لكنك علمتني أن
أكون صريحةً في كل شيئ، ألم تقولي إنني أفضل
من آلن في الإمساك بالكمان و العزف سيدتي؟!.


إبتسمت جوان بدفء و قد لامت ذاتها لانها كانت
أنانيةٌ في تعاملها معها، إقتربت منها أكثر لتمسك
بكتفيها تمسدها لها بلطف و تحاول طمأنة قلبها.


_هيلدا نعم أنتي الأفضل و يبدوا ان الحادث الذي
تعرض له آلن برهن للجميع كم هو فاشل، و كان إختياره خاطئاً و قد أدرك السيد برايت ذلك و لكن
متأخراً، لذا هو يامل منك أن ترفعي إسم هذا الدار
و بسببك سترتفع نسبة الممولين له، ومن خلالها نستطيع تحسين معيشة كل طالبٍ هنا و نأمن له
رغد العيش.

لذلك أنتي أملنا هيلدا أن تشرفينا أمام الرئيس و
حضوره، و تشرفي المدير و نحن المعلمين و المشرفين، حان الوقت لكي تثبتي نفسك و تغيري
نظرة زملائك عنك فاليوم كارهين لك غداً بعد الفوز
يكون من أشد المعجبين و المتمسكين بك.

حان الوقت لتظهري كمان أخيكي و تجعليه يفتخر
بك و هو يراقبك من السماء، أليس كذلك يا هيلدا
ألا يستحق ذلك!.



تمعنت هيلدا جيدا لترا معالم الصدق تكتسي روح
مشرفتها، لقد شعرت بحافزٍ كبيرٍ و قوي لتشجيعها
لها و إطراءها على مهارتها المبتدا، حتى إقتنعت
أخيراً بهذا العرض لطالما أحبت أن تجازف و تغامر
من أجل الأفضل.

لذلك إبتسمت برضا نحو مشرفتها فالهزيمة و الإستسلام ليس من سماتها أبداً، لذلك أومأت براسها
توافق على عرض مشرفتها مما جعل الاخرى يتهلل
أساريرها فرحاً لذلك.



_حسناً إذا أيتها العازفة أمامك أقل من شهرين فقط
هذا يعني تدريبٌ مكثف و مجهودٌ أكبر، و أنا من سأتولى الإشراف على تدريبك و مراقبتك حتى ليلة
الحفل، لذا ابذلي ما بوسعك و لا تخذليني أنا و المدير!.



_بالطبع سيدة جوان لن أفعل سأبذل قصارى جهدي
و لن ادخر ذلك ابداً و سترين سأحقق ما ترغبين به أنتِ و السيد برايت هذا وعد!!.


_أحسنتي إذا لتذهبي لتنالي الراحة اليوم ومن الغد
يبدأ العمل هيا تصبحين على خير عزيزتي!.



_ حاضر سأفعل تصبحين على خير سيدة جوان،
و شكراً جزيلاً على هذه الفرصة و الثقة التي منحتني
إياه!.


أومات جوان لها وهي تبتسم لتغادر هيلدا مكتبها وهي تكاد تطير فرحاً، هذه اول مرةٍ تنال هذه السعادة لطالما تمنت و حلمت ان تقف على خشبة
المسرح، تعزف ألحانها أمام الملأ يصفق إعجاباً
و فخراً بها.


فرحها هذا لم يعجب أحدهم لقد تملكه الحقد و الغيرة لرؤيتها وهي بهذه السعادة، لقد كان يراقبها
منذ إستدعاء المشرفة لها و إستمع لكل شيئ،
وأقسم ان يفسد كل شيئ و إن كان على حساب
سمعة الدار امام الرئيس و حشده.



_سيبدأ المرح الأن أيتها النكره لنرى كيف ستستمرين
و تشاركين في هذا الحفل، على جثتي ان ادعكِ تنالين ما تطمحين به سأرسلك للهواية لا محاله فقط
راقبي و انتظري!.







يتبع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي