الساحرة الصغيرة

سابرينا`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-02-19ضع على الرف
  • 54.6K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول إيلي

الفصل الأول (إيلي)

بينما كانت تسير على الطريق، بدأت تغني مع نفسها، أغنيتها المفضلة، كانت تمشي بمفردها في الظلام. 

وكانت تتساءل مع نفسها: 
"لماذا يتساءل الجميع؟ لماذا تمشي كل ليلة على هذا الطريق؟ هذا الطريق المخيف بين منزلها والقرية"

هي تعرف جيدًا ماذا يهمسون خلف ظهرها، في البداية تسلك هذا الطريق المخيف إلى منزلها المهجور في وسط الغابة؛ لأنه طريق قصير، وهي امرأة عجوز ولا يمكنها السير في الطريق الآخر لأنه طويل جدًا، رغم أنه الأكثر أمانًا من وجهة نظرهم.

 ثانيًا، تمشي في ذلك الطريق المظلم ولا تهتم، لأنها لا تستطيع الرؤية. لم تكن قادرة على التمييز بين النور والظلام.

 صرخت بصوت خفيض: 
_من أجل القديسين، أنا عمياء، لا أرى شيئًا.

 كانت روحها تسخر من ضيق أذهان أولئك الذين يعيشون في القرية، وأولئك الذين يخافون كل شيء ولا شيء.

أوقفت خطواتها ونبهت حواسها بحكمة وقوة، وأعدت نفسها لخطر بعينه، حيث أحست أن هناك خطأ ما، حيث حدقت بعينيها في الظلام. 

وشدت أصابعها على رأس العصا التي كانت على شكل ثعبان محنط. تسمع خطى من حولها جيدًا بسبب سمعها الحاد.

 شعرت أنها ليست وحدها على هذا الطريق، فرفعت وجهها المتجعد نحو السماء المظلمة، وشعرت بتغير سريع في حركة الهواء المحيط بها لمدة لا تزيد عن ثوان.

 كانت لارا تبلغ من العمر سبعين عامًا، عاشت الكثير من الرعب، تحدثت لارا بصوتها العميق بلغة بلدها الأم:
-مرحبًا بك، لقد عدت بعد خمسين عامًا، لكن لا يمكنني أن أخبرك أنني سعيدة بلقائك مرة أخرى.

 أجابها صوت بهدوء وبرودة: 
-كما اتفقنا يا لارا، قبل نصف قرن، اتفقنا على أن آتي اليوم لتخبريني بما أريد أن أعرفه.

 تذكرت لارا كل كلمة قالتها لهذا الرجل منذ عقود، حتى لو كرهت تحقيق تلك النبوءة التي من شأنها أن تدمر تلك الفتاة المسكينة. 

لكنها مدينة بحياتها التي استمرت خمسين عامًا بعد هذا اليوم المشؤوم الذي أنقذ فيه حياتها. صحيح أنها فقدت بصرها في ذلك اليوم، لكنه أنقذ روحها من ظلمة الشر في ذلك الوقت.

 قالت بحزن وشفقة:
 -إنها بريئة من كل هذا، ولا علاقة لها بما تريد أن تمتلكه.

 جاءها صوته الساخر المغلف بنعومة خطيرة تدل على قوة لا يستهان بها وهو يجيبها:
 -وهل البراءة والرحمة جزء من عالمنا أيتها الساحرة؟ لا، بالطبع ليست لها مكان في هذا العالم الخاص بنا. 

 تنهدت وهي تعلم أنه في ذلك القلب المظلم الضائع لا مجال لمشاعر الشفقة، وإذا لم تعطه ما يريد؛ فسوف يأخذ روحها.

 فقالت له بصوت غامض: 
-ستجد ما تريد في الغرب، حيث مقبرة الطائرات المشؤومة، ولكن احترس. 

عندما تحدثت معه اختفى لون عينيها، اختفت عيناها تمامًا، ولا شيء في عينيها إلا اللون الأبيض.

 جاء الضباب، وتضاعف صوت لارا كما لو كان هناك شخص آخر بالداخل في جسد تلك الساحرة النحيل، وتحدث كلا الصوتين في نفس الوقت:

-احذر أيها الخالد، لأنه إذا لم تأخذ كل ما تريد قبل اكتمال القمر التالي؛ فلن تأخذ أي شيء، وستفقد كل شيء. مع اكتمال القمر القادم، ستخرج اليرقة من شرنقتها، وسوف تطير بعيدًا عن يديك ومخالبك القاسية. 

 ثم أغمضت لارا عينيها بشدة، واختفى اللون الأبيض، واختفت هذه الروح التي سكنت فيها لتعود إلى طبيعتها البشرية.

 وسرعان ما هدأ الضباب، هذه السرعة أخبرتها أن الشيطان قد ذهب بعيدًا، اعتقدت لارا أنه أسرع من الريح وأنه اندفع للحصول على ما يريد وإنهاء حياة تلك الفتاة المسكينة؛ لتحقيق ما يريد.

مكثت في مكانها فترة قبل أن تتحرك إلى منزلها. ثم مشت على الطريق المظلم الذي أوشك على الانتهاء. 

قالت لارا لنفسها: 
"يا له من مصير مظلم ينتظرك "إيلي"، أيتها الفتاة المسكينة، في تلك المدينة حيث سجنوك لسنوات دون معرفة حقيقتك."

شعرت السيدة العجوز بالأسف لهذه الفتاة الصغيرة البريئة.
 وصلت لارا إلى منزلها ووقفت أمام بابها تنظر إلى السماء والقمر في السماء؛ حان الوقت لتحقيق النبوءة. 
 
انتهى طريق لارا المظلم إلى منزلها، ولكن يبدأ طريق مظلم آخر لهذه الفتاة، لم تعرف لارا المصير المظلم المخصص لها، خاصة عندما يريدها هذا الوحش في يديه، في يد رجل مصنوع من الجحيم.


ألقت أضواء الحفلة بظلالها على الحائط، حيث كانت مختبئة خلفها، وكانت خيوط الظلال، ترقص حولها في هذا الركن حيث كانت مختبئة، منذ دخولها هذا المكان، حيث أرادت الابتعاد عن مجموعة المتنمرين.

نظرت "إيلي" إلى الظلام، كما لو كانت تشاهد عرضًا للدمى، وتخيلت ظلالًا لأشخاص تتحرك بأصابع خفية، تلك الأصابع تتحرك مخصوص لها لتستمتع بوقتها.

كالعادة عندما تشعر بالضعف، تعزل إيلي نفسها في عالم خيالي وحالم، يجعلها تشعر في أسوأ لحظاتها بأنها الأفضل.

لطالما تخيلت الكثير من الأشياء السعيدة، عندما تتعرض لأي موقف لا تحبه، هذه الأوهام والأحلام، من أجل حماية نفسها من الآخرين الذين قد يؤذونها. هذا ما تفعله لحماية نفسها من أذى الآخرين لها.

صاحت "بيث" بضحكة منتصرة: 
-انظروا يا فتيات من تختبئ في الظلام. كما لو كان الظلام قد يخفى شيء من بشاعتها.

نظرت إليهم إيلي بغضب، وهم يتجمعون حولها واحدًا تلو الآخر.
 نظرت إليها، وقد تجمعت دموع متحجرة في عينيها، ولكنها أخفتها بحرقة داخل قلبها. 

قالت لها إيلي: 
-بيث، من الواضح أنك لازلتِ تظني نفسك بالمدرسة الثانوية. وأننا في حفلة التخرج التي كنت ملكتها، ولكن أحب أن أخبرك أنني أصبحت أقوى من ذي قبل. 

تحدثت إيلي بغضب، تحاول دعم ثقتها المهزوزة بنفسها، كالعادة حين تشير بيث إلى افتقارها الحاد إلى الجمال، بعكس جمال تلك الأخيرة المتوهج. 

فهي شقراء ذات أعين زرقاء شاحبة، وبشرة ناعمة بيضاء، وجسد مهما حاولت إيلي من اتباع الحمية، ولو لسنوات لن تصل إليه، وذلك لميل جسدها الى السمنة. 

رغم أنها غير شرهة، أو نهمة للطعام، ولكن طبيبها قال لها في سن المراهقة إن هرموناتها تميل للسمنة، للأسف لا شيء بيدها لتوقف ذلك النمو الطبيعي لتلك الهرمونات. 

عادت إلى حدة الواقع مع صوت ضحكاتهم الساخرة، وهي تخرج إلى النور أكثر، وتنظر إلى بيث التي اقترب منها في تلك اللحظة صديقها الحميم "مايكل"، والذي كان أفضل رياضي في مدرستهم الثانوية؛ والحاصل على منحة رياضية بجامعة "يبال". 

انضم مايكل إلى بيث وصديقاتها "راشيل وساندي" وهو يحتضنها من الخلف ويقبلها قائلًا:
-أهلًا مليكتي، أين كنت؟ لقد بحثت عنك طويلًا حبيبتي. 
 
فقالت بيث لحبيبها وهي تلتفت إليه:
-أنا هنا حبيبي، كنت فقط أتساءل لما دومًا حفلات والدة ساندي الخاصة بعيد انشاء بلدتنا مملة؟! 

قطعت حديثها وهي تنظر إلى إيلي بإحتقار وأكملت كلماتها: 
-أكيد هذا بسبب أن والدة ساندي تسمح للحقراء بالانضمام إلينا، كم هذا مؤسف لهن، أن يعرفوا مدى قبحهم عندما يكونوا بجوارنا. 

ورنت ضحكاتها وهي تقبل حبيبها، وتأخذه وتبتعد عن إيلي وتتركها وحدها حيث هي في الظلام. 
شعرت حينها إيلي بالكراهية لهم جميعًا، وهي تراقبهم يبتعدون، وينضموا للبقية من الشباب بعمرهم ويضحكون.

كرهت شكلها الذي منع عنها رفقة من هم بسنها، انهمرت دموعها في صمت من وراء نظارتها الطبية وهي تنظر إلى من حولها بقهر، قهر مصنوع من سخرية الجميع منها. 

فخرجت من ذلك الركن، وسارت قليلاً وسط الحشد المتجمع من صفوة البلدة، والتي دعيت إليها من قبل والدة ساندي؛ لأنها تعرف عراقة عائلتها، لأن جدتها "فيكتوريا سميث" من الصفوة، وليست لأنها فتاة رائعة. 

مرت أمام الشرفة والجميع، كالعادة لم يلاحظها الشباب والنساء، الجميع دائمًا كان يتجاهل عثة الكتب، إيلي سميث المسكينة، الخجولة التي تعشق القراءة، عثة الكتب ذات الأربع عيون، كما لقبت بالمرحلة الابتدائية من قبل بيث وجماعتها. 

رأت انعكاس نفسها في المرآة، وكما كانوا محقين كان انعكاس باهت امرأة مسكينة، وليست شابة في العشرين من عمرها. 
 تنهدت وهي تضع كوبها على إحدى المناضد؛ وذلك لتجاهل حتى النادل لها كما لو كانت غير مرئية. 

وهى في الشرفة، قالت لنفسها "أنها قد قامت بواجبها الاجتماعي، ومكثت أكثر من عشرين دقيقة بالحفل، وتلك هي أطول مدة تقضيها بحفل اجتماعي. بالعادة ترحل بعد خمس دقائق، أي قبل حضور بيث، واليوم تأخرت وحدث كما المعتاد."

ثم أخذت تنظر حولها، تبحث عن السيدة "مارجريت"، والدة ساندي، ومنظمة الحفل. 

وقالت بصوت خافت جدًا: 
-سوف أعتذر إلى السيدة مارجريت، وأشكرها على حفلتها المملة. ولكنني سوف أقول قبل ذلك، أنها حفلة رائعة، وأعتذر بأن جدتي وحدها في المنزل، وأرحل. 

ولكن أثناء بحثها بعينيها؛ قابلت أعين شاب وسيم ينظر في اتجاهها ويبتسم؛ فارتبكت وقالت: 
-هل يبتسم لي؟ 

شعرت بتوتر؛ ولكنها بسرعة بادلته الابتسام، فهي لن تخجل وتسمح لتعليقات بيث أن تحبطها، وتحرك الشاب متجه إليها. 
وعندما بدأ يقترب؛ بدأت تتعرف عليه. فقد كانت تعرف الشاب تقريبًا، إنه "جون" عضو الدفاع في فريق الركبي بالثانوية. 

كان من نخبة شباب المدرسة وقتها، ابتسمت بسعادة أكثر وهو يقترب منها، ولكنها تذكرت وقالت بصوت خافت: 
-إنه صديق ساندي الحميم والمقرب دوماً. 

وكم كانت محقة، فقد اقترب منها جون حتى تخطاها، متجه إلى أحدهم خلفها. 

فاستدارت والابتسامة تبهت على وجهها، لتراه متجه إلى ساندي ليقبلها، والتي كانت تقف في الخلف، وهي ترحب بالقبلات الرومانسية المشبعة بالرغبة. 

 وظهرت خيبة الأمل على وجهها، ولكن هناك ضحكات ساخرة أفزعتها؛ فالتفتت إلى يمينها، حيث تقف راشيل، التي اقتربت منها، ويبدو عليها إنها حضرت موقفها المضحك هذا، وعيناها الخضراء كما القط تلتمع، وشعرها الأسود الحريري الذى يحيط وجهها الجميل.  

 قالت لها ساخرة: 
-يا إلهي، جبنة، أيعقل أن تكوني بالفعل اعتقدت أن جون يبتسم إليك، يا إلهي، كم أنتِ حالمة! انتظري حتى تسمع بقية الفتيات بأحلامك الخيالية جبنة، أظنهن سوف يموتون من الضحك مثلي. 

بغضب شديد من كلمات راشيل الفظة، والمحرجة لها وحضورها هذا الموقف السخيف، ولذكرها اسم من ضمن الأسماء التي أطلقت عليها منذ الحضانة. 
كان أكثر الأسماء التي تم إستخدمها للسخرية منها، وكان الأكثر انتشار. 

قالت إيلي بحنق شديد:
-عما تتحدثين راشيل؟! اسمعي، لا أحب أن تطلقي عليَّ أي كلمات أو شائعات سخيفة.

قالت لها بنبرة ساخرة:
-إشاعات، أي إشاعات يا أيتها السخيفة. فمن مثلك لن يطلق عليهن إشاعات عن رجال، لن يصدقها أحد، فمن هن مثلك تظل عانس طوال عمرها، ولا حبيب قد يطرق بابها، وتصل إلى الأربعين وهي تربى قطة فقط، ويطلقون عليها الأطفال ساحرة البلدة.

أنهت كلماتها بضحكة رنانة قوية، كما المطرقة، ضربة قلب إيلي. وابتعدت عنها وهى تضحك متوجهه الى صديقها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي