ثأر الموت الصامت

AsmaElmasry`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-04-30ضع على الرف
  • 80.3K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول الكابو دي نيرو

اجتمعت العائلة على تلك الطاولة المستطيلة وعلى رأسها يجلس الكابو (لقب يطلق على زعيم العائلة) وهو الزعيم "تازيا دي نيرو" كبير عائلة "ستالون" والتي تملك معظم الملاهي الليلية بروما وتستخدمها العائلة لغسيل الأموال لأعمالهم الأخرى.

طرق "فابري" الابن الأكبر لـ "تازيا" على الطاولة ليعم الهدوء وانتبه الجميع لزعيمهم وهو يجلي حلقه قليلاً، فذلك المسن الذي تولى إدارة العائلة لأكثر من ثلاثين عاماً قد قرر الاعتزال فجمع العائلة ليخبرهم بقراره الحاسم واختيار من يخلفه بالزعامة.

نظر أمامه للجميع؛ فبالرغم أن لا ينتمي جميعهم لعائلته بالدم أو النسب ولكن انتمى الكثير منهم بالولاء لتلك العائلة الكبيرة التي بسطت ذراعها للجميع تفرض سيطرتها هنا وتحمي رعاياها هناك؛ فحازت على احترام العدو قبل الصديق.

بدأ "تازيا" حديثه متكلماً بصوت مجهد ومرتعش لكبر سنه:
-لقد جمعتكم اليوم حتى أخبركم قراري بالاعتزال نهائياً عن تولي زعامة العائلة لظروفي الصحية، فكما تعلمون أنني قد أتممت عامي الثمانون وأصبح كل شيئ صعب الممارسة حتى التبول اللعين أصبح يؤلمني.

نطق "ستيفانو" الابن الآخر لـ "تازيا":
-لازلت ذئبا أبي؛ فلا تهتم للألم فهو ما يجعل الإنسان يشعر أنه لا زال على قيد الحياة.

ابتسم له والده وعاد لحديثه الجدي:
-والآن أريد من الجميع إظهار الاحترام والقبول وتقديم فروض الولاء لخليفتي والزعيم الجديد.

ترقب الجميع وبالأخص "فابري" لكونه الابن الأكبر له؛ فجلس مستريحاً بمقعده منتظراً إعلان والده:
-من سيتولى مكاني هو ابني الأوسط "ستيفانو"

نظرات الدهشة لمعت بعيون الجمع، وصيحات الاعتراض المكتومة التي خرجت منهم جلعته يطرق بعنف براحته على الطاولة حازما:
-أصوات الاعتراض الخارجة من أفواهكم تلك ستودي بحياتكم إن تحولت لرفض لقراراتي.

وقف "فابري" ينظر لوالده بدهشة وتسائل بصوت مهزوز:
-ماذا فعلت لتنقم علي إلى هذا الحد أبي؟

رد وهو جاحظا لعينيه:
-لا أظن هنا هو المكان المناسب لمناقشة تلك الأمور الخاصة.

عقب عليه بحدة:
-بلى مناسب، فكل الحضور من العائلة دماً ونسباً وانتماءاً.

قوس "تازيا" فمه وهو يصر:
-قلت لا اعتراض وإلا...

قاطعه من جديد:
-وإلا ماذا أبي؟

زفر أنفاسه بشراسة؛ فرفع والده حاجباً لأعلى وهو يؤكد على مخارج حروفه:
-اختياري لـ "ستيفانو" ليس نقما عليك بني، بل أنا أضع الشخص المناسب بالمكان المناسب فحسب.

رمقة الآخر بنظرة غاضبة وهو يصيح معترضاً:
-وهل تجده أكفأ مني لتلك المكانة؟ أنا أكبر ابناءك والأحق بذلك المقعد الذي تعطيه طواعية للمتهور الصغير.

هنا بالتحديد وقف "ستيفانو" من مقعده بغضب ناظراً لأخيه الأكبر وتكلم بصوت أجش:
-احذر التقليل من شأني أمام جمع العائلة "فابري"، فكما قلت أني متهور وقد أريك ما هو التهور بحق.

وقبل أن يدخلا بمشاحنات صاح "تازيا" بصوته الخشن:
-توقفا الآن، هل ستتقاتلان أمامي وعلى مرأى ومسمع من رعايانا أيضاً؟ لما لا تنتظران موتي وبعدها قوما بتفكيك تلك العائلة التي أفنيت عمرى لجمعها وتقاتلا حينها فقط، ولكن لا تنسيا أن عائلة "ستالون" التي أجبرت جميع العائلات الأخرى باحترامها إن تفككت ستسقط لا محال، ووقتها صدقاني لن يترك أي منكم على قيد الحياة حتى لمحاولة جمع شتات العائلة من جديد؛ لذا لا أريد أي اعتراض على أمري لأني أعلم ما أفعله.

التفت واقترب من بكريه وربت بقوة على وجهه هاتفاً:
-أنت أكبر ابنائي بحق والمسؤول الأول عن الاستخبارات والتعامل مع الشرطة بما يخصنا، هذا هو مكانك الطبيعي وإن وضِعت بمكانٍ آخر لن تكن أهلاً له بني.

ابتلع ريقه وأكمل:
-بمكانك تستطيع خدمة العائلة أفضل ألف مرة من زعامة العائلة؛ لذا لا أريد مشاحنات بينك وبين أخيك وتعاونا معاً، هل تفهمني؟

أومأ له بطاعة؛ فعاد لمقعدة جالساً وهو يشير بعينه لأحد الرجال التابعين له ليحضر الرجل ذلك الكأس الذهبي ووضعه بمنتصف الطاولة فعاد "تازيا" لحديثه:

-ذلك الكأس المصنوع من الذهب الخالص هو إرث عائلة "ستالون" منذ القدم وهو " كأس الدماء" كما كان يُطلق عليه قديماً، أما الآن فقد قمت بتغيير اسمه لـ "كأس الولاء"؛ فكل شخص ينتمي لهذه العائلة ستختلط دماؤه بالآخر ولاءاً وليس تضحيةً لذا هلموا بتقديم فروض الولاء والطاعة والقبول.

فعل جمع العائلة تلك الطقوس المعروفة بإحداث شق براحتهم بسكين حاد، ووضع قطرات الدماء بتلك الكأس؛ لتختلط دماؤهم جميعاً معاً وهم ينذرون نذور الولاء للزعيم الجديد، وفور أن انتهوا وقفوا جميعاً حاملين كؤوسهم يرفعونها لأعلى هاتفين بصوت واحد:
-يحيى الزعيم "ستيفانو"

أمسك "تازيا" الكأس الذهبي ووقف رافعاً يده لأعلى وهو يقول بتحذير:
-ليكن هذا الكأس عبرة للجميع فكما جمع دماؤكم المختلفة بمكان واحد، قد تسيل تلك الدماء إن خرج أي منكم عن طوع العائلة أو عن طوع الزعيم.

تزامن حديثه بسبكه لتلك الدماء على الطاولة فسالت بخط شبه مستقيم وهو يكمل:
-ولتقع علي اللعنة إن كنت على قيد الحياة وسمحت بإنشاق تلك العائلة، حتى وإن تسبب بها فرد من دمائي.

أطرق الجميع رؤوسهم باحترام وطاعة لهذا الكهل الذي كان ولا يزال ذئباً يهابه الجميع.

انتهى الاجتماع وبدأ الاحتفال بتولية الزعيم "ستيفانو" لإدارة شئون العائلة، وتحرك هو وسطهم يرحب ويبادر بالحديث هنا وهناك ليفرض قوته قبل سيطرته عليهم، حتى اقترب منه ذلك المارد الطويل القامة والمخيف الهيئة والذي نأى بنفسه قليلا لينفرد بزجاجة الخمر التي معه وكأنها عشيقته.

جلس بجوارة متحدثا بمزاح:
-لا تقف أبداً بوجودي "داني" فطولك الفارع هذا يظهرني قزم أمامك.

ابتسم له ورد:
-لا زلت تدعونني "داني"! حقاً قد نسيت هذا الاسم.

سحب "ستيف" منه الزجاجة وتجرع منها كمية معقولة وناولها له من جديد وعقب:
-يبدو أنك معجبٌ بلقبك أكثر من اسمك الذي ولدت به؟

سحب "داني" نفساً عميقاً وطرده بعنف قائلاً:
-هذا ما أنا عليه "كابو"

حقاً هو أول شخص يدعوه اليوم بالـ "كابو"؛ فابتسم "ستيف" وسأله:
-هل ما زالت كما هي؟

قوس فمه متهرباً من الإجابة، والتفت ينظر له بتركيز بالرغم من حالة الثمالة التي بدأ يشعر بها:
-أنا في انتظار أوامرك الجديدة بشأن الحصار على عائلة "نينيتي".

ابتسم الآخر معقباً:
-تتهرب؟! حسنا لا بأس، لن أتحدث عن حسنائك وإن أردت التحدث عن الأعمال فسأنتظرك غداً عندما تكون غير ثمل أيها "الموت الصامت".

~~~

بدأ بالاستيقاظ رويداً رويداً عندما تغللت أشعة الشمس داخل غرفته وتسلطت أضواءها على وجهه؛ فأغلقها بقوة محاولاً تحاشي ذلك الضوء المزعج الذي أرقه.

فتح عينيه بتأفف وهو يشعر بآلام رأسه التي فتكت به؛ فأخرج تنهيدة منزعجة من إثر صداع رأسه الناتج عن ثمالته ليلة أمس.

اعتدل بجسده على الفراش ونظر بجانبه لتلك النائمة لا يغطيها سوى ملاءة بيضاء تكاد تكشف جسدها، وشعرها المشعث يغطي ملامح وجهها، فحاول كثيراً تذكر أي لمحة من ليلة أمس ولكن دون جدوى.

وقف ناظراً حوله يبحث عن أي شيئ يرتديه، فوجد ثيابه ملقاة بإهمال على الأرض؛ فارتدي ما يكفي لستر نفسه والتف حول الفراش جالساً على حافته وحاول إيقاظها بحذر رغم تردده الشديد، فهو يعلم تمام العلم ماذا ستكون ردة فعلها عندما تستيقظ.

ناداها بصوت خافت بعد أن أبعد خصلاتها عن وجهها:
-ڤيرونا، ڤيرو هيا استيقظي.

تنهدت بكسل ولكنها انتفضت فجأة تلمم الملاءة على جسدها ناظرة له بغضب وهي صارة على أسنانها مطبقة على شفتيها، فحمحم قائلا:
-صباح الخير يا زوجتي المصون.

لم ترد بل أدارت وجهها عنه؛ فأضاف معقباً:
-لا اتذكر الكثير عن ليلة أمس، أظن أنني دخلت بنوبة من نوبات الشراب حتى الثمالة من جديد.

ابتسم لها وهو يكمل:
-وعلى ما يبدو قد شاركتني إياها حبيبتي.

وقفت مبتعدة عنه عندما حاول لمس وجهها بأنامله ودارت بعينيها تبحث عن ملابسها حتى وجدتها بجوار الباب؛ فتحركت نحوها وارتدتها بسرعة غير عابئة بنظراته التي تفحصت جسدها.

حاولت الخروج فأوقفها مغلقاً الباب من جديد وهامساً بأذنها:
-لن تكفِ عن أفعالك، أليس كذلك؟

دفعته بعيداً عنها بشراسة، فسحبها من جديد بعنف تلك المرة حتى ارتطم ظهرها بالحائط؛ فتأوهت ألماً ولكنه لم يهتم وسألها بإصرار:
-متى ستكفين عن أفعالك تلك؟ أصبحت أماً لخمسة من أبنائي ولا زال رأسك اليابس كما هو.

رمقته بنظرات كارهة لما عليه حالها وقالت بصوت باك:
-إن كنت تظن أن إبقاءك لي هنا أسيرة لك كل تلك السنوات قد يحرك مشاعر الكره بداخلي لحب؛ فأنت حالم لا محالة.

زفر أنفاسه القوية صاراً على أسنانه حتى خرج صوت اصطكاكها بعضها البعض وتكلم بجمود:
-قلت لكِ آلاف المرات لا أطلب حبك بل خضوعك يكفيني.

تركته تحاول الخروج فأمسكها من جديد وثبتها بالحائط محاصراً جسدها وتكلم بغلظة:
-تعلمين كم أكره نوبات الشراب هذه، لذا أخبريني ماذا حدث ليلة أمس؟ انا متأكد انك تتذكرين ولو القليل.

ابتلعت ريقها وأخبرته:
-حسناً، لقد عدت للمنزل ثملاً بالفعل ووقفت تناديني بأعلى صوتك فحضرت لك حتى لا توقظ الجميع، وبعدها بدأت كعادتك بالتذمر من كوني جاحدة ولا استحق معاملتك الطيبة وأنني قد اعتدت على الإهانة والتعذيب، وبعدها أجبرتني على الشراب حتى فقدت وعيي أنا الأخرى.

رمقته بنظرات كارهة وسألته:
-هل هذا كافٍ؟

خلل أصابعه بخصلات شعرها وهو منحنياً بجزعه ناحيتها وتكلم هامساً:
-ماذا أفعل حتى توافقين على مشاركتي الفراش لمرة واحدة طواعية دون اجبار مني؟ ماذا أفعل حتى أمارس معك الحميمية لا الاغتصاب؟

نظراتها المحترقة له جعلته يقوس فمه بانتظار إجابتها التي يعلم تماماً أنها لن تكن مرضية له؛ فقالت بغضب:
-وأنا ماذا أفعل حتى أتخلص منك ومن سجنك لي؟

رد وهو مطبقاً على قبضته بغضب:
-ما رأيك أن تشاركيني الفراش لمرة واحده دون رفض أو تقييد أو حتى استسلام وأنا أعدك أن أعطيك حريتك.

رفعت وجهها ناحيته بعدم تصديق؛ فابتسم وأكد:
-تعلمين أن أمس قد تم اختيار زعيماً جديداً لنا، "ستيف" هو صديقي قبل أن يكون الـ "كابو" لذا سأجعله شاهداً على هذا الاتفاق بيننا وأنتِ تعلمين جيدا معنى هذا.

استند براحتيه على الحائط المستندة هي عليه وأضاف موضحاً:
-ستكونين من الرعايا الذين نقوم بحمايتهم وتخرجين من كونك ضمن العائلة، بل ستكونين تحت حمايته هو شخصياً إن أردتِ.

سألته بتردد:
-كل هذا مقابل ليلة واحدة؟

أومأ لها مؤكداً:
-نعم، ليلة واحدة أقضيها معك كزوج وزوجة طبيعيين، لا إجبار ولا رفض فما رأيك؟

ابتلعت ريقاً ليس بحلقها من الأساس وأجابت:
-موافقة.

حرك رأسه بحركات متتالية وهو يتركها مبتعداً عنها ومضيفاً:

-حسنا إذاً، اليوم سأتحدث معه بشأن هذا الاتفاق وبعدها قد تأتين معي لتوقعي بالموافقة.

ردت بضيق:
-فقط كلمتك وكلمته كافية، لا أريد عقود توثق تلك اللعنة .

أنفاسه المتضاربة ما بين غاضبة وبين فرحة جعلته يصمت وتركها لتخرج من الغرفة عائداً لفراشه ممداً بجسده النصف عارٍ وممسكاً الوسادة التي نامت عليها يشتم رائحتها منها بقوة وكأنه يريد حبسها بداخله إلى الأبد.

نزلت الدرج تدب الأرض بغضب ودلفت المطبخ تأمر الخدم:
-قوموا بتجهيز الإفطار بسرعة فأنا أتضور جوعاً.

أومأت لها إحدى الخادمات باحترام:
-حسنا سيدتي

خرجت بنفس الغضب الذي دلفت به فاصطدمت بابنها الأكبر "دونتي" الذي أسندها بذراعيه وتكلم فورا:
-تمهلي أمي.

وقفت تحاول إخماد النار المندلعة برأسها وحاولت التحدث معه هامسةّ:
-استمع لي بني، للمرة المائة أرجوك أن تبتعد عن المشاركة بأعمال والدك.

رد عليها ذلك الفتى ذو الخمسة عشر عاماً بصوت رجولي وثقة لا تناسب عمره مطلقاً:
-أنا قد قاربت على إتمام السادسة عشر وأخيرا سيتم إنضمامي رسميا للعائلة، فهل تتخيلين أن أترك حلمي الذي سعيت له منذ أن كنت بالتاسعة فقط لخوفك الغير مبرر هذا؟

دمعت عينيها وهي ترجوه:
-أتوسل لك بني، أنا لن أقدر على خسارتك.

استمعت لصوته الذي تمقته من وراءها هادراً:
-ما الذي تحاولين فعله؟ اتركيه وشأنه. 

التفتت تتوسله بضعف لم تشعر به منذ أن دخلت هذا القصر الذي لا تكره شيئاً أكثر منه:
-أتوسل لك "داني"، ألا تخاف عليه؟ إنه ابنك وقطعة منك و...

قاطعها مؤكداً:
-بل قطعة من روحي، ولهذا السبب بالتحديد أهيئه ليصبح مثلي تماماً.

لم ينته الجدل بينهما إلا عندما استمعت لأصوات ابناءها ينزلون تباعاً على الدرج ممازحين بعضهم البعض؛ فأطرقت رأسها وهي تستمع لهم يحيونهم:
-صباح الخير أبي وأمي
-صباح الخير "دون"

رد عليهم أخيهم:
-صباح الخير، هيا لمائدة الإفطار حتى تذهبوا لمدراسكم.

تحركوا من أمامه فاقترب منه والده يربت على كتفه مفتخراً به:
-احسنت بني، كن قوياً دائماً، ولا تنس أنك من ستقود تلك العائلة من بعدي.

أومأ له باحترام وتركهما متحركاً صوب مائدة الطعام؛ فرفعت "ڤيرونا" رأسها نحوه تنظر له بعيون متوسلة:
-"داني" أرجوك

غمز لها بطرف عينه وهو يبتسم وانحنى يهمس لها:
-لقد تذكرت القليل من ليلة أمس، آه يا فتاة كم كنت جامحة! وكم أتمنى أن أعاصر ذلك معك وأنا متيقظ غير ثمل.

ردت بفروغ صبر:
-أظن أني وافقت على مساومتك.

هز رأسه وهو يسألها:
-متى إذاً؟

بللت شفتيها بطرف لسانها وأجابت:
-اليوم، بعد التأكد من وعدك أمام الـ "كابو".

رفع حاجبه الأيسر ناظراً لها بتعجب وعقب عليها:
-اليوم؟! كم تتوقين للتخلص مني؟! حسناً اليوم إذاً موعدنا جميلتي.

~~~

جلس على مكتبه يتابع الأعمال مع مساعده الذي يمرر له كل الأوراق الخاصة بأعمالهم القانونية والمشبوهة أيضا، فكل عمل مشبوه يتم بإطار قانوني بمساعدة الشرطة المحلية التي ما هي إلا عبارة عن رعايا للعائلة أيضا، ومن لا ينتمي لهم يأخذ نصيبه من الرشاوى حتى يصمت عن أفعالهم.

تحدث مساعده بجدية يخبره:
-انخفضت إيرادات الملاهي الليلية كثيراً منذ أن أصر الـ "كابو تازيا" على وقف نشاط الدعارة نهائياـ، فما العمل الآن، هل سنظل على نفس النهج أم ستعيدها من جديد "كابو"؟

يبدو أنه شدد على لقبه حتى يغره بنفسه ليخالف أوامر والده بذلك الأمر، ولكنه رد بكل قوة:
-لن نعيدها، الكازينو به الكثير من الأنشطة القانونية الكافية لزيادة الإرادات بالإضافة لغسيل الأموال لذا لا حاجة لنا بأموال الدعارة.

تنفس بضيق وهو يحاوره:
-"كابو" استمع لي لدقيقة واحدة وبعدها اتخذ قرارك.

ابتسم "ستيفانو" ونظر بساعة يده ليضبطها على دقيقة ونظر له قائلاً:
-تكلم.

ابتلع ريقه وهو يسرع باخباره؛ فتلك الحركة تعني أنه ليس لديه صبر لسماعه:

-الرعايا التابعين للعائلة مما عملوا بالدعارة قد أصبحوا بدون عمل وخسروا الكثير من أموالهم، بالإضافة للفتيات فقد قام "فابري" بتوظيفهم كعاملات نظافة بأملاك العائلة؛ ولهذا كثر التذمر منهن ومن قواديهن وأخشى أن يثوروا بهذا الوقت ونحن على مشارف إتمام صفقة السلاح القادمة من "روسيا".

رن مؤقت الساعة فصمت فوراً ووقف منتصباً أمامه، فأتكئ الآخر على مقعده ممسكا سيجاره الكوبي وأخرج من نفس العلبة الخشبية مقصلة التشذيب الخاصة به ووضعها على فوهة السيجار وهو يقول بدهاء:

-أظن دائما من الأفضل قطع الجزء الغير مرغوب به حتى لا تجد قطع التبغ المُرة تدخل فمك دون رغبتك، هل معي حق؟

فهم المساعد ما يعينه؛ فأطرق رأسه ناظراً للأرض واستمع له يضيف:
-هكذا حال كل شيئ غير مرغوب به، أنا من أقنعت والدي بالتخلص من تلك التجارة التي لا طائل منا وتأتي من وراء أجساد النساء؛ لذا لا أظنك تحاول تغيير رأيى بها.

أومأ له صامتاً فاستطرد:
-ولكن توزيعهم كعاملات نظافة شيئا مخزياً حقاً وتصرف أحمق يهدف لإثارة الحنق ضد العائلة وقراراتها؛ لذا سأقوم بتغيير ذلك.

بالطبع فأخاه الأكبر "فابري" هم من كان يملك تلك التجارة وأرباحها كانت توزع بينه وبين التابعين له.

انتظر المساعد سماع أوامره التي ستخرج على هيئة تعليمات:
-قم بتجهيز لائحة بعدد الفتيات والقوادين أيضاً، وبعدها سأخبرك بآخر قراراتي بهذا الشأن.

انحنى يوافقه باحترام:
-أوامرك "كابو".

طرق الباب فدخل أحد المساعدين منحنيا باحترام:
-سيدي.

اوقفته نظرات "ستيفانو" عن التحدث وصر على أسنانه هاتفاً بتصحيح:
-"كابو" أنا الـ "كابو دي نيرو" ألا تفهم؟

اعتذر منه فوراً وهو يصحح:
-عذراً "كابو".

أشاح له بيده متسائلاً:
-ماذا هنالك؟

رد فوراً دون مماطلة:
-السيد "سليم الرواي" بالخارج ويود مقابلتك.

ابتسم "ستيفانو" على الفور ونهض يأمره:
-أدخله فوراً

تحرك كل من مساعديه للخارج، فدلف "سليم" مبتسما له وفارداً ذراعيه يهتف بفرحة:
-هنيئاً لك أخي على الزعامة.

احتضنا بعضهما البعض وربت "ستيفانو" على ظهره ممازحاً:
-هل وصل الخبر لمصر بتلك السرعة؟

ابتعد عنه يجيبه:
-بلى، وهل يمكن أن يتأخر أمر كهذا بالوصول لي؟ على أي حال أنا كنت بزيارة قصيرة لمصر وعندما جئت لروما سمعت الخبر فقررت تهنئتك.

أومأ له باستحسان:
-خيراً فعلت، كيف حال أعمالك؟ هل هناك من يضايقك؟

نفى فوراً ومضيفاً:
-وهل يجرؤ أحداً على اعتراض طريقي وصديقى المقرب هو الزعيم والـ "كابو دي نيرو" الجديد.

سأله وهو يصب كأس من الخمر:
-كيف حال والدك؟

رد بزفرة قوية:
-جيد، كما هو لن يتغير أبداً "فرج الرواي" هو "فرج الرواي".

مد راحته بالكأس فنظر له سليم متعجباً وهو يقول:
-هل نسيت أني لا أشرب الخمر.

قوس "ستيف" فمه وهو يتجرع الكأس مرة واحدة ويجلس بجوارة على الأريكة ممسكا بالكأس الآخر:
-آه نسيت "سليم"، ماذا تريد أن تشرب؟

رفض مؤكداً:
-لا شيئ، فقد جئت لمباركتك وسأذهب، فعلى ما يبدو لديك الكثير من الأعمال فهناك الكثير بانتظارك بالخارج.

وقف متحركاً للخارج فأوقفه سؤاله ويده على المقبض:
-كيف حالك فتاتك؟ هل وجدتها؟

التفتت بحزن نطقت به كل حواسه وهو يجيبه:
-ليس بعد، ولكنني سأفعل.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي