الفصل الثاني لحظة فراق

انتظر دوره للدخول والمثول أمام الزعيم فعلى ما يبدو أن الكابو لديه العديد من الأعمال لكثرة زواره اليوم، ولكنه لم يتذمر أو يمل فهو جالسا معها بركن هادئ بتلك البقعة النائية بمنزل الزعيم والذي يضم مكتبه أيضاً.

اقترب العامل منه يحدثه برهبة؛ فالجميع هنا يعلمون من هو "الموت الصامت" وما يستطيع أن يفعله بيديه العارتين دون استخدام لسلاح:
-سيدي، هل تريد أي شراب؟

رفض بحركة من رأسه وهو يعقب مازحاً:
-بل اليوم بالتحديد أريد أن أظل بوعيي للنهاية.

غمز لها بطرف عينه؛ فقوست فمها وأشاحت بنظرها عنه حتى جاء موعد دخوله فخلل أصابعه بخاصتها بصمتت مكرهة وتحركت معه للداخل.

ابتسم "ستيفانو" لصديقه وهو يعقب:
-ألم ترَ سليم بالخارج؟

نفى متعجباً:
-لا لم أره، هل كان هنا؟

أومأ له وهو يشير لهما بالجلوس:
-نعم، جاء لمباركتي.

أمسك علبة سجائره الخشبية وهو يقول:
-أفضل انواع التبغ الكوبي، أعلم ذوقك بالتدخين "داني".

أمتن له وهو يسحب سيجاراً ضخماً ومرره أمام أنفه مستمتعاً برائحته ومعقباً:
-يبدو لي من أفضل الأنواع حقاً.

نظر لـ "ڤيرونا" وحدثها بلباقة:
-هو تودين شراب أو عصير فاكهة سيدتي؟

رفضت وعينيها تنظر للأرض:
-أشكرك.

جلس أمامها وتسائل بحيرة:
-حسنا، ما الأمر؟

زم "داني" شفتيه وهو يجيبه:
-الزوجة تريد التخلص مني، وقد إتفقنا على تسوية.

رفع "ستيفانو" حاجبيه ناظراً له بدهشة؛ فهو يعلم تمام العلم أنه لم ولن يتركها أبداً، فقد عاصر قصتهما التي تمتد لأكثر من ستة عشر عاماً ولا يظن أبداً أن "داني" قادراً على التخلص من لعنتها التي تأسره، ولكنه استمع له على أية حال:

-تعلم ما نعايشه سوياً منذ أن أسرتها بقصري الذي أهداه لي والدك منذ زمن، وحتى الآن لا زال الوضع كما هو عليه، لم ولن تقبلني بحياتها بأي شكل وأنا قد مللت وقررت إعطاءها حريتها التي تريدها باستماتة.

نظراته المندهشة كانت كلسان حاله:
-هل أنت متأكد من هذا القرار؟

أومأ له الآخر مؤكداً:
-نعم، وبشدة.

أومأ له مستسلماً لرغبته؛ فالكل بتلك العائلة من أكبر فرد لأصغر فرد بها يحترم "الموت الصامت" ويهابه الجميع بشدة:
-إذاً، ما هو الإتفاق حتى أجعل المساعد يكتبه وتوقعا عليه؟

ردت هي فوراً:
-لا أريد عقد موقع، فقط حريتي مقابل طلبه المخزي.

التفتت نظرات "ستيف" له منتظراً توضيحاً للأمر فابتسم الأخير وهو يوضح:
-جل ما طلبته منها هو ليلة واحدة أقضيها معها بموافقتها وبالمقابل لها حريتها وحمايتك "كابو".

أومأ له متفهماً فهو يتذكر إجبار والده بزواجها من "الموت الصامت" بعد أن انجبت له أول ابناؤه "دونتي" وحملت بالثاني والذي أسماه على اسمه "ستيفانو":
-حسنا لها ذلك.

وقفت تتحدث بحدة:
-عندما كان والدك هو الزعيم أجبرني وقتها على الزواج منه، والآن أنا سأنال حريتي أخيراً بحمايتك لذا سأثق بك وبكلمتك لي.

ضحك "ستيفانو" معقباً:
-ثقِ بي بالطبع أيتها الحسناء.

تحركت صوب الباب بعصبية فأمرها "داني":
-انتظريني بالخارج.

فعلت ما أمرها به فضحك "ستيف" بشدة وهو ينظر له:
-هل أخبرتها أن الحرية لا تعني الإنفصال؟

رد فورا بعفوية:
-بالطبع لا.

ربت عليه ضاحكاً وهو يعقب:
-حسنا أيها العاشق، فمن بين مئات النساء لم تقع بعشق سواها، أسيرتك وابنة عدوك.

شرد "داني" قليلاً بكلماته التي ذكرته بماضٍ لم يمر..

جالسا بمكتبه بعد أن انتهى من تلك العملية الجراحية الدقيقة ليسترح قليلاً فقد أخذت منه بضع ساعات لا بأس بها حتى دلف زميله متحدثاً بإجهاد هو الآخر:
-آه، اليوم مزدحم بالجراحات يا صاح.

زفر أنفاسه وهو يمسك الهاتف ومعقباً عليه:
-بالفعل.

سأله "كونتي":
-هل تهاتف حبيبتك؟

أومأ له وهو ينظر بساعته:
-نعم، فموعد متابعتها للحمل قد مضى ولم تأت بعد.

استمع له يحدثها على الهاتف:
-"لاورا"، لما تأخرتي؟

أجابته بعصبية:
-الطريق مزدحم للغاية، لقد أوشكت على الوصول حبيبي لا تقلق.

أغلق معها والتفت لرفيقه متوسلاً:
-قم أنت بفحصها "كونتي" فأنا لا أريد أحداً من الرفاق أن يرى جسدها.

أومأ له مبتسما ومعقباً:
-ولأنك جراح فقط سأفعلها، طب النساء أمراً مقزز حقا ولكنه مربح.

ضحك على مزحته وهو يضيف:
-وكيف لك أن تباشر حياتك مع زوجتك وانت تتعامل يوميا مع مئات السيدات بكافة الأنواع والأشكال؟

رد "كونتي" مازحاً أيضاً:
-هل تعلم أنني من قمت بمساعدتها وقت ولادة ابنتي " ڤيرونا"، ولكن عندما حملت بصغيري "ديفو" لم أستطع، وتركتها تتابع حملها مع طبيبة أخرى وكان ذلك سبب خصام كبير بيننا، لذا أنت محظوظ أنك لست طبيب أمراض نسائية.

لاحت ابتسامة بسيطة على وجهه فعاد "كونتي" لحديثه متسائلاً:
-متى تنوي الزواج منها؟

أشاح بيده بفروغ صبر:
-أنا أفضل بقاءنا على هذا الحال، حتى لا تتأثر بأعمالي الأخرى بصفتها زوجتي.

ظهرت معالم الامتعاض على وجه ذلك المستمع له وعقب:
-لا أعلم لماذا ورطت نفسك مع الماڤيا يا صاح؟ فمهما حدث لا يمكنك الوثوق بهم أبداً.

رد "داني" متأففاً:
-لم يكن أمامي خياراً آخر، أصيب أحد رجالهم الذي بدا لي وقتها أنه شخص ذو شأن، لأكتشف بعدها أنه الزعيم والذي أصر على وجودي كطبيب خاص له بعد أن قمت بإنقاذ حياته، فقد اختاروا أفضل جراح من وجهة نظرهم لينقذه ومن وقتها وأصبحت اعمل لديهم حتى وإن كان رغما عني، فماذا تفعل لو كنت مكاني؟

حرك كتفيه وهو يجيبه:
-أظن أنني لا أتمنى أبداً أن أكون مكانك، فحقا الأمر خطير وخصوصا بعد أن أخبرتني عن صراع أكبر عائلتين معا وأنت بالمنتصف.

نفخ بملل وهو يوضح له:
-نعم، ولكن أظنني قمت بالاختيار الصحيح، فعندما تتقاتل أكبر عائلات الماڤيا ويحاول هذا وذاك استمالتك لصفهم فما عليك سوى اختيار العائلة الأقوى فحسب.

رد عليه "كونتي":
-وكيف تضمن حمايتهم وأنت غريب عنهم؟

رد متمتماً:
-لا يوجد أي ضمانات لا هنا ولا هناك، هو فخ قد وقعت به وانتهى.

زفر بأنفاسه ونظر لساعته بعد أن مر الوقت سريعاً وتحدث بضيق:
-أخ "لاورا"، تأخرت كثيراً.

حاول مهاتفتها من جديد، ولكن وجد هاتفها مغلقاً فتعجب وتحرك للخارج وهو يشعر بالقلق فاوقفه زميله يسأله:
-إلى أين؟

رد بوجوم:
-لأبحث عنها؛ فقد بدأت أشعر بالقلق فعلاً.

لم يسعه الوقت بعد ان وجد هرج دائر على بوابة المشفى بسبب حادث كبير؛ فهرع الجميع لإسعاف المصابين، ولكنه تسمر مكانه عندما وجدها أمامه غارقة بدماءها تلفظ أنفاسها فابتلع ريقه وتحرك صوبها ممسكاً راحتها المثلجة وناظراً لعينها وهي تبكي وتتمتم بتلعثم:
-أنا خائفة من الموت، لا تتركني "داني".

صاح بفريق التمريض:
-جهزوا غرفة العمليات على الفور.

تحرك الجميع بسرعة فاقترب منه "كونتي" يسحبه بعيداً عنها وهمس له:
-طبيب الإسعاف أخبرني أن لا أمل بنجاتها؛ فقد نزفت الكثير والجنين توقف نبضه بداخلها وهي بسيارة الإسعاف.

أمسكه من تلابيبه وهو يصرخ به:
-لاااا، لن أتركها تموت.

توسله بحزن:
-ساعدني.

ولكن لم يمر لحظة حتى وجد إحدى الممرضات تتفقد نبضها وتغلق عينها ساحبة تلك الملاءة البيضاء لتغطي وجهها؛ فصرخ متألماً وهو يحاول الوصول لها ولكن كان رفيقه حائلا بينهما يحتضنه بقوة مواسياً اياه:
-تماسك، سيمر فقط تماسك.

عاد من شروده على صوت "ستيف":
-هاي، أين ذهبت؟

حرك رأسه نافضا عنه تلك الذكريات الأليمة فاستمع للآخر يخبره:
-بالمناسبة، أنا أجهز لحفل كبير بمناسبة توليتي زعامة العائلة وبالطبع أنت وعائلتك من المدعويين.

وافقه دون تردد ولكنه وجده يؤكد عليه:
-أحضر كل عائلتك، زوجتك وحتى أطفالك.

تعجب منه ففسر له:
-أريد تغيير بعض الأشياء مثل تنحية نسائنا عن التعارف أو الإنخراط بالعائلة؛ فهن معرضات للخطر مثلنا تماماً ومن الأفضل أن يتعرفن على بعضهن البعض، وربما يكونن صداقات أيضاً، لذا أحضر كل عائلتك معك.

~~~
همس له ببضع كلمات؛ فتجهم وجهه وهو صاراً على أسنانه بغضب فأشاح له برأسه حتى يتركه بمفرده ولكنه أصر على الوقوف معه متسائلا:
-ماذا تنوي أن تفعل؟ لا تفعلها "فابري" فلن يصفح عنك أبي إن علم، ووقتها إن طلبت العائلة نفيك أو حتى قتلك فلن يقف ليمنعهم عنك.

بغيظ رد:
-وهل أصمت على ما يحدث معي؟ أخي الأصغر هو من يقود العائلة بوجودي! تلك إهانة كبيرة لي.

أومأ له أخاه الأصغر وقال متوسلاً:
-لا تتهور أخي، فقط تكلم مع أبي من جديد أو حتى تكلم مع "ستيف" ربما يتنازل هو عن الزعامة.

نظر له بنظرات غاضبة وجحوظ عينيه ورد بشراسة:
-هل تود أن أتوسله ليرد ما هو حق لي؟ وبعدها أظهر أمام العائلة بمظهر الضعيف الذي أخذ حقه بالتنازل!

تضايق "سيو" وهو يعقب عليه:
-لاااا، لابد أن تأخذ حقك بالقوة وإراقة دماء العائلة، حقا "فابري" تبا لغرورك.

صر على أسنانه متكلماً بغضب:
-استمع لي "فابري"، ربما تراني أخوك الأصغر ولكنني رجل ومسؤول مثلك تماماً لذا سأحذرك كأخي الأكبر ولمرة واحدة، لا تحدث شقاقاً بالعائلة وإلا لن تجدني أناصرك

وقف "فابري" محدثاً وهو ينظر له بغل:
-ألم تخبرني من لحظات أنه رفض عودة الدعارة! هل فهمت الآن أم لا زال رأسك السميك هذا كما هو؟ هو يريد إذلالي وتقييد مدخولاتي حتى أحتاج له.

زفر "سيو" زفرة بفروغ صبر وهو يعقب على كلماته الهوجاء:
-ولنفترض أنه يفعل، هل من المنطق أن تتعاون مع عائلة "ننيتي" ضد عائلتك؟

صرخ مقاطعاً ومعقباً:
-بل أتعاون معهم ضده هو لا العائلة.

وجد " سيو" نفسه بنقاش لا جدوى له فقضم داخل فمه وهو يلقي بكلماته الأخيرة:
-نهاية الحديث، لا تقف ضد العائلة أبداً وخصوصاً بالتعاون مع الأعداء.

~~~

دقات خطواته التي تقترب من باب غرفتها كسجين يستمع لخطوات منفذ حكم الإعدام؛ فهي لم ولن تنسَ ما مرت به منذ أن عرفته أو بالأحرى منذ ذلك اليوم المشؤوم الذي فقدت به عائلتها.

شردت تتذكر أحداث ذلك اليوم أو الأكثر من ذلك تُذكر نفسها حتى لا تنجرف ولو ملليمتر واحد لرغبتها الفطرية التي تجعل جسدها أحياناً يستجيب للمساته.

تذكرت وتذكرت حتى عادت بذكرياتها لأول لقاء بينهما يوم عزاء حبيبته الراحلة عندما أصر عليها والدها أن تحضر معه هو وزوجته وأخيها الصغير لتعزيته في فقيدته.

للوهلة الأولى عندما وقعت عينيها عليه ابتلعت ريقها بتوتر قليلاً؛ فهو لا يبدو أبداً كطبيب مثل باقي زملاء والدها، ولكن يمكن أن يصنف كقاتل محترف من عضلاته العريضة وبنيته الضخمة وشعره الحليق فأخفت بداخلها ضحكة سخرية وهى تتمتم بداخلها:
-يبدوا لي كقاتل محترف يعمل لى الماڤيا.

استمعت والدتها لهمهمتها فتسائلت:
-ماذا قلتِ يا أبنتي؟

نفت على الفور:
-لا شيئ أمي.

اقترب "كونتي" منه واحتضنه رابتاً على ظهره مواسياً إياه:
-تماسك " داني" سيمر لا تقلق فقط تحل بالصبر.

أومأ له صامتاً ولكن صمته هذا يخفي ثوران بركان إن خرج سيحرق الجميع، التفت "كونتي" لعائلته وهو يشير لهم:
-أصرت زوجتي على تعزيتك يا رفيق.

مد راحته لها فعزته وفعلت "ڤيرونا" بالمثل متمتة بصوت ناعم:
-آسفة على فقيدتك.
-شكرا لكِ.

رد وهو ممسكا براحتها يصافحها؛ فبدت أناملها بجوار خاصته كعملاق يمسك يد إنسان، حدث بتلك اللحظة هرج بالخارج وما كان إلا من عائلة "ستالون" وعلى رأسهم زعيمهم "الكابو تازيا دي نيرو" الذي يعرفه ويهابه الجميع.

ابتعد الحشد المتواجد بمنزله المتواضع ليفسحوا الطريق لزعيم العائلة بالمرور والتقدم نحوه لتعزيته؛ فتفاجئ "داني" به يحتضنه مربتاً على ظهره وهو يقول:
-تلك اليد التي امتدت على أحداً من رعاياي سأقوم بقطعها وأمام ناظريك "داني" وثأرك ستأخذه بمساعدتي.

ابتعد ينظر له بلهفة الغريق الذي وجد قشة يتعلق بها:
-هل تعلم من الفاعل؟

أومأ له وهو يوضح:
-الحادث مفتعل ومدبر لقتل حبيبتك كعقاب لك على رفضك الإنضمام لعائلة "ننيتي" والإنضام لنا.

زفر أنفاسه المحترقة وهو يستمع لـ " تازيا" يضيف:
-وقد علمنا كل الأيدي المتورطة بالحادث وستكون أول الحاضرين لمشاهدة قصاص عائلة "ستالون".

رفض بغضب وحدة:
-بل أنا من أحاسبهم على أفعالهم، بيدي أنا أفعلها إن سمحت لي أن أثأر لموتها وموت جنيني.

وافقه على الفور وهو مبتسماً له بود:
-لك ما تريد "داني".

~~~
استمعت لصوت مقبض الباب وهو يتحرك معلناً عن فتحه له؛ فتوترت خلجاتها وهي تحاول تهدأة أنفاسها المضطربة فمهما مرت سنوات على تواجدها بقصره إلا أنها لم ولن تعتاد عليه أبداً أو ينتهي خوفها وذعرها الفطري منه.

دلف بخطوات ثقيلة؛ فظنت أنه ثمل كالعادة فجهزت نفسها لكرة جديدة من العنف الجسدي والإغتصاب، ولكنها وجدته يجلس بجوارها بهدوء متمتماً:
-أنا واعٍ لا تقلقي

كم تكره علمه الدائم بما يدور بخلدها؛ فاطرقت رأسها لأسفل فمد راحته ورفع وجهها ينظر لها بتركيز وهو يضيف:
-أود أن احفر تفاصيل تلك الليلة بذاكرتي "ڤيرو" فحقا أظنها لن تتكرر.

رت بصوت حاد:
-بالطبع لن تتكرر، هذا هو الإتفاق.

أومأ لها وهو يخلع عنه ثيابه فوجدها جالسة كما هي لا تتحرك أو تبادر باي شيئ؛ فأراح جسه على الفراش بعد أن تخلص من ملابسه إلا من قطعة واحدة تستر أسفله، فمدد مسنداً رأسه على ذراعيه ورمقها بنظرات مطولة وقال بالنهاية:
-تشعرين بالخجل أم ماذا؟ أنا أحفظ جسدك عن ظهر قلب، فلا داعٍ للخجل.

زفرت بضيق ووقفت تخلع ثيابها، ولكنه أوقفها غامزاً:
-ما رأيك برقصة تعرٍ لتجعل تلك اللية لا تنسى؟!

رفضت بملامحها قبل صوتها وهي تصيح:
-ما اللعنة؟ اتفقنا على شيئ واحد ولن أفعل المزيد ليكن بعلمك.

أومأ لها وهو مستمتعا بالنظر لعصبيتها التي تجعلها تتصرف كطفلة صغيرة بالرغم من أن أنها أم لخمسة من ابناءه، وانتظرها لتخلع عنها ما ترتديه وتجلس بجواره؛ فبدأ بتقبيلها ولكنه ابتعد عنها فوراً ناظرا لها بضيق ونظرات توسلية قائلاً:
-بادليني.

فعلت على مضض حتى انخرط معها بدفئ حضنها على عكسها هي التي تصنعت التجاوب معه حسب الإتفاق المبرم، ولكن بذاكرتها كانت لا تزال تستجمع ماضيها معه.

استيقظت على صوت والدتها تهمس لها بحنان:
-هيا "ڤيرو" استيقظي فاليوم عطلة ووالدك يريد تجمعنا معه على الإفطار.

تمطعت بكسل وعينها نصف مغلقة؛ فابتسمت لها والدتها تقرص وجنتها برفق:
-هيا بنيتي لا تتلكئي.
-حاضر أمي

نزلت بمرح تقبل أخيها الصغير:
-صباح الخير "ديڤو"
-صباح الخير أختي.

جلست بجوار والدها تتناول من أمامه شريحة خبز تفرد عليها الزبد وتتناوله وهي تتحدث مع  والدها:
-أنت اليوم متفرغ قليلاً أبي؟

رد مبتسما:
-نعم حبيبتي، ومستعد لنقاشك الذي لا تملين منه كل عطلة.

زمت شفتيها وهي تتذمر:
-فقط سأتوقف إن وافقت أبي.

حرك رأسه رافضاً:
-لا لن أوافق على سفرك للخارج لاستكمال دراستك، أنا لا أستطيع العيش وأنت بعيدة عني.

زفرت بضيق تتوسله:
-أبي رجاءاً، تلك هي فرصة العمر التي تأتي مرة واحدة و...

قاطعها مؤكدا:
-سأوافق بشرط واحد.

لمعت عينيها وهي تومئ له بالقبول مسبقاً فأردف:
-تتصلين بنا يوميا بمكالمة مرئية حتى نزيل نار اشتياقنا حبيبتي.

قفزت بفرحة واحتضنته هاتفة بسعادة:
-آه أبي شكراً لك، حقا أنت أب رائع.

تركت الطعام وتحركت للخارج فسألتها والدتها:
-إلي أين؟

التفتت تخبرها:
-لأذيع الخبر على رفاقي أمي.

خرجت ممسكة دراجتها وذهبت بسعادة تخبر أصدقائها وهي لا تعلم أن وقت عودتها للمنزل سيتغير الكثير.

عادت من ذكرياتها وهو يعتليها ناظراً لها بنظرات والهة يهمس بأذنها:
-جامحة، جميلة وممتعة زوجتي الجميلة الهادئة على غير العادة.

ردت بكره:
-فقط استمتع بنافذه حريتي وأستعيد ذكريات حياتي قبل أن ألتقي قاتل عائلتي.

حاولت أن تترك الفراش وتبتعد، ولكنه منعها ساحباً إياها بقوة لترتمي بجواره فقالت:
-ما اللعنة؟ لقد نفذت اتفاقي وحان دورك.

غمز لها متسلياً بها وهو ينظر لساعة الحائط:
-الإتفاق ينص على ليلة كاملة ولا زال الليل بأوله عزيزتي.

قبلها من عنقها وهمس:
-لذا ستكون ليلة طويلة حبي.

~~~

فتح عينه على أصوات الهرج بالخارج فأرتدي مأزره وفتح الباب ناظراً للحشد أمام باب غرفته فتسائل بغضب:
-ما الأمر؟

هدر "فابري" به غاضباً:
-ما الذي تحاول فعله؟ 

رفع "ستيف" حاجبه متسائلاً بحيرة:
-عن أي لعنة تتحدث بالصباح الباكر؟

رد غاضبا وهو يشير للعمال بالحديقة الخلفية لذلك القصر العريق الذي يقطن به أفراد العائلة من الدرجة الاولى:
-ما هذا؟ 

رد مبتسماً بهدوء:
-آه، العمال بدأوا تجهيزات الحفل؟

صر الآخر على أسنانه وهو يتذمر:
-حفل يضم العائلة والرعايا فقط لتثبيت قدمك بالزعامة، ولكن مهما فعلت فأنت تعلم جيداً أن ذلك مقعدي وتلك مكانتي.

حرك لسانه داخل فمه محاولاً تمالك أعصابه وهو يتنفس بحدة وأقترب من أخيه الأكبر هاتفا بقوة:

-سجل اعتراضك اليوم أمام العائلة ولنرى رأي الغالبية، هل أخبرك أمراً جيداً؟ ما رأيك أن نتعارك بنزال حتى الموت والرابح يربح كل شيئ والخاسر يخسر كل شيئ؟

عاد لسخريته عندما وجد رهبته:
-اظنك تخاف فعلها! لذا عندي لك فكرة أفضل فلنجعل العائلة تصوت للأحق بالزعامة وإن جاء تصويتهم لصالحك فلن أعترض ولتفعل أنت المثل، ما رأيك؟

نفخ هواءاً ساخناً بامتعاض:
-أنت تعلم جيداً أن العائلة لن تخالف أمر أبي والكل سيصوت لصالحك حتى وإن كانوا رافضاً.

غمز له ستيف مربتا بحركات متتالية على وجنته لتتشكل كصفعات خفيفة:
-فلتفعل مثلهم إذاً حتى لا يطالك غضبي.

~~~

استيقظت على صوت صافرته وهو يتحرك بنشاط بالغرفة يجفف شعره ويرتدي ملابسه، فلملمت غطاء الفراش على جسدها وسعلت لتزيل أثر النعاس من حلقها وتفوهت بتردد:
-أظن اليوم موعد مغادرتي؟

التفت مبتسماً وأومأ لها وعاد لاستكمال ارتداءه فسألته:
-هل هناك مكان أو منزل لأمكث به أم على أن أرتجل؟

ضحك وهو يجيبها:
-انتِ تحت حماية الـ "كابو" وبالطبع يوجد مكان تمكثين به، فلن أرميك بالشارع إن كان هذا ظنك بي.

شعرت بالإرتياح قليلاً ولكنها عادت تسأله:
-هل يعلم الحرس بمغادرتي؟ حتى يتركوني أخرج.

أومأ لها مؤكداً:
-سأخبرهم وأنا بطريقي للخارج.

اعتدلت على الفراش وهي تقول:
-حسنا، سأخبر الأولاد لجمع متعلقاتهم.

هنا التفت ينظر لها رافعا حاجبه ومتمتاً بتسائل:
-أولاد من؟

ردت بعفوية:
-أبنائي.

ضحك وهو يعقب:
-تقصدين أبنائي.

لمعت عينيها وهي تنظر لسخريته، واستمعت له يضيف:
-أنا لم أتفق معك على هجر أبنائي أليس كذلك؟

انتفضت بفزع تصرخ به:
-ماذا؟ هل ستحرمني من أبنائي؟

نفى برأسه وهو يؤكد لها بصوت رجولي جاد:
-بالطبع لا، ولكنهم لن يذهبوا معك لأي مكان، إن أردت تركهم والذهاب فالباب مفتوح لك على مصراعيه ولكن دونهم، وبالطبع سيزوروكي بصفة مستمرة كما سأفعل أنا.

تجهم وجهها وهي تسأله:
-تزوني!؟ هل أخبرك أحد أني قد افتقدك أو قد أريد رؤية وجهك القبيح هذا من جديد؟

رد وهو غير مهتم لما تقوله:
-لا أظن لديك اختيار؛ فأنت زوجتي شئتِ أم أبيتِ

صرخت رافضة:
-عن أي زواج تتحدث؟ لقد اتقفنا...

قاطعها وهو يداعب وجنتها بأنامله:
-لقد اتفقنا على تركك تذهبين من سجنك وتأخذين حريتك، لكننا لم نتفق لا على الانفصال ولا أخذك لابنائي؛ لذا أنا مستعد لتنفيذ الجزء الخاص بي من الاتفاق وسأتركك تذهبين الليلة إن أردت.

دمعت عينيها وهي تجد نفسها عادت لفخه من جديد واستمعت له يضيف:
-ولكن إن أردت البقاء برغبتك مع ابناءك فلن أمنعك، ومرحب بك بالطبع بمنزل زوجك يا زوجتي الحبيبة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي