الفصل الرابع القبو

عادت تحمل صغيرتها النائمة بحضنها وصعدت تضعها بفراشها وتركته برفقة ابناءه يتحدث معهم ودلفت المرحاض لتستحم وتزيل من على جسدها رائحته التي علقت بها.

خرجت لتجد الصغيرة قد أبعدت الغطاء عن جسدها فانحنت لتغطيها ولم تلحظ وجوده خلفها ينحني ليقبل ظهرها العاري فانتفضت مبتعدة عنه ترمقه بنظرات نارية لم يهتم لها مطلقا:
-ارتدي ملابسك واتبعيني.

ابتلعت ريقها وسألته بتوتر:
-إلى اين؟

رد بصوت جاد وحاد بنفس الوقت:
-إما غرفتي أو القبو، الإختيار لكُ.

ارتعدت أوصالها حتى الآن وبالرغم من مرور أكثر من خمسة أعوام عن امتناعه لحبسها بالقبو، لا زالت لم تنس العشرة أعوام التي سبقتها وكانت أسيرة القبو لفترات أكبر من وجودها بالقصر.

تبعته فور أن ارتدت ملابسها ووقفت أمام باب غرفته تبحث عنه بداخل الغرفة، ولكنها لم تجده فشهقت بخوف وهي تغلق عينيها تعصرهما بقوة ونزلت مضطرة للسلم الداخلي المؤدي للقبو.

بخطواتها البطيئة والمترددة تحركت تتبع الأضواء المنبعثة من الغرفة التي اعتادت المكوث بها من زمن مر ولم يمر، دلفت حجرة السجن كما أطلقت عليها قديماً وحاولت أن تثنيه عن فعلته:
-آسفة إن كنت تأخرت عليك، هيا لنصعد رجاءاً.

ظل يوليها ظهره يدور بالحجرة ويشعل الشموع الموزعة على الحائط الحجري وأطفأ الشعلة التي بيده والتفت لها ينظر بساعته:

-لقد تعلمتِ درسك على ما اظن، التأخير لاستجابتك لي قد يعيدنا لماضٍ ظننت أنك قد تناسيته.

ظلت تطرق رأسها لأسفل وهي شابكة لراحتيها فاقترب منها رافعا رأسها بسبابته وتكلم بجمود:
-حاولت لأكثر من خمسة أعوام أن أتعامل معك كزوجتي لا كأسيرتي، ولكنك تمردتي علي وأصبحت تتذمرين من كل فعل.

تأسفت باكية:
-آسفة، أرجوك دعنا نصعد لأعلى؛ فانا لا أريد المكوث هنا أكثر من ذلك.

عقد ساعديه خلف ظهره وظل يتفحص ملامحها المرتعدة وهو يطنب:

-أول مرة رأيتك بها كان يوم عزاء حبيبتي الراحلة، وقتها شعرت بشيئ آلمني لم أكن أعرف ما هو وظننت بوقتها أنه ألم الفراق، وبعدها رأيتك للمرة الثانية يوم انتقامي من والدك الذي قتل عائلتي وفكرت هلى أقتلك معهم أم تكونين بديلة لحبيبتي؟

سحبها من خصرها وألصقها به وهو يكمل:
-تتذكرين أول ليلة لنا؟

بكت بحرقة على الذكرى المؤلمة التي تنخر بذاكرتها:
-كنتِ فائقة الجمال بالرغم من إحمرار أنفك وعينيك من كثرة البكاء، ووقتها لم أتمالك نفسي أو أفكر بفارق العمر بيننا، لم أفكر سوى برغبتي بكِ التي تأججت حتى بات أمراً حتمياً حصولي عليكِ.

عادت بذاكرتها أثناء حديثه لتشعر وكأن الأمر يحدث معها من جديد عندما سحبها من شعرها لخارج منزلها وهي لا زالت تصرخ بقهر على عائلتها الغارقة بالدماء أمامها وحاول إدخالها للسيارة.

ولكنها عافرت حتى صفعها صفعة هادرة افقدتها وعيها على الفور ولم تعد للوعي حتى وجدت نفسها ملقاة على أرضية بلاطية متسخة والظلام حالك من حولها.

تحسست الأرض أسفلها ووقفت تبحث عن أي ضوء حتى تعرف أين هي؟ ولكن لم يسعها الأمر من العتمة الحالكة؛ فنهجت بأنفاسها خوفاً وحزناً على ما أصابها هي وعائلتها.

لحظات وبدأت ترى ضوء يقترب منها رويداً رويداً حتى بات قريباً جداً وامتزج معه صوت خطوات وانفاس عالية.

لمعت عينها عندما رأت باب الحجرة التي بها والمكان القذر الغير آدمي إلا من فراش مهترئ ونافذة حديدية صغيرة لا تظهر ما خلفها.

فتح الباب فوجدته أمامها عاري الصدر ويرتدي سروال رياضي وجسده متعرق بشدة ويلهث بأنفاسه وكأنه كان يعدو لآلاف الأميال.

نهجت بانفاسها وهي تبتعد عنه لأخر الحجرة ترجوه:
-اتركني أتوسل لك.

رد بصوت مخيف:
-لقد تمزق كيس الملاكمة الخاص بي ولم اهدأ بعد، فما رأيك أن نتدرب سويا؟

بكت بانهيار وهو يقترب منها ولم تجد مفر أو مكان لتهرب له؛ فاستسلمت تنتظر مصيرها المحتوم فوقف أمامها وتحدث بغضب:
-"كونتي" كان صديقي الوحيد ولكنه باعني لأعدائي وما فعلته به كان أقل مما يستحقه.

ظلت ترتعش وهي مستندة على الحائط بظهرها واستمعت له يكمل:
-اخبر عائلة "نينيتي" عن حبيبتي وساعدهم بقتلها هي وجنيني الذي كنت اتوق للقائه فما رأيك بهذا؟

لم ترد فصرخ بها:
-اجيبي، ماذا كنتِ لتفعلي إن كنتِ مكاني؟

حاولت التحدث، ولكن خرج صوتها متلعثم:
-اتوسل لك.

لم يعبأ بتوسلها وأستطرد:
-فكرت بزرع بذرتي بداخلك لتعوضيني عن ابني الذي قُتل قبل أن يولد.

ذعرت ولمعت عينيها وهو يضيف:
-وإن لم استطع استرداد حبيبتي فأظنني استطيع تعويض ابني.

حاولت محاولة أخيرة بائسة للإبتعاد عنه، ولكنه ثبتها من كتفيها بالحائط وانحنى يهمس لها بإصرار:
-كلما حاربتني وتمنعتي، كلما زاد إصراري وزاد ألمك؛ لذا لكِ الآن حق الإختيار ما بين ممارسة الحميمية أو الإغتصاب.

~~~

فتح باب الغرفة يريها إياها مبتسماً ولا يعلم لماذا لا يستطيع إغلاق فاهه المتسع حرفيا حتى أذنيه:
-ما رأيك بتلك الغرفة التي تطل على نفس المنظر الذي أعجبك؟

هرعت للداخل وفتحت النافذة تنظر منها للحديقة وذلك المنظر البديع الذي أثرها لتجد أن الرؤية من أعلى أفضل بكثير فالتفتت تشكره:
-آه إنه بديع، شكر لك "كابو ستيفانو".

لم يزيح بصره عنها وهو يعقب عليها:
-بل "ستيف" فقط "ستيف" كما أدعوكي "ميلي".

وافقت بحركة طفيفة منها فتحرك صوب الثلاجة الصغيرة الملحقة بالغرفة وأشار لها:
-إن احتجتِ لأي مشروب ستجديه هنا.

امتنت له:
-شكراً لك حقا.

أومأ وبادر بالخروج فأوقفته متسائلة:
-ما رأيك بكأس نبيذ قبل مغادرتك.

غمز لها وهو يعود مقترباً منها ومصححاً:
-بل فودكا عزيزتي.

انحنى وأخرج الزجاجات الصغيرة للمشروب وناولها إياه وهو يمزح:
-لا نحتاج لكؤوس

ابتسمت بتلاعب:
-الفودكا شراب قوي، أظن أنك تريد إفقادي لوعيي.

صفع زجاجته بخاصتها وتجرع ما بداخلها دفعة واحدة وتركها مقترباً منها وهامساً بأذنها:
-بالعكس تماماً فانا أريدك واعية تماماً لما سيحدث تالياً.

قبلها على الفور دون إعطاءها أية فرصة للرد وابتعد يلعق شفتيه مستمتعاً فاعترضت بدلال:
-أظنها خطوة متسرعة قليلاً، فلم يمض بضعة ساعات على لقاءنا.

غمز لها وهو يرد:
-بل خطوة تأخرت كثيراً حتى.

حملها على الفور وتحرك بها صوب الفراش لينثر على جسدها بصمتة الواثقة.

~~~

صفعة تليها الثانية والثالثة كانت كافية لتطرحها أرضاً تبكي دماءاً وتنزف من أنفها وهي تتوسله:
-كفى أرجوك، توقف.

رفعها لتصبح أمامه وصفعها من جديد وهو يعقب عليها:
-أظنك قد افتقدتني كثيراً، لذا لن أحرمك من العودة بذاكرتك لتلك الأيام.

تعلقت بعنقه تتوسله:
-آسفة حقاً، أرجوك توقف وسأعود رهن إشارتك، فقط توقف.

أبعدها عنه ووقف يتابعها من رأسها لأخمص قدميها وسألها:
-الحرية تفتح لك ذراعيها، فلماذا لم تنتهزي الفرصة وتذهبي من هنا؟

ردت باكية:
-لا أستطيع ترك أبنائي.

همس بأذنها بصوت خشن:

-ألم تبكين بقهر كلما اكتشفت انك تحملين نطفتي؟ ألم تحاولي أكثر من مرة أن تجهضي نفسك؟ ألم تتوسلي لي بعد انجابك لـ "لوسي" أن أسمح لك باستخدام وسيلة لمنع الحمل؟ فلماذا تهتمين الآن لابنائي الذين تبغضي وجودهم؟

بكت بحرقة وهي تجيبه:
-هم ابنائي أيضا، أتوسل لك "داني" توقف فلم أعد أحتمل، انا لم أعد تلك الفتاة الصغيرة ذات العشرون عاماً وجسدي لم يعد يحتمل التعذيب.

صر على أسنانه وتنفس بحدة وأوقفها أمامه يتكلم بهدوء مصطنع:
-تعلمين ما سبب احتفاظي بك حتى الآن بالرغم من رفضك الدائم لي وتمرد علي؟

صمتت فاجاب هو:
-أخبرتك السبب مراراً وتكراراً، ولكنك لا تستمعين لي أبداً، تتوقين للتخلص مني بأي ثمن ولا تهتمين لما أريده.

سحبها بعنف ليلصقها به وهو يكمل:
-أخبرتك كثيراً أنني أحبك أيتها الغبية، وما حدث قبل وقوعي لك كان رغما عني، توسلت لك أن تنسي الماضي وتعيشي حياتك معي كزوجة مطيعة وعاقلة لنربي أبنائنا سوياً ولكن رأسك اليابس هذا لا يلين أبداً.

ابتلع ريقه وهو يضيف بغضب:

-طلبت منك أن تتناسي ما حدث لعائلتك كما تناسيت أنا ما حدث لعائلتي ونلتفت لعائلتنا الصغيرة ونهتم بها ولكن لا زلت ترفضين، لذلك سأعطيك فرصة أخيرة لن اكررها مرة أخرى، فإما أن تنفذي رغبتي أو تذهبين من هنا إلى الأبد ولن تعودي ولن تري أبنائك.

تنفس بحدة وهو ينهي حديثه:
-هذا آخر حديث لي وآخر فرصة لك "ڤيرونا" وبعدها صدقيني لن تستطيعي حتى تخيل مدى قساوتي وما سافعله بك.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي