جرأة أم تهور

ظل أسامة يمشي مسارعا الخطى حتى وصل إلى منزله؛ حيث أن الفضول يقتله بشأن هذا الكتاب العجيب القديم . دخل وأغلق باب المنزل خلفه ودخل إلى غرفته.


كانت الغرفة هادئة ومظلمة، وعندما نظر حوله، لاحظ أن الكتاب القديم ملقى على الطاولة،فظن أنه هو من وضعه هناك وهو غير منتبه، لكن الحقيقة كانت غير ذلك تماما .


استقر فضوله على الكتاب، فقد كان يبحث عن شيء يعيد إليه الحماسة والإثارة في حياته المملة. معلقًا بين قرارين( أن يفتحه أو أن يعيده إلى حيث وجده )، أخذ الكتاب بيده وجلس على السرير.


أثناء فتح صفحات الكتاب، لم يستطع أسامة إلا أن يشعر بالقشعريرة تسري في عروقه،وما قاطع ذلك إلا صوت أمه وهي تنادي عليه، وتقول: أسامة، هل جئت يا أسامة؟

أسامة: نعم، لقد عدت منذ قليل يا أمي.

الأم:حسنا إذن لماذا لم تأتي يا بُنيّ؟! أنسيت أننا في انتظارك؟! هيا ،الطعام سيبرد ،أسرع !

أسامة: حسنا يا أمي، أنا قادم الآن.
أغلق أسامة الكتاب، ثم نظر إليه وقال: حسنًا أيها الكتاب العجيب، يبدوا أن لقاءنا سوف يتم تأجيله إلى وقت لاحق بإذن الله -تعالى -.


وأثناء خروج أسامة من الغرفة هبت ريح عاصفة ،كادت أن توقع الأشياء من مكانها، لكن أحدًا لم ينتبه لذلك. أغلق أسامة باب الغرفة خلفه ثم ذهب لكي يأكل.
وبمجرد أن أغلق أسامة الباب تم فتح الكتاب تلقائيا..


ذهب أسامة إلى مائدة الطعام، وعندما وصل إلى هناك قال له والده: مرحبا أيها المتأخر، لماذا تأخرت؟ أين كنت؟ أنسيت موعد الطعام أم ماذا؟!

جلس أسامة على مائدة الطعام ،ثم رد قائلا: مرحبا جميعا، أعتذر على التأخير، لقد كنت مع أصدقائي يا أبي، تعرفهم بالتأكيد، أليس كذلك؟!

فضحك الأب ثم قال: نعرفهم بالطبع، أنت تقضي وقتك كله معهم. يبدو أن مزاجك جيد اليوم هل كل شيء بخير؟ هل من جديد؟

أسامة: لا يا أبي، كل شيء كما هو، ما من جديد إطلاقا .

فسكت الأب، لكنه شعر أن هناك أمر ما يحدث مع أسامة، وأن أسامة يخفي شيئا ما.


لم يقطع شكوك الأب سوى صوت ابنته مريم وهي تقول: ألا تظنون أنكم نسيتم أمرا ما ؟! الطعام، الطعام يا قوم، أتريدون أن يبرد الدجاج؟! أنا سأبدأ بالأكل.


فضحكوا جميعا ثم بدأوا بالأكل، وانغمسوا فيه.

ما لبث أسامة أن أنهى طعامه حتى قام من على المائدة، وقال: الحمد لله ،لقد شبعت، شكرا لكي يا أمي على الطعم.


وقام من على المائدة وذهب لغسل يديه وأسنانه ثم ذهب إلى غرفته.

فقالت مريم: يبدو أن أسامة ذو مزاجٍ عالٍ اليوم، أظن أن هنالك ما يشغله، ألا توافقونني الرأي ؟!

فردت عليها الأم: اتركيه وشأنه، هذا جيد أنه مبتسم اليوم، لم أره في مزاج جيد هكذا منذ مدة. فلنحمد الله على ذلك وأكملي طعامك هيا.

مريم: حسنا يا أمي، لن أتكلم.

دخل أسامة إلى غرفته وأغلق الباب، وكل تفكيره منصب حول الكتاب العجيب ليعرف ما بداخله.


توجه أسامة إلى الكتاب الذي كان على الطاولة فتفاجأ عندما وجد أن الكتاب مفتوح، رغم أنه كان متأكد أنه قد أغلق ذلك الكتاب قبل أن يغادر الغرفة .


تعجب أسامة من ذلك وسكن القليل من الخوف والقلق جوفه، لكن فضوله كان أكبر من ذلك، فجلس وأمسك بالكتاب وَهَمَّ بقراءة الكتاب العجيب .


كانت الأحرف القديمة محفورة بأسلوب غريب وغامض، وكانت طريقة الكتابة التي كُتب بها الكتاب غريبة وعجيبة، فقد كان مليء بالتراكيب اللغوية الغريبة والقديمة، لكنه تيقن أنه مكتوب باللغة العربية .


ظل يقرأ، تغمره أحاسيس متضاربة من الفضول والخوف.


بدأ الكتاب بسرد قصة عن عالم الأشباح، حيث ينتشر الغموض والرعب في كل زاوية. وصف الكاتب بدقة المخلوقات الخارقة والأرواح الملتوية، والأماكن المهجورة المظلمة التي يعيشون فيها. أسامة لم يستطع تصديق ما كان يقرأه، ولكن أفكار المغامرة انتابته تدريجياً وأخذت تنمو في داخله.


حيث حكى كاتب القصة عن مغامرته الشخصية في عالم الأشباح، وما واجهه من صعوبات ومخاطر وكيف استطاع حل العديد منهم.


استطاع الكاتب ببراعة شديدة أن يضف لمسة فنية تشد القارئ لاستكمال كتابه وحكايته، لكن كان هناك أمر ما غريب في هذا الكتاب، طريقة عرض الصفحات طريقة تقليبها، كل شيء فيه كان مريبا .وكأنه هناك شيء مضاف إلى ذلك الكتاب، ولكن أسامة لم يكن قادرا على معرفته ولا تحديد ماهيته.

هذا ما كان يدور في جوف أسامة وهو يقرأ في الكتاب العجيب.


استمر أسامة يقرأ في الكتاب حتى أنهى منه جزءً ليس بقليل ، فأخذه الفضول وقرر أسامة أن يعيش تلك المغامرة بنفسه. كان يشعر أنه في الواقع ليس هناك شيء مثير في حياته المعتادة، وأن المغامرة الجديدة هي ما ستكسر روتينه الممل. فقرر الذهاب إلى المكان المذكور في الكتاب بعد أن تشاور مع نفسه ، رغم المخاوف والشكوك التي تنتابه.


في اليوم التالي، قابل أسامة صديقه محمد في الساحة العامة. تفاجأ أسامة برؤية محمد يتجه نحوه بسرعة وهو يحمل حقيبة ظهر كبيرة. اندهش أسامة وقال: "محمد، ماذا تفعل؟ أين تذهب بهذه الحقيبة؟"



رد محمد بضيق وهو يلتقط أنفاسه: "أسامة، أنا في وسط شيء كبير ومثير! لقد عثرت على خريطة مشوّقة جدًا، تشير إلى مكان يُعتقد أنه يحوي أسراراً عن عالم الأشباح! قررت أن أتبع تلك الخريطة وأذهب في مغامرة خطيرة للكشف عن الحقيقة وراءها."


لم يوضح محمد كثيرًا عن تلك الخريطة، لكن استمع أسامة إلى كلمات محمد باندهاش وحماس، ثم نظر نحو كريم الذي اقترب منهما بهدوء.


قال كريم بابتسامة مليئة بالحذر: "أسامة، أنا قد شاهدت بعض الأمور الغريبة في الأيام الماضية، أشعر وكأن أمرا ما مريبا يحدث لكني لا أستطيع أن أعرف ما هو، ولا أستطيع أن أحدده."



تبادل الأصدقاء النظرات، وكانت القرارات تتكون في عقولهم تدريجياً. كانت المغامرة تمتد أمامهم كفرصة لكسر روتين حياتهم وتجربة شيء جديد ومثير. قال أسامة بحماس: "لقد وجدت كتابًا قديمًا يحكي عن عالم الأشباح، وبالرغم من المخاوف، إلا أني أشعر أنها المغامرة التي نحتاجها لكسر الملل! فلنتوجه جميعًا إلى تلك الأماكن الخطيرة المذكورة في الكتاب ونكشف الغموض وراءها."


لم يقاطع تلك النظرات المتبادلة سوى صوت كريم وهو يسأل: مهلا لحظة،أخبراني عما وجدتماه، فأنا فقط شعرت بأمر غريب، لكن لم أجد شيئا كما فعلتما كليكما، أخبراني عما في يديكما!

فحكى له أسامة عن الكتاب وكيف وجده وماذا حدث أثناء قراءته وكل تلك الأمور.

وعندما أنهى حديثه نظر كريم إلى محمد ثم قال: وأنت أخبرني أيضا ، لا تحتفظ بالمعلومات لنفسك يا صديقي.


فسكت محمد قليلا ثم قال: بعض هذه التفاصيل لا تهم، ولكن سأحكي لكما ما حدث باختصار شديد.


"بعد أن غادر أسامة في البارحة ليذهب إلى منزله، غادرت أنا أيضا كي أتوجه إلى منزلي، وأنا في الطريق وجدت شيئا ملفوفا على بعضه، فلفت انتباهي وتعجبت وقلت في نفسي ما هذا الشيء ؟! فأمسكت بها وأخذتها معي كي اتفحصها في البيت. وعندما وصلت البيت هممت بفتحها ولكن شعرت بشيء غريب عندما فتحتها، وكأن ريح عاتية هبت في تلك اللحظة "



فتأمل أسامة الجملة وتذكر تلك الريح التي هبت عنده في ذلك الوقت وتعجب من التفكير ، فقاطع محمد قائلا: أظن أن الكتاب مرتبط بتلك الخريطة ،،لقد تحدث الكتاب عن أن الأماكن على نسق واحد في الخريطة ، لم أفهم هذه الجملة ولكن أظن أني فهمتها الآن.



أخذ كريم لحظة للتفكير، ثم أجاب بابتسامة مترددة: "أسامة، محمد، أنا على استعداد للانضمام إليكما في هذه المغامرة، ولكن يجب أن نكون حذرين. لا نعرف ماذا ينتظرنا في تلك الأماكن المظلمة والمهجورة. يجب أن نتحضر جيدًا ونخطط بعناية قبل المغامرة."



وافق أسامة ومحمد على كلام كريم، وقرروا أن يجتمعوا في المساء في منزل أسامة لوضع خطة الرحلة وتجهيز أنفسهم. وبالفعل، في تلك الليلة، جلس الأصدقاء الثلاثة في غرفة أسامة، حيث وضعوا خريطة الأماكن المشؤومة أمامهم.


قال أسامة وهو يضع إصبعه على الخريطة: "نبدأ رحلتنا من هذا المنزل القديم الذي يقال في الكتاب أنه موطن للأشباح. ثم نتوجه إلى المقبرة المهجورة ومن ثم ننتقل إلى المبنى المهجور في ضاحية الأشباح."
وعرض لهم تلك الصور من الكتاب وهي نفسها الموجودة على الخريطة، مما أكد نظرية أسامة ألا وهي أن الكتاب والخريطة يتحدثان عن نفس الشيء، ويأتيان من نفس المصدر.


أجاب محمد وهو يراقب الخريطة بتركيز: "قبل ذلك، يبدو أن هناك كهفاً غامضاً على أعلى التلة، يعتقد أنه يؤدي إلى عالم الأشباح، وهذا مذكور هنا أسفل الخريطة. وأخيراً، يوجد قصر قديم في الغابة المظلمة، ويقال إنه مسكون بالأرواح الملعونة."



أعرب كريم عن قلقه: "لكن يجب أن نكون حذرين، فهذه المناطق ليست بالأماكن الآمنة. قد نواجه مخاطر وتحديات خطيرة."



رد أسامة بثقة: "أنا متأكد أننا سنتعامل معها. نحن الثلاثة أصدقاء وسنكون معًا في هذه المغامرة. ستكون رحلتنا لاستكشاف عالم الأشباح الغامض والمثير. الآن نحن نعرف وجهتنا ونعرف أين سنذهب وترتيب الأماكن التي سنتجه إليها بإذن الله -تعالى -.



بينما يتبادل الأصدقاء الحديث ويخططون للمغامرة المثيرة التي تنتظرهم، شعروا بروح المرح والتشويق تعم قلوبهم. كانوا على استعداد لما هو قادم، لاكتشاف الأسرار المخفية ومواجهة الأشباح في عالم مظلم وغامض.



في الأيام التالية، قضى الأصدقاء وقتًا كبيرًا في الاستعدادات. اشتروا معدات الرحلة اللازمة، مثل: المصابيح القوية والعديد من المواد الغذائية وبعض المعدات الطبية تحسبا (حيث أحضر كريم ثلاثة صناديق إسعافات أولية ) والعديد من الآلات الحادة وبعض الأسلحة النارية للدفاع عن أنفسهم ضد المخلوقات الشريرة، والعديد من الأدوات الأخرى، وقاموا بالتدريب على التعامل مع المواقف الصعبة والخطرة التي قد تواجههم.



في كل مساء، كانوا يجتمعون في منزل أسامة للتخطيط وتنسيق الخطوات القادمة. وكانت الحوارات تنبض بالحماس واللهْفَة للمغامرة القادمة. تبادلوا الأفكار والتوقعات وعبّروا عن مخاوفهم وتطلعاتهم لما سيجري في رحلتهم.



أثناء إعدادهم، كان الحوار يسيل بينهم بشكل مستمر. وأسامة قال بابتسامة: "يا أصدقاء، لقد تغيرت حياتنا تمامًا منذ ذلك اليوم الذي فتحنا فيه الكتاب القديم. كنا مليئين بالملل والروتين، لكن الآن، نحن على وشك اكتشاف أعماق عالم الأشباح. ستكون هذه المغامرة الشجاعة هي التي ستكسر الملل وتجعلنا نشعر بالحياة والإثارة من جديد."


رد عليه محمد بابتسامة مشرقة: "أنا متأكد أننا سنعيش تجربة لا تُنسى معًا. سنكون فريقًا قويًا ومتماسكًا، وسنتغلب على التحديات التي تعترض طريقنا. إنها فرصة لنا لنكون نحن الأبطال في قصتنا، قصتنا نحن.



لم يكن يبدوا عليهما القلق، لكن القلق كان ملازما كريم كثيرا، لكنه قرر أن يخوض المغامرة معهم لعله يجد فيها المتعة والتشويق.


الغموض والإثارة بدأ يتسلل إلى أرواح الأصدقاء الثلاثة. كانوا يتخيلون اللحظات المثيرة التي سيواجهونها، وكيف ستتغير حياتهم بعد هذه الرحلة. كانوا واثقين من أنهم سيكسرون الملل والروتين، وسيجدون المغامرة والحماس التي طالما بحثوا عنها.



ومع اقتراب موعد الرحلة المرتقبة، زادت الحماسة في قلوبهم. كانوا يستعدون نفسيًا لمواجهة الخطر والغموض الذي ينتظرهم. قاموا بمشاركة الأفكار والمعلومات التي تم جمعها من الكتاب والخريطة حول الأماكن المشؤومة التي يعتزمون زيارتها، وتناقشوا الاستراتيجيات والسبل التي يمكنهم استخدامها للتعامل مع أي تحديات قد تواجههم.



وفي كل مرة يجتمعون فيها، ينمو رابط الصداقة بينهم. كانوا يتحدثون بصدق ويشاركون تجاربهم ومخاوفهم. كريم كان الوسيط الحكيم - بعد أن تجاوز قلقه- الذي يساعد في تهدئة المخاوف وتعزيز الروح المعنوية للأصدقاء.


بعد أسابيع من الاستعدادات والتخطيط، حان الموعد المنتظر. وكانوا على استعداد لبدء رحلتهم المثيرة إلى عالم الأشباح.


وفي تلك اللحظة، قال أسامة وهو يلتقط أنفاسه: "أصدقائي، لقد وصلنا إلى هذه اللحظة الآن. إنها لحظة تاريخية بالنسبة لنا. ستكون رحلتنا مليئة بالتحديات والمخاطر، ولكننا سنواجهها بالشجاعة والتصميم. هذه المغامرة ستكون لحظة تغيير في حياتنا، وسنخرج منها بذكريات لا تُعد ولا تحصى ".


في تلك اللحظة المهمة، شعر الأصدقاء بنفس الوقت بشعور غريب وكأن هناك شخصًا يراقبهم. أسامة حس بوجوده أكثر من غيره، ولكنه لم يخبرهم بذلك في الحال. قرر الاحتفاظ بهذا الشعور لنفسه حتى يتأكد من صحته.


في الأيام التالية، بدأت الأحداث الغريبة تحدث حولهم. سمعوا أصواتاً غامضة في المنزل، ورأوا ظلالًا تتحرك في الزوايا. كانت تلك العلامات تشير إلى أن ملك الأشباح شعر بوجودهم وكان يتربص بهم من بعيد، لكن الأصدقاء لم يكونوا على علم بذلك إطلاقا.



حيث أنه منذ أن تم فتح الكتاب والخريطة، شعر ملك الأشباح بذلك وأرسل أطيافه ليتابعوا ويراقبوا ما يحدث، فهو بالفعل يعلم بما يخطط له الأصدقاء الثلاثة، لكن الأصدقاء في غفلة عن ذلك.



عندما التقوا مرة أخرى في منزل أسامة، شعر كريم بالقلق وقال: "أصدقائي، هل تشعرون بهذا الشيء الغريب حولنا؟ وكأننا مراقبين، وكأن شيء ما يتبعنا، ألا توافقونني الرأي ؟!"


أجابه محمد وهو ينظر حوله بتوتر: "أظن أنه يجب أن نكون حذرين ونتصرف بحكمة. ربما أحدهم يحاول إرسال رسالة لنا أو يحذرنا من الخطر الذي قد ينتظرنا."


أسامة أبدى قلقًا واهتمامًا وقال: "نحن بحاجة لتوخي الحذر واليقظة. قد يكون لدينا القوة والعزيمة لمواجهة جمي المخاطر والأشباح، لكن علينا أن نكون مستعدين جيدًا قبل أن ندخل إلى ذلك العالم المخيف المظلم ."


وهكذا، انتهى الفصل الثاني من الرواية وتركنا الأصدقاء يستعدون لمواجهة التحدي الذي ينتظرهم في عالم الأشباح، وهم يدركون أن هناك خطرًا يتربص بهم. في الفصول القادمة بإذن الله-تعالى-.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي