11

اقترب ريون منها و عانق جسدها الذى عاد للهيئة البشرية بينما كانت دموعها تتساقط مع قطرات المطر التى فوقهما دون سابق انذار ، تجمعت الدموع بعينان ريون و لكنه شدد على عناقها و دفن رأسه بعنقها ..
_:اشتقت اليكِ كثيرا هيرا
همس بنبرة مهتزة ثم ابتعد ناظرا لعيناها التى تفيضان دمعا ، هيرا القوية التى دائما تتظاهر بالقسوة تبكى الان ... تبكى لاجله ..

ابتعدت عنه و ضربت صدره ضربات متتالية ثم صرخت به
_ لما ؟ لما ظهرت مجددا الان ؟ لقد تخطيت كل شئ كان بيننا
صرخت بقوة و هى تزداد بكاءا
_ كااذبة
صاح ريون بحزن
_ اهرب ، اهرب مجددا كما فعلت ، لا تخبرنى انك ظهرت لاجل انقاذ ذلك البشرى ، لاننى سأقتله
صرخت بها و هى تدير ظهرها
_ لن ادعك تفرقين بينهما هيرا ، لن اكرر قصتنا مجددا ، سأعطى لقصتهما فرصة ، لن ادعك تأذين ايا منهما
صرخ ريون بغضب
_ لن تكون بطلا فى نظر البشر بتلك الطريقة
سخرت هيرا
_ و لا انتِ ستكونين بطلة العشيرة ، انتِ تدميرنا فقط صاح ريون بحدة
_ انت من اخترت هذا و اللعنة
صرخت به هيرا و ازدادت دموعها انهمارا ، اقترب منها ريون سريعا و سرق شفتيها بين خاصته بقبلة تحت المطر ، تحولت قبلتهما لاخرى عنيفة فذلك الرابط بينهما كان يجذبهما نحو بعضهما اكثر

ابتعدان عن بعضهما و كلاهما يلهث امام شفتان الاخر
_ ابتعدى عن العشيرة و ابقي معى هيرا
همس عند شفتيها و لكن صدرها بدأ يؤلمها بقوة اثر تلك المقاييس المحترقة التى استخدمتها السيدة عليها و لكنها لم ترغب بإخباره ابدا لذا تظاهرت بالقوة مجددا ..

_ آسفة ، و لكننى سأختار العشيرة مجددا
قالت هيرا ثم ابتعدت عنه ببطء و حركت العباءة السوداء على جسدها حتى اختفت تماما من امامه ...

جلس تحت قطرات المطر و وضع رأسه بين يداه بينما يصرخ بجنون
_ لما تفعلين ذلك مجددا هيرا ؟ ، لما ترغبين بتعذيب كلانا طوال الوقت ؟
نهض من مكانه و مسح وجهه الممتلء بقطرات المطر المختلطة بدموعه ثم تظاهر بالقوة مجددا و كأن شيئا لم يكن ، هكذا كان دائما .. يمكنه اخفاء اوجاعه بسهولة دائما و كأن شيئا لم يكن ...

ركض داخل الغابة يتتبع اثار اقدام سيفاك و سيرينا حتى يستطيع تهريبهما قبل ان تعود هيرا لمهاجمتهما مجددا ، توقف امام كهف صغير بالغابة انتهت اثار الاقدام عنده ، خطى نحوه بخطى بطيئة بينما اصبحت الشمس تشرق فوقه بعد تلك الليلة العاصفة ..

بدأت الشمس تنثر اشعتها التى تبعث الضوء و الدفء بكل مكان ، اما ريون فتقدم داخل الكهف حتى وجد سيرينا تنام على كتف سيفاك و كلاهما متشبث بالاخر كأنه ملاذه الامن الوحيد من هذا العالم القاسي ..

ابتسم بخفة عندما تذكر كل ذكرياته اللطيفة مع هيرا ، وضع يده على شفتيه متذكرا تلك القبلة التى كانت تحت الامطار قبل قليل رغم ان هيرا دائما ما ترفضه و تقسو عليه لانه ترك العشيرة الا انها كانت افضل شئ حدث بحياته على الاطلاق ..

خرج من الكهف ، لم يشأ ان يوقظهم فعندما تتسلل اشعة الشمس داخل الكهف سينهضون على الفور لذا جلس اسفل احد اشجار الغابة مقابلا للكهف ..
و جلس يتذكر كل ما حدث بينه و بين هيرا قبل ان يترك العشيرة بأكملها ..

فى تلك الليلة كان يوضب اغراضه بكل سرعته حتى يهرب من المنزل قبل ان يأتى احد افراد القبيلة و يقتلوه فالمتمرد ليس له مكان فى العشيرة بل يتم قتله على الفور دون اى مناقشة ..

وقفت هيرا امامه بينما كان يركض بكل جهة يحضر اغراضه ثم امسك يدها و كاد يركض و لكنها لم تسير معه بل ظلت ثابتة بمكانها ..
_ هيا هيرا ، ما الذى تنتظرينه ؟ سيأتى المستكشف و يقتلنا
صاح ريون بها و لكنها لم تستجب له
_ انا لن اتخلى ابدا عن العشيرة ريون
قالت و الدموع تتجمع بعيناها ، و لكن نظرات ريون اتسعت و نظر لها بصدمة هو لم يتوقع ابدا ان تترك جانبه

_ ماذا ؟ هذا ليس وقت المزاح حبيبتى ، لنغادر اولا و بعدها نتحدث
قال ريون و هو ينفى برأسه يأبى التصديق و يقنع نفسه انها تمزح رغم ان ملامحها الجدية و كل شئ لا يوحى ابدا انها تمزح ..

ابعدت هيرا يدها عنه بحدة
_ انا لست بشرية ريون ، و لن اكون يوما فردا منهم .. لا يمكننى التكيف حتى مع طريقة عيشهم و انا اعلم كل دقيقة انهم يقتلوننا
صرخت به هيرا و قد ازدادت دموعها انهمارا
_تعلمين جيدا ان كل ذلك بسبب الامبراطور و سنجد طريقة للتخلص منه ، معا هيرا
قال ريون و بدات الدموع تتجمع بعيناه بينما يضغط على كلمة ' معا ' فهو لم يتخيل ان تأتى تلك اللحظة التى يفترق بها عن هيرا حب حياته الوحيد ..

_ عليك المغادرة ريون ، المستكشف بطريقه الى هنا لابادتك
قالت هيرا و هى تدفعه ببكاء
_ لا ، لا انا لن اتركك
صرخ ريون و امسك بيدها يسحبها خلفه حتى دفعته هيرا بكل قوتها
_ ألا تفهم ؟ انا لا اريد تلك الحياة معك ريون ، انا اختار العشيرة على اختيارك
صرخت هيرا حتى تؤلمه و يرحل فهى لا ترغب ان يأتى المستكشف الان و يقتله امامها ، انها تحبه .. اجل ، و لكن اختيارتهما لم تكن واحدة ابدا ، هيرا لا يمكنها التأقلم فى تلك الحياة المليئة بالبشر الذين قتلاوا اهلها ..

اما ريون فقد كان يكره كونه وحشا وسط مجموعة من الشياطين الذين يقتلون ارواحا بريئة بلا اى وجه حق ...

_ اذهب ، اذهب و اللعنة
صرخت هيرا عندما وجدته يحدق بها بعيون دامعة ، هى لا تريد ان تظهر ضغيفة امامه اكثر من ذلك ، لانه رغم اى شئ هى اتخذت قرارها و لا يوجد اى شخص سيقنعها بالتراجع عن قرارها ..

كان ريون واضعا رأسه بين ذراعيه و هو يرى ذاك المشهد الاخير الذى حدث بينهما و كأنه كان بالامس ، لقد كان يؤلمه رغم مرور العديد من السنوات على كل تلك الاحداث ..

اقترب منه سيفاك الذى كان قد استيقظ للتو هو و سيرينا ثم جلس بجانبه و وضع يده على كتف ريون ..

_ هل أنت بخير ريون ؟
سأل سيفاك بقلق عندما نظر الى حالته فرفع ريون نظره نحوه بعيناه الباكية
_ انك تنزف
قالت سيرينا بخوف و هى تشير نحو جرحه ، نقل نظره الى قدمه ليجد دماءا عليها و لم يستوعب سوى الان ان هناك جرحا بقدمه ..
_ انه مجرد جرح بسيط سيلتأم سريعا
قال ريون ثم نهض من مكانه بينما دودو كان يخفى جسده خلف سيفاك فبعد ان رأى ريون يتحول بالامس و هو ازداد خوفا ...

_ علينا مغادرة الغابة سريعا ، لن يطول الوقت حتى تعثر علينا هيرا مجددا
قال ريون مخبرا سيفاك الذى اومأ على الفور ...

امسك سيفاك بيد سيرينا و ساروا خلف ريون داخل ممرات الغابة الضيقة الممتلئة بالاشجار الطويلة التى تكاد تحجب ضوء الشمس عن الغابة ..

جلسوا قليلا بالقرب من احد البحيرات فقد تعبوا من كثرة السير ثم جلس سيفاك بجانب ريون اسفل احد الاشجار ، اما سيرينا فقد كانت تلعب مع دودو امام البحيرة و دودو اصبح معتادا عليها و لم يعد يخاف منها بعد الان ..

اقتربت سيرينا منهما و جلست بجانب سيفاك الذى ابتسم فور رؤيتها
_ اسفة ريون ، و لكن هل يمكننى سؤالك شيئا ؟
سألت سيرينا و هى تنظر نحو ريون بفضول ، اومأ ريون فبدأت سيرينا بالتحدث مجددا
_هل كنت تعرف هيرا مسبقا ؟ هل تعرف شيئا عن حياتى السابقة ؟
سألت سيرينا بفضول ، نظر ريون بشرود امامه ثم قال
_ لقد كنت فردا من عشيرة هيرا منذ مئات السنوات ، و لكننى تركت العشيرة قبل ان تنضمى اليهم ..

_ فى الحقيقة لقد كنت انا و هيرا بعلاقة ، لقد كنا نحب بعضنا بجنون و لكن كان كلانا يريد طريقا مختلفا ، انا لم اكن احب قتل البشر و اردت العيش بينهم بسلام ، بينما هيرا فضلت العشيرة
قال ريون مجددا و نبرة الحزن تزداد بصوته
_ تعايشت لسنوات طويلة بين البشر و اتظاهر اننى فرد منهم حتى قابلتها مجددا تلك الليلة
قال ريون بابتسامة ساخرة ..

_ لما تساعدنا ريون ؟
سأل سيفاك موجها نظره نحو ريون
_ انت صديقى سيفاك سأساعدك دائما ، كما اننى ضد عشيرة هيرا و سأساعدك انت و سيرينا للافلات منها مهما حدث
قال ريون بابتسامة و قبل ان يتحدث احدهم مجددا ازداد ذلك الدخان الاخضر حولهم و حينها علموا ان هيرا قد عادت مجددا ..

_ اهرب سيفاك
صاح اليرون فامسك سيفاك بيد سيرينا و ركضوا بالغابة اما ريون فقد تحول الى ثعبانه الضخم ، و لكن هيرا ظهرت امام سيرينا و سيفاك بالغابة و قد تحولت الى ثعبانها الاخضر ...

_ عودى معى سيرينا ، السيدة تريدك
قالت هيرا و لكن سيرينا نفت برأسها ثم قالت
_ لن اعود هيرا ، لن اترك سيفاك ..

صرخت بها هيرا و قد القت قذيفة ملتهبة باتجاه سيفاك الذى ابتعد متلافيا قذائفها
_ لعييين

_ توقفى هيرا ، توقفى و اللعنة انه اختيارها
صاح ريون ثم تفادى تلك القذائف التى تلقيها هيرا نحوهم
_ لن اتركها ، لن ادعها تصبح مثلك ، مجرد مسخ يتشبه بهؤلاء الحمقى
صرخت هيرا و هى تلقى قذيفة اخرى اصابت كتف ريون بقوة فصرخ متألما بينما كان يصرخ بـ سيفاك ان يهرب

ركض مجددا هو و سيرينا بينما كانت تلحق بهم هيرا بعد ان اختفت من امام ريون لتظهر بجانبهما مجددا فقدرتها هى الانتقال الآنى ..

ركضوا داخل المعبد القديم الذى كان امامهم و اغلق الباب خلفهم تماما و قد كان منقوشا عليه بعض الكلمات التى اضاءت ظلام الغابة ، نظرت هيرا نحو تلك الكلمات و اتسعت عيناها ثم تحولت لهيئتها البشرية و قرأت الجملة

_ الموت لجميع الشياطين

يتبع ..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي