رحيل

ارتقت رحيل على درجات السُلّم المؤدّي الى مِنصّة الحفل بمظهرها المُحايد بتلك البذلة الرجاليّة الأنيقة التي اهدت قومها الممشوق ثباتًا وجديّة تلائمت مع ملامِحها الصارِمة، وامام مُكبّر الصوت بدأت بمُناقشة رسالة الدكتوراه التي كانت خُلاصة لأعمق تجرُبة عايشتها بحياتِها، بدأت بتعريف مرض التوحُّد وشرح اسبابه بصورة مُبسّطة لتشرع بلُبّ موضوع الرِسالة وهو تأثير العواطف على علاج توحُّد البالِغين.

كآلة موصّلة بمقبس كهربائي راحت تجترُّ الكلمات التي جهّزتها وحفِظتها دون ارتباك، وفور نهاية نقاشها الذي دعّمتهُ بنتائج تجربتها نهض جميع اساتِذتها ليصفّقوا إعجابًا بتلك الشابّة اليافِعة في مجال العلم والتي ابتكرت احدث الطُرُق لتأهيل مرضى التوحُّد ودمجهم مع المُجتمع بصورة طبيعية بإستِخدام وسائل نفسيّة مُدعّمة بأدوية طبّية على حسب درجة التوحُد.

ابتسمت بطريقةٍ يراها الجميعُ دُبلوماسية لبِقة ولكنها كانت بسمةً مليئةً بالألم، يختبئُ الدمعُ على حوافِها مُنتظِرًا فُرصةً للتدفُّق، شعرت بأنها على وشك الإنهيار إلى ان راحت عيناها الى صديقها المُقرّب الذي تشدّق سعادةً بنجاحها فإزدادت مرارة الدمع في حلقها وابتسمت اكثر ومع كُلّ فرحةٍ تستشفّها ممن حولها تزدادُ خناجِر الألمِ انغِراسًا بروحها المُتعبة.

بخُطىً مُتعبة حاولت الرجوع الى مقعدها لتُطعي الفُرصة لأساتِذتها لإنهاء هذه الليلة العصيبة ولكنّها تجمّدت فور رؤيته يعتلي المنصّة ويقترِبُ منها، تدافعت حينها كُلّ الذكريات التي جاهدت لمحوها من خيالها لتعود مُتسابِقةً امام ناظِريها ببُطئ مُؤلم، شعرت بأنّها على حافّة الموتِ عندما مدّ يده بلباقة لتحيّتها وعندما اجبرت كفّها المُرتعِش على الإستِكانة بين دفئ انامله الحبيبة افلت الألمُ من بين عينيها وكأنها تُصافِحهُ لأوّل مرّة ورُغمًا عن الزمان والمكان راحت ذاكرتها الى ذلك اليوم الذي جمعها به القدر القاسي.

قبل سبعة أعوام من هذا اليوم وهذا التاريخ بالذات دلفت الى منزله بروحِها الصافِية المرِحة وابتسامتها الحلوة ظنًّا مِنها انها ستحيا تجرُبة مُختلِفة لرعايتها بطفلة لطيفة او صغير مُشاغِب، ذلك الشهر اقسمت ان تُعايش شعورًا لم تُجرّبهُ من قبل لتُزيل مرارة روتينها المُقيت وافكارها السوداء حول كُلّ ما حولِها، وامام تلك السيّدة الاربعينيّة الحنونة بعيناها الحزينتان اكتشفت انّهُ تم خِداعها، وانّ طلب مُربّية لذلك المنزل البعيد لم يكُن لطفل بل للعناية بشاب راشِد يُعاني من مرض التوحُّد، انتفضت يومها هامِسةً بصلفٍ تُجيده:
- انا طبيبة نفسيّة ولستُ مُمرّضة لأُعتني بشاب يكُبرني عُمرا.

خرجت من غُرفة المكتب تارِكةً أُمًّا تصدّع فؤدها ألمًا ولم تُبالي؛ فكُلّ ما ارادتهُ حينها هو ان تبتعِد من هذا المكان وتُلغي تمامًا فكرة المُغامرة الغبيّة التي باءت بالفشل الذريع من بدايتها، ولكنّها اصطدمت بالمرأة التي فتحت لها الباب مُسبقًا وقد كانت مُدبّرة المنزِل العجوز تترجّاها قائلةً بمرارة:
- ارجوكِ آنِستي اقبلي بالعمل هُنا، فُرات شاب مُهذّب ولن يُسيء إليكِ.
وسقطت دمعتان على وجنتيها المُجعّدتين وهي تُضيفُ بأسى:
- إنّهُ لا يتحدّثُ إلاّ همسا.

رقّ قلبها لبُكاء تلك المرأة ولكنّها لا زالت على قرارها؛ فقد جاءت هارِبةً من عملها ولن تستطع لعِب ذات الدور حتى وإن كان اخفّ وطئةً واكثر راحة.
- مرحبًا.
اعادها صوته الهادِئ ذي النبرة الثقيلة البطيئة لواقعها القاسي لتهمِس بصعوبة وقد جفّ حلقها من هول المُفاجأة:
- مرحبًا فُرات.
ابتسم مُحدّثها ابتسامةً بريئةً وتوجّه حيثُ مكان النقاش ليقول ببعض الارتباك:
- مرحبًا بكُم، انا فُرات منصور احد المرضى لدى الدكتورة رحيل.

إلتفت اليها مُبتسِمًا ليُثبِت لها انهُ بأفضل حال خاصة وان وقوفه الآن امام الجميع كان تحدّ لنفسه قبل ايّ احد، لم يلاحظ احد انهُ يرتبك قليلا فتتردد كلماتهُ من دون قصد، ولكنها تراهُ اليوم بعين أُمّ ترى طفلها يكبُرُ امامها، عاد للحديث مُحاوِلًا قدر الإمكان عدم التمتمة:
- قبل ان التقي الطبيبة رحيل لم أكُن أُجيدُ من الحديث سوى القليل، ولم اُحِبُّ الخروج من المنزِل، ولم يكُن لي اصدِقاء، ولكن كُلّ شيء تغيّر فور دخولها لحياتي، عامان قضتهُما في علاجي الى ان صِرتُ على هذه الحالة، انا اليوم ادرُس الأدب وبصدد نشر أول عمل من كتابتي وكُلّ هذا بفضلِها، هي طبيبة بارِعة وانا احترمها للغاية واتمنى ان تحصُل على الأفضل دائمًا.

كادت عيناها ان تُغادِرا مِحجريها دهشة وشوقًا وألما، والى الآن لا تُصدّق ان هذا الرجُل الجريء الطبيعي كجميع من حوله هو فُرات، ذات الفتى الخائف المُرتعد الذي غفى ليالٍ على حكاياها.
كان قلبها ينتفِضُ بعذاب ونغزات من الألم تجتاحُ صدرها وكأنّها على وشك الإحتِضار، عاد سرابه يقترِبُ منها ليحتضنها فتشعُر لثوانٍ بلذّة العِناق الأول، فتبتسِمُ بحنانٍ ويداها تأخُذان مكانهُما حول كتفيه دون وعيٍ منها، يرتاحُ رأسها من هموم الحياة على صدره لتزفِر دموعًا حارِقة تُحاوِلُ التمادي بقاءً بين ذراعيه إلى الأبد وليذهب العالمُ الى الجحيم ولكنّهُ يُبعِدها عنهُ برِقّة اثناء همسه بنبرةٍ ملكت حُزن العالم:
- أُمّي تقول النِساءُ لا يجب ان يرتدين ثياب الرِجال، ولكنّكِ جميلة كعادتك.

لم يزِد حرفًا وهو يبتعِد مُجتازًا صخب التصفيق للطبيبة الماهرة وقد نال اعجابهُم رؤية نموذج حي لما قدمته بينما ترجّلت هي بخطواتٍ ميتة عقب رؤية آخر طيف له وكأنها تُشاهِدُ حُلُمًا جميلا، ذهب بعد ان اهداها كفلا من الذكريات التي جاهدت لكبحها لتعود كأن لم يمُر عليها سنين.

غادرت عقِب ذلك اليوم الكارِثيّ وقد انهارت دموعها بتعب فور دخولها لسيّارة عمران الذي اكتفى بالصمت الى ان يصلا للمنزِل ولكن بالنِسبة لها كان الطريقُ طويلا مُنهِكًا بحجم سنوات الذكريات، اسندت رأسها لجانب النافِذةٍ وراحت تُقلّبُ في دفاتر الماضي من بدايتها، منذُ ان فؤجِئت بشاب مُعتدِل الطول، نحيل الجسد يبدوا في قامة مُراهقٍ صغير، اقترب منها بهدوءٍ شديد الى ان التصقت قدماهُ بقدميها لينظُر بانبهارٍ لحذائها الرياضيّ الأحمر، خفق قلبها بهلعٍ لم تدرِك سببه إلا انّ نبرته البطيئة المُترددة في حروفها حملت إليها بعض الأمان عندما قال:
- حذاء جميل.

نظرت الى ملامحه المُنبهِرة المُركزة على حذاءها لتقول المُدبّرة العجوز بسعادةٍ عميقة:
- يا إلهي! إنّهُ تحدّث إليك ولم ينفر كعادته من الغُرباء.
في تلك الأثناء خرجت والدته من المكتب وعلى ملامحها اثر البكاء ولكن ما ان رأت ابنها حتى ابتسمت وتقدّمت منه لينظُر اليها قائلا بصعوبة:
- هذا الحذاء جميل، انا اريد ارتداءه.
كانت حزينةً لمُعايشة شعورٍ مريرٍ لم تُجرّبهُ من قبل؛ فلم يكُن لها ارتباطٌ بمرضى بالغين من قبل خاصة بمرض التوحُّد لذلك كان الأمرُ مؤثِرٌ للغاية خاصة وانّ الواقف امامها يبدوا في مرحلة حرِجة من مراحل التوحد ويبدوا جليًّا انّهُ لم يخضع للعلاج في صغره لأن مرضى التوحُد يتحسنون بمرور الوقت الى حالة شبه طبيعية ويكون من السهل دمجهم في المُجتمع ولكن حالتهُ مُتأخرة للغاية.

نظر إليها بحدّة ويبدوا ان مشاعره الشفافة على وشك الغضب رغبةً في حذاءها فانحنت وخلعتهُ عن قدميها ولكنها لم تعطيها اياه بل وضعتها خلف ظهرِها ومدّت له يدها الأُخرى مُبتسِمة:
- مرحبًا، انا رحيل، وعمري خمس وعشرون عام، وانت؟
لم يُتعِب نفسهُ بالنظر الى ملامِحها؛ فقد كان كُلّ انتباهه على حذائها ليتجِه في محاولةٍ لأخذه ولكنها تمسّكت به قائلة:
- لن تأخُذه إلاّ بعد ان تُخبرني بإسمك وتُصافحني.
كادت والدتهُ ان تتدخّل ولكن بإشارة من رحيل عادت لموضع المشاهد ليلتفِت اليها فُرات طالِبًا عونها فتهمِس برِقّة:
- اخبرها بإسمك، لن تؤذيك.
نظر إليها رافضا وغادر بصمت لتركُض خلفه هاتِفةً بإصرار:
- يجب ان تخبرني باسمك، سأبقى معك الى ان تمِلّ من وجودي.

- رحيل! لقد وصلنا.
همس صديقها مُخرِجًا إياها من بئر ذكرياتها لتترجّل وقد اخذ انهاك الإرتحال في الماضي مأخذهُ من مشاعرها وروحها لتهمِس بتعب وهي امام شقتها البسيطة:
- الى اللقاء عمران، سنتحدث غدًا.
لم يكن عمران راضيًا عن تركِها لذكرياتِها فدلف قائلًا:
- سأبقى معكِ الليلة، لن أُزعِجكِ ولكن وجودي هُنا سيُخفِفُ من قلقي عليكِ.

اغرورقت عيناها بمزيد من الدموع وقلبها ينتفِضُ بكُرهٍ عظيمٍ لذاتِها؛ هي لا تستحِقُّ صديقًا مثل عمران، لا تستحِقُّ النجاح الذي وصلت إليه ولا الحياة التي تعيشها، ليتها لم تكُن رحيل، ليتها خُلِقت غيمةً بمُنتصف الصيف، ظليلة وخفيفة كحُلُمٍ ورديّ، رُبما حينها ستستطيعُ المرور بين مسامات من حولها دون ان تخدشهُم، بهدوء دون ان تترُكَ اثرًا لملوحة دمعٍ او مرارةٍ أسى، ليت الحياةُ منحتها الفُرصةُ لتكون بنقاء فُرات، رُبّما حينها ستستطيعُ تفهُّم حالته بعين القلب وليس برأي العقل الصارِم المتحجّر، رُبما التقتهُ في احد الأركان الضيقة امام حائطٍ ابيض، او خرجت إليه من احد الورود التي يعتني بها، ليت روحها ماتت قبل ان تكسِر به حُلُمًا لن يُجبر!

- لا تبكِ أرجوك! ها هو بخير وبحالةٍ أفضل مما كان عليها، لما الحُزنُ إذن؟
همس عمران بقلّة حيلة لترُدّ على كلماته بشهقةٍ مُتعبة انهارت بعدها ساقِطة كزهرةٍ مات آخرُ حلمٍ لها بالإرتواء، ولأوّل مرّة منذ خمس سنوات تبكِ بهذه الطريقة؛ وكأنّما ترثي ببكائها اجمل ذكريات حياتها واسوأها على الإطلاق، كانت تضعُ كفّيها على وجهِها في آخر مشهد قد يمنحها القوة ليتصاعد انينُ شهقاتِها الى عنان السماءِ المُلبّدة بالغيوم كوجع تكاثُف الهمّ على قلبِها الصغير.

وقد كانت محاولة عُمران لتهدئتها سببًا آخر لزيادة هذا الوجع؛ فهي تعلمُ تمامًا بحُبّه لها ولكنها لا تُبادلهُ هذا الشعور، وبالرغم من ذلك تستغِلّهُ للتخفيف عنها والبقاء بقُربها دائمًا، هي امرأة حقيرة بنكهة الغدر والقسوة، ولم يكُن لملاكٍ مثل فُرات او رجُلٍ بكامل معاني الهيبة مثل عُمران ان يقعا في شباكِها؛ فهي أُنثى ماكِرة، لعوبة، ذكية واستغلالية وعواطِفها ليست سوى قِناع ملوّن جميل يُخفي بشاعة كيدِها.

كانت رحيل امرأة جميلة وفي اوجّ شبابِها استطاعت نيل نجاحٍ  يحلم به الكثيرون ولكن دخول فُرات لحياتها قلب كُلّ الموازين؛ وقد ادركت ذلك في وقت مُتأخر جِدًّا، رُبّما عقِب الفُراق غدى جميلا كفاكهةٍ مُحرّمة، وهي مُدرِكة تمامًا انها اذا ارادت ان تُعيدهُ إليها ستفعل ولكن هل يا تُرى ستستطيع الإحتفاظ به وباحترامِها لنفسِها بذات الوقت؟!

بُكاءها بين ذراعي صديق طفولتها اشعرها بشيءٍ من الظفر الموجِع؛ وهي تُحمّلهُ ما لا يُطيق ببُكاءها رجُلًا غيره وهو المُعذّبُ بالعشق، كان هذا الشعور يملأ قلبها بالكُره لكُلّ من حولها ولكن لم يكُن امامها سوى الصبر؛ فرُبّما تجود الحياةُ براحتها من هذا الألم.

اغلقت عيناها بتعب عقِب اخذِها لحمام دافئ علهُ يُرمم اوجاع قلبها وجسدِها، وعندما خرجت كان عمران يقِفُ مُتأمِلًا إياها من رأسِها الى أخمُص قدميها، لا زالت نحيلة منذ سنوات المُراهقة ولكنها بذات الوقت رقيقة ولطيفة كقِطّةٍ مُسالِمة، بريئة الملامح وبعينيها سفورٌ فطري، وللحُزن الذي تلبّسها طويلا بريق رائع، هي بالفعل أُنثى احلام كُلّ رجُل ولكنّهُ الأحقُّ بها؛ فصداقة اثنين وثلاثين عامًا منذُ ان رأت عيناها بريقُ النور تستحِقُّ المُحاربة لتُتوّج بالحُب، يكفي انّه الوحيد الذي يستطيعُ عناقها متى ما يشاء.

اقتربت منهُ وبين الخطوة والأُخرى تُزيلُ عن روحها ثوبًا من النِفاق، وعندما وصلت إليه كانت كطفِلٍ خرج لتوّه من رحِم الحياة، صافية، صادِقة، بريئة، وحزينة بعُمق مُحيط. لم تُدرك انها تمنحُ نفسها أسوأ طُرق التعذيب سوى بعد ان تحسست الشمسُ كتِفيها العاريين وجففت شعرها الحالِكُ من رطوبة الدموع، وبصعوبةٍ بالِغة استطاعت مُجابهة بريق الضياءِ بعينيها النجلاوين، لتُزكِمها رائحةُ عطره على طرف غطائها، بالأمس كانت امرأة عمران بكُلّ حواسها ولكن قلبها ينتفِضُ بين النبضة والأُخرى هامِسًا بحُبّ نهر الفُرات.

كان عدم الشعور بوجوده بجانبها وقعًا مُخيفًا على قلبِها ولكنّها تجاهلت حدسها لتهفو عيناها على اجنحةً اللهفة، وكأنها تُدرِكُ ان ثمّة ما ينتظِرها، الى ان اصطدمت حدقتيها بورقةٍ بيضاء على الوسادة التي كانت مُتكأةً لرأسِها بين ذراعيه، تعثر نبضها مُتلعثِمًا وارتجفت يداها مُلتقِطةً تلك الصفحة التي كُتِب عليها بحروفٍ من ندم:

( لم تكوني يومًا صادِقة مع أحدٍ مِنًّا، لقد اوهمتِ نفسكِ بعشق فُرات ولكن شعوركِ نحوهُ لم يكُن سوى شفقة بدليل انّك رفضتِ ان تمنحيه جسدك، ليالٍ طويلة وانا اتحمّلُ البقاء بقُربكِ ظانًّا انّي اواسي عاشِقة اضناها الفراق ولكن اليوم اكتشفتُ انني قد خُدِعتُ من المرأة الوحيدة التي احببتها، ليتك منحته قلبكِ وجسدكِ كما توقّعت! ليتكِ اهديته الحُبّ كاملا وتركتِني وحدي؛ كنتُ لأسعد بإخلاصكِ وإن كان لرجُلٍ سواي ولكنّكِ ككُلّ النِساء، غادِرة كعقربٍ صغيرة تقتلُ من يلمِسها.

لقد احببت في فُرات براءةً وطُهرًا لم يكُن فيكِ وحظيتِ منُي على اهتمام رجُلٍ يهواكِ بألف قلب، استغللتِنا بذات الدناءة وطوال تلك السِنين كُنتُ مُجرّد سافِرة تركُضُ خلف رغبات قلبها الجامِح؛ فبالأمس وانا وانتِ على فِراشٍ واحِد لم تشعُري سوى بالرضى والراحة بتحقيق رغبةٍ أُخرى من قائمة اُمنياتكِ التافِهة، لم تُدافِعي عن حقّ فُرات فيكِ ولم تمنحيني سوى لوحة جمالٍ رخامية لا ينبِضُ فيها قلب.

قبل قليل وانا انهضُ عن فراشكِ تأملتُكِ مليًّا ولم يأتي بخيالي سوى تمثال فينوس ذي الأيدي المبتورة، تشبهينها كثيرًا وانتِ غافية كملاكٍ بريئ بينما جسدك الساكِن يستمِرُّ بزرع فتنته حول الكون، نعم احببتُكِ يا رحيل بكُلّ ما املِكُ من مشاعر ولكن بعد ليلة الأمس لن استطيع أن اكون ذات الصديق الوفيّ الذي يحتضِنكِ في اللحظات التي يتوجّبُ عليه تأنبيكِ فيها، ولن استمتِع بجسدٍ لا ينبِضُ بالحُب وإن كُنتُ أول من يلمسه.

سأُغادِرُ مُتمنّيًا لنفسي لذة النسيان ولك الحياة الصائبة التي تجِدين فيها من يمِلكُكِ ككُل لا من يكتفي بنصف محبة، كوني بخير وتأكدي انكِ كُلّ نِساء العالمين، وانهُ بيديكِ ان تمنحي نفسكِ الفُرصة للحياة ولكن حياةً خاليةً منّي واتمنّى ان يكون قراركِ حكيمًا بالنِسبة لفُرات، وإن كُنتِ آلِهةً للجمال فأنا اليوم كافِرٌ بكِ يا امرأة الرحيل).

مع آخر كلمة من كلمات رسالة عمران كانت الورقة قد تبللت ببضع قطرات من الدمع المختلِط بالدهشة وعدم التصديق، كانت كُلّ خلية بجسدها تحترِقُ بنيرانٍ لاسعة ولم تملِك لتطفئتها سوى ضمّ وسادته والصُراخ بداخلها بصوتٍ صمّ اعماق قلبِها لعلوّه، ظلّت تصرُخ بكُلّ ما تمتلِك من قوّة علّها تفقِدُ روحها مع إحدى تلك الشهقات المكتومة ولكنّها لم تفعل، ظلّت حيّة ولم تتأثّر دورة الحياةِ بحُزِنها لأنها بالفعل تستحِقُّ ما يحدُث لها، عُمران مُحِق بكُلّ ما قاله، هي ليست سوى امرأة خائنة، خائفة، غبيّة، تُفسِدُ حياتها ومن حولها بصُنع يدِها، بحياتها لم تكُن ذكيّة، رُبّما كانت ولا زالت جميلة ولكنها غبية إلى حدّ اللامعقول، حتى فُرات الذي يستغرِقُ يومًا كامِل لكتابة حُملة مُفيدة اكثر ذكاءً منها.

رنين جرس الشقّة اجبرها على النهوض لارتداء ثوبها سريعًا والخروج لفتح الباب بذات اللهفة لتجِد ان لا احد امام الباب ولكن ثمّة صندوق متوسّط الحجم يبدوا انّ بداخله هدية من القدر، اخذتهُ ودلفت للداخل وبقلبٍ مات نبضهُ فتحته لتجِد كِتاب مُغلّف بشريطة حمراء، ازاحتها بخمول لتجِد عنوان (إكليل وحكايا أُخرى) للكاتِب فُرات منصور.

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

ما رأيكم حول شخصية رحيل؟

وما رأيكم بردة فعل عمران؟

هل سيعود فرات لرحيل في يوم من الأيام؟

هذا واكثر في الفصول القادمة.

بدأنا بالقصة الاساسية (رحيل) التي ستستمر معنا الى النهاية بذكر بعض التفاصيل الصغيرة اما الفصل القادم فسنبدأ بقصة من قصص إكليل التي ألفها فرات بطل قصتنا الاساسية (رحيل).

اتمنى ان يكون الفصل قد نال اعجابكم والقادم افضل

.
.
.
.
..
...
مع حبي

.
.
..
...
فايا
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي