4

4
سأبدء معكم في المكان الذي وقفت به السيارة امام ذالك المنزل ،اشعر انني اعرفه من الواضح انه كبير واسع و له حديقة امامية فيها شجرة زيتون و اخرى شجرة اكليل الجبل ، هناك جمع من الناس ينظرونا الينا و نحن كنا في حالة يرثى لها ،
بدءنا بنزول من السيارة واحد تلو الاخر حتى جاء دوري نزلت و ساعدني ابي لقد كانت السيارة عالية عن الارض و نحن كنا نركب بالجزء الخلف و كان مكشوفاً للسماء ،

أمي بنبرتها المرتعشة غير مدركة لما يدور حولنا : انتبهي كي لا يبتعد احد من اخوتك لا تدعي احدا يغيب عن ناظريك ، هيا لندخل تعالو جميعا الى هنا ،
ميرا انت ايضا انتبهي على اخوتك و اسرعوا بدخول .

جمعنا انفسنا و هممنا لدخول فا رايت لجين ابنة الخال ابو زاهر عندها علمت اين نحن و عند من سنقضي هذه الليلة .

لجين هي من نفس عمري و هي تقرب لامي الا اني لم الارها الا عدت مرات و لم استطع ان اكون صداقة معها كانت فظة و لا احب التعامل معها ، كانت لا تمزح ابدا على العكس مني .

في داخل كان هناك زحمة عارمة و ضجيج في كل مكان الاطفال يبكون بشكل هستيري لم نكن نحن فقط من اتى بل كنا هناك من اقاربنا اناس قد سبقونا في الخروج .

و بعد ان جلسنا ما يقارب الساعة و نحن نسمع اخبار ما يجري في قريتنا قالت لي امي :
خذي اخوتك و اذهبوا لنوم هذا يكفي لقد تاخر الوقت ، الجميع في حالة توتر لا نريد ضجيجا اكثر .

و كانت ساعة لربما الثانية عشر منتصف الليل .

مع ميرا ذهبت و اختي لننام في غرفة لجين و اخواتها اما اخوننا الصبية فقد ذهبو لغرفة اخرى لنوم فيها .

كانت لجين تشاهد مسلسل مدبلج و كانت مندمجة بكل الاحداث و تفاصيل الا انني لم استطيع التركيز معها ابدا ، الوضع سئ، لا استطيع نسيان تلك الاصوات و كل ما حدث و كأنه حلم ، لا بل هو ابشع من هذا بكثير انه كابوس .

استلقيت في المكان الجديد الذي خصص لي لاقضي ليلتي في هذا البيت الذي جئته قبل ساعات فقط .

بدءت اتامل السقف و كانني افتقد تلك الرسومات التي احدثها في كل يوم ، لم استطيع ان ارى في ذالك السقف رسومات جديدة ربما لانني كنت مازلت خائفة و لا اشعر بالاطمئنان، او لربما لانني كنت اعلم بأن بقائي لن يطول في هذا البيت و مع هذا بحثت لعلي اخبرها بما حدث معنا الا انني لم اجد اي رسمة ، في خاطري الكثير من لكلام اود ان اشاركه مع احدا حتى لو كانت رسمة حائط .
لا ادري كيف نمت كنت منهكة متعبة ما حدث لم يكن ليخطر على بالي ابدا .

استيقظت صباحا لم ارى ميرا و لا حتى عمتي الصغرى رقية في مكانهما ، نهضت سريعا ابحث عنهما ، و كانتا تجلسان في الغرفة المجاورة ، ميرا تبكي عينها بالكاد تفتح من شدة الدموع بخوف شديد و نبرة ترتعش سالتها:ماذا حصل ؟هل هناك شي سئ ؟
لم تجبني بل ازداد بكائها بدون اي كلمة،
نظرت الى عمتي لعلي افهم شي ، و لم يكن يخطر ببالي الا ان مكروه قد اصابة والداي ميرا و هما مازالا في البيت لم يخرجا من القرية .
الى ان قاطعني صوت اغنية قد وضعتها عمتي رقية لتسمعها ميرا اغنية (صغير و مجروح من صغر سني لا اب ولا ام ولا اخ يحضني)

فهمت حينها ان عمتي كالعادة تلعب على مشاعر ميرا و قد كانت هذه هوايتها المفضلة و مازالت إلى هذا اليوم دائما ما تألف قصص ترعبنا فيها ليس لشئ سوى التسلية و نحن دائما ما نقع في شباك خدعها ما كانت غايتها لا ادري .

حاولنا ان نهدء من روع ميرا الا ان كل كلامنا لم يكن يجد نفعا فهي كانت تسمع و تعرف ان القصف مازال مستمر على القرية من ليلة امس و هذا حقا كان يقلقنا جميعا الا ان الاتصالات مع عمي والد ميرا لم تنقطع ، ابي يتكلم معه بشكل دائما بين الحين و الاخر ليعرف اخر المستجدات .

بعد العصر تناولنا طعام الغذاء الذي أعدته زوجة الخال ابو زاهر و كان لذيذ حقا و قد وضعت في ذلك الطعام من عشبة اكليل الجبل الموجودة في حديقة منزلهم و قد اضفت طعما مميزا للاكل أحببته جدا .

في المساء سالت امي :هل سنبقى هنا طويلا ؟متى سنعود الى منزلنا ، لا استطيع التحرك كما اريد ؟
هزت امي راسها بخيبة واضحة على ملامحها دون ان تنطق بكلمة واحدة.
اعدت سؤالي عليها و كنت مصرة للحصول على اجابة
بعد إلحاحي نظرت إلي امي و عقد حاجبيها من الغضب قائلا
امي: لا تسالي اسئلة انا لا اعرف اجابتها ، ندعو الله ان تمضي هذه الايام سريعا و تنتهي ، لعلنا بعدها نعود .

في هذه الاثناء بعيدا عن البيت كان ابي و عمي فراس يبحثان عن منزل نستقر فيه خلال هذه الفترة لانه من المؤكد لن نستطيع البقاء طويل في بيت الخال ابو زاهر عددنا كبير و الوضع لا يحتمل البقاء على تلك الحالة لوقت اطول .

في اليوم التالي جاء ابي و اخبرنا ان نستعد فقد وجدو بيتا لنقيم فيه هذه الفترة .

لم يكن لدينا امتعة لنوضبها سوى بعض الملابس القليلة التي أستطعنا الخروج بها و كان كيس واحد من نايلون يتسع لها جميعا.
و بعد ساعة احضر ابي السيارة و ركبنا جميعا منطلقين للبيت الجديد .
لم تكن المسافة بعيدة ربما لم تتجاوز الخمس دقائق حتى توقفت السيارة بنا من جديد كان عمي فارس هو من يقودها نزل منها ليقول لنا
عمي فارس:هي انزلوا ها هو منزلنا الجديد ، سنقيم هنا حتى يعود الحال لطبيعته .
نزل الاطفال مسرعين فرحين لا يدركون مايجري يظنون و كاننا بجولة للسياحة .

دخلنا انا و امي و ميرا و لم نكن لوحدنا بل كان معنا عمي فارس و زوجته و عمي فراس و زوجته و عمي عاطف و اولاده و زوجته ميرا و إخوتها كان عددنا يقارب العشرين شخصا بالاضافة ان عمتي معنا ، و المنزل لم يكن سوى ثلاث غرف مع مطبخ و حمام واحد .

تفقدت البيت بكل تفاصيله جُلت في أرجاءه ، صعدت الدرج و دخلت المطبخ ونظرت داخل الحمام ، من ثم قالت امي :هيا لا تدعون نضيع الوقت دعونا نتساعد في تنظيف المنزل .

البيت كان فارغا و يحتاج للكثير من التنظيف ، الغبار غطى جدرانهن و النوافذ ، و العناكب قد بنت الكثير من بيوتها في الزوايا ، كل منا بدءت بتنظيف قسم من المنزل استغرق ذلك وقت لان عدد لاطفال زاد من صعوبة المهمة علينا ، الا اننا انجزناها اخيرا .

و بعد هذا بدءت امي بتحضير شي للعشاء الجميع جائع ويسألون اين الطعام ؟
طهت مما توفر في المنزل ، و لو تركنا لامر لها لم طبخت اصلا نفسيتها متعبة للغاية، بالاضافة لمتاعب الحمل في في شهرها الخامس ، الا انها كانت مجبرة على هذا .

في ليلة الاولى التي قضيناها في ذالك المنزل لم استطع النوم كنا قد تكدسنا بجانب بعضنا فلا يوجد مكان و الحال لا يسمح بغير هذا ، وبعد الكثير من التقلب اخيرا مضت ليلتنا الاولى .

و لم يغب ذالك السؤال الاهم عن بالي لماذا حصل كل ما حصل في القرية ؟ مالذي جرى من المؤكد ان هناك امر حدث و لا احد يتكلم عنه ؟

في اليوم التالي بعد ان انتقلنا للمنزل الجديد سمعت حديث أمي و عمتي التي كانت حامل و لم يبقى لولادتها سوى ايام قليلة .

امي:هل دفنت البنت؟
عمتي:لقد سمعت انهم دفنوها ليلة خروجنا من القرية .
امي:لينزل الله الصبر والسلوان على قلب امها انه مصاب كبير ، كيف لام ان تتحمل ما رات هي ، ماتت ابنتها امام ناظريها دون ان تستطع مساعدتها .

عمتي :عند الله لا يضيع حق احد لينتقم الله من الذين قضوا على حياتك تلك الفتاة البريئة .
امي:امين عاجل يا رب غير اجل.

قاطعت حديثهم بسؤالي
امي من هذه البنت؟من قضى عليها ؟

ردت علي امي بنبرة توبيخ : و هل جلستي هنا لتسمعي احاديث لست لك ؟ اذهبي و تفقدي اخوتك؟

لماذا يا امي ؟اخبريني لم اعد صغيرة .
امي:قلت لك اذهبي من امامي حالا.

تركتهما يكملا حديثهما و انا اتأفف و اتذمر كل ما حولت فهم شي يكتمون الحديث دون اخباري.

في المساء كنت جالسة مع ميرا نتحدث عن وضعها بعيدة عن اهلها قائلة لي
ميرا:نعم هنا اعمامي و انت و اخوتي لكن افتقد ابي و امي بشدة و اني اخاف ان يصبهم مكروه، اذا حدث شي لهم اموت قهرا .
حاولت ان اخفف عنها بقدر ما استطيع :
لا لا تحزني عليك بدعاء لهم لن يحصل شي.

و انا اتحدث معها كنت اشعر بحكة شديدة في راسي انه شي مزعج جدا ماهذا لاحظت امي هذا نادت لي

امي:تعالي بنتي اتفقد راسك لا تعجبني هذه الحكة المفاجأة
اقتربت من أمي و وضعت راسي على قدميها و نشرت شعري حتى غطى وجهي و هي تقلب شعرة شعرة
و في لحظة هدوء صرخت
امي: يه. ماهذا ؟
ماذا هناك يا امي ؟هل فيك شي
امي :له له لم اتوقع ان يصيبك هذا.
ماذا اصابني ارجوك تكلمي .
امي: لقد وجدت قملة في راسك ، من اين يعقل أن تكون وجدت طريقها اليك؟

انا بنبرة يملئها الرعب اتلعثم مما سمعت :
ماذا ماذا تقوليني لا لا ارجوك هل تمزحين معي؟

و بدءت بالبكاء خوفا من القملة المقيمة في راسي
و امي تضحك على ردت فعلي الطفولية وهي تحاول تهدئتي لتخفف من الضجة التي اثرتها

سالت امي من اين يعقل ان تكون وصلتني؟

امي:ربما في الامس عندما كنا في بيت الخال ابو زاهر كان احدهم مصاب و وصلتك العدوى .

و ما الحل الان؟
امي:لا تقلقي يا بنتي ساقلب شعرك وحدة وحدة حتى اخرج كل شي و ساحضر لك شامبو خاص لنتخلص من كل القمل الموجود في راسك .

و بدءت معاناتي في هذا الامر حيث كانت امي و زوجة عمي عاطف و اسمها هلا كل يوم تصعدان بي الى اعلى الدرج و يبدءن با تقلب شعري و قد يستغرق الأمر ساعة و ربما اكثر و انا انتقل من يد واحدة ليد الاخرى ،
و على هذا الحال بقيت لمدة ما يقرب الاسبوع لا استطيع التخلص من يديهما اللتان كانتا تطالني كلما جلست في اي مكان ، و اخيرا انتهى موضوع القمل من راسي لقد عانيت الامرين و كانت تجربة سيئة جدا لهذا احافظ على سلامة شعري حتى اليوم خشية تكرار ماحدث .

مرت عدة ايام و نحن لازلنا نسمع مايحدث في القرية المعارك مازالت مستمر القصف لم يهدء و المقاومة ايضا ترد .
وفي ذالك المساء ان الامر قد انتهى و سيتم اقتحام القرية بشكل بري و عمي لازال هناك اتصال والدي به قائلا بنبرته الحنونة المعتادة
ابي: يا اخي اخرج لم يعد يجد البقاء لا ترمي بنفسك للتهلكة .
عمي: ان خرج المقاومون ساخرج معهم .
ابي:انت لست تقاوم اخرج ما شانك بهم ، بقائك هناك لن يغير من الامر شي ، بل ربما تزيد الامور تعقيدا .
عمي: حسنا . سارى كيف ستكون الامور في الايام التالية و افعل ما هو مناسب ، و ان طلب الامر الخروج سأفعل بتاكيد .
ابي : ارجوك يا اخي اعطني وعدا ان تخرج قبل فوات الاوان .
عمي:من المؤكد ، ان لم اكن خائف على نفسي فاني اخاف على زوجتي لا تنسى انها هنا ايضا مازالت معي ،و لن استطيع المجازفة بما قد يحل بنا .

وعلى هذا الاساس اغلق ابي الهاتف متمني الا يحدث شي لا تحمد عقباه ، بعد وقت قصير ما يقرب الساعتين فقط و في تمام الساعة العاشرة وصلنا خبر مؤكد بان القرية تم اقتحامها بعد عدة غارات مكثفة هدمت فيها بعض البيوت و المحلات .
اين عمي ؟الجميع يسال و يترقب نحاول الاتصال به الا ان هاتفه كان مغلق لا يمكننا الوصول اليه ابدا ، و هذا الامر زاد من حدة التوتر و القلق الذي كنا نعيشه في المنزل ، و فجأة دون سابق انذار يطرق الباب و كان الطارق ملهوف مذعور (هذا ما شعرنا به من طريقة قرعه للباب) .

هرع عمي فراس و فتح و كان الطارق هو عمي والد ميرا و معه زوجته كان قد وصلوا الينا بعد ان خرجوا في اللحظات الاخيرة من طرق فرعية على حد قوله و هذا ما اخبرنا به .

جلس عمي و التطقت انفاسه المتقطعة ، ساله ابي :ماذا حصل ؟ كيف استطعت الخروج ؟ ما الحال الذي تركته من وراءك ؟

الخيبة و الحسرة واضحة على وجه عمي و الغضب كان اكثر ما نراه ، اما زوجته احتضنت اولادها و لم تجف دموعها ابدا من الخوف الذي عاشته.

بدء عمي بالحديث عن الايام العصيبة التي قضوها تحت القصف و اخبارنا عن احداث لم نكن نعلم بها :

عمي: في الليلة الاولى لخروجكم كان القصف على القرية يكاد لا يتوقف و عندما يهدء القصف يطلق الرصاص و كانه زخات مطر من شدته ، لم يكن بوسعنا شي سوى البقاء داخل المنزل ، لان الخروج منه يشكل خطر حقيقي على حياة اي احد يسير في الشارع ، اليوم التالي لم يكن اقل حدة من الليل بل كان الغضب كله ينصب على هيئة قذائف تدمر اي مكان تقع فيه ، البيوت او الارضي الزراعية ، بقينا على هذا الحال طوال تلك الايام .

قاطعه سؤال عمي فراس :من اين كنتم تاكلوا اذا لم يبقى خبز في اي مكان .

عمي ابو ميرا: نعم يا اخي هذا صحيح لم نعد نستطيع تأمين حاجيتنا من الخبز كنا نقتت بما كنا نجده بقي من المونة الموجودة اصلا في المنزل ، الا ان انقطاع الماء و الكهرباء كان هو الاصعب لم يكن هناك بديل ، الا انها افضل بكثير من ترك القرية و الخروج لمواجهة المجهول.

يقاطعه ابي مستنكرا لما يقوله
ابي:الا تعلم ان هناك اطفال ؟ كيف لنا ان نأمن عليهم ؟

عمي: لن يصيبنا الا ما كتب الله علينا .

ابي : صحيح و لكن في مثل هذا الظرف العصيب لا ترمي بنفسك لتهلك ، ثم تقول هذا امر الله ، علينا الاخذ بالاسباب .

و على هذا هدء الحديث و حل سكون في المكان حتى جاء سؤال اخر في بالي ابي و قال موجها حديثه لعمي

ابي : ماذا حدث حتى خرجتم ؟ لقد كنت تحدث معك بعد صلاة المغرب و لم يكن الامر بهذا السوء ؟

عمي : تغير الوضع فجأة خلال ساعة انقلب الحال ، اشتد القصف و القوة المقاومة لم تكن كافية و سمعنا عن اجتياح قد بدء ، بعد الغروب ، حاولوا المقاومين التصدي الا ان القوة كانت اكبر منهم بكثير لهذا اخبرونا ان علينا المغادرة باقصى سرعة ، و ساعدونا على الخروج من طريق امنة لحدا ما ، وصلت بنا الى هنا من ثم خروجوا هم بعدنا .

سأل عمي فارس :البنت ماذا حدث ؟هل تاكدتم ان..

قاطع سؤاله كلام ابي حين قال: ليس الوقت المناسب لمثل هذا الحديث ، دعه يدخل لينام و يأخد قسط من راحة نكمل كلامنا في الغد سيكون ذالك افضل .

و قد فهم الجميع ان ابي لا يريد لهذا السؤال ان يطرح امامنا و ان اجابته ليست مناسبة لنسمعها .

أمر لازال طي الكتمان ، تفاصيله مخفية عنا ، لا احد يجب عن اي شي متعلق به .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي