2
روح مثل روح الأطفال و عينان مملوئتان بالبراءة و البريق و كأن تلك الروح التي تلاشت عادت مجدداً بمجرد رؤيتها لكل تلك الأرواح البريئة ، التي لم يسئم او يفكر اي احد بهم او في سبيل حياتهم ، فمنهم من تم رميه في القمامة بمجرد ولادتهم و دخولهم الى هذا العالم ، و منهم من تعرض لفقدان ذويه منذ الصغر لكنهم جميعاً تعرضو الى الفقدان و الألم ، لقد رحبت الحياة بهم بما يكفي من ألم و معاناة فعاشوا و تأقلموا على مرارة الحياة و قساوة قلوب الناس ، لقد كانت تلك الأطفال يتامى بلا حق او حياة ، و ها هي الآن تقوم بترميم قلوبهم المكسورة من خضم معارك الحياة ، لقد دخلت ميرا لتفاجئهم في كمية الالعاب التي اشترتها لهم و ما ان دخلت ركض جميع الأطفال اليها ثم قامت بمعانقتهم و بعد ذلك بدأت في تقديم الألعاب و الدمى و الهدايا اليهم ، لقد كانت أصوات ضحكاتهم البريئة و الملونة بألوان الشغف و السعادة و المرح تملأ المكان و بعد القليل من اللحظات و كما هم معتادين قاموا في لعب لعبة الغميضة حيث وضعوا على عينين ميرا عصبة سوداء و وقفت في المنتصف اما هم فلقد شكلوا حلقة مبعثرة و بدأت في البحث عنهم جميعاً بكل حماس و سعادة ، هكذا كانت ميرا تحاول دائماً اسعاد من حولها لكنها الآن تريد اسعاد نفسها فهي لا تجد أي من الراحة او السكينة سوى برفقة أطفال الميتم الذي أسسته و وضعته باسم والدتها هلى الراحلة ، لقد كانت تريح و تسعد نفسها بسبب وجود أولئك الأطفال فهي لم تكن تشعر في السلام الداخلي الا عندما تكون في رفقتهم لقد كانت تشعر عندما تكون في قربهم بالراحة و السكينة ، لقد كانت تشعر عندما تكون موجودة في قربهم بأنها ميرا السابقة بنفس الروح و الأمل و البريق ..
و بعد ان انتهوا من اللهو و اللعب أقبلت ميرا مع قالب حلوى كبير باسم هلى نعم ففي مثل هذا اليوم كان عيد مولد هلى ، لقد كان مكتوب على قالب الحلوى اسم هلى و كان قالب الحلوى مزين بالشموع الملونة ثم تقدمت و وضعته على المنضدة في وسط الغرفة و وضعت قبعات الحفلات على رؤوس جميع الاطفال و بدأوا في الغناء معاً و يد بيد ثم اقبلوا جميعهم و اقتربو من ميرا و أطفئوا الشموع الموضوعة على سطح قالب الحلوى ثم اقتربت ميرا و قطعت قالب الحلوى و بدأت تطعم جميع الأطفال و بدأوا في تناول قالب الحلوى معاً بسعادة و مرح و بعد ان انتهوا عانقتهم جميعاً و ودعتهم ثم ذهبت متوجهة الى سيارتها و أكملت مسيرها..
توجهت الى مكان غريب مملوء بالجبال و القمم العالية و بعدها أوقفت سيارتها و نزلت منها لتتقدم نحو حافة الجبل ، ثم جلست على حافة الجبت و بقيت قدماها محلقتان في الهواء فلقد كانت تجلس في مكان عالٍ جداً ، لترفع ناظرها الى السماء و تتأمل الغيوم و السحاب و أسراب الطيور و الخضار الذي حولها لتبدأ نسائم الهواء اللطيفة بالتصادم مع وجهها بلطف و كأنها رسائل أحبتها الذين رحلو و أبقوا أثر دفين في ذاكرتها و ذكريات و لحظات لا يمكن ان تنساها ، و كيف تتمكن من نسانها و هي محفورة بعمق في قلبها و جوارحها ، رفعت يدها لازاحة خصلات شعرها التي تتطاير من أثر تلك النسائم العليلة و بدأت تكتب في مذكرتها
_لقد تذكرت كل اللحظات التي أمضيناها معاً يا أمي ، و لا يزال وشاحك معي و بقربي لكنني مع ذلك اشتاق اليك و لكنني اشعر بوجودك كلما داعبتني نسائم الهواء فكلما داعبتني نسائم الهواء بلطف شعرت بأنها رسالة منكِ يا امي ، اشتاق اليك و الى كل تفاصيلك كطعمي المفضل من تحت يداكِ و أشتاق الى اختيارك لملابسي فبعد كل هذه السنوات اشعر و كأنني بهتّ يا امي فلقد بهتت الواني و تلاشت بعيداً لم اعد كما كنت يا امي فلقد تألمت و عانيت كثيراً اصبحت بلا مشاعر يا امي بعد كل ما مررت به ، انا اشتاق اليكِ و مع ذلك لا تقلقي ارجوكِ فكل شيء بخير هنا جوري و عمر في صحة جيدة و هما بخير و يكملا دراستهما ، هم لا يعلمون في أنني ما زلت على قيد الحياة لكنهما تحت مراقبتي و حمايتي فلا تقلقِ يا امي و ارقدي بسلام بعيداً عن ضجة الحياة ، و أخيراً كل عام و انت حبيبتي و امي ..احبكِ امي
أغلقت دفترها و عادت الى التمعن في المناظر الخلابة التي تحيط بها كما لو انها تريد التحليق بعيداً بين السحاب و الغيوم ، كما لو انها تريد الحرية و السلام لروحها المسجونة داخل مأساة الحياة و كأنها تريد الرحيل بعيداً عن هذا العالم الميؤوس منه ، فلطالما كانت و لا زالت بروح طفلة تريد اللعب و اللهو فقط بسلام و هدوء و بمرح و تفاؤل فلا زالت ميرا تتوق الى كل ما مضى حتى لو كانت أغلب لحظاتها حزينة الا انها مع ذلك تتوق الى ماضيها كم تتمنى لو لم تظهر تلك الثغرات التي قلبت حياتها رأساً على عقب داخل دائرة الوهم التي لطالما حاولت ان تتعايش معها ، لكنها الآن مختلفة هي تتعايش و بكل سهولة مع الوهم فلطالما كان الوهم هو بطل قصتها ، ذلك الوهم الذي تارةً ما كان يسعدها و يضحكها و تارةً أخرة كان يقضي عليها و يحطمها و مع ذلك أصبحت متعلقة بذلك الوهم نعم انه وهم ميرا و لذلك يتوجب عليها قضاء حياتها بأكملها مع ذلك الوهم فلقد سئمت من حربها و معركتها القاسية مع وهمها و التي امتدت لسنوات طويلة ، لكن الوهم لم يستسلم لسوء الحظ هي من استسلمت ، الوهم من هزمها هذه المرة نعم فلقد هزمها و حطمها و حول كل مشاعرها الى فُتاة من رماد و لم يبقى شيء ، و مع كامل الأسف تحطمت و خسرت في معركتها اما وهمها..
عادت الى سيارتها لكي تعود الى عملها حيث الشركة و ضغوطات العمل الروتينية و بعد مرور نصف ساعة على التمام وصلت الى الشركة و اقتربت لتركن سيارتها و اذ بفتى آخر يحاول ركن سيارته فيصطدم في سيارتها و يسبب لسيارة ميرا اذى ثم خرجت ميرا بغضب ثائر و تمشي باتجاهه و تفتح باب سيارته الأمامي حيث يجلس صاحب السيارة ثم يخرج شاب طويل القامة ذا بشرة بيضاء اللون و شعر كثيف بتسريحة مثالية و عينان كستنائيتان و لحية كثيفة ، كان شاب وسيم جداً و لقد كان يرتدي سبور ثم تتمعن ميرا به بغضب شديد و تبدأ في توبيخه قائلةً له و موجهة في توبيخها اليه
ميرا : هل انتَ اعمى ام ماذا ، الا ترى ام انك متدرب جديد على القيادة
_ارجوكِ كفّي عن اهانتي في هذه الطريقة فأنتِ من أتيتِ بعدي ، الم تلاحظي انني اركن سيارتي هنا ، و مع ذلك تقومين في اهانتي و توبيخي
ميرا : لأنك تستحق الاهانة و انت من تسببت في ايذاء سيارتي ، اوه لا لا يمكنني احتمالك اكثر
ثم توجهت نحو بوابة الشركة و بينما تدخل الى الشركة كان جميع الموظفين يتبادلون اطراف الحديث و لم يكونوا يعملون و كان كل حديثهم عن سيدتهم ميارا المستفزة كما يسمونها و عندما تصل دون ان يشعروا في دخولها ، تُصدم بالفوضة و الضجة التي يتسببون بها و من ثم تقترب منهم و تبدأ في توبيخهم و تعلن لهم عن خصم عام من رواتبهم جميعاً ليصمت الجميع دون اي كلام او حراك و بعد ذلك تصعد في المصعد الآلي الزجاجي نحو مكتبها..
ثم تأخذ ملفاتها المهمة و تعود الى الخارج و تأخذ مفاتيح سيارتها الأخرى معها و بعدها تعود الى قصرها و بعد مرور ربع ساعة على التمام وصلت ميرا الى قصرها الذي كان ضخم و فاخر جداً حيث كان أثاثه من الطراز الحديث أسود اللون و مزخرف باللون الرمادي و مرصع بالأحجار الكريمة و التي كانت فضية اللون ، و كانت قاعة الاستقبال كبيرة جداً مزودة بأثاث فخم و فاخر ، وصلت و قرعت جرس الباب لتستقبلها انجيلا الموظفة كممرضة من اجل والدة ميرا الا و هي ميلا ، ثم دخلت ميرا و وجهت بسؤالها حالاً الى انجيلا عن والدتها ميلا و اذ بصوت ميلا من المطبخ و الذي يقع بجانب قاعة الاستقبال ، فلقد كانت تقول ميلا :
ميلا : اهلاً في عودتك يا عزيزتي
ميرا بتذمر : امييي ماذا تفعلين في المطبخ
ميلا : اطهو طعامك المفضل و طعام امير المفضل ايضاً
تذهب ميرا الى جانب والدتها ميلا و تمسك في يدها و تبدأ في حديثها موجهةً به الى والدتها ميلا
ميرا : الم اخبرك بأن الطبيب قال لا يجب ان ترهقي نفسك ، و وضعت كل هؤلاء الممرضين و المختصين و ابمستخدمين كي يراقبوا حالتك و بهتمون بك ، لماذا تفعلين كل هذا يا امي ، انا لا اريدك ان تتأذي اكثر ارجوكِ
ميلا : صدقيني لم ارهق نفسي ابداً فقط أعطيت بعض الارشادات الى روبن الطاهي ، ثم غمزته كي يرد على ميرا ايجاباً
ثم تقول ميرا لها :
_حسناً اذاً اخبىيني اين طعامي المفضل
فرحت ميلا والدة أمير و ميرا كثيراً و بعثت روبن من اجل ان يحضر طبق المعجنات التي تحبها ميرا و عندما عاد أمسكت ميرا بالطبق و بدأت بالتهام اول قطعة من المعجنات ثم قالت الى والدتها ميلا :
ميرا : لذيذ جداً ، لكن طعم هذه المعجنات تشبه كثيراً طعم تلك المعجنات التي تقومين في صنعها بيداكِ هاذان
ميلا : حسناً لقد كشفتِني مثل عادتك لكنني شعرت بالضجر و لذلك قررت ان أقوم بالطهي لعلي استمتع قليلاً
ميرا : " تستمتعين في ارهاق نفسك " هذا ما تقصدينه يا أمي اليس كذلك ؟
ميلا : ههه آه منك كم انتِ فتاة عنيدة
ميرا : حسناً اذاً لننتظر أمير و نذهب الى مكان ما لنستمتع معاً
ميلا : اوافق على ذلك و لا املك اي اعتراض
ثم بدأتا بالضحك معاً لتتعالى أصوات ضحكاتهم و قهقهاتهم
ها هو أمير يجلس وحيداً بين مقاعد المقهى يصارع كل الذكرى التي مضت و يمسك في صورتها الصغيرة و التي كان دائماً ما يخبئها في جيب معطفه بجانب قلبه ، فلقد اشتاق الى محبوبته شمس التي لطالما كان أسعد انسان على الأرض بسبب وجودها ، لكنها رحلت و لا يمكنها العودة لقد هجرت هذه الحياة لتنعم روحها البريئة و ترحل عن ملوثات هذه الحياة ، و ها هو أمير بقي معلقاً بين ذكراها و ذكرى كل اللحظات التي عاشها مع شمس ، فلقد غابت شمسه و لا يمكنها العودة من أجل ان تشرق من جديد ، لقد فقدها و الى الابد ، لقد بقي في مفرده و لوحده فتراه يصارع هذه الحياة رغماً عنه فلقد فقد روحه و شمس أمله و لم يعد يشعر بأن حياته لها أي معنى ، لكنه مع ذلك سوف يبقى يحارب من أجل اخذ انتقامه في يده فهو أيضاً لقد احتمل ما بكفي و عانى كثيراً من ذلك الشعور اللئيم الا و هو شعور الفقد الذي يفقده شهيته للعيش و الاستمرار في هذه الحياة ، فهذه الحياة سرقت منه أجمل شيء حدث غي حياته فلطالما كانت شمس شمعة نوره و أمله فدائماً ما كانت تزرع به الايجابية و الأمل و الصبر هي دائماً ما كانت تغرس به ثمار الحب و الرحمة و لكنها رحلت ببراءة و دون أي ذنب لقد فقدها و سوف ينتقم من هذه الحياة لأجل فقد أغلى و أثمن ما يملك ..
أخرج صورتها و بدأ يشكي لها عن تعبه و ارهاقه و حياته التي بلا معنى ، لقد كان أمير دائماً ما يسامرها و يحادثها عبر صورتها بدموعه و كأنه لا يزال طفل صغير فقد أثمن شيء بالنسبة له و تراه يبحث عن اي اثر و لو كان بسيطاً من ذلك الشيء الثمين ، لقد كان يشكو لها عن حزنه و بؤسه في هذه الحياة و كان يخبر صورتها في كل الاحداث التي تحصل و تحدث معه في ايامه العادية حتى ، لقد كان يشرح لها كل تفاصيله و حذافيره بشكل تام و كامل دون اي نقص ، لقد اشتاق لها و لشراهتها في تناول الطعام لقد اشتاق أمير الى جميع تفاصيلها كاملة فقلبه لا يملؤه سوى الشوق و الحنين اليها ، لقد كان يبكي كالطفل الصغير لقد كان يود عناقها و لقد كان يريد ضمها الى قلبه من أجل ان لا تفلت منه لقد كان يريدها ان تكون في جانبه دوماً لكن شاء القدر و سلبت الحياة شمسه منه و اعادته الى لعبة النقص و الألم و الفقد ، لقد أصبح أمير يهاب الحياة و بشدة انه يخاف ان يخسر احد ما مجدداً و لقد اصبح يخشى التقرب و التعلق بأي احد فهو يظن بأن كل من في جانبه معرضين للرحيل لقد اصبح انسان يخاف و يخشى تكوين العلاقات و لقد أصبح يترك حواجز صعبة العبور اليه فهو لا يريد اي علاقات جديدة بعد الآن ، هو يكتفي بصورة شمس و ذكرى شمس و طعام شمس المفضل و مشروب شمس المفضل ان امير اصبح يكتفي بتفاصيل شمسه فقط ..
عاد الى القصر بعد ان لملم و جمع فُتاته و أشتاته و بدأ بقرع جرس بوابة القصر و عندما فتحت له ميلا أخبرته النبأ السار الا وهو بأنهم سوف يخرجون لتناول العشاء في الخارج مع بعضهم البعض فقط ، كعائلة صغيرة محبة تشعر في الانتماء الى بعضها البعض ، عندما رأى أمير بريق عينين والدته لم يستطع الاعتراض فكل ما يملكه الآن هو والدته ميلا و توأمه ميرا ثم اخذ الاذن من اجل الاستعداد و ذهب ليهيأ نفسه من أجل عائلته و اذ بصوت انجيلا يعلو و يعلو أكثر فما هو السبب يا ترى..
يتبع..
و بعد ان انتهوا من اللهو و اللعب أقبلت ميرا مع قالب حلوى كبير باسم هلى نعم ففي مثل هذا اليوم كان عيد مولد هلى ، لقد كان مكتوب على قالب الحلوى اسم هلى و كان قالب الحلوى مزين بالشموع الملونة ثم تقدمت و وضعته على المنضدة في وسط الغرفة و وضعت قبعات الحفلات على رؤوس جميع الاطفال و بدأوا في الغناء معاً و يد بيد ثم اقبلوا جميعهم و اقتربو من ميرا و أطفئوا الشموع الموضوعة على سطح قالب الحلوى ثم اقتربت ميرا و قطعت قالب الحلوى و بدأت تطعم جميع الأطفال و بدأوا في تناول قالب الحلوى معاً بسعادة و مرح و بعد ان انتهوا عانقتهم جميعاً و ودعتهم ثم ذهبت متوجهة الى سيارتها و أكملت مسيرها..
توجهت الى مكان غريب مملوء بالجبال و القمم العالية و بعدها أوقفت سيارتها و نزلت منها لتتقدم نحو حافة الجبل ، ثم جلست على حافة الجبت و بقيت قدماها محلقتان في الهواء فلقد كانت تجلس في مكان عالٍ جداً ، لترفع ناظرها الى السماء و تتأمل الغيوم و السحاب و أسراب الطيور و الخضار الذي حولها لتبدأ نسائم الهواء اللطيفة بالتصادم مع وجهها بلطف و كأنها رسائل أحبتها الذين رحلو و أبقوا أثر دفين في ذاكرتها و ذكريات و لحظات لا يمكن ان تنساها ، و كيف تتمكن من نسانها و هي محفورة بعمق في قلبها و جوارحها ، رفعت يدها لازاحة خصلات شعرها التي تتطاير من أثر تلك النسائم العليلة و بدأت تكتب في مذكرتها
_لقد تذكرت كل اللحظات التي أمضيناها معاً يا أمي ، و لا يزال وشاحك معي و بقربي لكنني مع ذلك اشتاق اليك و لكنني اشعر بوجودك كلما داعبتني نسائم الهواء فكلما داعبتني نسائم الهواء بلطف شعرت بأنها رسالة منكِ يا امي ، اشتاق اليك و الى كل تفاصيلك كطعمي المفضل من تحت يداكِ و أشتاق الى اختيارك لملابسي فبعد كل هذه السنوات اشعر و كأنني بهتّ يا امي فلقد بهتت الواني و تلاشت بعيداً لم اعد كما كنت يا امي فلقد تألمت و عانيت كثيراً اصبحت بلا مشاعر يا امي بعد كل ما مررت به ، انا اشتاق اليكِ و مع ذلك لا تقلقي ارجوكِ فكل شيء بخير هنا جوري و عمر في صحة جيدة و هما بخير و يكملا دراستهما ، هم لا يعلمون في أنني ما زلت على قيد الحياة لكنهما تحت مراقبتي و حمايتي فلا تقلقِ يا امي و ارقدي بسلام بعيداً عن ضجة الحياة ، و أخيراً كل عام و انت حبيبتي و امي ..احبكِ امي
أغلقت دفترها و عادت الى التمعن في المناظر الخلابة التي تحيط بها كما لو انها تريد التحليق بعيداً بين السحاب و الغيوم ، كما لو انها تريد الحرية و السلام لروحها المسجونة داخل مأساة الحياة و كأنها تريد الرحيل بعيداً عن هذا العالم الميؤوس منه ، فلطالما كانت و لا زالت بروح طفلة تريد اللعب و اللهو فقط بسلام و هدوء و بمرح و تفاؤل فلا زالت ميرا تتوق الى كل ما مضى حتى لو كانت أغلب لحظاتها حزينة الا انها مع ذلك تتوق الى ماضيها كم تتمنى لو لم تظهر تلك الثغرات التي قلبت حياتها رأساً على عقب داخل دائرة الوهم التي لطالما حاولت ان تتعايش معها ، لكنها الآن مختلفة هي تتعايش و بكل سهولة مع الوهم فلطالما كان الوهم هو بطل قصتها ، ذلك الوهم الذي تارةً ما كان يسعدها و يضحكها و تارةً أخرة كان يقضي عليها و يحطمها و مع ذلك أصبحت متعلقة بذلك الوهم نعم انه وهم ميرا و لذلك يتوجب عليها قضاء حياتها بأكملها مع ذلك الوهم فلقد سئمت من حربها و معركتها القاسية مع وهمها و التي امتدت لسنوات طويلة ، لكن الوهم لم يستسلم لسوء الحظ هي من استسلمت ، الوهم من هزمها هذه المرة نعم فلقد هزمها و حطمها و حول كل مشاعرها الى فُتاة من رماد و لم يبقى شيء ، و مع كامل الأسف تحطمت و خسرت في معركتها اما وهمها..
عادت الى سيارتها لكي تعود الى عملها حيث الشركة و ضغوطات العمل الروتينية و بعد مرور نصف ساعة على التمام وصلت الى الشركة و اقتربت لتركن سيارتها و اذ بفتى آخر يحاول ركن سيارته فيصطدم في سيارتها و يسبب لسيارة ميرا اذى ثم خرجت ميرا بغضب ثائر و تمشي باتجاهه و تفتح باب سيارته الأمامي حيث يجلس صاحب السيارة ثم يخرج شاب طويل القامة ذا بشرة بيضاء اللون و شعر كثيف بتسريحة مثالية و عينان كستنائيتان و لحية كثيفة ، كان شاب وسيم جداً و لقد كان يرتدي سبور ثم تتمعن ميرا به بغضب شديد و تبدأ في توبيخه قائلةً له و موجهة في توبيخها اليه
ميرا : هل انتَ اعمى ام ماذا ، الا ترى ام انك متدرب جديد على القيادة
_ارجوكِ كفّي عن اهانتي في هذه الطريقة فأنتِ من أتيتِ بعدي ، الم تلاحظي انني اركن سيارتي هنا ، و مع ذلك تقومين في اهانتي و توبيخي
ميرا : لأنك تستحق الاهانة و انت من تسببت في ايذاء سيارتي ، اوه لا لا يمكنني احتمالك اكثر
ثم توجهت نحو بوابة الشركة و بينما تدخل الى الشركة كان جميع الموظفين يتبادلون اطراف الحديث و لم يكونوا يعملون و كان كل حديثهم عن سيدتهم ميارا المستفزة كما يسمونها و عندما تصل دون ان يشعروا في دخولها ، تُصدم بالفوضة و الضجة التي يتسببون بها و من ثم تقترب منهم و تبدأ في توبيخهم و تعلن لهم عن خصم عام من رواتبهم جميعاً ليصمت الجميع دون اي كلام او حراك و بعد ذلك تصعد في المصعد الآلي الزجاجي نحو مكتبها..
ثم تأخذ ملفاتها المهمة و تعود الى الخارج و تأخذ مفاتيح سيارتها الأخرى معها و بعدها تعود الى قصرها و بعد مرور ربع ساعة على التمام وصلت ميرا الى قصرها الذي كان ضخم و فاخر جداً حيث كان أثاثه من الطراز الحديث أسود اللون و مزخرف باللون الرمادي و مرصع بالأحجار الكريمة و التي كانت فضية اللون ، و كانت قاعة الاستقبال كبيرة جداً مزودة بأثاث فخم و فاخر ، وصلت و قرعت جرس الباب لتستقبلها انجيلا الموظفة كممرضة من اجل والدة ميرا الا و هي ميلا ، ثم دخلت ميرا و وجهت بسؤالها حالاً الى انجيلا عن والدتها ميلا و اذ بصوت ميلا من المطبخ و الذي يقع بجانب قاعة الاستقبال ، فلقد كانت تقول ميلا :
ميلا : اهلاً في عودتك يا عزيزتي
ميرا بتذمر : امييي ماذا تفعلين في المطبخ
ميلا : اطهو طعامك المفضل و طعام امير المفضل ايضاً
تذهب ميرا الى جانب والدتها ميلا و تمسك في يدها و تبدأ في حديثها موجهةً به الى والدتها ميلا
ميرا : الم اخبرك بأن الطبيب قال لا يجب ان ترهقي نفسك ، و وضعت كل هؤلاء الممرضين و المختصين و ابمستخدمين كي يراقبوا حالتك و بهتمون بك ، لماذا تفعلين كل هذا يا امي ، انا لا اريدك ان تتأذي اكثر ارجوكِ
ميلا : صدقيني لم ارهق نفسي ابداً فقط أعطيت بعض الارشادات الى روبن الطاهي ، ثم غمزته كي يرد على ميرا ايجاباً
ثم تقول ميرا لها :
_حسناً اذاً اخبىيني اين طعامي المفضل
فرحت ميلا والدة أمير و ميرا كثيراً و بعثت روبن من اجل ان يحضر طبق المعجنات التي تحبها ميرا و عندما عاد أمسكت ميرا بالطبق و بدأت بالتهام اول قطعة من المعجنات ثم قالت الى والدتها ميلا :
ميرا : لذيذ جداً ، لكن طعم هذه المعجنات تشبه كثيراً طعم تلك المعجنات التي تقومين في صنعها بيداكِ هاذان
ميلا : حسناً لقد كشفتِني مثل عادتك لكنني شعرت بالضجر و لذلك قررت ان أقوم بالطهي لعلي استمتع قليلاً
ميرا : " تستمتعين في ارهاق نفسك " هذا ما تقصدينه يا أمي اليس كذلك ؟
ميلا : ههه آه منك كم انتِ فتاة عنيدة
ميرا : حسناً اذاً لننتظر أمير و نذهب الى مكان ما لنستمتع معاً
ميلا : اوافق على ذلك و لا املك اي اعتراض
ثم بدأتا بالضحك معاً لتتعالى أصوات ضحكاتهم و قهقهاتهم
ها هو أمير يجلس وحيداً بين مقاعد المقهى يصارع كل الذكرى التي مضت و يمسك في صورتها الصغيرة و التي كان دائماً ما يخبئها في جيب معطفه بجانب قلبه ، فلقد اشتاق الى محبوبته شمس التي لطالما كان أسعد انسان على الأرض بسبب وجودها ، لكنها رحلت و لا يمكنها العودة لقد هجرت هذه الحياة لتنعم روحها البريئة و ترحل عن ملوثات هذه الحياة ، و ها هو أمير بقي معلقاً بين ذكراها و ذكرى كل اللحظات التي عاشها مع شمس ، فلقد غابت شمسه و لا يمكنها العودة من أجل ان تشرق من جديد ، لقد فقدها و الى الابد ، لقد بقي في مفرده و لوحده فتراه يصارع هذه الحياة رغماً عنه فلقد فقد روحه و شمس أمله و لم يعد يشعر بأن حياته لها أي معنى ، لكنه مع ذلك سوف يبقى يحارب من أجل اخذ انتقامه في يده فهو أيضاً لقد احتمل ما بكفي و عانى كثيراً من ذلك الشعور اللئيم الا و هو شعور الفقد الذي يفقده شهيته للعيش و الاستمرار في هذه الحياة ، فهذه الحياة سرقت منه أجمل شيء حدث غي حياته فلطالما كانت شمس شمعة نوره و أمله فدائماً ما كانت تزرع به الايجابية و الأمل و الصبر هي دائماً ما كانت تغرس به ثمار الحب و الرحمة و لكنها رحلت ببراءة و دون أي ذنب لقد فقدها و سوف ينتقم من هذه الحياة لأجل فقد أغلى و أثمن ما يملك ..
أخرج صورتها و بدأ يشكي لها عن تعبه و ارهاقه و حياته التي بلا معنى ، لقد كان أمير دائماً ما يسامرها و يحادثها عبر صورتها بدموعه و كأنه لا يزال طفل صغير فقد أثمن شيء بالنسبة له و تراه يبحث عن اي اثر و لو كان بسيطاً من ذلك الشيء الثمين ، لقد كان يشكو لها عن حزنه و بؤسه في هذه الحياة و كان يخبر صورتها في كل الاحداث التي تحصل و تحدث معه في ايامه العادية حتى ، لقد كان يشرح لها كل تفاصيله و حذافيره بشكل تام و كامل دون اي نقص ، لقد اشتاق لها و لشراهتها في تناول الطعام لقد اشتاق أمير الى جميع تفاصيلها كاملة فقلبه لا يملؤه سوى الشوق و الحنين اليها ، لقد كان يبكي كالطفل الصغير لقد كان يود عناقها و لقد كان يريد ضمها الى قلبه من أجل ان لا تفلت منه لقد كان يريدها ان تكون في جانبه دوماً لكن شاء القدر و سلبت الحياة شمسه منه و اعادته الى لعبة النقص و الألم و الفقد ، لقد أصبح أمير يهاب الحياة و بشدة انه يخاف ان يخسر احد ما مجدداً و لقد اصبح يخشى التقرب و التعلق بأي احد فهو يظن بأن كل من في جانبه معرضين للرحيل لقد اصبح انسان يخاف و يخشى تكوين العلاقات و لقد أصبح يترك حواجز صعبة العبور اليه فهو لا يريد اي علاقات جديدة بعد الآن ، هو يكتفي بصورة شمس و ذكرى شمس و طعام شمس المفضل و مشروب شمس المفضل ان امير اصبح يكتفي بتفاصيل شمسه فقط ..
عاد الى القصر بعد ان لملم و جمع فُتاته و أشتاته و بدأ بقرع جرس بوابة القصر و عندما فتحت له ميلا أخبرته النبأ السار الا وهو بأنهم سوف يخرجون لتناول العشاء في الخارج مع بعضهم البعض فقط ، كعائلة صغيرة محبة تشعر في الانتماء الى بعضها البعض ، عندما رأى أمير بريق عينين والدته لم يستطع الاعتراض فكل ما يملكه الآن هو والدته ميلا و توأمه ميرا ثم اخذ الاذن من اجل الاستعداد و ذهب ليهيأ نفسه من أجل عائلته و اذ بصوت انجيلا يعلو و يعلو أكثر فما هو السبب يا ترى..
يتبع..