الفصل الثالث
الفصل
وطلب من هاري أن يصطحب ساندرا معه ، ولما كان الرد بالإيجاب ، التفت اليها ، وبمنتهى الثقة بالنفس وروح التملك قال :
" اذهبي واستعدي للخروج "
رفع هاري دارك حاجبيه دهشة ، وساندرا تقف هناك غير مصدقة ما تسمع !
فكيف يجروء على أن يأمرها هكذا ؟!
إن أي إنسان سوف يرى سلوك باريس فيليب هذا لا بد أن يظن أن لديه السيطرة الكاملة عليها ..
رفعت وجهها اليه وملامحا تضج بالشرر ،
لحظات حاولت فك عقدة لسانها ولكنها لم تستطيع ..
و بدلًا من أن تنطق بكلمات الرفض التي قفزت الى لسانها ، لتتراجع وهي تجد نفسها وبطريقة ما ،
تقبل دعوته وتحدق فيه بنظرات مليئة بالتعجب وكلمات القبول تخرج من بين شفتيها وكأن قلبها يأمرها وهي تطيعه ،
ارتدت ساندرا ثوبا أبيض مزركشا بشريط لامع ، وأزرار صغيرة أرجوانية ، كان الثوب يلتف على جسدها بفتنة طاغية ..
لم تزين وجهها بأكثر من قليل من حمرة الشفاه .
فقد كان وجهها يملك من النضارة والجمال مالم تمتلكه مثيلاتها ، فهي لا تحتاج لأي من أدوات الزينة أو التجميل ،
فقليل من أحمر الشفاه كان كافيًا للغاية ، بل جعلها فتنة تمشي على قدمين ...
نظرت ساندرا لوجهها وهيئتها في المرآة قبل أن تخرج ، تأملت وجهها البريء لتعدل خصلات شعرها بهندام قبل أن تعبر الباب الخارجي ،
كانت أكثر من راضية ومبتسمة على شكلها المتكامل ..
خرجا معا وكان الوقت مساء ، والقمر يتهادى في الفضاء ، والنسيم لطيف عليل وكأنه يشهد هذه الامسية الرائعة المليئة بالمشاعر والاحاسيس ..
شعر ساندرا البراق ينساب برقة على كتفيها ، ناعما كالحرير ، ظل باريس مبهورًا بجماله ،
ولم يتردد ، فتناول برفق خصلة منه ثم ضمها بقوة الى وجهه ، وقال:
" ساندرا ، أنا أحبك ."
قال ذلك بصوت نابض بالحيوية ، وقرّبها منه وهو يردد :
" ساندرا ، أنني احبك ، فانا أستعيد القليل الذي أعرفه من الإنكليزية ، لأقول لك أنني
احبك ، هل تتزوجينني ؟ ."
لم تجيبه بل كانت في عالمها الخاص ،
....
كرر هاري ما قاله برجاء أكبر :
" ساندرا ! بحق السماء ، أين أنت؟."
قال هاري دارك صائحًا وهو يقف قربها على ظهر المركب ، فأعادها صوته من شرودها
العميق في ذكرياتها عن البداية ..
" لقد دق جرس الغداء منذ مدة طويلة ، وبقيت أنتظرك في غرفة الطعام ."
نظر اليها بشيء من الاستغراب وتابع :
" ما بك ؟ هل كنت تحلمين ؟ ."
" إنني آسفة جدا ، يا باريس . "
فضحكت ضحكة عالية بعد
الاعتذار المختصر ، ولكنها تابعت ..
" حقا ، لقد ذهبت بأفكاري أميالا بعيدة كما قلت ."
ثم وقفت ، ووضعت الكتاب تحت ذراعيها ، متجنبة التعابير الغريبة التي بدت على وجه رفيقها .
" تفكرين بباريس فيليب ؟."
تمتم هاري دارك بهذه الكلمات وهو ينظر اليها ، ومما اقلقها أنها أحست بالدم يصعد الى وجهها يوشي بحمرة خفيفة .
" أنا.......انا .".........
" إذن كنت تفكرين فيه ، أليس كذلك؟ حسنا ، فقد كنت اتوقع ذلك ، وإنه لمن الممتع حقا أن ارى ما سيحدث عندما تلتقيان ثانية ."
قالت له بخفوت :
" لا شك أنه تزوج أثناء هذه المدة ."
تحركت ساندرا ، وسار هاري الى جانبها ينزلان الدرج ، ويقودها الى حجرتها ، ومرة اخرى اعتذرت لتأخرها ،
ووعدت أن تصرف أقصر وقت ممكن في غسل وجهها
وتسريح شعرها ، وقالت :
" أرجوك ان تبدا بتناول طعامك ، حتى لا يبرد ."
اخبرها وهو ينظر نحوها :
" لم أطلبه بعد ."
واستمر ينظر اليها نظرات غريبة ،
فاصطنعت ابتسامة حمقاء على وجهها وقالت:
لا تقلق علي ، هاري ، لن أشعر باي ارتباك عندما التقي بباريس ..
كانت متأكدة مما تقول ، ولكنها أرادت ان تؤكده لهاري ، فهي لا تشعر بأية عاطفة نحو باريس فيليب ،
فقد مضت مدة طويلة على ذاك اللقاء البعيد الذي لم تسمح فيه لنفسها أن تتخلى عن قرارها ، ان تبقى عزباء ، حقا أنها لا تشعر بأية عاطفة ..
حينما تفكر بلقاء الرجل الذي كان غضبه كان أكثر من مخيفاً عندما رفضت طلبه . فهي أبدًا لم تتوقع ردة فعلة ..
وبعد لحظات تكلم هاري دارك :
وبعد لحظات تكلم هاري دارك :
إن قلقي ليس عليك يا ساندرا ، إنه على نفسي ."
سألته بتعجب ودهشة طغت على ملامحها :
" على نفسك ؟ ."
ثم أكملت وقد علا العبوس جبينها :
" ماذا تعني ؟."
تخيل هاري شيئا من غبار على كمه النظيف ، فنفضه وقال :
بدأت أحس انه ما كان علي ان أصطحبك معي في هذه المرة ."....
فقاطعته وقد زاد عبوس وجهها :
" هاري ... ما الذي تحاول ان تقوله ؟ ."
أجاب وفي صوته رنة ألم واضحة :
" من الممكن ان أخسرك ، ومن الممكن أيضا ان يكون قد تزوج ، لكن ."..
صمت قليلا وهو ينظر اليها ثم تابع :
" اراهن بكل ما عندي ، أنه ليس متزوجا ."
اتسعت عين ساندرا قائلة بفزع :
" اتريد ان تؤكد أنه يعيش وحيدا بسببي ؟
ثم تابعت بضحكة ساخرة :
الحقيقة أنك تقول اشياء مضحكة ."
أجاب ببطء ولكن بجرأة :
" أنا متأكد لو انه صبر قليلا لنجح في إقناعك بالزواج منه ."
وبثقة تامة أخبرته :
انه لا يستطيع أن يفعل لإقناعي اكثر مما فعلت أنت ، ويبدو انك لا زلت تشك
بإجابتي القطعية الحازمة ، إنني لن أتزوج من أي إنسان ."
اعتدل هاري دارك وهو يتنهد بقوة ، ليقول لها وجهة نظره التي كررها مرارًا بثقة تامة :
انت كثيرة الثقة بنفسك ، ساندرا ، متأكدة من السلاح الذي يحميك ، ولكنني متأكد ، كما سبق وقلت لك ، انك في يوم من الأيام سوف تلتقين بمن يلائمك وتتزوجين منه ." ....
كانت متأكدة مما تقول ، ولكنها أرادت ان تؤكده لهاري ، فهي لا تشعر بأية عاطفة نحو باريس فيليب ،
فقد مضت مدة طويلة على ذاك اللقاء البعيد الذي لم تسمح فيه لنفسها أن تتخلى عن قرارها ، ان تبقى عزباء ، حقا أنها لا تشعر بأية عاطفة ..
حينما تفكر بلقاء الرجل الذي كان غضبه كان أكثر من مخيفاً عندما رفضت طلبه . فهي أبدًا لم تتوقع ردة فعلة ..
وبعد لحظات تكلم هاري دارك :
إن قلقي ليس عليك يا ساندرا ، إنه على نفسي ."
سألته بتعجب ودهشة طغت على ملامحها :
" على نفسك ؟ ."
ثم أكملت وقد علا العبوس جبينها :
" ماذا تعني ؟."
تخيل هاري شيئا من غبار على كمه النظيف ، فنفضه وقال :
بدأت أحس انه ما كان علي ان أصطحبك معي في هذه المرة ."....
فقاطعته وقد زاد عبوس وجهها :
" هاري ... ما الذي تحاول ان تقوله ؟ ."
أجاب وفي صوته رنة ألم واضحة :
" من الممكن ان أخسرك ، ومن الممكن أيضا ان يكون قد تزوج ، لكن ."..
صمت قليلا وهو ينظر اليها ثم تابع :
" اراهن بكل ما عندي ، أنه ليس متزوجا ."
اتسعت عين ساندرا قائلة بفزع :
" اتريد ان تؤكد أنه يعيش وحيدا بسببي ؟
ثم تابعت بضحكة ساخرة :
الحقيقة أنك تقول اشياء مضحكة ."
أجاب ببطء ولكن بجرأة :
" أنا متأكد لو انه صبر قليلا لنجح في إقناعك بالزواج منه ."
وبثقة تامة أخبرته :
انه لا يستطيع أن يفعل لإقناعي اكثر مما فعلت أنت ، ويبدو انك لا زلت تشك
بإجابتي القطعية الحازمة ، إنني لن أتزوج من أي إنسان ."
اعتدل هاري دارك وهو يتنهد بقوة ، ليقول لها وجهة نظره التي كررها مرارًا بثقة تامة :
انت كثيرة الثقة بنفسك ، ساندرا ، متأكدة من السلاح الذي يحميك ، ولكنني متأكد ، كما سبق وقلت لك ، انك في يوم من الأيام سوف تلتقين بمن يلائمك وتتزوجين منه ." ...
انقطع عن الكلام فجأة ، وسار في طريقه وهو يتمتم بأنه سينتظرها في المطعم .
وقفت جامدة في مكانها ، تنظر الى ظهر هاري وهو ينطلق ، وتساءلت في نفسها ،
" تُرى ما الذي كان يريد قوله ومن الذي يعنيه ؟ "
لقد عرفت ساندرا الجواب ، حتى قبل أن تدخل غرفتها ، لا شك انه كان يريد أن يقول
أن باريس فيليب هو نصيبها ...
اخذت جزيرة كاليمنوس تظهر شيئا فشيئا للعيان ، خلال ضباب البحر الكثيف ،
وقفت ساندرا وحيدة قرب الحاجز ، تتطلع الى ذاك المشهد الذي يبعث الكآبة في النفس ، فهي لم ترى مثله في حياتها من قبل .
جزيرة صغيرة ملقاة وسط بحر غارق في الضباب ، يرتفع أكواما أكواما ، كتلك التي
يتخيلها المرء فوق سطح القمر ، وبصعوبة كبيرة استطاعت ساندرا أن تُميز الساحل المتعرج ،
فقد رأته يظهر من خلف سلسلة من الظلال ،
وقد توشح الفراغ بالسواد حتى بدا غامضًا للعيان
ولكنه لم يكن أكثر غموضا من المكان الذي كانت تطل منه .
يا تُرى لماذا ؟!
سألت ساندرا نفسها ، لماذا يختار باريس فيليب أن يعيش على جزيرة مثل هذه خالية من الجمال ، ومُقبضة للنفس ، بل حتى رؤيتها من مسافة بعيدة يبدوا قاتمًا وخانقًا ،
بينما يمكنه ان ينتقي أيا من أكثر من مائة جزيرة يونانية غير مأهولة ؟...
" أنه منظر يدعو الى الكآبة ، أليس كذلك ؟ ."
كان صوت هاري الى جانبها ، فاستدارت نحوه ، وأحنت رأسها موافقة على كلامه ،
وقالت :
" إنني لأعجب لماذا اختار باريس فيليب هذه الجزيرة لسكناه ، يا ترى ؟ ."
هز هاري كتفيه ، وهو يقول لها :
" لكل إمرىء اختياره ، لا شك أنه يجد في هذا المكان ما يجعله يحبذ العيش فيه ، فمن جهتي أنا قد اعيش قريبا في صحراء !."
منحته ساندرا ابتسامة عابرة ولم تعلق بشيء .
أطلقت الباخرة صفارتها تنذر بوصولها الى المرفأ ، ومن خلال الضباب استطاعت ساندرا ،
ان ترى اناسا يقفون الى جانب الرصيف ، وتساءلت ، ترى من يكون هؤلاء الناس ؟
أتراهم ينتظرون ليقلعوا على الباخرة ؟ ام أصدقاء واقرباء جاؤوا ليستقبلوا القادمين ؟
ولكن باريس فيليب ليس بينهم ، وهي تعرف ذلك ، فقد اخبرها هاري من قبل ان الترتيبات قد أعدت لتكون المناقشة في منزله .
تأففت بضيق فقد كانت تفضّل أن يكون اللقاء بينهما في قاعة الفندق مثلا ، ولكن ما دام الأمر ليس كما تريد فعليها ان تذعن للواقع .
استأجر هاري سيارة في الحال ..
سار قائد السيارة بهما على طول الطريق المحاذي للميناء قبل ان تبدأ بالصعود الى التلال .
كان السائق يقود بشكل جنوني ، وسط شوارع ضيقة ، حيث المنازل جميلة مزينة بالأزهار ، بينما تنظر ساندرا الى ما ترى باستغراب شديد .
" حسنا ، الشمس بدأت أولى محاولاتها للظهور على الاقل ."
القى هاري ملاحظته تلك وهو ينظر الى بيت ابيض يتربع على سفح التل الذي كانوا يتوجهون نحوه .
ثم تابع حديثه :
" يا حبذا لو أن السائق يخفف من سرعته حتى استمتع بهذه قليلا بهذه الرحلة ."
فقالت ساندرا وما زالت علامات الدهشة بادية على وجهها :
" وانا أيضا ، يبدو أنها جزيرة جميلة ، و أخيرا سأرى بعض المناظر التي تُشرح القلب ."....
في تلك اللحظة ، في اللحظة التي تكلمت فيها ساندرا ،
اشرقت اشعة الشمس على الجبال العالية ،
بينما الغيوم أخذت تنقشع بسرعة عبر السماء ، تاركة وراءها سلسلة من الألوان الزرقاء البراقة .
" جميل ، رائع ، أليس كذلك ؟ فقط ، ألقي نظرة هناك ."!
قالها هاري وهو ينظر بانبهار عبر النافذة ..
التفتت ساندرا حيث اشار لتحدق بدهشة الى المشهد الذي امامها ، لقد القت الشمس اشعتها برقة على سطح البحر الممتد ، فوشحته بزرقة سماوية اخّاذة ، ولانت قسوت الجبال ، فبدت كأنها تنثني بلطف تحت الخيوط الذهبية التي تتسلل من الشمس فتزيل عنها آخر ما تبقّى من ضباب ،
وبينها وبين كل هذا ، الحدائق التي تخلب اللب وتجتذب الأنظار موشحة بأروع الألوان ..
تحدثت ساندرا الى رفيقها وهي مأخوذة بما ترى ومن غير أن تلتفت اليه :
" أي تحول هو هذا ، وفي غضون دقائق قليلة ؟ ترى هل الطقس متقلب ايضا كما
الحال في المناظر ؟ ."
اجابها وهو ينظر للمنظر الرائع أمامه :
" إنه الأن أصبح أكثر دفئًا ."
اخذت عينا ساندرا تنتقلان من الجبال الى النهر الجاف الذي كان يُرى من تلك البقعة ،
يشق النهر طريقه نحو الخليج الذهبي العميق تزين شاطئيه اشجار الدقل بأزهار بيضاء اللون وزهرية ،
ثم الى بساتين الليمون والبرتقال تنعكس عليها اشعة الشمس فتبدو وضّاءة نضرة ،
تكتنفها تلك البيوت البيضاء من كل جانب .
والى اشجار الزيتون التي ولو عبث بها الزمان ، وبدا لونها اقل توهجًا ، إلا أنه بقي أخاذا رغم مرور السنين ،
وبقيت أوراقها الرمادية الفضية تتراقص تحت ضياء السماء
كلما داعبها النسيم .
واستمرت السيارة بالصعود ، حتى غدت الجبال اقل كثافة ، وبدت الأشجار في اعاليها جرداء تماما .
ثم اخذت السيارة في الهبوط ، فأحسا بشيء من الارتياح ، ومرة اخرى عادت الأرض تبدو ناعمة ، و رقيقة ، وملوّنة بالورود على أنواعها ..
لتتوجه اشجار السرو الشامخة التي تشتهر بها بلاد اليونان أمام عينهم المنبهرة .
وهناك في اسفل التلال عبر الطريق التي كانوا يمرون فيها كانت تستلقي مياه بحر إيجه
، تماوج بدلال ، وتمتد نحو الأفق البعيد .
" ذاك هو البيت ."
أخيرا نطق السائق ، وهو يشير نحو فيلا كبيرة الحجم تبهر النظر، تقف بجلال على رابية سهلة ،
نصبت فيها الشجار وفي وسطها جدول ماء صغير عرج عليها في طريقه ،
قبل ان يصب في شلال صغير ، تتلألأ مياهه تحت وهج الشمس ، فيقف الرائي أمامه مذهولا ، ثم يسكب ماءه في النهر .
أما الفيلا نفسها ،
فكانت كلما اقتربوا منها تبدو أكثر روعة وفخامة لا شك أنها فريدة في رونقها وجمالها ،
ولا يمكن أن يكون لها مثيل في أنحاء الجزيرة كلها ، كانت الفيلا تمتلك من الزخارف ما يخطف الانفاس ، وكما لم تزخرف اية فيلا اخرى مثلها ،
ولم تتمكن ساندرا إلا ان تعترف بأن المنزل كان تحفة
رائعة .
وفي اتجاه البحر وعلى صخرة شاهقة كان يقوم قصر عظيم غني عن الوصف ، أشار اليه السائق وقال :
" هناك يعيش الثري اليوناني مع زوجته الإنكليزية ."
وبالرغم من عظمة القصر وغرابة موقعه ، وسحر المناظر التي تحيط به ، بالرغم من
سماعها ان فتاة إنكليزية تسكن هناك فإن اهتمام ساندرا كان منصبا على فيلا باريس فيليب ،
تلك الفيلا التي كان يمكن أن تكون هي صاحبتها ، وهي التي تعيش فيها ، تتمتع بكل هذا السحر والجمال لو أنها فقط قبلت أن تكون زوجة مالكها ، بل وزوجته المحبوبة أيضاً ..
تذكرت ساندرا ، كم أحبها باريس وكم كان حبه صادقا وعميقا .
كان هاري يتفحصها بنظرة جانبية ، فنحت وجهها عنه لتخفي احمرار وجهها ،
متمنية لو أن الصفقة التي جاءوا من أجلها قد ألغيت من أصلها وكانت هي وهاري في طريق العودة الى بلدهما .
" هنا ! ."
قاد السائق السيارة ببطء ، ثم توقف وقفز يفتح الباب لساندرا كي تهبط من السيارة ، وعلق قائلا :
" إنه بيت جميل ، أليس كذلك ؟ ."
ابتسمت ساندرا وثنت على قوله :
" نعم إنه جميل جدا ."
اكمل السائق بحماس :
" لقد كلف السيد باريس فيليب مبالغ طائلة من المال ، فهو رجل ثري جدا ، وكذلك جميع ذويه ."
كان هاري يتلمس جبينه ، واعطى السائق أجرته ، ومرة أخرى ابتسمت له ساندرا عندما لاحظت عينيه تشعان سرورا .
قال السائق وهو يمد يده في جيبه ليعطيه كارت شخصي :
" شكرا سيدي ! هذا هو رقم هاتفي .".
اعطاه الرقم ثم تابع :
" سوف اعيدك الى المدينة عندما تطلب مني ذلك ."
أخذ منه هاري الورقة وهو يؤكد على كلامه :
" نعم ، ارى أنك أنت ، وانت فقط الذي سيرجعنا الى المدينة ."
فقال قبل أن يعود ثانية الى السيارة :
" يوما سعيدا سيدي ، سيدتي ! ."
فخرج جوابهما معا :
" الى اللقاء وشكرا ."
وبعد ان ودعته ساندرا بنظراتها ايضا التفتت لتنظر الى الفيلا من قرب ، بيضاء ، براقة ، تستلقي وسط جنائن أخاذة الألوان والرائحة .
استطاعت ساندرا أن ترى من خلال شجيرات مزهرة بركة سباحة فسيحة ، ترتفع وراءها أشجار السرو العالية تتمايل بخفة كلما داعبها نسيم البحر العليل .
ومضت السيارة في طريقها من خلفهم تحدث صوتا مزعجًا .
فُتح باب الفيلا حتى قبل ان تصعد ساندرا وهاري الدرجات الرخامية البيضاء التي تؤدي اليه ،
حيث كان منعطف يوصل الى فناء واسع مرصوف ، فيه أحواض أزهار تمتد على طول الواجهة الأمامية للفيلا ،
كما كانت ترتفع أعمدة عالية بيضاء على
جانبي الدرجات ، يلتف حولها نبات غريب المنظر ، رائع الشكل بأزهار بنفسجية اللون خاطفة للأنفاس .
لا شك أن الرجل الذي فتح الباب كان خادما فابتسم لهما بلطف ، وقال بلغة إنكليزية ممتازة :
" تفضلا بالدخول ، فسيدي يتوقع قدومكما ."
وبهدوء دعا هاري للدخول قبل السكرتيرة ، ولكن هاري دارك تنحى قليلا ، ولمس كتفيها يقدمها امامه ، مما جعل الخادم يعتذر بلطف :
" إنني آسف سيدتي ، كان يجب علي ان ادعوك الى الدخول أولا ، عفوا ! والآن سآخذكما الى سيدي ."
كان المدخل عبارة عن قاعة واسعة ، مؤثثة بأجمل الأثاث وأفخرها ، مما يدل على ذوق رفيع ، وقيمة غالية ،
بينما القطع الأثرية النادرة موضوعة في كل مكان مناسب من القاعة ،
وفي إحدى الزوايا وعاء كبير فضي وضع على قاعدة واسعة فضية أيضا ممتلئ بالورود الصفراء والحمراء .
كان المنظر بأكمله غاية في الجمال ..
وقف رجل عند دخولهما ، وتقدم نحوهما ،
بينما تسمرت ساندرا مكانها وحدقت فيه ، لا تكاد تصدق اذنيها ، عندما قدم نفسه الى هاري .
" باريس فيليب ."
رددت ساندرا في نفسها ، باريس ! لا ، لا يمكن أن يكون ، لا يمكن أن يكون هذا باريس فيليب !
هذا الرجل الضخم الخشن ، بهاتين العينين اللتين تشع منهما القسوة ، والخطوط القاسية العميقة التي تبدو على وجهه .
هزت راسها بألم ، وكان عليها أن تُصدق ان هذا هو نفس الرجل الذي عرفته من قبل ، الرجل الرقيق اللطيف الجميل الجذاب .
رددت بخفوت :
" يا ألهي .. ما الذي حدث ؟! "
وطلب من هاري أن يصطحب ساندرا معه ، ولما كان الرد بالإيجاب ، التفت اليها ، وبمنتهى الثقة بالنفس وروح التملك قال :
" اذهبي واستعدي للخروج "
رفع هاري دارك حاجبيه دهشة ، وساندرا تقف هناك غير مصدقة ما تسمع !
فكيف يجروء على أن يأمرها هكذا ؟!
إن أي إنسان سوف يرى سلوك باريس فيليب هذا لا بد أن يظن أن لديه السيطرة الكاملة عليها ..
رفعت وجهها اليه وملامحا تضج بالشرر ،
لحظات حاولت فك عقدة لسانها ولكنها لم تستطيع ..
و بدلًا من أن تنطق بكلمات الرفض التي قفزت الى لسانها ، لتتراجع وهي تجد نفسها وبطريقة ما ،
تقبل دعوته وتحدق فيه بنظرات مليئة بالتعجب وكلمات القبول تخرج من بين شفتيها وكأن قلبها يأمرها وهي تطيعه ،
ارتدت ساندرا ثوبا أبيض مزركشا بشريط لامع ، وأزرار صغيرة أرجوانية ، كان الثوب يلتف على جسدها بفتنة طاغية ..
لم تزين وجهها بأكثر من قليل من حمرة الشفاه .
فقد كان وجهها يملك من النضارة والجمال مالم تمتلكه مثيلاتها ، فهي لا تحتاج لأي من أدوات الزينة أو التجميل ،
فقليل من أحمر الشفاه كان كافيًا للغاية ، بل جعلها فتنة تمشي على قدمين ...
نظرت ساندرا لوجهها وهيئتها في المرآة قبل أن تخرج ، تأملت وجهها البريء لتعدل خصلات شعرها بهندام قبل أن تعبر الباب الخارجي ،
كانت أكثر من راضية ومبتسمة على شكلها المتكامل ..
خرجا معا وكان الوقت مساء ، والقمر يتهادى في الفضاء ، والنسيم لطيف عليل وكأنه يشهد هذه الامسية الرائعة المليئة بالمشاعر والاحاسيس ..
شعر ساندرا البراق ينساب برقة على كتفيها ، ناعما كالحرير ، ظل باريس مبهورًا بجماله ،
ولم يتردد ، فتناول برفق خصلة منه ثم ضمها بقوة الى وجهه ، وقال:
" ساندرا ، أنا أحبك ."
قال ذلك بصوت نابض بالحيوية ، وقرّبها منه وهو يردد :
" ساندرا ، أنني احبك ، فانا أستعيد القليل الذي أعرفه من الإنكليزية ، لأقول لك أنني
احبك ، هل تتزوجينني ؟ ."
لم تجيبه بل كانت في عالمها الخاص ،
....
كرر هاري ما قاله برجاء أكبر :
" ساندرا ! بحق السماء ، أين أنت؟."
قال هاري دارك صائحًا وهو يقف قربها على ظهر المركب ، فأعادها صوته من شرودها
العميق في ذكرياتها عن البداية ..
" لقد دق جرس الغداء منذ مدة طويلة ، وبقيت أنتظرك في غرفة الطعام ."
نظر اليها بشيء من الاستغراب وتابع :
" ما بك ؟ هل كنت تحلمين ؟ ."
" إنني آسفة جدا ، يا باريس . "
فضحكت ضحكة عالية بعد
الاعتذار المختصر ، ولكنها تابعت ..
" حقا ، لقد ذهبت بأفكاري أميالا بعيدة كما قلت ."
ثم وقفت ، ووضعت الكتاب تحت ذراعيها ، متجنبة التعابير الغريبة التي بدت على وجه رفيقها .
" تفكرين بباريس فيليب ؟."
تمتم هاري دارك بهذه الكلمات وهو ينظر اليها ، ومما اقلقها أنها أحست بالدم يصعد الى وجهها يوشي بحمرة خفيفة .
" أنا.......انا .".........
" إذن كنت تفكرين فيه ، أليس كذلك؟ حسنا ، فقد كنت اتوقع ذلك ، وإنه لمن الممتع حقا أن ارى ما سيحدث عندما تلتقيان ثانية ."
قالت له بخفوت :
" لا شك أنه تزوج أثناء هذه المدة ."
تحركت ساندرا ، وسار هاري الى جانبها ينزلان الدرج ، ويقودها الى حجرتها ، ومرة اخرى اعتذرت لتأخرها ،
ووعدت أن تصرف أقصر وقت ممكن في غسل وجهها
وتسريح شعرها ، وقالت :
" أرجوك ان تبدا بتناول طعامك ، حتى لا يبرد ."
اخبرها وهو ينظر نحوها :
" لم أطلبه بعد ."
واستمر ينظر اليها نظرات غريبة ،
فاصطنعت ابتسامة حمقاء على وجهها وقالت:
لا تقلق علي ، هاري ، لن أشعر باي ارتباك عندما التقي بباريس ..
كانت متأكدة مما تقول ، ولكنها أرادت ان تؤكده لهاري ، فهي لا تشعر بأية عاطفة نحو باريس فيليب ،
فقد مضت مدة طويلة على ذاك اللقاء البعيد الذي لم تسمح فيه لنفسها أن تتخلى عن قرارها ، ان تبقى عزباء ، حقا أنها لا تشعر بأية عاطفة ..
حينما تفكر بلقاء الرجل الذي كان غضبه كان أكثر من مخيفاً عندما رفضت طلبه . فهي أبدًا لم تتوقع ردة فعلة ..
وبعد لحظات تكلم هاري دارك :
وبعد لحظات تكلم هاري دارك :
إن قلقي ليس عليك يا ساندرا ، إنه على نفسي ."
سألته بتعجب ودهشة طغت على ملامحها :
" على نفسك ؟ ."
ثم أكملت وقد علا العبوس جبينها :
" ماذا تعني ؟."
تخيل هاري شيئا من غبار على كمه النظيف ، فنفضه وقال :
بدأت أحس انه ما كان علي ان أصطحبك معي في هذه المرة ."....
فقاطعته وقد زاد عبوس وجهها :
" هاري ... ما الذي تحاول ان تقوله ؟ ."
أجاب وفي صوته رنة ألم واضحة :
" من الممكن ان أخسرك ، ومن الممكن أيضا ان يكون قد تزوج ، لكن ."..
صمت قليلا وهو ينظر اليها ثم تابع :
" اراهن بكل ما عندي ، أنه ليس متزوجا ."
اتسعت عين ساندرا قائلة بفزع :
" اتريد ان تؤكد أنه يعيش وحيدا بسببي ؟
ثم تابعت بضحكة ساخرة :
الحقيقة أنك تقول اشياء مضحكة ."
أجاب ببطء ولكن بجرأة :
" أنا متأكد لو انه صبر قليلا لنجح في إقناعك بالزواج منه ."
وبثقة تامة أخبرته :
انه لا يستطيع أن يفعل لإقناعي اكثر مما فعلت أنت ، ويبدو انك لا زلت تشك
بإجابتي القطعية الحازمة ، إنني لن أتزوج من أي إنسان ."
اعتدل هاري دارك وهو يتنهد بقوة ، ليقول لها وجهة نظره التي كررها مرارًا بثقة تامة :
انت كثيرة الثقة بنفسك ، ساندرا ، متأكدة من السلاح الذي يحميك ، ولكنني متأكد ، كما سبق وقلت لك ، انك في يوم من الأيام سوف تلتقين بمن يلائمك وتتزوجين منه ." ....
كانت متأكدة مما تقول ، ولكنها أرادت ان تؤكده لهاري ، فهي لا تشعر بأية عاطفة نحو باريس فيليب ،
فقد مضت مدة طويلة على ذاك اللقاء البعيد الذي لم تسمح فيه لنفسها أن تتخلى عن قرارها ، ان تبقى عزباء ، حقا أنها لا تشعر بأية عاطفة ..
حينما تفكر بلقاء الرجل الذي كان غضبه كان أكثر من مخيفاً عندما رفضت طلبه . فهي أبدًا لم تتوقع ردة فعلة ..
وبعد لحظات تكلم هاري دارك :
إن قلقي ليس عليك يا ساندرا ، إنه على نفسي ."
سألته بتعجب ودهشة طغت على ملامحها :
" على نفسك ؟ ."
ثم أكملت وقد علا العبوس جبينها :
" ماذا تعني ؟."
تخيل هاري شيئا من غبار على كمه النظيف ، فنفضه وقال :
بدأت أحس انه ما كان علي ان أصطحبك معي في هذه المرة ."....
فقاطعته وقد زاد عبوس وجهها :
" هاري ... ما الذي تحاول ان تقوله ؟ ."
أجاب وفي صوته رنة ألم واضحة :
" من الممكن ان أخسرك ، ومن الممكن أيضا ان يكون قد تزوج ، لكن ."..
صمت قليلا وهو ينظر اليها ثم تابع :
" اراهن بكل ما عندي ، أنه ليس متزوجا ."
اتسعت عين ساندرا قائلة بفزع :
" اتريد ان تؤكد أنه يعيش وحيدا بسببي ؟
ثم تابعت بضحكة ساخرة :
الحقيقة أنك تقول اشياء مضحكة ."
أجاب ببطء ولكن بجرأة :
" أنا متأكد لو انه صبر قليلا لنجح في إقناعك بالزواج منه ."
وبثقة تامة أخبرته :
انه لا يستطيع أن يفعل لإقناعي اكثر مما فعلت أنت ، ويبدو انك لا زلت تشك
بإجابتي القطعية الحازمة ، إنني لن أتزوج من أي إنسان ."
اعتدل هاري دارك وهو يتنهد بقوة ، ليقول لها وجهة نظره التي كررها مرارًا بثقة تامة :
انت كثيرة الثقة بنفسك ، ساندرا ، متأكدة من السلاح الذي يحميك ، ولكنني متأكد ، كما سبق وقلت لك ، انك في يوم من الأيام سوف تلتقين بمن يلائمك وتتزوجين منه ." ...
انقطع عن الكلام فجأة ، وسار في طريقه وهو يتمتم بأنه سينتظرها في المطعم .
وقفت جامدة في مكانها ، تنظر الى ظهر هاري وهو ينطلق ، وتساءلت في نفسها ،
" تُرى ما الذي كان يريد قوله ومن الذي يعنيه ؟ "
لقد عرفت ساندرا الجواب ، حتى قبل أن تدخل غرفتها ، لا شك انه كان يريد أن يقول
أن باريس فيليب هو نصيبها ...
اخذت جزيرة كاليمنوس تظهر شيئا فشيئا للعيان ، خلال ضباب البحر الكثيف ،
وقفت ساندرا وحيدة قرب الحاجز ، تتطلع الى ذاك المشهد الذي يبعث الكآبة في النفس ، فهي لم ترى مثله في حياتها من قبل .
جزيرة صغيرة ملقاة وسط بحر غارق في الضباب ، يرتفع أكواما أكواما ، كتلك التي
يتخيلها المرء فوق سطح القمر ، وبصعوبة كبيرة استطاعت ساندرا أن تُميز الساحل المتعرج ،
فقد رأته يظهر من خلف سلسلة من الظلال ،
وقد توشح الفراغ بالسواد حتى بدا غامضًا للعيان
ولكنه لم يكن أكثر غموضا من المكان الذي كانت تطل منه .
يا تُرى لماذا ؟!
سألت ساندرا نفسها ، لماذا يختار باريس فيليب أن يعيش على جزيرة مثل هذه خالية من الجمال ، ومُقبضة للنفس ، بل حتى رؤيتها من مسافة بعيدة يبدوا قاتمًا وخانقًا ،
بينما يمكنه ان ينتقي أيا من أكثر من مائة جزيرة يونانية غير مأهولة ؟...
" أنه منظر يدعو الى الكآبة ، أليس كذلك ؟ ."
كان صوت هاري الى جانبها ، فاستدارت نحوه ، وأحنت رأسها موافقة على كلامه ،
وقالت :
" إنني لأعجب لماذا اختار باريس فيليب هذه الجزيرة لسكناه ، يا ترى ؟ ."
هز هاري كتفيه ، وهو يقول لها :
" لكل إمرىء اختياره ، لا شك أنه يجد في هذا المكان ما يجعله يحبذ العيش فيه ، فمن جهتي أنا قد اعيش قريبا في صحراء !."
منحته ساندرا ابتسامة عابرة ولم تعلق بشيء .
أطلقت الباخرة صفارتها تنذر بوصولها الى المرفأ ، ومن خلال الضباب استطاعت ساندرا ،
ان ترى اناسا يقفون الى جانب الرصيف ، وتساءلت ، ترى من يكون هؤلاء الناس ؟
أتراهم ينتظرون ليقلعوا على الباخرة ؟ ام أصدقاء واقرباء جاؤوا ليستقبلوا القادمين ؟
ولكن باريس فيليب ليس بينهم ، وهي تعرف ذلك ، فقد اخبرها هاري من قبل ان الترتيبات قد أعدت لتكون المناقشة في منزله .
تأففت بضيق فقد كانت تفضّل أن يكون اللقاء بينهما في قاعة الفندق مثلا ، ولكن ما دام الأمر ليس كما تريد فعليها ان تذعن للواقع .
استأجر هاري سيارة في الحال ..
سار قائد السيارة بهما على طول الطريق المحاذي للميناء قبل ان تبدأ بالصعود الى التلال .
كان السائق يقود بشكل جنوني ، وسط شوارع ضيقة ، حيث المنازل جميلة مزينة بالأزهار ، بينما تنظر ساندرا الى ما ترى باستغراب شديد .
" حسنا ، الشمس بدأت أولى محاولاتها للظهور على الاقل ."
القى هاري ملاحظته تلك وهو ينظر الى بيت ابيض يتربع على سفح التل الذي كانوا يتوجهون نحوه .
ثم تابع حديثه :
" يا حبذا لو أن السائق يخفف من سرعته حتى استمتع بهذه قليلا بهذه الرحلة ."
فقالت ساندرا وما زالت علامات الدهشة بادية على وجهها :
" وانا أيضا ، يبدو أنها جزيرة جميلة ، و أخيرا سأرى بعض المناظر التي تُشرح القلب ."....
في تلك اللحظة ، في اللحظة التي تكلمت فيها ساندرا ،
اشرقت اشعة الشمس على الجبال العالية ،
بينما الغيوم أخذت تنقشع بسرعة عبر السماء ، تاركة وراءها سلسلة من الألوان الزرقاء البراقة .
" جميل ، رائع ، أليس كذلك ؟ فقط ، ألقي نظرة هناك ."!
قالها هاري وهو ينظر بانبهار عبر النافذة ..
التفتت ساندرا حيث اشار لتحدق بدهشة الى المشهد الذي امامها ، لقد القت الشمس اشعتها برقة على سطح البحر الممتد ، فوشحته بزرقة سماوية اخّاذة ، ولانت قسوت الجبال ، فبدت كأنها تنثني بلطف تحت الخيوط الذهبية التي تتسلل من الشمس فتزيل عنها آخر ما تبقّى من ضباب ،
وبينها وبين كل هذا ، الحدائق التي تخلب اللب وتجتذب الأنظار موشحة بأروع الألوان ..
تحدثت ساندرا الى رفيقها وهي مأخوذة بما ترى ومن غير أن تلتفت اليه :
" أي تحول هو هذا ، وفي غضون دقائق قليلة ؟ ترى هل الطقس متقلب ايضا كما
الحال في المناظر ؟ ."
اجابها وهو ينظر للمنظر الرائع أمامه :
" إنه الأن أصبح أكثر دفئًا ."
اخذت عينا ساندرا تنتقلان من الجبال الى النهر الجاف الذي كان يُرى من تلك البقعة ،
يشق النهر طريقه نحو الخليج الذهبي العميق تزين شاطئيه اشجار الدقل بأزهار بيضاء اللون وزهرية ،
ثم الى بساتين الليمون والبرتقال تنعكس عليها اشعة الشمس فتبدو وضّاءة نضرة ،
تكتنفها تلك البيوت البيضاء من كل جانب .
والى اشجار الزيتون التي ولو عبث بها الزمان ، وبدا لونها اقل توهجًا ، إلا أنه بقي أخاذا رغم مرور السنين ،
وبقيت أوراقها الرمادية الفضية تتراقص تحت ضياء السماء
كلما داعبها النسيم .
واستمرت السيارة بالصعود ، حتى غدت الجبال اقل كثافة ، وبدت الأشجار في اعاليها جرداء تماما .
ثم اخذت السيارة في الهبوط ، فأحسا بشيء من الارتياح ، ومرة اخرى عادت الأرض تبدو ناعمة ، و رقيقة ، وملوّنة بالورود على أنواعها ..
لتتوجه اشجار السرو الشامخة التي تشتهر بها بلاد اليونان أمام عينهم المنبهرة .
وهناك في اسفل التلال عبر الطريق التي كانوا يمرون فيها كانت تستلقي مياه بحر إيجه
، تماوج بدلال ، وتمتد نحو الأفق البعيد .
" ذاك هو البيت ."
أخيرا نطق السائق ، وهو يشير نحو فيلا كبيرة الحجم تبهر النظر، تقف بجلال على رابية سهلة ،
نصبت فيها الشجار وفي وسطها جدول ماء صغير عرج عليها في طريقه ،
قبل ان يصب في شلال صغير ، تتلألأ مياهه تحت وهج الشمس ، فيقف الرائي أمامه مذهولا ، ثم يسكب ماءه في النهر .
أما الفيلا نفسها ،
فكانت كلما اقتربوا منها تبدو أكثر روعة وفخامة لا شك أنها فريدة في رونقها وجمالها ،
ولا يمكن أن يكون لها مثيل في أنحاء الجزيرة كلها ، كانت الفيلا تمتلك من الزخارف ما يخطف الانفاس ، وكما لم تزخرف اية فيلا اخرى مثلها ،
ولم تتمكن ساندرا إلا ان تعترف بأن المنزل كان تحفة
رائعة .
وفي اتجاه البحر وعلى صخرة شاهقة كان يقوم قصر عظيم غني عن الوصف ، أشار اليه السائق وقال :
" هناك يعيش الثري اليوناني مع زوجته الإنكليزية ."
وبالرغم من عظمة القصر وغرابة موقعه ، وسحر المناظر التي تحيط به ، بالرغم من
سماعها ان فتاة إنكليزية تسكن هناك فإن اهتمام ساندرا كان منصبا على فيلا باريس فيليب ،
تلك الفيلا التي كان يمكن أن تكون هي صاحبتها ، وهي التي تعيش فيها ، تتمتع بكل هذا السحر والجمال لو أنها فقط قبلت أن تكون زوجة مالكها ، بل وزوجته المحبوبة أيضاً ..
تذكرت ساندرا ، كم أحبها باريس وكم كان حبه صادقا وعميقا .
كان هاري يتفحصها بنظرة جانبية ، فنحت وجهها عنه لتخفي احمرار وجهها ،
متمنية لو أن الصفقة التي جاءوا من أجلها قد ألغيت من أصلها وكانت هي وهاري في طريق العودة الى بلدهما .
" هنا ! ."
قاد السائق السيارة ببطء ، ثم توقف وقفز يفتح الباب لساندرا كي تهبط من السيارة ، وعلق قائلا :
" إنه بيت جميل ، أليس كذلك ؟ ."
ابتسمت ساندرا وثنت على قوله :
" نعم إنه جميل جدا ."
اكمل السائق بحماس :
" لقد كلف السيد باريس فيليب مبالغ طائلة من المال ، فهو رجل ثري جدا ، وكذلك جميع ذويه ."
كان هاري يتلمس جبينه ، واعطى السائق أجرته ، ومرة أخرى ابتسمت له ساندرا عندما لاحظت عينيه تشعان سرورا .
قال السائق وهو يمد يده في جيبه ليعطيه كارت شخصي :
" شكرا سيدي ! هذا هو رقم هاتفي .".
اعطاه الرقم ثم تابع :
" سوف اعيدك الى المدينة عندما تطلب مني ذلك ."
أخذ منه هاري الورقة وهو يؤكد على كلامه :
" نعم ، ارى أنك أنت ، وانت فقط الذي سيرجعنا الى المدينة ."
فقال قبل أن يعود ثانية الى السيارة :
" يوما سعيدا سيدي ، سيدتي ! ."
فخرج جوابهما معا :
" الى اللقاء وشكرا ."
وبعد ان ودعته ساندرا بنظراتها ايضا التفتت لتنظر الى الفيلا من قرب ، بيضاء ، براقة ، تستلقي وسط جنائن أخاذة الألوان والرائحة .
استطاعت ساندرا أن ترى من خلال شجيرات مزهرة بركة سباحة فسيحة ، ترتفع وراءها أشجار السرو العالية تتمايل بخفة كلما داعبها نسيم البحر العليل .
ومضت السيارة في طريقها من خلفهم تحدث صوتا مزعجًا .
فُتح باب الفيلا حتى قبل ان تصعد ساندرا وهاري الدرجات الرخامية البيضاء التي تؤدي اليه ،
حيث كان منعطف يوصل الى فناء واسع مرصوف ، فيه أحواض أزهار تمتد على طول الواجهة الأمامية للفيلا ،
كما كانت ترتفع أعمدة عالية بيضاء على
جانبي الدرجات ، يلتف حولها نبات غريب المنظر ، رائع الشكل بأزهار بنفسجية اللون خاطفة للأنفاس .
لا شك أن الرجل الذي فتح الباب كان خادما فابتسم لهما بلطف ، وقال بلغة إنكليزية ممتازة :
" تفضلا بالدخول ، فسيدي يتوقع قدومكما ."
وبهدوء دعا هاري للدخول قبل السكرتيرة ، ولكن هاري دارك تنحى قليلا ، ولمس كتفيها يقدمها امامه ، مما جعل الخادم يعتذر بلطف :
" إنني آسف سيدتي ، كان يجب علي ان ادعوك الى الدخول أولا ، عفوا ! والآن سآخذكما الى سيدي ."
كان المدخل عبارة عن قاعة واسعة ، مؤثثة بأجمل الأثاث وأفخرها ، مما يدل على ذوق رفيع ، وقيمة غالية ،
بينما القطع الأثرية النادرة موضوعة في كل مكان مناسب من القاعة ،
وفي إحدى الزوايا وعاء كبير فضي وضع على قاعدة واسعة فضية أيضا ممتلئ بالورود الصفراء والحمراء .
كان المنظر بأكمله غاية في الجمال ..
وقف رجل عند دخولهما ، وتقدم نحوهما ،
بينما تسمرت ساندرا مكانها وحدقت فيه ، لا تكاد تصدق اذنيها ، عندما قدم نفسه الى هاري .
" باريس فيليب ."
رددت ساندرا في نفسها ، باريس ! لا ، لا يمكن أن يكون ، لا يمكن أن يكون هذا باريس فيليب !
هذا الرجل الضخم الخشن ، بهاتين العينين اللتين تشع منهما القسوة ، والخطوط القاسية العميقة التي تبدو على وجهه .
هزت راسها بألم ، وكان عليها أن تُصدق ان هذا هو نفس الرجل الذي عرفته من قبل ، الرجل الرقيق اللطيف الجميل الجذاب .
رددت بخفوت :
" يا ألهي .. ما الذي حدث ؟! "