حب من الماضي

عمار أحمد`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-03-18ضع على الرف
  • 64K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الاول

كان هاري هو الذي يسأل، وبدون أن تدري، جاء باريس فيليب أمام عينيها ذلك اليوناني الجميل، الذي مضت ثماني سنوات منذ صدته نهائيا، ورفضت الزواج منه وخرج من حياتها إلى الأبد.

ومع ذلك فهي لا زالت تستعيد صورته، كلما مرت بعرض زواج جديد



كان فكه مشدودا قويا، ولكن كثيرا ما يتراخى عندما يرسل الضحكات المرحة والتي كانت وقتها محببة إلى قلبها



كما أن وجهه كان يبدو فيه اللين والرقة دائما، خصوصا عندما كان يراها أمامه



إنه اجمل من شاهدت في حياتها، لم تره أنثى إلا وتمنت الزواج منه، هذا ما لم تستطع



ساندرا أن تنساه أو تنكره ، ولكنها مع كل تلك الاسباب التي لا يرفضها عاقل رفضته!

رفضته لا لأي سبب، إلا لموقف إتخذته



هي ضد الزواج، بسبب فشل زواج أختيها الحبيبتان!

فأختاها فتاتان جميلتان فاتنتان،

تزوجت كل منهما زواجا موفقا، كما كان يبدو لكل الناس وقتها!



فقد تزوجت أختها جيني من شخصية مرموقة، رجل ذو لقب رفيع، شديد الغنى



أما أختها الثانية مارثا فقد كان زوجها مخرجا سينمائيا واسع الثراء أيضا.

وكانت والدتها السيدة مولي، تقول لها دائمًا

أتمنى لك زيجة جيدة مثل اختيك،



وعندها أكون اسعد ام في العالم

ولكن على غير ما كانت تتوقع أمها ولأسفها الشديد فإن زواج إبنتها جيني باء



بالفشل، فقد احب الزوج إمرأة أخرى، مقتنعا ان المال يمكن أن يعوض عن الخيانة



الزوجية، فاعطاها منزلا ودخلا ثابتا تعيش منه مدى الحياة.

ولما كانت جيني تحب هذا الزوج الخائن ، فقد أصيبت عند معرفتها بهذه الكارثة



بآلام مبرحة، أدت الى إصابتها بإنهيار عصبي لازمها أكثر من عامين!

أما الأخت الثانية مارثا فبعد زواجها بخمسة شهور، إكتشفت أن لا توافق بين

طباعها وطباع زوجها، وتأكدت انهما لا يمكن ان ينجحا في حياتهما معا، ولذا تم الإنفصال بينهما



برضى الطرفين.

ولما عرفت ساندرا بفشل زواج أختها مارثا أيضا، قالت لأمها:

" لن اتزوج يا أمي وسأبقى عزباء، فماذا معنى في أن يقيم المرء علاقة ليس لها من الحظ



أن تدوم إلا مؤقتا ؟ لا ، لن أفعل ذلك."

" على أية حال، نعم أختيك فشلا في زواجهما لكنهما أصبحا ثريتين، ولن تضطرا إلى العودة الى العمل ثانية!"

لم تعلق ساندرا على كلام أمها، ولكن لم يكن الزواج في رأيها وسيلة للثراء، فهي



من هذه الناحية تحظى بوضع جيد كسكرتيرة السيد هاري دارك، رجل الأعمال الناجح البارز الثري.

كانت أعماله الواسعة تحتم عليه التنقل خاصة في أوروبا، والشرق الأوسط، وساندرا



ترافقه دائما، ففي ذات يوم لمح لها هاري حول إمكانية زواجها وتركها العمل معه،



ولكنها أخبرته بأنها مقتنعة بحياتها ولا تفكر بالزواج مطلقا.

وهاري هذا كان يعيش نمطا من الحياة مليئا بالحيوية والنشاط ، فقد كانت له



علاقات متتالية مع فتيات فاتنات، أولئك اللاتي يصادف ان يلتقي بهن بحكم عمله،



أو أثناء رحلاته.

وساندرا بوصفها سكرتيرته الخاصة كانت مطلعة على جميع تصرفاته، وكان عليها ان



تكذب في كثير من الأحيا ، لتحرر رئيسها من مواعيد ندم على تحديدها أو تسرع فيها، كما أنها



إعتادت على رئيسها وأساليبه، فكلاهما يفهم الاخر جيدا . ولم ينس هاري ان يدعو ساندرا نفسها في عديد من المرات ، الى حفلات رقص ، أو



فنادق فخمة لتناول طعام العشاء، حتى أنه قال مرة لصديق له: " إن كنت ساتجاهل ساندرا، وأحتفظ بها للعمل فقط ، فإنها ستتركني بلا شك ، ولا



أكتمك فأنا لا أستطيع أن أقوم باعمالي من دونها، والحقيقة لا يمكن لأية سكرتيرة أن



تحل محلها أو تصل الى مستواها في الكفاءة والفعالية ،والبراعة والذكاء."

ذات مرة ، كان هاري في اليونان لشراء بعض الأراضي والممتلكات ، ترافقه



سكرتيرته الجميلة، وهي بعد في الثامنة عشرة من العمر حيث إلتقت بذاك الشاب



الجميل المهيب باريس فيليب، إبن ووريث المليونير مصدّر الفواكه وزيت الزيتون



فيليب

وهو في الخامسة والعشرين

اعجب بساندراوأحبها حبا عظيما، ولم يتوان



عن طلب الزواج منها.

لا شك أن ساندرا أعجبت بجماله وراقت لها خصاله، ولولا زواج أختيها الفاشل،



الوهم الذي سيطر عليها، وجعلها تشك في جميع حالات الزواج، والقرار الذي



إتخذته بان تبقى عزباء، لكانت قبلت عرضه بلا تردد، ولكنها رفضت طلب باريس وصدّته بحزم.

قابل عذرها بكثير من الغضب المليء بالشك وعدم التصديق

،عندما قالت أنها لا تريد أن تخوض مجازفة بدورها، وقد رأت ما حل باختيها وزواجهما الذي تحطم .

فقال منفجرا، وهو يحملق بها غاضبا:

" أنت تعنين أن رفضك هذا فقط بسبب فشلهما؟ ."

أجابت:

" نعم باريس، هذا ما أعنيه بالضبط ."

وأخذ باريس يحاول جاهدا إقناعها قائلا:

" إنني أحبك ساندرا، وأنا أشعر بأنك ستحبينني أيضا، زواجنا سيكون موفقا، وافقي



على طلبي، وسأتجاوزهذا الرفض، سأعاملك بكل الحب واللطف والرقة كما تحب



الفتيات الإنجليزيات، دعينا نتزوج وأذهب بك الى جزيرتي، جزيرة رائعة الجمال،



خلابة المناظر، جزيرتي هي الجنة بعينها، هناك النخيل والأزهار، والجبال ، والبحر



الأزرق، هناك بيتي، فيللا ليس هناك ما يضاهيها روعة وجمالا ."

توقف لحظة ثم أضاف بإبتسامة مشجعة:

" دعيني أجعلك سيدة تلك الفيللا

، ارجوك يا ساندرا، أنا اطلب منك برجاء أن تقبلي



الزواج مني."

ولكن ساندرا بقيت قاسية القلب لم تلين ولم توافق أو تغير رأيها بل استمرت على رفضها للزواج.

لم تحفظ إسم الجزيرة، وكثيرا ما كانت تعجب إن كان باريس يعني بالفعل ما وصف



به جزيرته، أم أنها كباقي الجزر العديدة المنثورة تتألق كالأحجار الكريمة فوق مياه بحر



إيجة الزرقاء ؟

كم كانت تتمنى ان تعرف، كيف اصبح باريس فيليب الآن، وما فعلت به السنين ؟ هل

تزوج؟ هل كوّن أسرة؟ وإن كانت في نفسها تظن انه قد تزوج ، فهو شاب تتهافت



عليه الفتيات ، بالإضافة الى أنه ورث أباه بعد وفاته، وأصبح واحدا من أغنى أغنياء

اليونان، هذا ما علمته من هاري الذي كان يعرف حكايتها مع باريس.

" ساندرا .".....

قطع صوت هاري المنخفض

تأملات ساندرا فرفعت اليه نظراتها مبتسمة،

وتابع:

" لقد سألتك اهم سؤال في حياتي، ساندرا، هل تقبلين الزواج مني؟."

هزت رأسها وهي لا تزال تبتسم له إبتسامة حلوة عذبة ، وقالت: " أأتزوج من مغازل مثلك؟ عليك ألا تبحث في امر الزواج مطلقا، فمثلك لن يكون زوجا مخلصا ابدا."

" حقا لي علاقاتي العاطفية الكثيرة كما تعلمي ، ولكنني الآن اصبحت في السابعة



والثلاثين، ومستعدا للإستقرار، وإنجاب عدد من الأطفال، وأنت ساندرا اصبحت



في السادسة والعشرين، وآن الوقت الذي فيه تستقرين، وتكوّنين أسرة ."

" انت تعرف رأيي من ناحية الزواج."

" يا إلهي، ألا زلت تتشبثين برايك

، بسبب فشل زواج اختيك؟

دعينا الان من



قصتهما، ولنبحث في أمر أنفسنا، ولا يجب أن ندع أخطاء الاخرين تنعكس على حياتنا ."

" انا لا أستطيع ان أتزوج ،هاري أرجوك إنس أنك سالتني ذلك، دع صداقتنا



القوية التي دامت ما يقرب من التسع سنوات، على ما هي عليه ."

" كان هناك فاصل في هذه الفترة، وإن كنت اكره ان أذكّرك به ، ذاك الفاصل هي فترة زواجك ." " كفى ." !

صرخت ساندرا وقد صعد الدم الى وجنتيها ، وتابعت:

" إنه وقاحة منك أن تذكّرني بذلك

."!

وتوقفت عن الكلام تستعيد بعض المشاهد من حياتها مع ذاك البغيض، أليكس ماكسون ثم أضافت:

"كانت مجرد فترة قصيرة حررتني منها رحمة القدر."

" تحرر سريع ومحظوظ ."

وغرق هاري في خضم افكاره،

وعيناه الزرقاوان عالقتان بساندرا، فلاحظ حمرة



خديها التي كانت كافية لتزيد من جمال قسمات وجهها، إرتفاع خديها غمازة



ذقنها، نعومة عنقها، عيناها الزرقاوان الواسعتان ... كل ما فيها في منتهى الروعة.

وبعد فترة قصيرة عاد الى الكلام:

" إنها اربعة شهور فقط، نعم لقد كان الحظ حليفك ، ساندرا ." كانا في قاعة الإنتظار في فندق كونكونو، ينتظران عميلا يأمل هاري ان يبيعه فيللا في



مالطة، فحدقت ساندرا في وجهه وقد ملأت المرارة والكآبة عينيها الجميلتين، وهي



تقول:

" هل تظن ذلك يبدو أنك نسيت سبب زواجي، نسيت أنني أجبرت على ذلك



الزواج من ذلك الرجل فاقد الضمير، المجرد من المبادىء الأخلاقية .

قطب هاري ما بين حاجبيه وقال: " أظن أنني نذل ، في نبش هذه القصة الان، أو في أي وقت آخر، ولكنني اردت



فقط أن أذكّرك، أنك تزوجت من قبل ."...

قاطعته ساندرا غاضبة:

" هل تظن أنني بحاجة الى تذكير؟ ." توقفت عن الكلام وقد تمثلت صورة باريس أمام عينيها، عندما رفضت طلبه



الصادق المتحمس، لا شك أن الأقدار كانت تقف ضدها وتركتها تتمسك بقرارها،



أن تبقى وحيدة، ثم تساءلت في نفسها، ترى هل عرف باريس أنها تزوجت أخيرا ؟

تملكها شيء من الخوف وهي تتخيل غضبه وهياجه إذا عرف ذلك ، كما إرتجفت



لتصورها إدانته المروعة لها، والتي تستحق في نظره، الحكم عليها بالموت .

الزواج ! يا لها من سخرية ، من البداية حتى النهاية، سبب رهيب هو الذي إضطرها



ان تقبل بما عاهدت نفسها أن ترفضه مدى حياتها، ولكن القدر يحكم على المرء



أحيانا بما لا يطيق

نعم لقد تزوجت ساندرا ، تزوجت لأنه لم يكن أمامها إلا أن تفعل ذلك ، من أجل أخيها
التوأم.

حدث مرة ان أخاها كان في عطلة جامعية، فعمل مع أليكس ماكسون التاجر والممول


المشبوه، وسوس له الشيطان، فإختلس مبلغا من المال، وإكتشف أليكس الأمر،

وصمم أن يقدمه للقضاء.

جاء أخيها دادلي إلى اخته بالدموع، وعلى الفور، صممت ساندرا ان تقابل هذا

المدعوأليكس ماكسون.

كان أليكس رجلا بدينا، ذو سمعة معروفة مع النساء، سرعان ما عرفتها ساندرا، مترهل


الجسم، له أنف منتفخ، وشفتان غليظتان نتنطقان بالشر ، وعينان ضيقتان مليئتان

بالخبث .

راته شخصا مثيرا للإشمئزاز، اكثر من أي مخلوق على وجه الأرض، وبالتأكيد مقابل

طلبها، طلب من ساندرا الزواج ......

تطلعت ساندرا نحو هاري، ورأت تطلعاته المتسائلة ، التي تجاهلتها وهي تتذكر مقابلتها

الأولى مع أليكس ماكسون. كم عانت ساندرا من المرارة وأحتراق القلب، والخوف المريع قبل أن تقرر قبولها


النهائي لطلبه، وكانت صحة والدتها المتدهورة سببا في تعجيل إتخاذها ذاك القرار،


فقد كانت تعاني مرضا في القلب، يمكن ان يقضي عليها إذا تعرضت لصدمة،


وعرف أليكس ذلك وراح يهدد ساندرا بالذهاب الى امها وإخبارها بقضية أخيها.

اخبرها أليكس أن عقوبة أخيها السجن لمدة خمس سنوات على الأقل فهو قد زوّر أكثر


من تسع شيكات، بالإضافة الى انه إختلس من خزنته الألوف من الجنيهات، خسرها


جميعها في مضاربات هوجاء، ولا شك أن هذه الرواية ستقضي على الوالدة.

ساندرا كانت تشك في هذه الألوف التي يقول أنها سرقت من الخزنة التي يملكها،


فأخوها إعترف أنه حقيقة أخذ قليلا من المال لا يعرف مقداره.

على أية حال فالأمر لم يعد ذا أهمية كبير ، فساندرا تحت ذاك التهديد وافقت على


الزواج منه، ووالدتها فرحت كثيرا لذاك الخبر، لأن إبنتها الثالثة تزوجت من رجل


غني أيضا.

جاءت ليلة الزفاف بكثير من السرعة وشعور مقيت من الإشمئزاز ، ليلة أقسى من


الموت ، صعدت الى غرفة النوم، حيث قادتها الخادمة ، وهناك جلست تنتظر بكامل ثيابها . كان الوقت بعد منتصف الليل ، عندما سمعت وقع خطواته الثقيلة على الدرج،


فوقف قلبها ساكنا بين جنبيها، باردة كالثلج ، ترتجف من شدة ما إعتراها من خوف


ورعب .

لحظات، سمعت بعدها صوت جسم ثقيل يتدحرج كصوت الرعد من البعيد خلال


المبنى الضخم الواسع وكان أليكس قد سقط ، وإرتمى عند أسفل الدرج.

وبعد أسبوعين من ذاك الحادث، خرج أليكس من المستشفى ، أقل بدانة مما كان عليه


، وقد وضع الضرر الذي لحق به من جراء تلك الإصابة ، حدا لحياته المليئة بالعشق


والهيام والى الأبد.

ولو كان ذلك بعيدا عن الروح الإنسانية ، إلا أن ساندرا أحست انها تريد أن تجثو على


ركبتيها، وتشكر الله الذي خلصها منه، ان تكون اناني ، قاسية القلب، فهذا لم


يكن يزعجها ابدا، فهو الذي فرض عليها هذا الزواج عنوة ، وبالتهديد، حيث لم


يكن بإستطاعتها مطلقا أن تمنحه ولو شيئا قليلا من الحنان .

لقد كان يهددها بقسوة وهو يقول: " لا تظني انه بإمكانك أن تتركيني، فإن فعلت فسوف يعود أخوك مباشرة الى


القضاء."

وكانت تنظر اليه بإزدراء ، ولكن بإذعان وهي تجيب ببرود:

" لن أتركك ، فلا تخشى ذلك." كانت أمواله أكثر من أن تحصى، حتى أن مساعديه كانوا يرهبون التفكير فيها ، ولكن


بعد اربعة من شهور من يوم الزفاف ، يوم توفي أليكس ، ترك في وصيته جميع ثروته


للمؤسسات الخيرية.

يحق ساندرا ان تطعن في الوصية، ولكنها لم تفعل ، ولم تأبه لذلك، وكانت فرحتها


غنية عن الوصف، وكذلك شكرها للقدر الذي سبق وقسا عليها ثم عاد وحررها مما


أوقعها فيه، وكل ما كانت ترغب وتتمنى، هو أن تنزع ذاك الفاصل البغيض من


حياتها وتعود الى حيث كانت.

كان هاري سعيدا جدا بعودتها ، ولكن بشكل طبيعي كان أول ما سألها هو الثروة


التي كان يجب أن تكون من نصيبها.

" لم يترك لي شيئا ، يا هاري، وما كنت أريده أن يفعل، وكل ما أبتغيه الآن هو أن


تعيدني الى وظيفتي، وعندها أكون سعيدة جدا ."


في ذاك الوقت ساندرا وهاري لم يكونا أكثر من رئيس ومرؤوس، ولم يمض على عملها


معه أكثر من سنة يوم تم زواجها، على أية حال فقد برهنت تلك العلاقة أنها قاعدة

قوية لبدء تلك الصداقة التي إستمرت حتى تلك الساعة التي كان هاري يطلب فيها


الزواج من ساندرا.

كان هاري قد تعب من حياة اللهو والمرح واشتاق الى حياة الإستقرار، ولذا جاء


يعرض على ساندرا الزواج مما أثار دهش
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي