28

الفصل الثامن والعشرون:

ولكن ليس الأخير لأن هناك جزء ثاني لقصتنا مع سارة
سارة التي تتخبط بحياتها لتتمسك بشيء ينقذها من الغرق و لكن كلما تمسكت بشيء أو بأحد جعلها تغرق أكثر ، لم تتمسك بشيء و ساعدها على الطفو فيال حظها العاثر .

أكملت ليلتها الأخيرة مع بنات خالها و كانت تشعر بألم يسكن قلبها و لم يفارقها للصباح ، لم تستطع على الضحك بل كانت تحاول مجاملتهن و إظهار لبنات خالها بأنها محبوبة من قبل أقاربها لم تستطع شرح كل شيء مؤلم تعيشه لأنه كان يجعلها تشعر بالخجل و النقص .

فكلما تعمقت بحياة أحد وجدت بأنهن يعيشن حياة أفضل من حياتها و الأشياء التي تنقصها هن يحصلن عليها ، قلم تحضى بصديقة أو قريبة كانت تعاني ، بل الكل كان سعيد ، و قريباتها كانوا ينظرن إليها نظرة دونية دوماً .

لم تحضى ببنات عم يحبونها ، ولا عمتها و أعمامها لأنها بنظرهم فتاة شاذة و أمها لم تعرف كيف تربيها .

مشكلة سارة الوحيدة بأن أمرها يُفضح دائماً و لكن هذا لا يعني بأن قريباتها لم يتبعن نفس الطريق والأسلوب من الحب و تكوين علاقات .

و لكن سارة كانت صاحبة حظ عاثر بالفعل .

في الصباح و على غير العادة أستيقظت سارة باكراً ، لأنهن نامن باكراً.

نظرت إلى هاتفها لترى الساعة و إن كانت هناك رسائل من حبيبها ، و لكنها لم تجد شيء ، فقالت في نفسها لعله نائم فالوقت مازال السابعة صباحاً .

خرجت سارة لتغسل وجهها وتجهز قهوتها و لكنها لم تجد أمها في المنزل ، أعدت القهوة سريعاً و أحضرت معها فناجين لها ولبنات خالها .

سارة : أستيقظوا يافتيات هيا ،فأنا نشيطة اليوم .

بتول و هي تتثائب : أوووووه ، صباح الخير ، كيف أستيقظتي بهذا الوقت .

سارة : لا أعلم أشعر بقلق منذ الأمس و لا أعرف لما .

بتول : لعله خير ، هيا ياضحى قومي .

ضحى : صباح الخير لكن .

سارة : هيا قوما و تعاليا بجانبي لنشرب القهورة سوياً .

بتول : حقاً هذا أجمل شيء أن تحتسي القهوة منذ أول لحظة تستيقظ بها .

ضحى : تتحديث وكأنك مدمنة بها .

بتول : لا و لكن أعتدت عليها في الصباح فهي تعدل مزاجي .

سارة : آه ، سأبدأ بالثاني و لم يتعدل مزاجي .

ضحى : مابك أنت ماالذي حصل؟ إياك أن تقولي بأنه حدثت مشكلة بينك و بين ماجد .

سارة : هههه، لا لم يحدث أطمئني .

بتول وهي تغمز بعينها : هي خائفة بأن يطير حبيبها الجديد .

قامت ضحى برمي الوسائد على بتول وسط ضحكات أعتلت وجههن .

بتول : أه بطني ،حسناً يكفي .

ضحى : لما لانذهب و نشرب القهوة مع عمتي كي لاتغضب منا .

سارة : هي ليست في المنزل ، و لم تخبريني أين ذهبت كعادتها .

بتول : لا أضنها ستتأخر .

أستمر حديثهم لساعة وهن جالسات كل واحدة بفراشها .
وبعد دقائق فُتح الباب و كانت سلمى .

دخلت المنزل وهي غاصبة ، كانت تحمل أكياس في كلتا يديها لذا أتجهت بهن إلى المطبخ .

بتول : يبدو أن عمتي أتت .

سارة بصوتٍ عالٍ: أمي هذه أنتِ؟

استغربت سلمى استيقاظهن بوقت مبكر لذا أتجهت إلى غرفة سارة عندما سمعت صوتها .

سلمى : صباح الخير .

بتول و ضحى و سارة : صباح النور.

سارة : لما تبدين غاصبة يا أمي هل هناك شيء؟

سلمى : هففف من هذا الحي الذي لايسكنه إلا قليلن التربية و الاخلاق .

بتول : خيراً ياعمتي ، ماذا حصل ؟

ذهبت باكراً لأشتري اللبن و الحليب قبل أن تنفذ الكمية و بالصدقة و أنا أسير بطريقي وجدت أبنة جيراننا مي تسير وبجانبها شاب يمسك بيديها و يحاول تقبيلها بوسط الشارع ، و عندما رأوني ركض الشاب بعيداً و هي أصبحت تتمتم و ترتجف ، أقتربت منها و قلت لها كيف تستطعين السير مع شاب غريب لوحدكم ألا تخافين على نفسك ؟

مي: أنه حبيبي و أهلي يعرفون ، كما أنه ليس لك علاقة بي .

سلمى بعد شهقة : لما تتحدثين معي بهذه الطريقة ألم يعلموكي أهلك كيف تحادثي الكبار ؟

مي : حسناً سأخبر أمي ماقلته لي ، أذهبي و ربي أولادك فقط .

سلمى : أنت حقاً وقحة .

و ذهبت بعيداً و هي تركض .

سارة : لماذا فعلتي هذا يا أمي ؟ هل تريدين أن تتحكمي ببنات الناس أيضا ؟

سلمى: أصمتي أنت ، قلة التربية لا يجب أن يسكت عليها أحد .

سارة بنفسها: أخ أمي ، أخ منك و من أفعالك ، ليتك تعلمين الحال الذي أوصلتي أبنتك إليه .

سلمى : ماذاااا، لما تنظرين ألي بهذا الشكل .

سارة : لا ،لاشيء .

سلمى : هيا قومي بترتيب المنزل و تجهيز الإفطار .

سارة : حسناً .

بتول : أنا سأرتب هذه الغرفة يا سارة .

ضحى : و أنا سأرتب الصالون .

سارة: شكراً لكما ، و أنا سأجهز الإفطار و تكونان قد أنتهيتما .

تفرقنا إلى مهامنا و كانت أمي طيلة الوقت غاضبة و تنفث ناراً و غضباً و لم يهدأ قلبها إلا بعد أن أتصلت بإحدى جاراتنا التي تترد على أمي في العادة و لكني لم أكن أحبها .

أتصلت بها وبدأت تخبرها بما جرى معها في الصباح و كانت تشتم و توبخ مي على قلة تربيتها و بقيت تتحدث لأكثر من نصف ساعة و الجارة كانت تستمع فقط و تساير أمي .

أغلقت الهاتف أمي وهي تنفخ خديها و شعرت بالأرتياح قليلاً لأنها أفشت سر الفتاة و سيصل للجميع ، كنت غاصبة من فعلتها وعدم تسترها على الفتاة و لكنني لا أستطيع ردعها .

فعلاً الستار هو الله ، و من يستطيع الكتمان والتستر على شيء رأه نادرين جداً .

لم يستر الله شيء معي ، قد يكون بسبب أفعال أمي ، لأنني لم أفشي سر أحد بيوم ما و لكني لا أنكر بأني كنت إلصاق التهم والكذب أحياناً على غيري لأنجو ، و قد يكون هذا هو سبب مشاكلي ، لا أعلم .

لم نعد نستطيع التحدث أنا و الفتيات بشيء بسبب غضب أمي فقد كنا خائفين من ردات فعلها و بالأخص أنا لذا عم الصمت طيلة وقت تجهيزي للإفطار .

ذهبت لتجهيز طاولة الطعام ووضع الصحون عليها ، و فجأة و إذا بباب بيتنا يُدق بقوة ، شعرنا بالخوف و القلق أنا و البنات .

و أنا أصبحت أخاف من دقات كهذه لأنها أنذار شؤوم لوقوع مصيبة ما جديدة لذا منذ أن سمعت الصوت بدأ قلبي يرتجف و شحب لوني لدرجة شعرت بأني سأفقد وعيي .

نهضت أمي مسرعة و أتجهت نحو الباب و هي تصرخ

سلمى : من هناك ؟ لما لا تنتظرون قليلاً ؟ أوووه ، هذه أنت ؟

أم مي: أجل أنا و من سيكون بعد أن وبختي أبنتي .

سلمى : لم أقم بتوبيخها ، أبنتك وقحة و قليلة تربية و كانت ترد أجوبة بوجهي .

أم مي : و هل أبنتك هي التي تربت و مهذبة ؟

سلمى : أفضل من أبنتك التي ترافق شباب وتسير معهم منذ الصباح الباكر .

حينها خرج عمي أيمن الذي كان في وقتها ببيت جدتي و لكنه عندما سَمع صُراخ أم مي تتحدث مع أمي خرج ليعرف مابها بما أنه ليس لدينا سند أو رجل يسندنا و يردع الأعداء عنا و يحمينا حتى و لو كنا على خطأ

أيمن : ماذا هناك ؟

أم مي : أنظر يا أخي إلى زوجة أخيك ماذا تفعل ، تشتم أبنتي و تقوم بتلبيسها تهم باطلة بأنها ترافق شباب ، هل يجوز هذا ؟

سلمى : هل تقومين بتكذيبي؟

أم مي : و من سيصدقك أنت ؟ ألا تعرفين بأن أبنتك كل يوم تجلس بحضن ماجد أبن جيراننا و كل يوم يحملها في شارع و يقوم بتقبيلها و هذا غير جلساتهم المطولة في الحدائق ، و لك عين تتحدثين عن التربية ؟

سلمى : أنت كاذبة أبنتي لاتفعل هكذا .

أيمن : أنت ماذا تقولين .

أم مي: إن لم تصدقني فأسأل أهل الحي منزلاً منزلاً و دعهم هم يخبروك عن الأمر .

سلمى : يكفيك صراخاً فقد جمعت الجيران كلها علينا .

أم مي : هل أنت الآن خائفة من الفضائح ؟ كنت فكري بالأمر قبل أن تفضحي أبنتي و تقومين بالأتصال بالجيران والتحدث عنها بالسوء .

أيمن : حسناً ياأختي أنا سأحل الأمر و لكن يكفي أذهبي إلى منزلك .

أم مي: حسناً ،سأذهب و لكن لن أهدأ حتى أفضحها هي و أبنتها في الحي و عند كل من أعرفهم .

أيمن : حسبي الله ونعم الوكيل.

ذهبت أم مي و هي تصرخ و تتوعد و أمي تقف أمام الباب و مصدومة بما سمعت و لم ترغب بأن تبتعد عن الباب فقد عرفت حينخا بأن نهايتي أقتربت و أنه قد يقتلني ، فرغم غضبها مني إلا أنها لم ترغب بأن تخسرني إلى الأبد .

قام عمي بدفعها بقوة و دخل المنزل ليجدني أختبأ خلف بنات خالي حيث أنني لم أجد أحداً ألوذ به و أطلب النجدة به و أنقض نفسي ، و يا خجلتي أمام الفتيات و كيف تعرضت للإهانة و الشتم أمامهن كما لو أنني بصمة عار للعائلة .

أمسك عمي شعري بقوة و قام بشده .

أيمن : هيا تحدثي هل هي تقول الحقيقة ؟

سارة : لا ياعمي أنها تكذب لأن أمي تحدثت على أبنتها بسوء .

أيمن : و الله لم أتعرف على كاذبة أكثر منك ، و لم أعرف فتاة قليلة تربية أكثر منك و من أمك التي لاتعرف فقط التحدث على أعراض الناس و سيرة أبنتها السيئة بين الشوراع و بكل بيت .

سارة : أرجوك ياعمي أبتعد عن شعري أنت تؤلمني ، أرجوكم أنقذوني يابنات ، أمي .

أيمن : هل أنت حقاً خائفة ؟ أنت لو تخافين لما ارتكبتي نفس الخطأ عدة مرات ، و لكن هذه المرة لن أقوم بصربك لأنني سأعرف كيف أتصرف معك ، أعدك بأنكِ ستتمنين حتى أستنشاق الهواء يا ابنت الشوارع .

كان ينعتني بهذا الأسم و أنا خجلة من نفسي و من موقفي المزري أمامهن ، فقد كانن بنات خالي خائفات و لم يستطيعا فعل أي شيء و لا حتى التفوه بحرف لأنه لن يرد عليهن أحد شعروا بالحزن و الأسى علي و كانا ينظران ألي نظرة شفقة .

أيمن : هيا أيتها الوسخة ضبي أغراضك جميعها بسرعة ، و أنا سأحضر سيارة أجرة إلى هنا .

سارة : إلى أين سنذهب ؟ أرجوك ياعمي صدقني و لو لمرة .

أيمن : إلى جهنم ، هيا أذهبي بسرعة ، كلمة آخرى و سأدفنك بمكانك ، و أنت أيتها الأم الفاشلة سنتحاسب فيما بعد بهذا الشأن .

خرج عمي مسرعاً و الهلع و الخوف تملكني و جعلني متربطة اليدين فكل ماقالته أم مي عني صحيح .

كانت أمي تنظر ألي بنظرة قرف و لم تبالي إلى أين سيأخذني و لم تهتم و لم تحاول محادثتي في البداية لأنها متأكدة بأنني قد فعلت مثلما قالت عني .

ذهبت إلى غرفتي و أنا أنظر إلى حقائبي الجاهزة و التي كنت سأذهب بها إلى حياة جديدة و مستقبل جديد ينتظرني ، لم أتخيل قط بأن القدر يرتب لي كل شيء كعقاب على أفعالي ، فقد ظننت بأن الحياة قد ضحكت لي و قد تحقق كل شيء أرغب به و لكن ماحدث شكل في داخلي صدمة و فاجعة لضياع أحلامي من بين يدي و لا أعلم لما أُعاقب بهذا الشكل ،لما أنا ؟ هل كل من أحبت قد فضحت هكذا ؟ و لما يعتبر فضيحة أو عار ؟ لما الحب محرم أو شيء شاذ ؟

فقد كانت الحياة تتلاعب بي لا أكثر ،و حسدتني على كم يوم عشتهم سعيدة ، أنا حقاً لم أعرف لما يحصل معي كل هذا .

كانت هكذا حياتي تارة سعادة و الكثير من التعاسة ترافقها فكلما بنيت أحلام و طموحات و دعيت لله بأن يقربني ممن أحب ، أجد نفسي أبتعد ألالآف الأميل عن حلمي و أغرق بالمشاكل و الأخطاء .

جلست فوق حقائبي أبكي و أتنهد بحرقة قلبي و جلسن ضحى و بتول بجانبي و أصبحن يبكين على حالي أيضاً ، في الحقيقة كنت مثيرة للشفقة و حتى عماتي أشفقن علي فيما بعد إلا أمي كانت تقول لي ليتني لم أرزق بكِ ، كانت تحرق قلبي بهذه الكلمات على الرغم أني أحبها رغم كل شيء .

كانت تُحب أخوتي أكثر مني ، بل لم يعد يهمها أين سأسكن أو أين سأعيش .

بعد مرور ربع ساعة من بكائي بحرقة و أعلم بأني سأذهب و لا أعلم إلى أين قررت أن أقول كل شيء بقلبي بوجهها علها ترى ماذا فعلت بأبنتها ، و ترى حصاد أفعالها و التحدث على أعراض الناس ماهي نتيجته .

خرجت بخطوات سريعة متجهة نحوها .

سارة بصراخ مع دموع : أنت أم قاسية ، و أنت سبب ماجرى لي في السابق و مايجري الآن ، تحدثي هل أنت سعيدة الآن ؟ لما لتتحدثي دوماً على بنات الناس ؟ أليس لديك بنات تخافين عليهن ؟

لم ترد سلمى عليها و أكتفت بنظرات خيبة الأمل بأبنتها .

سارة و هي تصرخ و تضرب على وجهها : لن تقولي شيء أليس كذلك؟ و لا يهمك أمري حتى ؟ أنا أكرهك أسمتعي أكرهك و لن أسامحك على شيء مما فعلتي .

سلمى : إذا أنتهيتي أغربي عن وجهي و أبقي في غرفتك لحين أن يأخذكِ عمكِ و أتخلص من عناء تربيتكِ ، لأنك حقاً لم تتربي و لم تعرفي معناها .

سارة : أحقاً لا يهمك إلى أين سأذهب .

سلمى : كان يهمني أمرك ، و لكن الآن بعد أن عرفت بأن أبنتي قليلة تربية و تتصرف مثل أبنتة الشوراع و تجلس بأحضان الشباب فلم يعد يهمني أي شيء عنك و لن أسأل عنك حتى ، يكفيني هموم و مشاكل من تحت رأسك يكفي فقد تعبت و أنا أحاول تصليحك و تصحيح مسارك ، لقد أرهقتني ، حاولت بكل الطرق معك ، و أعطيتك حرية و وثقت بكِ بعد كل أكاذيبك السابقة ، وقبلت بأن تعيشي ببيت خالك لأن هذا يسعدك ، و تحدثت مع والدك بشأن أستأجارك لمحل و لتفتحي الصالون الخاص بكِ ، ماذا تريدين مني أكثر ،لماذا تفعلين هذا بي ؟

لماذا كل مرة تصغرينني أمام الناس ؟ و أقف كالبلهاء و لا جواب عندي ، و كل هذا بسبب ألاعيبك ، من علمك هذا أخبريني ؟ لما أنت بكل هذا الخبث ؟

لم أستطع أن أجاوب على شيء مما تقوله و لم أرى أنها محقة في وقتها بل كنت أراها سبب لمشاكلي ، و عثرات صغيرة و تراكمت فوق بعضها بسببها أيضاً .

عدت إلى غرفتي و أنا ألبس ثيابي و دموعي منهمرة منذ أن خرج عمي كشلال .

كنت أنظر لغرفتي و أتأملها لآخر مرة ، للحظة شعرت كل شيء بغرفتي ثمين و غالي عليّ فيها و تمنيت بأنه لم يحدث أي شيء مما حدث و سأقبل بالبقاء بغرفتي إلى الأبد.

يتبع ..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي