عثرات سارة

Sanyrena`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-05-25ضع على الرف
  • 68.7K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

1

الفصل الاول :♥️
"
"
^=^

الجزائر_قسنطينة*

في الصباح المنعش و الشمس الدافئة حيث ينشر فصل الربيع دفئه و روائح الزهور العبقة التي تزين الحدائق و شرف المنازل في البنايات الشاهقة و مقدمات المطاعم و الماركات ، مرت فتاة متوسطة الطول يصل ارتفاع طولها لـ  162 cm ،تَبتسم و تَملئ عينيها بهذه المشاهد الرائعة و المسالمة حيث كان البشر يمرون عكس اتجاهها و منهم يتخذون مسارها ، مشغولة بالتفكير كما سائر الناس و تعلم جيداً إن كلاً منهم يدور في عقله ضجيج لو خرج من ذهنه لـغطى كل من في الشارع أذنيه .

نَظرت إلى المقهى الذي تجلس فيه دائماً و مفضل لديها ، إذ يوجد فيه مقاعد خارجية على الرصيف العريض أمامه ، و حوله تمتد المحلات على طول الطريق ، منها محلات ملابس و منها ماركات للأغذية و منها مطاعم و كافيهات  وغيرها .

جلست سارة على مقعدها الذي يتواجد على الرصيف ، ثم وضعت حقيبتها فوق الطاولة المستديرة امامها . و تنظر ب اتجاه الشارع تراقب المارة كما لو كانت تنتظر وصول أحدهم .

ثم وضعت يديها تحت ذقنها  فلفتت انتباهها  طفلة في عمر الخامسة أو السادسة  تجلس أمام طاولتها في الجهة المقابلة لها,و بقرب الطفلة تجلس والدتها  التي يقدر سنها في الثلاثينيات حيث  كانت  بيضاء ذات شَعراً ذهبي لامع و الذي أورثته لطفلتها.

تبتسم الأم مع ابنتها و تداعب أصابعها بينما تستمع إلى ما تقوله بحب .

وبأثناء تأملها الأم وأبنتها تسلل إلى أنف سارة رائحة القهوة الفواحة التي اختلطت برائحة الفطائر الطازجة بعد ان أنبعثت  من المخبز الذي يطل على الشارع و يلتصق ببناء المقهى .

و ضع النادل فنجان القهوة أمام سارة  ثم شكرته و هو  ينحني بـاحترام مع ابتسامة لطيفة ثم انصرف ليتركها تعود إلى المشهد الذي أمامها و هي تشاهد الام تضع لأبنتها حصتها من فطائر قامت بـإخرجها من الحقيبة البلاستيكية من يدها .

لم تكن سارة جائعة لكنها قررت أن تأخذ بعض الفطائر عندما تنصرف إذ أغرتها هذه الرائحة كثيراً بعد أن امتزجت بـ رائحة القهوة امامها .

ف تناولت فنجان القهوة بيدها و بدأت ترتشف منه و تستمتع بمذاقها اللذيذ ،ثم رفعت يدها لتعيد خصلات شعرها البني و الناعم خلف اذنها بينما باقي شعرها الطويل ينساب على طول ظهرها  فوق قميصها الابيض ذو الاكمام الطويلة  بلونه البيجي المزين ببقع بنية  .

ثم أراحت ظهرها على ظهر الكرسي خلفها لتلف ساقها فوق ساقها  الأخرى و هي مشغولة تماماً بما يحدث أمامها .

اذ تراقب العلاقة اللطيفة بين الأم و ابنتها  بعينيها المستديرة ذات اللون العسلي و الأهداب الكثيفة ،تقضم باطن فمها لتتجعد شفتيها الصغيرتان ذات اللون الزهري اللامع .

شاهدت الأم تبتسم و تتحدث مع طفلتها بمحبة و وئام ، تتفاعل معهما و كلما ضحكت الفتاة تمتد الابتسامة على وجه سارة لتتورد وجنتيها فوق بشرة وجهها بلونها الكريمي .

و ببطئ بدأت  ملامح سارة تميل إلى الحزن  رغم الابتسامة الصغيرة التي ماتزال على شفتيها . تعقد حاجبيها الطويلان و المتقاربان  فوق مساحة جبينها الضيقه.

ثم تسللت ذكريات قديمة إلى ذهنها حيث بدأت تتذكر ماضيها و تحدث نفسها .

*-* سارة .

أجل هذا هو أسمي الذي أحببته جداً  عندما كنت صغيرة .
ينادونني سارة آه  كم كان جميلاً عن سماعه بصوت أمي .

هذا الاسم الذي اطلقه عليّ أبي عبد الوهاب .
لقد ولدت في عائلة جميلة و متكاتفة  مكونة من أعمام و عمات و جدة و أبناء و بنات عمومة كُثر ،  و أشقاء من والداي .

لكن في هذه العائلة حدثت مشاكل كثيرة ، أشعل فتيلها نساء العائلة . إذ  كنت أشاهد حرب السلايف بين أمي و زوجات أعمامي ،و هذه الحروب الباردة كانت سبب رئيسي للتفرقة بيني و بين أقربائي .

بل لأكون أوضح  ابتعد الجميع عني بعد أن أخذت نصيباً كبيراً من الظلم و التعسف من قِبل الجميع دون إستثناء .

انا كُنت أكبر مثال للطفلة الخلوقة و المُحبة في بداية طفولتي و في ذلك  الوقت كنت أشعر بالحب من الجميع من  أهل أبي و أهل أمي  و أبناءهم و بناتهم و لا سيما أن شخصيتي الاجتماعية جعلتني احظى بشعبية و حب كبير .

و لكن هذه الصورة بدأت تتلاشى ببطئ لتنقلب الشعبية الجميلة إلى نقمة ، و لكل شيء سبب، فأحياناً غرور الأهل بـأبنائهم ينقلب عليهم ، و المبارزة المتلاحمة لجعل الابن الافضل من بين جميع كل أقربائه تعود إلى الأهل و بذلك يحظى الابن ب خسائر فادحة .

إذ ينسى الآباء تحقيق ما يرغب به أبنائهم و يميلون إلى أسلوب الإجبار و إقناع الطفل أنهم يعرفون الأفضل له .

و أنا كنت أحد هؤلاء الأبناء، مدللون بطريقة سيئة  يأخذون ما يوفر لهم فقط و ليس مايريدونه حيث أن بذلك تجعلهم ضحايا يتم إطعامها جيداً لتنضج و تصبح جاهزة للاكل .

إذ كنت في كثير من الأحيان أشاهد أمي وهي ترفع من شأني أمام الناس و الأقرباء و تخفض من شأن بنات عمي الكبير حسان ، الذي يُقدر و يحب زوجته كثيراً .

فـدخل مع أمي في نزاع من أجل زوجته و بناته  فقط و لأن امي لم تجد زوجاً بقربها يستمع لها و يدافع عنها ، أصبحت تدافع عن نفسها بطريقتها الخاصة و تراقب كل أخطاء بنات عمي و تنشرها بين عماتي .

و نسيت أمي  أن كل ما تفعله سيعود على أبناؤها يوماً ما ،و نسيت أن من حفرَ حُفرةً لأخيه  فيها .

أسرتي مكونة من خمسة أشخاص أب ، أم ، أنا ، و أخ و أخت أصغر مني عِصام و نارا .

* بالنسبة لأبي هو مسافر  دائماً بحجة أعماله و يعود  إلى الوطن  ليعيش معنا لمدة لا تتجاوز الشهرين كل عامان  أو ثلاثة وأمي المتحفظة التي صبرت على غيابه كثيراً.

بينما ترى أخوات زوجها يعيشون مع زوجاتهم و أبنائهم ، و تستعين بالله صبراً ، تربينا وحدها و تقوم بكل الواجبات .

و لكنها تمتلك شخصية عنيدة جداً و لا تغير قناعاتها و ذلك يعود لنشأتها في عائلة كبيرة و مفككة   في وسط الريف ،إذ كان كل شيء عليها ممنوع بحجة أنها فتاة و الأهل يعرفون ما هو الافضل لها ،لترث أمي تلك الطباع و العادات و تطبقها علينا نحن ابناؤها .

إذ نَسيت أمي أننا ولدنا وكبرنا بمكان يختلف عن مكانها و بزمان يختلف كل الاختلاف عن زمانها  .

كانت أمي جلفاء بتعاملها  معي و دائماً ما تمنع عني كل شي و لا تسمح لي حتى بخوض تجربة بما يثير فضولي رغم ذلك أنا أحبها كثيراً فهي من داخل قلبها كانت تحبني أكثر فكنت أكبر أولادها ،رغم ذلك كنتُ أكثر من يعاني بين اخوتي إذ كنت قد دخلت بعمر المراهقة بينما اخوتي بـأعمار صغيرة و في بدايات مراحلهم الابتدائية .

كنت دوماً أتمنى بأن تكون لي الحياة التي أحلم بها لا أن أتقيد برغبات أحد .

كنت أشعر بالظلم حيال ذلك ،قد يكون خوفهم الزائد هو سبب ذلك او بسبب العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية المتعارف عليها ضمن عائلتنا حيث لايجب كسر اياً منها .

فسحقاً لهذه العادات التي لم تنتهي رغم كل هذا التطور.

إلى متى سنبقى هكذا نعاني وجيل بعد جيل يبوء بالفشل في كل شيء.

بالحب ،بالصداقة،بالتعامل،بالتعليم،وحتى بالتعلم لم أضع اللوم على الحياة مطلقاً بل على الأهل وتلك العادات البغيضة.

كنت دائماً أشعر بالنقص وأتحسر عندما أشاهد أهالي يوفرون لأولاهم حياة هم يختارونها .

بل و يسعون لتطوير مايتمنون ويحلمون به ، بالنسبة لي لم أحقق أي شيء ولم أنجح بشيء قط .

لابتعليم،ولابحب،ولابصداقة دائمة  إلى الأبد ولا بعلاقاتي مع أهلي او اقاربي ولا أي شيء .

هذا ماكانت عليه سارة.

سارة التي لم تعد ترى حتى اللون الذي اعتادت على رؤيته،فمالي أرى حتى تلك الوجوه بغير البشاشة التي اعتدتها؟
ومالي أرى تلك القلوب بغير القلوب التي ألِفتها؟

أتراني أنا الذي تغير قلبي وعيناي فأصبحت أرى غير الذي اعتدته؟أم أن هناك لعنة أصابت فحَلت أهلاً ووطأت سهلاً.

كُنت كطفلة عيدها يبدأ بكثرة الناس من حولها بالجمع الغفير والقلب الرقيق.

أما الآن فعيدي بالمكان البعيد،ذاك المكان الذي لاأرى به سوى ظلاً لخيالي وغابة أسرح بها في ذاتي.

كنتُ أحارب النوم كي أنعم بساعة إضافية أمرح بها مع من أحب من حولي.

أما الآن فأصبح النوم أفضل وأعز أوقاتي،حيث أنني به أشرد به مع ذاتي وأخبىء به أحلامي التي تمنيت تحقيقها .

أصبح نومي هو مسكني الجميل وهناك حياتي الجميلة التي تمنيتها حيث أنني بكل ليلة أنجز من ذاك العالم شيئاً أحببته بشدة وأردت الحصول عليه .

هناك حيث لاأحد يستطيع منعي من الحصول على شيء.
هناك حيث الحياة الرغيدة والعيش الهنيء والربيع المزهر بصباحه المشرق .

هناك حيث أستطيع البوح بما لاأستطيع قوله بحياتي
آه على قلبي الصغير كم تحمل .

هل كثير علي حقاً أن أعيش كما أريد؟هل حقاً لايجوز ذلك ولايحق لي؟
هل يجب على الأهل دوماً أن يختاروا مصير حياتك سوآء إن كانت بائسة أو سعيدة .

هل هذا هو القدر؟ هل خُلقتُ حراً لأعيش كما يريد غيري أن أعيش ؟

و حتى الأصدقاء لايجب أن يكونوا من  أختياري، و حتى تعليمي و زواجي ربما .

لما كل هذا الظلم والاضطهاد،والضغط على نفسي بهذا الشكل السيء ليخرج مني شخص يسيء لمن حوله.

فقد خسرت كل شيء ،لم يولد حرصهم الزائد لي سوى الألم والكراهية والابتعاد عن كل شيء ،بل و أصبحت لدي ردات فعل غبية وبائسة انتهت بالمشاكل المزرية والمخجلة لي .

أحياناً أقول في نفسي ليتني ولدت في بيت عائلة آخرى  ،ليس كرهاً بأهلي ، و لكن هناك حياة قد ضاعت من بين يداي وأنا أتخيلها وابتسم لأحداثها .

ليتني كنت بغير مكان أو زمان ،بمكان يحترم ويقدر ما أرغب فيه وزمان لايتبع عادات وتقاليد متعارف عليها ويصعب كسرها .

هل من أحد يستطيع انتشالي ووضعي بغير هذا المكان المليء بالألم ؟

هل هناك من يسمعني ويقرأ الآن كلماتي البائسة هذه؟
لما كل تلك اللعنات التي أحاطت بي ؟

هل تحبون أسمي؟ وهل ستحبونه بعد معرفة قصتي؟ هل من أحد يرى أنه من حقي أن أعيش بواقع أنا تمنيته؟
هل يرغب أحد بمساندة سارة؟

في الحقيقة قد لاأكون بتلك المثالية ولست عديمة أخطاء ولست خالية من العيوب ،لكن هناك شيئا ما في قلبي أكثر كمالاً  مما هو حولي ،شيئاً ما يجعل من أخطائي تبريراً لمعرفة الصواب.

كل ماحولي كان أشبه بأن تراني مبتور الساق ،مستنداً على ساقي الاخرى فتأتي وتكسرها لي أيضا.

هل تريد أن تعرف من هي سارة حقا؟ أم أنتم أيضاً لاتبالون من هي وكيف عاشت .

هل حقاً لا أحد لديه الفضول لمعرفتي أو صداقتي بعد هذا الدمار الذي أحاط بجدارني المهترئة؟

ألن يكون هناك  من منتشل؟ لي ولألامي وأحلامي التي تناثرت وبعثر الخريف أوراقها ، أجل أوراقها المتساقطة و المنكسرة التي دفنتها التراب!

ههه قد تدفن سارة بأكملها ولاأحد يعرف عنها وعن واقعها المرير أيضاً.

أراك تضحك الآن .هه لاعليك في الواقع حياتنا تدعو للضحك والهسترية المبكرة .

قد هَرِمنا ونحن في بداية أعمارنا ،قد تآكل قلبنا الصغير في وقت مبكر جداً .

حيث أننا لم نمر بمرحلة شباب أبداً ،بل طفولة ومن ثم شيخوخة مباشرة .

أريد التحدث قليلاً معكم و أود بالتحدث مع من يرزق بأنثى  بأن يكون حريصاً على قلبها الضعيف و ماتتمناه ويدعمها بفشلها قبل نجاحها بحزنها قبل فرحها .

عليك دوماً أن تسألها إن كانت بخير أم لا .

أرجوك لاتنجب أطفالاً أن لم تكن أهلاً بأسعادهم .
أقطعوا النسل البائس التابع للتخلف ولعادات جاهلة
قد تُحطم أطفالك .

ارجوك أهتم جداً بأطفالك وبالأخص الأنثى  فهي حديقة مليئة بورود الحنان وأشجار العطاء وينابيع من الحنان .

أرجوك أرعاها كي لاتصاب بالتصحر كما حدث لي .
أنا أقول لك الحقيقة ،عليك دوماً بسؤال أنثاك عن أهتماماتها عن أصدقائها وعن أحلامها ،لاتكن ذالك اللعين المحطم للمعنويات ،أرجوكم تغيروا من أجلهم .

من أجل أن تروهم ناجحين وليس مريضين نفسياً بسبب الضغط.
أعلم قد يجد أحدكم كلامي لامعنى له ، أجل أعلم فأنتم أعلم بمصلحتهم من أي أحد ،هذه المقولة المعتادة من الجميع.

لكن لن تعلموا كميه الهم والحزن الذي زرعتموه بقلوبهم التي تنمو على الكراهية وتتشبع بالحقد ،لأنهم حُرموا أبسط الأشياء التي تمنوها .

اجعلوا حياتهم تمشي على هدف واحد وهي التي يرغبون بها فالحياة واحدة ولن تعاد أعطوهم فرصة أن يعيشوها كما أرادوا دعوهم يَصلو للطريق الذي اختاروه دون النظر لليمين واليسار ترقبا لحدث ما يغير حالهم .

لأن الأقدام التي تمشي بأكثر من أتجاه "لا تصل"

أنا الآن أحكي عن سارة الحزينة لعلها تصل لكل أنثى
وتدعو لي بأن يكون لي مستقبلاً مزهراً لي ولأولادي أجمل مما تمنيت .

أدعو لسارة كثيراً أرجوكم .
فأنا سأحاول أن أحب أحزاني لعلها ترحل كما رحل كل شيء أحببته بشدة.

أنا الآن مثل شجرة تم نقلها إلى مكان غير المكان التي أحبت فأصبحت تعاني وتشتكي الجفاف والتردد بين أن تضرب بجذورها بهذه الارض التي اُختيرت لها ،
أم تبقى على حالها وتذبل لتلتقمها التراب وتنتهي هي مع أحلامها وطموحها وكل شيء تمنت أن تكون عليه .

لم أكن أتمنى أن أكون ما أنا عليه الآن ،لم أتمنى أن أكره الماضي والحاضر والمستقبل.

فأنا لا أستطيع أخبار من كانوا سبب ذاك الدمار بقلبي  وجهاً لوجه، لذا قررت بأخباركم أنتم.

لعل هناك أنثى بائسة ستسمع كلام سارة وتقرر التغير والبحث عن الطريق قبل أن تجف جذورها اللينة .

لعل هناك آباء وأمهات عَرفوا ماحل بسارة .
ولعل كلامي سيجدي نفعاً لأحدكم ولو لشخص واحد .

سأكون سعيدة إن لم تعيش أنثى آخرى نفس هذه المعاناة
وسأسعد أكثر أن دعوتم لي في الغيب.

فأنتم يامن تقرؤون فقد  أصبحتم اليوم أصدقائي الجدد الأكثر قرباً من أي أحد .

في الحقيقة لم أبوح بكل هذه الشفافيه واقعي لأحد.

كان يجب علي دوماً أُظهر الرضى وألا سَأُعاقب .
و علي اتباع الأوامر و أنا بمنتهى السمع والطاعه .

فالأهل دوماً يردون الأشياء من زاوية أخرى غير تلك الزاوية التي ترونها نيرة .

في روايتي لم أقصد أن أقلل من قيمة الأهل بل أنا أحاول ان أجعلكم  تنتبهون لأشياء قد لاتكون ملفتة لكم .
وتعيشون حياة روتينة فقط بعيدة عن الألفة التي يكون محورها التفاهم والثقة والتشجيع .

أنا رغم كل شيء لم أكره أهلي ،لأن الله أختارهم لي
وهم أيضاً عاشوا بنفس تلك الظروف ومع أهل أيضاً بنفس الافكار .

أرجوكم غيروا  هذا النسل البائس ،يجب على أحد كسر تلك القواعد المملة ولتنطلق من خلاله نسل جديد يكون أهم مافي حياته كسب حب أطفاله له ،وتطوير مواهبهم وتمنية أفكارهم بالعلم والمعرفة .

عندها حتماً سيجدون طريقاً صحيحاً مبني على دعمكم المستمر .
ألا ترون الأمر جميل ؟حين ينظر لك ولدك بأنك جيشه الوحيد .
بأنك أغلى وأجمل ماحصل عليه؟
أو أنك  الآن لاتكترث بما أقول  ،وعليك بالتكاثر فقط .

فأليكم كيف بدأت مشاكلي ،حيث أنني من هنا بدأت أغوص بها وكلما كبرت زادت أكثر.

تبدأ قصتي  في أول حادث حدث لي منذ إحدى عشر عاماً  ، إذ حدث تصادم عائلي و من هناك بدأت أول ثغرة لي في عقول من حولي كنت في الصف السادس الابتدائي و هناك بدأت مراهقتي إذ كَبُرَ عقلي و نضج ليسابق بنيتي الجسدية .

إذ كُنت في عمر ال 12 عاماً  وكان لدي إعجاب كبير بـ عمر و الذي يكون ابن عمتي لم يكن هذا الشعور بيدي قد كنتُ أشعر أني بحاجة للحب بحاجة لشخص أكون من أهم اولوياته طبعاً هذا ماتطمح له كل أنثى .

عمر ذو  الخُلق و الأخلاق الحميدة ذو الأكتاف العريضة والجسم الممشوق والعضلات المفتولة والشعر الأسود الكاحل الذي بات ملفتاً مع بياض وجهه المدور .

في الحقيقة كل مافيه كان ملفت بالنسبة لي ،حين يتحدث ،حين ينظر،وحتى حين يمشي و يحرك يداه .

لاأعلم ماجذبني أكثر هل شكله الخارجي أم روحه أكثر أم تصرفاته وذكائه .

لم أخبر احداً بما شعرت تجاهه ، أولا ً لصغر سني و ثانياً لخوفي من أن يصل الأمر لمسامع أمي أو أقربائي .

و لكن  في يوم ما قد أتتني فرصة و تحدثت فيها إلى فتاة اكبر مني بأعوام و تدعى  دارين و التي تكون ابنة عمتي الكبيرة والتي كانت مسالمة جداً و بعيدة كل البعد عن المشاكل.

و لسبب بُعد منزلهم عنا  كانت دارين  تأتي كل فترة و تَبيت في منزلنا بعد إصرار كبير مني و من إخوتي لحبنا الشديد لها .

هي خلوقةو مرحة و لديها شخصية جميلة جداً  و متفهمة وأنا أحبها كثيراً إلى الآن

و في يوم من الايام  بينما دارين ما تزال عندنا  قد صَدِفَ و أن ذَهبت أمي إلى السوق فوقفت مع دارين في المطبخ و كانت تقوم بغسل الأطباق و كان هذا بعد أن طلبت منها أن تتركها و تدعها لي و لكنها رفضت و أخبرتني أنها تحب أن تعمل في أي مكان تذهب إليه  إذ ماتفعله يشعرها بإحساس جيد  كما لو أنها في منزلها .

لم يمننها أحد و لكنها لا تحب أن يدينها أحد ما  بشيء .
بدأنا نتحدث بأمور الفتيات و أخبرتها ماذا يفعلن صديقاتي و كيف يذهبن للقاء الفتيان في أماكن مغلقة .

ثم كانت ردة فعلها عادية ،و هذا ما صدمني لأن ما كنت أراه لم يكن عادياً بل شيء خاطئ و ممنوع و لكنها تحدثت بجدية .

دارين : يجب أن تَبقي بعيدة عن كل فتاة تفعل هذه الأشياء و لاتذهبي مع أي واحدةٌ منهن في موعدها مع صاحبها أو حبيبها .

ولا تتستري عليها ، لأنك إذا فعلتي ستنالين عقاب من الله بشأن ذلك .

أقنعتني بكلامها ثم رَغبتُ كثيراً أن أبوح لها بمشاعري تجاه عمر و فعلت .
ثم ابتسمت لي لذا ذهب قلقي بعيداً ،و بعد أن بحت لعا بسري لها بكل شيء عما أشعر فيع أخبرتني دارين و هي تبتسم .

دارين : إن شعور الحب ليس حرام ، الحرام هو ما نفعله به ، و لا يجب ان يُشوهَ  الحب بـتصرفات و أفعال تقلل من قدسيته .

الإسلام حرم المخالطة و الانفراد و الحديث المغري  لم يحرم الحب .
جعلتني دارين أفهم أن الحب يجب أن ينبض بالقلب وأن يستمر دون اقتراف اخطاء . 

فأعطيتها وعد الطفلة الشقية التي لم تكن  تعلم أن الوعد يلزمها أن تُطبق كل ما قيل لها .

ذهبنا لنجلس أمام التلفاز و كنا نضحك و نتحدث ب أمور مختلفة ثم بدأت حديثي.

سارة : إن أمي تَظن أنني أجهل  ما معنى  الدورة الشهرية و البلوغ و لكنني عَرفتُ كل شيء من فتيات في عمري و أخبرتني إحداهنّ ببلوغها و لم تكن تخجل من ذلك ، بل جعلتني أشعر أنه أمر عادي لأن أمها حدثتها عنها كثيراً و أخبرتها بأنه امر عادي جداً سيحدث لكل الفتيات ، و عليها أن تعلم بشأنه.

و كنت متفاجئة لأن أمي لا تتحدث بهذه الأمور أمامي و كل ما لمحتها تتحدث تغير الموضوع ، فظننته شيء غير لائق و لا يجب أن يحدث للفتاة في سن مبكرة .

فتحدثت دارين و هي تتكئ برأسها على كف ذراعها الذي تستند به على ظهر الكنبة.

دارين: ليس عيباً أن تعرفي عنها و ليس حرام  أنها حقاً كما قالت أم صديقتك ، أمر عادي سيحصل لك عاجل أم اجلاً .

سارة: أمي معقدة جداً ، هي تريدني أن أبقى طفلة صغيرة لكنني أعرف أمور كثيرة جداً ، و لا أستطيع إخبارها لأنها لا تتركني انفتح لها ، و حتى بمشاعري لعمر  لا أستطيع أن أخبرها عنها شيء  لأنها ستقتلني .

آه كم تمنيت لو أمي تتقبل ذلك وأستطيع أن أحادثها بما في قلبي بحرية وراحة و كي لاأقع بأي خطأ  و لكن كانت متحفظة جدآ بمبادئ لاتسمح لها بالحديث بأي أمر كما لو أن أي شيء تحتاجه الانثى عيباً في هذا المجتمع .

تَفهمت دارين ما قلته لها  ثم أخبرتني بأنها ستبقى  بجانبي و ستكون مثل أختي الكبيرة ، و أنا كنت سعيدة جداً بهذا لأفتقاري الشديد لشخص مثلها بقربي .

و لكن هذه السعادة لم تطل  , فعندما جاء  اليوم التالي و ذهبت دارين إلى منزلها .
امغسكت أمي بي و أغلقت علينا باب الغرفة لأبقى معها وحيدة دون اخوتي ، فأصابني الخوف لأنني أعلم تماماً متى تفعل ذلك .

و كان خوفي في مكانه اذ بدأت تحقق معي ، و هنا حدثت فاجعتي ،  لأنها أخبرتني  أن دارين أخبرتها عن مشاعري لعمر ، كما و أخبرتها أن على أمي أن تتقرب مني و تصبح صديقة لي ،و أوصتها بألا تهملني و تتقرب مني .

و أنا كنت أرى أن ما قالته دارين جيد و صحيح لكن ردة فعل أمي كانت مرعبة ، إذ هي لم تصدق بأنني أحب عمر وبقيت مُنفعلة حتى أنكرتُ الحديث كله  و اتهمتُ دارين بأنها من فتحت هذا الحديث معي و اقنعتني به  .

و بكلامي هذا  ارتاحت أمي و أستطعتُ أن أخلص نفسي من قبضتها ومن هنا بدأت أخطائي تتراكم حيث بدأتُ أضع اللوم على غيري ،لأن كل ما أشعر به غلط بالنسبة لهم .

وكنت أتوقع منها أن تقوم بضربي و بشدة في أي لحظة قد تسمع فيها ما لم يرضيها.

أنهينا حديثنا و ظننت أن كل شيء قد  انتهى ،  و لكن امي قامت بجري  بقوة من ملابسي و أخذتني إلى بيت أجدادي .

ثم جلسنا وحدنا مع جدتي ف طلبت مني أمي أن أخبر جدتي بالحقيقة التي أقنعتها بها  بأن دارين تُعلمني النظر إلى الشباب و أنه يجب أن أحب أحد و أقيم معه علاقة حب حتى و لو من بعيد ، و أن دارين تعلمني أمور تخص البالغين .

و عندما كنت أخبر جدتي و أتهم دارين بتلك الطريقة البشعة .كُنت ابكي ، و كنت أشعر بالذنب و التفكير بماذا سيحصل لها لو أن القصة انتشرت ؟

أنا حقاً لم أرغب أن يحصل كل هذا ،لم أرغب أن أكون تلك السيئة التي تتهم أحد تُهم باطلة  ولكنني كنت طفلة طائشة ،لم أعلم منذ متى أصبحت هكذا ولماذا  ؟

هل بسبب خوفي؟ أم بسبب صغر سني؟ أم للنقص الكبير الذي في داخلي؟

آه دارين أنا حقا آسفة لما حدث وسيحدث .

يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي