الفصل الرابع

أسيرة لعشقه
الفصل الرابع

لم تصدق سارة ما حدث للتو بداخل غرفة المكتب الخاصة برامز أستاذها الجامعي، أهو قد منها أن تحدد له موعدا مع والدها من أجل أن يتقدم لها كما هي فهمت، هي لم تقدر أن تستوعب الأمر حتى الآن
لقد خرجت من غرفة المكتب، توجهت إلى المكتب الصغير بجانب كوفي كثير من مكاتب المتدربين المتراصة بجانب بعضها البعض، جلست عليه ثم حاولت أن تأخذ نفسا عميقا كي تهدئ من حالها، أخذت بعدها تبحث عن هاتفها المحمول، وجدته بجانب الحاسب الآلي، ألتقطته بيدها ثم بدأت في الاتصال بصديقتها رنا، هي أخرجت الرقم الخاص بها من قائمة الأسماء ثم ضغطت على زر الاتصال وانتظرت أن تجيب رنا عليها، صوت الرنين علا في أذنيها والذي أستمر لعدة ثوان حتى أتاها صوت رنا وهي تخبرها بصوت هادئ قائلة لها
- أيوة يا سارة يا حبيبتي، خير في حاجة؟!
تنهيدة حارة خرجت من فم سارة، ثم أخبرتها بنبرة سريعة وهادئة في نفس الوقت قائلة لها
- دكتور رامز طلب مني أحدد ليه معاد مع بابا

"قشطة يا معلم، عيب يا بنتي أنا كنت شاكة إنه في الأمور أمور المهم دلوقتي أنتي رأيك أيه في الموضوع ده؟! قصدي اللي حاساه بعد ما هو لمح ليكي أنه حابب يتقدم ويطلبك للجواز؟!

زفرة حارة خرجت من فم سارة، هي تشعر أنها تائهة إلى حد ما، الأمر برمته لم يخطر على بالها يوما ، أخبرت رنا بنبرة حائرة قائلة لها


-:مش عارفه يارنا رامز إنسان كويس ومحترم وكمان مستواه المادي كويس يعني عريس مناسب

قاطعتها صديقتها وهي تخبرها بنبرة جادة قائلة لها

- طب وفرق السن يا فالحة مفكرتيش فيه؟! وكمان مشاعرك ناحيتهه أيه مجاش في بالك الكلام ده؟! ولا أنا آه نسيت إن الحب والكلام ده مش تفكيرك حتى!!

أجابت سارة على حديث صديقتها رنا مخبرة إياها بنبرة هادئة قائلة لها

- فرق سن أيه أنا مش فارق معايا الكلام ده وكمان مشاعر أيه وحب ايه ما أنتي عارفة أني مليش في جو الحب والمشاعر ده كله وجع قلب ووقت بيضيع علي الفاضي

استمعت رنا إلى كلمات سارة تلك ثم أخبرتها قائلة بنبرة هادئة ناصحة إياها

- وأنا بقولك فكري كويس قبل توافقي وشوفي قلبك يقولك أيه يا سارة؟!

أخبرت رنا سارة صديقتها بتلك الكلمات لعلها تفكر جيدا قبل أن تتخذ أي قرار في ذلك الشأن الهام

بعد دقائق من الحديث بينهما، أغلقت سارة الهاتف مع صديقتها رنا ثم حاولت أن تبعد ذلك الأمر عن تفكيرها وتعود لتمارس عملها من جديد، حيث المتبقي من يوم عملها هما ساعتان فقط


أنهت سارة عن عملها في مكتب رامز ثم عادت إلى المنزل، كانت مرهقة بعض الشيء ففضلت أن ترتاح قليلا ثم تتنظر والدها على العشاء كي تحكي له عما حدث معها هناك في ذلك العمل


جاء والدها بعد مدة من الزمن هي كانت في إنتظاره ببهو الڤيلا وهي تجلس على أحد المقاعد العريضة
فوجئ بها والدها منتظرة إياه، أقترب منها بخطوات متمهلة بينما هي نهضت من على المقعد ثم خطت نحوه بخطوات سريعة، رسم لها والدها على وجه بسمة عريضة ثم أخبرها قائلا بنبرة مرحة

- أزيك يا سارة يا حبيبتي، ها قاعدة هنا لوحدك ليه؟!
أوعي تكوني مستنياني أنا لما أرجع من بره؟!

هزت سارة راسها موافقة على أعتقاد والدها، هي أخبرته قائلة بنبرة هادئة
- أيوة يا بابا، أنا كنت عايزة حضرتك في موضوع مهم

رفع سلمان حاجبه متعجباً وتسأل بنبرة حائرة قائلا لها

- خير يا سارة يا حبيبتي، أيه الموضوع اللي عايزه تكلميني فيه ومخليكي قاعدة مستنياني هنا

ابتسمت سارة إلى والدها ثم أخبرته بنبرة مرحة قائلة له بمزاح شديد

- طب أيه رأيك أننا نتعشى الأول وبعدين نتكلم في الموضوع اللي عايزة أتكلم فيه مع حضرتك، أنت روح غير هدومك وأنا هدخل عند دادة كوثر عشان تجهز الأكل، أصلي أنا جعانة جدا بصراحة وأنا مش بعرف اتكلم وأنا جعانة، فالأحسن نأكل الطعام ثم نتحدث!!

نظر سلمان إلى ابنته بنظرات متعجبة، هي في البداية أرادت أن تتحدث معه في موضوع هام، ثم بعدها ذكرت أمر الطعام، هو أخبرها بنبرة مستفهمة قائلا لها

- متأكدة إن الموضوع مش عاجل قوي وممكن يتأجل لبعد العشا

هزت سارة رأسها موافقة إلى والدها الذي أبتسم لها بود ودفء شديد ثم ألتف بجسده بعدها ليسير بخطوات سريعة نحو الدرج كي يصعد عليه ويصل إلى غرفته الخاصة في الطابق الثاني


بعد مرور أكثر من ساعة من الزمن، كانت سارة ووالدها أنتهيا من تناول طعام العشاء، ثم جلسا في بهو الڤيلا يتناولان القهوة، طلب سلمان من ابنته سارة أن تبدأ التحدث في الأمر الذي أرادت أن تخبره به، هي هزت رأسها موافقة ثم بدأت تخبره بنبرة هادئة قائلة له

- حضرتك عارف دكتور رامز المهدي اللي بدرب عنده في مكتبه،،،

تطلع سلمان إلى سارة ابنته بعدم فهم وتعجب كبير ثم أخبرها قائلا بنبرة حائرة قائلا لها

- أيوة أكيد أعرفه يا سارة ده سؤال جاوبت عليه من زمان من وقت ما جيتي تتدربي عنده في المكتب
وكمان قولتلك أنه عمل لينا سلسلة إعلانات من فترة قريبة خاصة بالشركة

أبتسمت سارة إلى والدها وتطلعت إليه في حب ثم أخبرته قائلة بنبرة هادئة

- هو طلب مني أحدد ليه معاد مع حضرتك!

رفع سلمان حاجبه متعجباً من حديث ابنته ثم سألها بنبرة متعجبة قائلا لها بتسأل
- وهو لو عايز يقابلني بيطلب منك أنك أنتي ليه تحددي ليه معاد معايا؟!! إلا إذا!!!

قال سلمان تلك الكلمات إلى ابنته بتعجب كبير، لكنه في النهاية وبعد تفكير أستطاع أن يفهم المغزى من ذلك الأمر، هو أبتسم لها برقة بينما هي نكست رأسها خجلاً من نظرات والدها الذي بدأ الحديث قائلا لها

- آه أنا كده فهمت يا حبيبة بابا، بس أنا عايز أسألك قبل ما نبدأ كلام في الموضوع ده، أنتي مش حاسة أنه في فرق كبير بينك وبينه في العمر، فرق بيوصل لاكتر من اتناشر سنة يعني فرق كبير مش قليل يا حبيبتي
أنا مش عايز أقلقك من الموضوع لكن فرق السن بيفرق كتير في موضوع الارتباط والجواز يا سارة

الحقيقة هي تعلم ذلك كثيرا، لكن هي تظن أن التفاهم بين الزوجين والتفاهم بينهما هو أهم شيء في الحياة الزوجية بينهما، ورامز يبدو عليه الاحترام كما أنه جيدا في التعامل مع الآخرين، فترة الخطبة سوف تكون فرصة مناسبة كي يتعرف كلا منهما على الآخر، رامز إنسان جيد وهو يستحق أن تخوض هي تلك التجربة معه، لا يؤمن بالحب مثلها، فقط التفاهم والاحترام

بعد ذلك التفكير أخبرت سارة والدها بنبرة هادئة قائلة له بصوت جاد

- بابا أنا فاهمة الموضوع ده كويس، لكن بعد أذن حضرتك أنا شايفة طول ما الاتنين متفاهمين وبينهم نوع من الاحترام والتقدير ده هيكون عامل مهم لنجاح الجواز، فرق السن ده شئ ثانوي مش مهمة لدرجة كبيرة، الود والتفاهم أفضل حاجة

نظر سلمان بقلة حيلة إلى ابنته سارة، التي يبدو أنها فكرت في ذلك الأمر جيداً وتريد خوض التجربة، سارة ورثت عنه الجانب العملي، وتحييد المشاعر على عكس من يحيى ابنه الذي ورث عن والدته مشاعرها المرهفة وعاطفة جياشة، لذا هو لم يجد بدا سوى الموافقة على تحديد ذلك الموعد مع رامز المهدي كي يعرف على ماذا ينوي هو، وكيف سوف ينجح الأمر بينه وبين ابنته
هو تحدث إلى ابنته قائلاً لها بنبرة هادئة

- تمام يا حبيبتي، حددى معاه معاد على الساعة سبعة المغرب بكرة إن شاء الله

أبتسمت سارة لوالدها بود شديد ثم أومأت إليه موافقة
هي لم تنتبه لنظرات المربية الخاصة بها وهي ترمقها بعدم رضا من أفعالها تلك، لقد استمعت إلى حديثها بالصدفة بينما تقدم لهما القهوة، والحقيقة أن الحديث لم يعجبها الأمر على الاطلاق، لم تصدق أن سارة قد توافق على خوض تلك التجربة المحكوم عليها بالفشل من قبل أن تبدأ، فليس فرق السن بين ذلك الرجل وبين سارة هو العائق الوحيد بينهما، بل أيضاً عدم وجود مشاعر بينهما، هما بتلك الطريقة كأرض بور لا زرع فيه ولا حياة، الحب كان سيروي تلك الأرض لكن هو في حياتهما سيكون مطر نادر شحيح السقوط، وهذا سوف يجعل من أمر نجاح الزواج صعبا للغاية إن لم يكن مستحيلا، هي سوف تنتظر قدوم ذلك الرجل غداً وبعد المقابلة سوف تعطي رأيها لها بكل صراحة بالتأكيد
****************************,**************


اليوم التالي جاء، هي قد هاتفت رامز أخبرته بالموعد، وجوابه أنه سوف يكون على الموعد بكل تأكيد وقد فعل ذلك، هو أتى بمفرده، فلم يكن أحدا من عائلته على قيد الحياة، فقط لديه ابن أخيه الذي يحضر الدكتوراة في الخارج وقد هاتفه بشأن ذلك، والآن هو جاء يتحدث في شأن خطبته من سارة سلمان تلك الفتاة الجميلة التي جعلته يعيد التفكير في أمر الزواج مجددا، بعد سنوات من العيش على حطام الماضي

بعد الترحيب به بواسطة والد سارة وأخيها يحيى الذي تجمعه به صداقة سطحية بحكم العمل في نفس المجال، وفي الحقيقة هو لم يكن يشعر بتوتر أو شيء من ذلك القبيل، لقد تعلم من سنوات عمره وتجاربه السابقة أن التحلي بالهدوء والصبر من أكثر الأشياء حكمة في كل الأمور، بدأ حديثه مع والد سارة قائلا له بنبرة هادئة وبسمة على وجهه

- أستاذ سلمان من غير مقدمات وزي ما الآنسة سارة وضحت لحضرتك سبب طلبي لتحديد المعاد ده، فأنا يشرفني إني أطلب أيد الآنسة سارة كريمة حضرتك

أبتسم سلمان بود كبير إلى رامز ثم أخبره قائلا بنبرة هادئة
- بص يا رامز، وخلينا نتكلم كده من غير ألقاب

نظر رامز إلى سلمان ثم أومأ إليه برأسه موافقا وعلى وجهه ابتسامة عريضة، أنصت إليه بعدها وهو يخبره قائلا بنبرة هادئة

- هي سارة لمحت أنك كنت عايز تتقدملها، وأنا حابب أسألك سؤال واحد بس ومش قصدي حاجة وحشة لا سمح الله، لكن السؤال ده مهم جدا أني أعرف إجابته

تطلع رامز إلى سلمان بقلق شديد ثم تسأل بنبرة قلقة قائلا له وعلى وجهه علامات التوتر

- خير يا أستاذ سلمان! أيه السؤال اللي حضرتك عايز تعرف إجابته؟!

أخذ سلمان نفسا عميقا ثم تحدث قائلا بنبرة هادئة إلى رامز مخبرا إياه

- فرق السن، أظن أنه واضح وجود فرق سن كبير بينك وبين سارة بنتي، والحكاية دي أكيد هتخليني أقلق وبالتأكيد هتخلي أي حد يقلق، دول مش خمسة ولا عشرة دول أكتر من اتناشر سنة

تطلع رامز إلى سلمان وانصت إلى حديثه ذاك، بالفعل تلك النقطة قد فكر هو بها كثيرا قبل أن يقدم على أمر التقدم لخطبة سارة، هو عنده جواب مقنع لذلك السؤال بالتأكيد، حيث أبتسم إلى رامز ثم أخبره بنبرة هادئة قائلا له

- أكيد الموضوع يقلق أي أب زي ما حضرتك بتقول، وأنا فكرت فيه كتير قبل ما ابدأ أفاتح آنسة في موضوع الجواز، الحقيقة إحنا ليه منفكرش في الموضوع من ناحية تانية ،،،،

تطلع سلمان إلى رامز بنظرات حائرة ثم أنصت إليه وهو يستكمل حديثه قائلاً بنبرة هادئة

- فرق السن ده ممكن يكون عامل لنجاح الجواز مش العكس، كوني إني أكبر من آنسة سارة ده يعني إني أنضج منها بكتير، وده هيفيد أكيد لو حصل خلاف بينا وده وارد طبعا بين اتنين، كمان تجربتي السابقة اللي أظن حضرتك عارف عنها علمتني الصبر والهدوء
وده هيساعد في طريقة التعامل ما بينا

أستمع سلمان إلى كلمات رامز، بدأ يفكر بها جيداً داخل نفسه، هو محق فرق السن بينه وبين سارة قد يكون عامل مساعد وليس عامل هدم، كما أن تجربته أن يحكي عنها أمامه الآن قد تساعده حقا في التصرف بهدوء ونضج عند حدوث خلاف بينهما، عليه أن يفكر في الأمر بطريقة إيجابية، وعلى أية حال القرار يرجع إلى ابنته سارة، سوف يترك الأمر بيدها، سوف يترك لها القرار، حتى لا تخبره أنه يقف في طريق سعادتها
هو سوف يجعلها تتخذ القرار سواء بالقبول أو الرفض

نظر سلمان إلى رامز ثم أخبره بنبرة هادئة قائلا له
- بص يا رامز يا ابني، القرار دلوقت بأيد سارة نفسها يعنى أنا ويحيى ابني مش هندخل في القرار اللي هتأخده، وعشان كده أنا هنده عشان تتكلموا سوا مع بعض في الموضوع ده، وبعد ما تخلصوا أنا هعرف منها قرارها وان شاء الله هبلغك بيه

أبتسم رامز إلى سلمان ثم أومأ إليه برأسه موافقا على حديثه ذاك، هو أنصت إليه بينما يهتف عاليا باسم ابنته سارة التي أتت إليه بعد لحظات تلبي نداء والدها
نظر إليها وعلى وجهه ابتسامة عريضة، وجدها تلقي عليه التحية قائلة له بصوت هادئ

- مساء الخير يا دكتور رامز

أومأ إليها برأسه محييا إياها بعدما استقام موافقا عندما خطت نحوهم ، هو أجاب على تحيتها تلك له بنبرة هادئة قائلا لها
- مساء الخير يا آنسة سارة

شيعها رامز بعينيه بينما هي تكمل طريقها نحو أحد المقاعد الضخمة، ثم جلست عليه بهدوء شديد
كان والدها من تكلم تلك المرة حيث أخبرها بنبرة هادئة

- بصي يا سارة يا بنتي، زي ما أنتي عارفة دكتور رامز جاي يتقدم ليكي، أنا سمعت منه وسألته الأسئلة اللي كنت محتاج إجابة عليها، ودلوقت هيسبكم مع تتكلموا براحتكم عشان تتعرفوا على بعض كويس، وتسمعوا بعض كمان كويس، وأنا حابب أقولك إن القرار قرارك موضوع من موافقتك أو رفضك ده راجع ليكي أنت
وحدك، فاهماني يا سارة

أومأت سارة برأسها موافقة إلى والدها، شيعته بعينيها بينما هو يشير إلى شقيقها يحيى ثم تحركا سويا إلى حيث غرفة المكتب الخاصة بوالدها

نهاية الفصل
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي