الفصل الثالث
الفصل الثالث
كل شيء ذهب مهب الريح بين ثانية ووضحاها فقد فقدت أمها وحرمت من أبنتها٬فليكن ما يكن لا يهمها ما حييت او ماتت هي اﻷخرى فكانت أمها بالنسبة لها الحياة تحيا بأنفاسها٬لن تكن والدتها تعانى من شئ سوى ارتفاع فى ضغط الدم فكانت تتناول ادويتها في الميعاد المناسب ٬فقد ماتت قهرا وهي ترى ابنتها تذبل أمام عينيها بسبب حرمانها من ابتتها٬ظلت تأسر الحزن بداخلها ٬حتي لن تقو علي أسره اكثر من هذا وارتفاع ضغطها مما أدى لوفاتها علي الفور..
أن اسر الاحزان بدواخلنا وعدم البوح بما يعتمل بقلوبنا٬قد تسبب الوفاة٬فالقلوب لن تقو علي حمل اﻷحزان وتسقط صريعة علي الفور٬وهذا ما حدث لتلك السيدة الطيبة لن تحتمل الفراق عن اﻷحبة واعلن القلب سقوطه حتي قبل أن يفكر في حل جلى ٬فالقلوب إذا لن تموت حية فتتوقف عن النبض وتسبب الوفاة ....
كانت هدير ترى والدتها في لحظاتها اﻷخيرة تتكفن أمامها ٬اسرت دموعها بعينيها وبأت اﻷمر كمن يقف اعلي سفك جبل واتى احد من خلفه واسقطه ٬حاولت خالتها جاعلها تبكي٬ألا انها كانت لها رأى اخر فباتت الدموع حبيسة حتى تصل بوالدتها لمؤاها الاخير ,لا مجال فى تلك اللحظة للحزن يعربد روحنا بجمر من النار٬حتي وأن بأتت تشتعل بداخلها كلهب من نار لن تخمد بعد٬فاصتطنع القوة في وقت لن يسمح به بالضعف اشبه بحرب نعلم جيدا باننا سنفقد ضحايا...وسنخرج منهزمين من عدو يعلم كل أركان المعركة جيدا٬كخريطة رسمت لتو من امهر الرسامين...
كان رائد يقف بالخارج والجميع ملتفين حواله يشاطروه أحزانه٬فبأت كجندى تسمرت قدمه عندما وجد عدوه يقترب منه وليس بيده شيء لفعله٬كانت الأعين تطالعه كيف له لن يذرف دمعة٬ولن يعلما بأن لن يجسر علي ذرف الدموع وأمه تحتاجه لتوصيلها لماؤاها اﻷخير فالقلوب تجمدت في تلك اللحظة التي لن يسمح بها بالضعف البتة..
أب هدير كان كالتائه في دروب محكمة الغلق٬لا يستطع سوى قاطنيها التكسع بها٬فكانت زوجته كل ما يملك لان تتركه يوما حزينا٬وبل كانت منقذته بكل من يؤرق مضجعه ٬إذا ما رأته حزين يوما كانت تربت علي كتفيه بحنو حتى يبتسم ملء شدقيه٬وتقوم بتحضير كل ما يحب فهو لن يفقدها فحسب٬بل فقد روحه برحيلها ٬ولن يستطع أحد ملء مكانتها بل تركته فارغ الروح كمن حكم عليه بالاعدام شنقا لن يشتهي شيئا ..ما دامت ليست لجواره..
*******
كانت عاليا داخل المغطس تغتسل من رائحة القذراوت ٬لن تتوقع بأن يحدث لها ما حدث٬واخر شئ توقعته أن تاتيها الضربة من حارسها الشخصي كما كانت تظن ولكن أخطات حين ظننته ذلك٬وعندما أتى للعمل معها قدم هوية مزيفة٬ولن تعلم بأنها خدعت من قبل أنسان لا يفقه شئ...لطالما أعتبرته جرذ لن يسوى البتة...ظلت تحت المرشا مغمضة العينين٬تشعر بجسدها يألمها انتهت لتو من الاستحمام وارتدت رداء الحمام(الروب)وخرجت للغرفة وقفت امام المرأة تمشط شعرها الذى دوما ما تصبغه بالوان مختلفة حتى تخفي اثر تقدم العمر لطالما تعتبر ذانها ابنة العشرون....ولن تصدق بأنها كبرت وأصبحت جدة لحفيدة صغيرة حرمتها من أمها واعلنت عليها الحرب العالمية الثالثة...عبست وجهها ذراعها اليمين يؤلمها بسبب لوى حيدر له...كشرت أنيابها متواعدة له٬لطالما تخبر ذاتها حتى وان كان لواء شرطة حتما ولا بد ستقتص منه مهما كلفها الامر الكثير لن تياس ما حييت..
انتهت من تمشيط شعرها واستلقت علي الفراش مغمضة العينين٬تذكرت أدويتها التي قد دونها لها الطبيب وقد ابتعتها في طريقها الي المنزل..
********
تذكر حيدر أمر الكاميرات ذهب لمدير المشفي اخرج هويته ٬وجلس أمامه واضعا ساقا فوق ساق٬واخرج سيجارته الفخمة٬واخرج القداحة واشعل واحدة٬وأمر المدير أن يفرغ الكاميرات٬تلعثم معتصم الرشيدى وحاول المراوغة٬ألا ان حيدر كان له رأى اخر حين وقف أمامه بكل عنجهية قائلا بصوت خشن:
-احسن لك ولمستشفى انك تفرغ الكاميرات وحالا
وقف معتصم الرشيدى واضعا يده علي خصره كالنساء حين يغضبن من شئ ما٬ولن يفعل ما أمره به قائلا بتأفف كما العادة:
-هات أمر من النياية وانا افرغ الكاميرات زي ما انت عايز
أخرج حيدر مسدسه من خصره ووضعه أمام وجهه قائلا بصوت يكسوه الغلاظة:
-وها دلوقتى هتنفذ ولالا
أذراد المدير ريقه وراح ينفذ ما قاله حيدر تحت تهديد السلاح٬لئلا يصوب عليه فتح الكاميرات بيد ترتعش من الخوف٬فيما ظل حيدر يتابع حركات يده المرتعشة ويرمقه باستمتاع جلى وكأنه يخبره بعينيه إذا ما نفذت لا تلوم سوى نفسك أيها الوغد٬فيما راح المدير يتحدث بتلعثم قائلا:
-نزله بقي نفذلتلك اللي انت عايزاه ايه ثاني
وضعه حيدر بخصره يطالعه بنظرات تهديدية٬ووقف بمحاذاته٬يشاهد حركة يداه ويريه الكاميرات بالدور الذي تقطن به جميلته٬حاول معتصم تعطيل الكاميرات إلا أن نظرات حيدر له جعلته كالفار الذى قبض لتوه يتلف أحد الأطعمة ورسم له طعم للاصتطياده بمهارة وحرفية شديدة...
*******
-مصطفى
نادت عليه والدته ليتناول طعام الغذاء برفقتهم٬وجدته منهمكا بمذاكرته٬لطالما لما تتهاون أمه بواجباته وتبقي برفقته وتساعده فيما يفعل لطالما كان طفلها يتمتع بالذكاء الشديد منذ صغره وهو ذكي وهادئ الطباع ويحب والديه بشدة...
هبطا الدرج معا بخطوات رشيقة وذهبا الي غرفة الطعام كانت عاليا تتوسط الطاولة بذراعها المجبر ذاك٬بينما باليمين يجلس مؤمن وبمحاذاته طفله مصطفى وقبالته أميرته زوجته الجميلة٬
بدات الخادمات بتجهيز الطعام علي الطاولة بداية من الشوربات التى اعتادا احتسها قبل الاكل٬ظل يضعا الاطباق الدسمة علي المنضدة ٬وبمجرد أن رات اميرة ذاك الطعام ٬شعرت بالضيق يحتل كيانها أين طعام طفلها ٬فلا يناسبه سوى الطعام الصحى حتى يحافظ علي لياقته البدنية فيما رأحت تفتح فمها متحدثة بغيظ وغل شديدان :
-مارى فين اكل مصطفي مش قوللتك تعملله اكل معين
طأطات ماري رأسها ارضا لن تعلم كيف تقول لها٬بأن حماتها المصون من أمرتها بذلك٬أبت الكلمات بالخروج من فمها الذى شعرت بأنه توقف عن العمل هنيهة٬بللت شفتيها وقالت:
-انا اسفة مدام لكن هاخذ بالى المرة الجاية
قبل أن تنهال عليها اميرة بوابل من الشتائم تحدثت عاليا من أنفها قائلة:
-مارى علي شغلك وانتى انا اللي قوللتها مش لازم تعملي اكل لمصطفي ياكل من اكلنا الولد بقي خاسس من الاكل الصحى دا ها يا حبيبي خلص اكلك روح العب في الحديقة شوية انا شايفاك مكبوت وامك واقفلك علي قلبك
رمق مصطفي أمه لطالما لن يفعل شيئا بدون أذانها قائلا:
-نانا انا مبعملش حاجة الا ما مامى او بابي هما اللي يقوللى انا اسف مش اسمع كلام حضرتك طالما مش مامى او بابى اللي قوللى
شعرت أميرة بالانتصار٬وبدأت بتناول طعامها بعدما أمرت طفلها بعدم الاقتراب من ذاك الطعام المضر بصحته٬وأعطته قليل من السلطة الخضراء ووضعته أمامه قائلة:
-حبيب مامى كل السلطة دا دلوقتى وبعد الهوم ورك هعملك الاكل اللي بتحبه وناكل انا وانت وبابى حبيبى يلا يا بطل اسبقنى علي الاوضة وهجى وراك يا نور عين
مامى ...
بعدما ذهب الطفل ورأته يرتقي الدرج٬طرقت عاليا علي النضد بقوة شديدة بيدها السليمة قائلة كفحيح افعى سامة :
-انتى نسيتى نفسك ولا ايه ازاى تعصي حفيدى علي نسيتى نفسك ولا ايه
أحتفظت أميرة بهدوء أعصابها واكملت طعامها دون الالتفات لها٬طالعت زوجها رأته يرمق امه بنظرات نارية فتح فمه ليتحدث ألا أنه وجد ملاكه تضغط بقدميها علي قدميه من أسفل النضد برفق٬ليفهم مغزى ما ترمى اليه ليبتسم بلطف علي أميرته ٬لطالما تفهمه دون التفوه٬أكمل قطعة البانيه التى أمامه يلتهمها بهدوء تام٬اشمئز من طعامها وبصقها أمامه٬لتطرق عاليا بطريقة جنونية النضد متحدثة بغضب جم:
-أنت يا همجى ايه القرف بتاعك دا من عشر القوم وانت ما شاء الله معشرها فوق العشر سنين اكيد طالعها مقرف زيها٬
لن تحتمل أميرة تلك الاهانة وطرقت هي اﻷخرى النضد بغضب جم٬ورأحت تضيق عينيها دلالة علي رفض ذلك الحديث الذى تقوهت به قبل قليل٬ومن ثم هدأت من روعها وتحدثت ببرود شديد:
-طنط مؤمن وابنى خط احمر ولو كنتى فاكرانى هدير تبقي غلطانة وابنى مش سجى عشان تتحكمى فيه وابوه وامه عايشين لما نبقي نموت ابقى اتحكمى في وحيدنا براحتك قبل كدة انا وابوه واصيين عليه يارب تكونى حضرتك استوعبتى كلامى
وراح مؤمن يؤكد ما قالته أميرته وهب واقفا من طاولة الطعام وسار بأتجاه غرفة طفله واستدار قائلا:
-يارب يا امى تكونى استوعبتى اني ابنى خط احمر وكلامه بياخذه منى او من أميرتى يلا يا روحى عشان تختاريلي بدلة احضر بيها الاجتماع اللي انا اتاخرت عليه
هبت اميرة بالمقابل وأقفة ورأحت تسير بمحاذاة زوجها متشابكى اليدين٬بينما تلك السليطة تشعر بأنها تشتعل كالبنزين من ابنها الذى يتحداها ويقف بمحاذاتها أمام امه٬صرخت بكل قوتها علي الخادمات أن ياتين ويلملما منضدة الطعام٬ارتشفت القليل من المياه ورأحت تنظر في أختفائهم بكل الغل المستوطن بداخلها..
راحت تمتمتم بقهر شديد والقت بالمعلقة التى لا زالت بيدها ومسحت فمها وغادرت من فورها تخطط لعدة اشياء أهم من زوجة أبنها الحرباء تلك..
*********
صعق حيدر مما رأه بعينيه,فما رأه لا يصدقه عقل كيف ان يحدث هذا٬راح يركض خارجا دون أن يعير مدير المشفي أهتماما ٬فيما رأح معتصم يزفر بضيق يحتل كيانه وراح يغلق الحاسوب بغل شديد٬مخرجا سيجارته ينفث بها بضيق وغضب شديدان٬يود أن يفتك بذاك الهمجى الذى كان يجاوره قبل قليل٬رفع سماعة التليفون الارضى وراح يتحدث ﻷحدهم علي الطرف الاخر قائلا:
-اتكشف كل حاجة خلي بالك حيدر مش هيسكت
المجهول بأبتسامة شر قائلا:
-انت خايف يا صغنن اعلي ما فى خيله يركبه باي عصومى متبقاش خرع يا معتصم عشان حباينا ميزعلوش منك يا روح الروح وانت عارف لو زعلوا ممكن يعملوا ايه احسنلك تنفذ اللي يقولولك عليه وبالمناسبة هتتحسب علي تفريغ الكاميرات
أغلق المجهول الهاتف بوجهه معطيا رجاله تعليمات جديدة ورأح يدخن سيجاره بهدوء تام ممسكا بقنينة كحول يذهب بعقله قليلا٬فالقادم لا ينذر بالخير دلف احد رجاله بعدما سمح له بالدخول٬اقترب منه بهدوء شديد قائلا:
-يا باشا اللورد طيارته بكرة الساعة 12 هتكون في انتظاره ولالا
المجهول بأشمئزاز:
-هروح استقباله خلي ديانا تحصلنى علي الفيلا مزاجى اتعكر
هز معز راسه وغادر من فوره بعدما أخذ أوامر من رئيسه بالتنفيذ...
********
كانت هدير تتلقي عزاء والدتها وعيونها تذرف الدموع الحبيسة التي أبت هبوطها اثناء تكفينها وتطهيرها لملأقاة ربها٬كانت تنظر في الوجوه التى تشاطرها أحزانها بقلب مات قهرا,فيما رأحت خالتها تجاورها وتربت غلي ساقيها قائلة بحنو:
- يا حبيبتى ادعيلها بالرحمة والمغفرة ياقلب خالتك امك الله يرحمها اكيد مش عاجباها حالك دلوقتى قومى استغرى ربنا وصلي الظهر وادعيلها يا حبيبتى محتاجة دعاك يا قلبى....
هبت هدير واقفة من جلستها واتجهت صوب المرحاض تتؤضا وتصلي الظهر٬وتدعي لوالدتها بالرحمة والمغفرة ينقطع أبن ادم الا من ثلاث
-صدقة جارية
-ولد صالح يدعو له
-عمل صالح ينتفع به
افترشت سجادة الصلاة بغرفتها وباشرت بصلاتها تبكى بحرقة شديدة تبتهل الي الله٬أن يغفر لوالدتها وان تعد أبنتها ﻷحضانها مرة أخرى٬فهى تعلم جيدا بان امها ماتت مقهورة علي سجى٬فبأتت تخزن بداخلها حتى اصيبت بارتفاع ضغط الدم٬ولن يستطع الطبيب اسعافها وماتت علي الفور قبل أن يستريح عقلها تجاه حفيدتها غاليتها سجى ٬
فلم تنعم بالراحة منذ جئت ابنتها مطرودة من منزل زوجها الراحل٬كانت تظن بأنها زوبعة فنجان وستزول ويعد الغائب الي أحضان زويه,ولن تعد فتاتها الصغيرة ظلت تكبت بداخلها حتى أرتفاع ضغطها وحدث لها هبوط حاد في الدورة الدموية٬ولكن دوما ما تاتى الرياح بما لا تشتهى السفن...
فرغت من صلاتها داعية الله بكل جوارحها ان تعد أبنتها اليها٬وترتاح القلوب بما يؤرق مضجعها فماذا تفعل وأنها فقدت أمها رمز الحنان...الدفء.....الامان....لن تعلم بانها ستفقدها بين ليلة ووضحاها فكانت بالنسبة لها كل شئ كانت تطوقها بين ذراعيها وتربت علي ظهرها وتقرأ عليها قرأن حتي تغفو ودوما ما كانت تخبرها أن أبنتها ستعد ﻷحضانها وستنعم بقربها وستضحك علي تلك الايام٬وكم كانت ترسم أحلام بان الصغيرة ستاتي ولن يتركا مكان الا وسيذهبا معا اليه٬وسيقوما بتصويرها والاحتفاظ بالصور وعمل البوم للذكرى الخالدة حتي حين تكبر الصغيرة ستراها وهى تبتسم ملء شدقتها من فرط السعادة....
فأضح كل شئ بين ليلة ووضحاها مجرد سراب وأنتهي اين والدتها الان قد غطاها الثرى٬ظلت علي سجادتها تذرف الدموع ٬حتي دلف والدها الغرفة وجدها تبكى اقترب منها وطوقها بذراعيه بك وكانه لن يبك قبلا فماذا عساه يفعل حيال ذلك٬فقد ماتت تؤام روحه ومليكة قلبه فكانت تعنى له الحميع٬فقد عاشا سنوات من المودة والرحمة٬لن تخرج اسراره يوما٬بل كانت حامدة وشاكرة لله علي عطاياه ولن تشعره يوما بأنه قد قصر تجاهها,
راح يتذكر حين أتيت حماته لزيارتهما ولن تجد بالمنزل طعام٬وقد طالعتها أمها بغضب جم ٬فراحت تردد بأسمه قائلة :
-تصدقى يا ماما نسيت اقول لمحمود الصبح انا طلبات البيت خلصت ومردتش اتصل بيه في التليفون وهو شغال عشان معطلهوش
وقتئذ أبتسمت الام ملء شدقتها وامتصت غضبها وداست في يد أبنتها بعض المال وقبلتها من وجنتيها وهمست لها بصوت خفيض:
-تربية ايدى الست الاصيلة اللى مطلعش اسرار بيتها برة ربنا يسعدك يا نور عين امك
هبت واقفة وربتت علي كتف زوج أبنتها بود وقالت:
-ربنا يسعدكم يا ابنى انت من اليوم ابنى اللي مخلفتهوش...
وغادرت علي الفور بعدما تاكدت من سعادة أبنتها ومن حينها لن تتدخل البتة ٬إذا وجدت وما وجدت طعام لدى أبنتها فكان زوج أبنتها ونعم الزوج٬لن تاتيها مرة غاضبة وكان يتفنن زوجها باسعادها دوما....
********
كان يدور حيدر حول ذاته كالطير الجريح ٬الى الان لن تاتيه مكالمة من خاطفى جميلته٬حتى وان طالبا فدية فهو علي أهبة الاستعداد لدفعها حتى تعد اليه صغيرته مرة أخرى٬فقلبه يخبره بأن جميلته ليست بخير ربما تكن خائفة...ربما تبكى...ربما تنادية وتنكمش علي ذاتها في أحد الاركان منزوية...يخشى ان تصيب بمكروه نتيجة خوفها ....أو ربما تتاذى من أفراد العصابة ...ربما تحتاج لتطويق حيدر لها ٬يشعرها بألامان الذى افتقتده منذ ابتعدها عنه..
ظل هكذا حائرا...ضائعا...لا يقو علي فعل شئ سوى الانتظار فحسب٬طرق الباب سمح للطارق بالدخول٬دلف العسكرى يخبره بأنه امسكا لص يحوم حول القسم بريبة ولن تمضى عدات دقائق حتى وجدا فتاة تصرخ بأن سرقت حقيبتها٬نفخ حيدر أودجته ورفع أكمام قميصه متحدثا بفحيح أفعى سامة قائلا:
-هاتوا جاه لقضاه
أدى العسكرى التحية وخرج من الغرفة٬واتى بعد قليل باللص الذى كانت معالمه لا توحى سوى بأنه مسجل خطر بعدات قضايا مختلفة٬امر العسكرى بالانصراف وأمسك اللص من تلابيبه ظل يسدد له اللكمات بكل الغضب الكائن بداخله٬ولن يرحمه حتي بعدما ذرف اللص الدموع قائلا:
-أنا عملت كدة عشان اوفر لأمى ثمن جلسات غسيل الكلي
أستمع لحديثه جيدا رغم شهقاته التي أرتفعت وحتى هذا لن يرحمه بل زاد من تسديد اللكمات له٬متحدثا بقهر شديد قائلا:
-هتعالج أمك بالحرام يلا دا انا هخلص البشرية منك اليوم وربى
دلف قاسم صديقه الصدوق وبئر أسراره الغرفة فصل بين اللص وحيدر٬بعدما وجده أنفه ينزف٬صاح عاليا علي العكسرى الذى اتى وأمره باخذ المتهم علي الحجز٬ولن يخطو عدات خطوات حتي نادى حيدر علي العسكرى قائلا:
-سجلي عنوان أهله وهاته يا بنى منه
رد العسكرى بتهذيب قائلا:
-تمام يا فندم عن أذانك
هدأ حيدر قليلا وجلس علي مقعده الجلدى يلتقتط أنفاسه اللاهثة من شدة الضرب٬فيما راح قاسم يتحدث بهدوء تام قائلا:
-كنت هتموته يا حيدر أحنا مينفعش نتعصب علي حد نخلي القانون ياخذ مجراه انت لازم تهدى اللي خطف جماعتك اتصلوا ولالا
نفث حيدر سيجارته التى قد اشعلها لتو وهز راسه يشعر بالوهن يكربك روحه بسياط من نار٬فماذا يفعل حيال ذلك والقلب أنفطر من الغياب ٬لن يعلو رنين هاتفه من قبل المختطفين٬ظل ينفث السيجارة بتمهل شديد مفكرا فيما حدث٬كانا يعيشان بجو سعيد ولن يستطعا أحد الوقوف أمامهما..
وأثناء ما كان يفكر في جميلته علا رنين هاتفه مدون عليه رقم خاص٬أجابه بقلب ملتاع ٬أته صوتها الفزع حاول يهاتفهما ٬ألا أنه غلق الخط علي الفور٬توقف نيهة عندما استمع لما قالته جميلة قبل أن ينقطع الخط بدقائق٬
تمسك برباطة جاشه,وأعطى قاسم رقم الهاتف ليستعلم عن هؤيته ويأتيه بالتفاصيل٬هز قاسم رأسه وغادر من فوره ...
********
يتبع
كل شيء ذهب مهب الريح بين ثانية ووضحاها فقد فقدت أمها وحرمت من أبنتها٬فليكن ما يكن لا يهمها ما حييت او ماتت هي اﻷخرى فكانت أمها بالنسبة لها الحياة تحيا بأنفاسها٬لن تكن والدتها تعانى من شئ سوى ارتفاع فى ضغط الدم فكانت تتناول ادويتها في الميعاد المناسب ٬فقد ماتت قهرا وهي ترى ابنتها تذبل أمام عينيها بسبب حرمانها من ابتتها٬ظلت تأسر الحزن بداخلها ٬حتي لن تقو علي أسره اكثر من هذا وارتفاع ضغطها مما أدى لوفاتها علي الفور..
أن اسر الاحزان بدواخلنا وعدم البوح بما يعتمل بقلوبنا٬قد تسبب الوفاة٬فالقلوب لن تقو علي حمل اﻷحزان وتسقط صريعة علي الفور٬وهذا ما حدث لتلك السيدة الطيبة لن تحتمل الفراق عن اﻷحبة واعلن القلب سقوطه حتي قبل أن يفكر في حل جلى ٬فالقلوب إذا لن تموت حية فتتوقف عن النبض وتسبب الوفاة ....
كانت هدير ترى والدتها في لحظاتها اﻷخيرة تتكفن أمامها ٬اسرت دموعها بعينيها وبأت اﻷمر كمن يقف اعلي سفك جبل واتى احد من خلفه واسقطه ٬حاولت خالتها جاعلها تبكي٬ألا انها كانت لها رأى اخر فباتت الدموع حبيسة حتى تصل بوالدتها لمؤاها الاخير ,لا مجال فى تلك اللحظة للحزن يعربد روحنا بجمر من النار٬حتي وأن بأتت تشتعل بداخلها كلهب من نار لن تخمد بعد٬فاصتطنع القوة في وقت لن يسمح به بالضعف اشبه بحرب نعلم جيدا باننا سنفقد ضحايا...وسنخرج منهزمين من عدو يعلم كل أركان المعركة جيدا٬كخريطة رسمت لتو من امهر الرسامين...
كان رائد يقف بالخارج والجميع ملتفين حواله يشاطروه أحزانه٬فبأت كجندى تسمرت قدمه عندما وجد عدوه يقترب منه وليس بيده شيء لفعله٬كانت الأعين تطالعه كيف له لن يذرف دمعة٬ولن يعلما بأن لن يجسر علي ذرف الدموع وأمه تحتاجه لتوصيلها لماؤاها اﻷخير فالقلوب تجمدت في تلك اللحظة التي لن يسمح بها بالضعف البتة..
أب هدير كان كالتائه في دروب محكمة الغلق٬لا يستطع سوى قاطنيها التكسع بها٬فكانت زوجته كل ما يملك لان تتركه يوما حزينا٬وبل كانت منقذته بكل من يؤرق مضجعه ٬إذا ما رأته حزين يوما كانت تربت علي كتفيه بحنو حتى يبتسم ملء شدقيه٬وتقوم بتحضير كل ما يحب فهو لن يفقدها فحسب٬بل فقد روحه برحيلها ٬ولن يستطع أحد ملء مكانتها بل تركته فارغ الروح كمن حكم عليه بالاعدام شنقا لن يشتهي شيئا ..ما دامت ليست لجواره..
*******
كانت عاليا داخل المغطس تغتسل من رائحة القذراوت ٬لن تتوقع بأن يحدث لها ما حدث٬واخر شئ توقعته أن تاتيها الضربة من حارسها الشخصي كما كانت تظن ولكن أخطات حين ظننته ذلك٬وعندما أتى للعمل معها قدم هوية مزيفة٬ولن تعلم بأنها خدعت من قبل أنسان لا يفقه شئ...لطالما أعتبرته جرذ لن يسوى البتة...ظلت تحت المرشا مغمضة العينين٬تشعر بجسدها يألمها انتهت لتو من الاستحمام وارتدت رداء الحمام(الروب)وخرجت للغرفة وقفت امام المرأة تمشط شعرها الذى دوما ما تصبغه بالوان مختلفة حتى تخفي اثر تقدم العمر لطالما تعتبر ذانها ابنة العشرون....ولن تصدق بأنها كبرت وأصبحت جدة لحفيدة صغيرة حرمتها من أمها واعلنت عليها الحرب العالمية الثالثة...عبست وجهها ذراعها اليمين يؤلمها بسبب لوى حيدر له...كشرت أنيابها متواعدة له٬لطالما تخبر ذاتها حتى وان كان لواء شرطة حتما ولا بد ستقتص منه مهما كلفها الامر الكثير لن تياس ما حييت..
انتهت من تمشيط شعرها واستلقت علي الفراش مغمضة العينين٬تذكرت أدويتها التي قد دونها لها الطبيب وقد ابتعتها في طريقها الي المنزل..
********
تذكر حيدر أمر الكاميرات ذهب لمدير المشفي اخرج هويته ٬وجلس أمامه واضعا ساقا فوق ساق٬واخرج سيجارته الفخمة٬واخرج القداحة واشعل واحدة٬وأمر المدير أن يفرغ الكاميرات٬تلعثم معتصم الرشيدى وحاول المراوغة٬ألا ان حيدر كان له رأى اخر حين وقف أمامه بكل عنجهية قائلا بصوت خشن:
-احسن لك ولمستشفى انك تفرغ الكاميرات وحالا
وقف معتصم الرشيدى واضعا يده علي خصره كالنساء حين يغضبن من شئ ما٬ولن يفعل ما أمره به قائلا بتأفف كما العادة:
-هات أمر من النياية وانا افرغ الكاميرات زي ما انت عايز
أخرج حيدر مسدسه من خصره ووضعه أمام وجهه قائلا بصوت يكسوه الغلاظة:
-وها دلوقتى هتنفذ ولالا
أذراد المدير ريقه وراح ينفذ ما قاله حيدر تحت تهديد السلاح٬لئلا يصوب عليه فتح الكاميرات بيد ترتعش من الخوف٬فيما ظل حيدر يتابع حركات يده المرتعشة ويرمقه باستمتاع جلى وكأنه يخبره بعينيه إذا ما نفذت لا تلوم سوى نفسك أيها الوغد٬فيما راح المدير يتحدث بتلعثم قائلا:
-نزله بقي نفذلتلك اللي انت عايزاه ايه ثاني
وضعه حيدر بخصره يطالعه بنظرات تهديدية٬ووقف بمحاذاته٬يشاهد حركة يداه ويريه الكاميرات بالدور الذي تقطن به جميلته٬حاول معتصم تعطيل الكاميرات إلا أن نظرات حيدر له جعلته كالفار الذى قبض لتوه يتلف أحد الأطعمة ورسم له طعم للاصتطياده بمهارة وحرفية شديدة...
*******
-مصطفى
نادت عليه والدته ليتناول طعام الغذاء برفقتهم٬وجدته منهمكا بمذاكرته٬لطالما لما تتهاون أمه بواجباته وتبقي برفقته وتساعده فيما يفعل لطالما كان طفلها يتمتع بالذكاء الشديد منذ صغره وهو ذكي وهادئ الطباع ويحب والديه بشدة...
هبطا الدرج معا بخطوات رشيقة وذهبا الي غرفة الطعام كانت عاليا تتوسط الطاولة بذراعها المجبر ذاك٬بينما باليمين يجلس مؤمن وبمحاذاته طفله مصطفى وقبالته أميرته زوجته الجميلة٬
بدات الخادمات بتجهيز الطعام علي الطاولة بداية من الشوربات التى اعتادا احتسها قبل الاكل٬ظل يضعا الاطباق الدسمة علي المنضدة ٬وبمجرد أن رات اميرة ذاك الطعام ٬شعرت بالضيق يحتل كيانها أين طعام طفلها ٬فلا يناسبه سوى الطعام الصحى حتى يحافظ علي لياقته البدنية فيما رأحت تفتح فمها متحدثة بغيظ وغل شديدان :
-مارى فين اكل مصطفي مش قوللتك تعملله اكل معين
طأطات ماري رأسها ارضا لن تعلم كيف تقول لها٬بأن حماتها المصون من أمرتها بذلك٬أبت الكلمات بالخروج من فمها الذى شعرت بأنه توقف عن العمل هنيهة٬بللت شفتيها وقالت:
-انا اسفة مدام لكن هاخذ بالى المرة الجاية
قبل أن تنهال عليها اميرة بوابل من الشتائم تحدثت عاليا من أنفها قائلة:
-مارى علي شغلك وانتى انا اللي قوللتها مش لازم تعملي اكل لمصطفي ياكل من اكلنا الولد بقي خاسس من الاكل الصحى دا ها يا حبيبي خلص اكلك روح العب في الحديقة شوية انا شايفاك مكبوت وامك واقفلك علي قلبك
رمق مصطفي أمه لطالما لن يفعل شيئا بدون أذانها قائلا:
-نانا انا مبعملش حاجة الا ما مامى او بابي هما اللي يقوللى انا اسف مش اسمع كلام حضرتك طالما مش مامى او بابى اللي قوللى
شعرت أميرة بالانتصار٬وبدأت بتناول طعامها بعدما أمرت طفلها بعدم الاقتراب من ذاك الطعام المضر بصحته٬وأعطته قليل من السلطة الخضراء ووضعته أمامه قائلة:
-حبيب مامى كل السلطة دا دلوقتى وبعد الهوم ورك هعملك الاكل اللي بتحبه وناكل انا وانت وبابى حبيبى يلا يا بطل اسبقنى علي الاوضة وهجى وراك يا نور عين
مامى ...
بعدما ذهب الطفل ورأته يرتقي الدرج٬طرقت عاليا علي النضد بقوة شديدة بيدها السليمة قائلة كفحيح افعى سامة :
-انتى نسيتى نفسك ولا ايه ازاى تعصي حفيدى علي نسيتى نفسك ولا ايه
أحتفظت أميرة بهدوء أعصابها واكملت طعامها دون الالتفات لها٬طالعت زوجها رأته يرمق امه بنظرات نارية فتح فمه ليتحدث ألا أنه وجد ملاكه تضغط بقدميها علي قدميه من أسفل النضد برفق٬ليفهم مغزى ما ترمى اليه ليبتسم بلطف علي أميرته ٬لطالما تفهمه دون التفوه٬أكمل قطعة البانيه التى أمامه يلتهمها بهدوء تام٬اشمئز من طعامها وبصقها أمامه٬لتطرق عاليا بطريقة جنونية النضد متحدثة بغضب جم:
-أنت يا همجى ايه القرف بتاعك دا من عشر القوم وانت ما شاء الله معشرها فوق العشر سنين اكيد طالعها مقرف زيها٬
لن تحتمل أميرة تلك الاهانة وطرقت هي اﻷخرى النضد بغضب جم٬ورأحت تضيق عينيها دلالة علي رفض ذلك الحديث الذى تقوهت به قبل قليل٬ومن ثم هدأت من روعها وتحدثت ببرود شديد:
-طنط مؤمن وابنى خط احمر ولو كنتى فاكرانى هدير تبقي غلطانة وابنى مش سجى عشان تتحكمى فيه وابوه وامه عايشين لما نبقي نموت ابقى اتحكمى في وحيدنا براحتك قبل كدة انا وابوه واصيين عليه يارب تكونى حضرتك استوعبتى كلامى
وراح مؤمن يؤكد ما قالته أميرته وهب واقفا من طاولة الطعام وسار بأتجاه غرفة طفله واستدار قائلا:
-يارب يا امى تكونى استوعبتى اني ابنى خط احمر وكلامه بياخذه منى او من أميرتى يلا يا روحى عشان تختاريلي بدلة احضر بيها الاجتماع اللي انا اتاخرت عليه
هبت اميرة بالمقابل وأقفة ورأحت تسير بمحاذاة زوجها متشابكى اليدين٬بينما تلك السليطة تشعر بأنها تشتعل كالبنزين من ابنها الذى يتحداها ويقف بمحاذاتها أمام امه٬صرخت بكل قوتها علي الخادمات أن ياتين ويلملما منضدة الطعام٬ارتشفت القليل من المياه ورأحت تنظر في أختفائهم بكل الغل المستوطن بداخلها..
راحت تمتمتم بقهر شديد والقت بالمعلقة التى لا زالت بيدها ومسحت فمها وغادرت من فورها تخطط لعدة اشياء أهم من زوجة أبنها الحرباء تلك..
*********
صعق حيدر مما رأه بعينيه,فما رأه لا يصدقه عقل كيف ان يحدث هذا٬راح يركض خارجا دون أن يعير مدير المشفي أهتماما ٬فيما رأح معتصم يزفر بضيق يحتل كيانه وراح يغلق الحاسوب بغل شديد٬مخرجا سيجارته ينفث بها بضيق وغضب شديدان٬يود أن يفتك بذاك الهمجى الذى كان يجاوره قبل قليل٬رفع سماعة التليفون الارضى وراح يتحدث ﻷحدهم علي الطرف الاخر قائلا:
-اتكشف كل حاجة خلي بالك حيدر مش هيسكت
المجهول بأبتسامة شر قائلا:
-انت خايف يا صغنن اعلي ما فى خيله يركبه باي عصومى متبقاش خرع يا معتصم عشان حباينا ميزعلوش منك يا روح الروح وانت عارف لو زعلوا ممكن يعملوا ايه احسنلك تنفذ اللي يقولولك عليه وبالمناسبة هتتحسب علي تفريغ الكاميرات
أغلق المجهول الهاتف بوجهه معطيا رجاله تعليمات جديدة ورأح يدخن سيجاره بهدوء تام ممسكا بقنينة كحول يذهب بعقله قليلا٬فالقادم لا ينذر بالخير دلف احد رجاله بعدما سمح له بالدخول٬اقترب منه بهدوء شديد قائلا:
-يا باشا اللورد طيارته بكرة الساعة 12 هتكون في انتظاره ولالا
المجهول بأشمئزاز:
-هروح استقباله خلي ديانا تحصلنى علي الفيلا مزاجى اتعكر
هز معز راسه وغادر من فوره بعدما أخذ أوامر من رئيسه بالتنفيذ...
********
كانت هدير تتلقي عزاء والدتها وعيونها تذرف الدموع الحبيسة التي أبت هبوطها اثناء تكفينها وتطهيرها لملأقاة ربها٬كانت تنظر في الوجوه التى تشاطرها أحزانها بقلب مات قهرا,فيما رأحت خالتها تجاورها وتربت غلي ساقيها قائلة بحنو:
- يا حبيبتى ادعيلها بالرحمة والمغفرة ياقلب خالتك امك الله يرحمها اكيد مش عاجباها حالك دلوقتى قومى استغرى ربنا وصلي الظهر وادعيلها يا حبيبتى محتاجة دعاك يا قلبى....
هبت هدير واقفة من جلستها واتجهت صوب المرحاض تتؤضا وتصلي الظهر٬وتدعي لوالدتها بالرحمة والمغفرة ينقطع أبن ادم الا من ثلاث
-صدقة جارية
-ولد صالح يدعو له
-عمل صالح ينتفع به
افترشت سجادة الصلاة بغرفتها وباشرت بصلاتها تبكى بحرقة شديدة تبتهل الي الله٬أن يغفر لوالدتها وان تعد أبنتها ﻷحضانها مرة أخرى٬فهى تعلم جيدا بان امها ماتت مقهورة علي سجى٬فبأتت تخزن بداخلها حتى اصيبت بارتفاع ضغط الدم٬ولن يستطع الطبيب اسعافها وماتت علي الفور قبل أن يستريح عقلها تجاه حفيدتها غاليتها سجى ٬
فلم تنعم بالراحة منذ جئت ابنتها مطرودة من منزل زوجها الراحل٬كانت تظن بأنها زوبعة فنجان وستزول ويعد الغائب الي أحضان زويه,ولن تعد فتاتها الصغيرة ظلت تكبت بداخلها حتى أرتفاع ضغطها وحدث لها هبوط حاد في الدورة الدموية٬ولكن دوما ما تاتى الرياح بما لا تشتهى السفن...
فرغت من صلاتها داعية الله بكل جوارحها ان تعد أبنتها اليها٬وترتاح القلوب بما يؤرق مضجعها فماذا تفعل وأنها فقدت أمها رمز الحنان...الدفء.....الامان....لن تعلم بانها ستفقدها بين ليلة ووضحاها فكانت بالنسبة لها كل شئ كانت تطوقها بين ذراعيها وتربت علي ظهرها وتقرأ عليها قرأن حتي تغفو ودوما ما كانت تخبرها أن أبنتها ستعد ﻷحضانها وستنعم بقربها وستضحك علي تلك الايام٬وكم كانت ترسم أحلام بان الصغيرة ستاتي ولن يتركا مكان الا وسيذهبا معا اليه٬وسيقوما بتصويرها والاحتفاظ بالصور وعمل البوم للذكرى الخالدة حتي حين تكبر الصغيرة ستراها وهى تبتسم ملء شدقتها من فرط السعادة....
فأضح كل شئ بين ليلة ووضحاها مجرد سراب وأنتهي اين والدتها الان قد غطاها الثرى٬ظلت علي سجادتها تذرف الدموع ٬حتي دلف والدها الغرفة وجدها تبكى اقترب منها وطوقها بذراعيه بك وكانه لن يبك قبلا فماذا عساه يفعل حيال ذلك٬فقد ماتت تؤام روحه ومليكة قلبه فكانت تعنى له الحميع٬فقد عاشا سنوات من المودة والرحمة٬لن تخرج اسراره يوما٬بل كانت حامدة وشاكرة لله علي عطاياه ولن تشعره يوما بأنه قد قصر تجاهها,
راح يتذكر حين أتيت حماته لزيارتهما ولن تجد بالمنزل طعام٬وقد طالعتها أمها بغضب جم ٬فراحت تردد بأسمه قائلة :
-تصدقى يا ماما نسيت اقول لمحمود الصبح انا طلبات البيت خلصت ومردتش اتصل بيه في التليفون وهو شغال عشان معطلهوش
وقتئذ أبتسمت الام ملء شدقتها وامتصت غضبها وداست في يد أبنتها بعض المال وقبلتها من وجنتيها وهمست لها بصوت خفيض:
-تربية ايدى الست الاصيلة اللى مطلعش اسرار بيتها برة ربنا يسعدك يا نور عين امك
هبت واقفة وربتت علي كتف زوج أبنتها بود وقالت:
-ربنا يسعدكم يا ابنى انت من اليوم ابنى اللي مخلفتهوش...
وغادرت علي الفور بعدما تاكدت من سعادة أبنتها ومن حينها لن تتدخل البتة ٬إذا وجدت وما وجدت طعام لدى أبنتها فكان زوج أبنتها ونعم الزوج٬لن تاتيها مرة غاضبة وكان يتفنن زوجها باسعادها دوما....
********
كان يدور حيدر حول ذاته كالطير الجريح ٬الى الان لن تاتيه مكالمة من خاطفى جميلته٬حتى وان طالبا فدية فهو علي أهبة الاستعداد لدفعها حتى تعد اليه صغيرته مرة أخرى٬فقلبه يخبره بأن جميلته ليست بخير ربما تكن خائفة...ربما تبكى...ربما تنادية وتنكمش علي ذاتها في أحد الاركان منزوية...يخشى ان تصيب بمكروه نتيجة خوفها ....أو ربما تتاذى من أفراد العصابة ...ربما تحتاج لتطويق حيدر لها ٬يشعرها بألامان الذى افتقتده منذ ابتعدها عنه..
ظل هكذا حائرا...ضائعا...لا يقو علي فعل شئ سوى الانتظار فحسب٬طرق الباب سمح للطارق بالدخول٬دلف العسكرى يخبره بأنه امسكا لص يحوم حول القسم بريبة ولن تمضى عدات دقائق حتى وجدا فتاة تصرخ بأن سرقت حقيبتها٬نفخ حيدر أودجته ورفع أكمام قميصه متحدثا بفحيح أفعى سامة قائلا:
-هاتوا جاه لقضاه
أدى العسكرى التحية وخرج من الغرفة٬واتى بعد قليل باللص الذى كانت معالمه لا توحى سوى بأنه مسجل خطر بعدات قضايا مختلفة٬امر العسكرى بالانصراف وأمسك اللص من تلابيبه ظل يسدد له اللكمات بكل الغضب الكائن بداخله٬ولن يرحمه حتي بعدما ذرف اللص الدموع قائلا:
-أنا عملت كدة عشان اوفر لأمى ثمن جلسات غسيل الكلي
أستمع لحديثه جيدا رغم شهقاته التي أرتفعت وحتى هذا لن يرحمه بل زاد من تسديد اللكمات له٬متحدثا بقهر شديد قائلا:
-هتعالج أمك بالحرام يلا دا انا هخلص البشرية منك اليوم وربى
دلف قاسم صديقه الصدوق وبئر أسراره الغرفة فصل بين اللص وحيدر٬بعدما وجده أنفه ينزف٬صاح عاليا علي العكسرى الذى اتى وأمره باخذ المتهم علي الحجز٬ولن يخطو عدات خطوات حتي نادى حيدر علي العسكرى قائلا:
-سجلي عنوان أهله وهاته يا بنى منه
رد العسكرى بتهذيب قائلا:
-تمام يا فندم عن أذانك
هدأ حيدر قليلا وجلس علي مقعده الجلدى يلتقتط أنفاسه اللاهثة من شدة الضرب٬فيما راح قاسم يتحدث بهدوء تام قائلا:
-كنت هتموته يا حيدر أحنا مينفعش نتعصب علي حد نخلي القانون ياخذ مجراه انت لازم تهدى اللي خطف جماعتك اتصلوا ولالا
نفث حيدر سيجارته التى قد اشعلها لتو وهز راسه يشعر بالوهن يكربك روحه بسياط من نار٬فماذا يفعل حيال ذلك والقلب أنفطر من الغياب ٬لن يعلو رنين هاتفه من قبل المختطفين٬ظل ينفث السيجارة بتمهل شديد مفكرا فيما حدث٬كانا يعيشان بجو سعيد ولن يستطعا أحد الوقوف أمامهما..
وأثناء ما كان يفكر في جميلته علا رنين هاتفه مدون عليه رقم خاص٬أجابه بقلب ملتاع ٬أته صوتها الفزع حاول يهاتفهما ٬ألا أنه غلق الخط علي الفور٬توقف نيهة عندما استمع لما قالته جميلة قبل أن ينقطع الخط بدقائق٬
تمسك برباطة جاشه,وأعطى قاسم رقم الهاتف ليستعلم عن هؤيته ويأتيه بالتفاصيل٬هز قاسم رأسه وغادر من فوره ...
********
يتبع