الفصل الثاني 2

(( لماذا تفعلين ذلك ؟ ))
(( ما أدراك أنت بحياتي ، كنتُ أُظنكَ الوحيد الذي سيأويني وسط هذا البرد القارس ))
(( أنتِ قاتلة ، كيف تريدينني أن أستضيفكِ هكذا ))
(( لا أُريد منكَ أن تَستَضِيفَني ، فقط إستمع إلي ))
إعتدلت سريعاَ في فِرَاشي و أنا ألهثُ بشدة و أُحاول إستجماع الهواء ليُهدِئني قليلاً ........
من هذا اللعين الذي يجرُؤ على الاتصال بي في هذا الوقت المُتَأخِر ........
رَمَقْتُ هاتفي بنظرة جانبية من عيني اليُمنى التي إستيقظت بالفعل بينما لم تَقتًنع الأُخرى أنه قد حان
وقت النهوضِ بعد ........
حسناً هذه أجملُ لعينة قابلتها في حياتي ، أجبتُ بشوق : من المتصل ؟
جاءني صوتُها المُفعم بالرقة مُجيباً: ألازلت حياً ؟!
إرتسمت الإبتسامه على وجهي بشكلٍ أبله و أنا أُجيبْ : لا أعلم ، أظُنني قُتِلتُ مراتٍ عديدة بالأمس .
فبادرت قائلة بلهفة كأنها تنقل خبراً عظيماً: سمعت ما جاء في الاخبار ؟
تساءلت بلا مبالاة: ماذا ؟
فقالت بسعادة غير مبررة: هناك ثلاثة جرائم قتل وقعن بالقرب منك .
تساءلت في قرارة نفسي: ثلاثة !!! ، هناك جريمتان وقعتا قَبْلي أو بَعدي .........
تثاءبت بكسل قائلاً لها: أظُنه سفاح ذو شهية مرتفعة .
فقالت بخبث: هل تُفكر فيما أُفكر به ؟
إستجمعتُ أنفَاسي لإستحضار الطاقة الكافية للسباب ....
و صحتُ بها هل جننت ؟! ، أنا أعلم جيدأ أنك مغفلة و كائن عشوائي بلا مسؤوليات ، أما أنا فينتظرني
مستقبل باهر و حياة جميلة لم أرها بعد ، لهذا إترُكيني حياً إلى حينها أرجوكِ .
إرتفع صوت ضحكتها الطفولية المشاكسة، ثم قالت : إنها مُتعَتي في الحياة فلا تَحْرمني منها .
حقاً كم أتمنى صفعها و أنهي هذه العلاقة الأن, ستتسبب هذه الحمقاء في موتي عاجلاً أم أجلاً, لكنني تمَالَكتُ أعصابي قَدرَ المُستَطَاع و أنا أتساءل بتهكم حسناً ما هو الممتع في مقابلة سفاح قاتل متعطش للدماء ؟
فأجَابَتْني بإفتتان: الخوف شئ في غاية الروعة ، صدقني عليكَ أن تُجرِّبَه .
رددت بإستنكار: أُجربه !! ، حسناً لقد تجرعته بما فيه الكفاية و مذاقة لم يعجبني إطلاقاً .
بدا على صوتها خيبة الأمل و هي تقول: أين ذهب فُضُولَكْ ، ألم تُخبرني منذ عدة أيام عن طريقة لعلاج السفاحين ؟
تنهدت بعمق و قد أرهقني الجدال قبل أن أقول: كان مجرد مقالاً عابراً ثم إنه لم يُطبق فعلياً بعد ، كما أن هذا السفاح لن ينظر إلي على أنني شخصٌ
أعَالِجه ، بل سأتحول في عينيه إلى دجاجة بيضاء يجب قتلها قبل ان تتفوه بكلمة .
أطْلَقَت العنان لضحكتها مره أُخرى ، ثم قالت : حسنا متى نلتقي ؟
تثاءبت مرة أخرى متعمداً لتفسح لي المجال لإستكمال نومي: اجازة نهاية الاسبوع ، لكن سأستشيرُ نفسي أولاً إن كان من الصحي مُقابَلَتك مرة أُخرى أم أنكِ
خطرٌ على حياتي .
صمتت فجأه ولم تنطق بكلمه على عكس عادتها الثرثارة ، فناديتها حتى أتأكد من إنها لم تغلق المكالمة
في وجهي بعد .......
فقالت فجأة: إنها تمطر .
فتساءلت بغباء: من هي ؟
أجابتني بنبرة ساخرة تكليلاً لغبائي: السماء ، و من غيرها .
إبتلعت تهكمها قائلاً بضجر: أعذريني ، فأحدهم إنتشلني من النوم بلا رحمة .
فقالت كأنها لم تسمعني: الساعه الأن الرابعه ، السادسه بالضبط سأتصل بك ولن أقبل الاعذار حينها .
رددت عليها قائلاً: اتفقنا .
ودعتها ، و بمجرد أن إنتهت المكالمه نزعت بطارية هاتفي و ألقيته على السرير ، ثم ذهبتُ في نومٍ
عميق .......
صحيح لم أُعرِفُكُمْ بمريم ، يمكنكم أن تقولوا انها علاقة في غاية التعقيد؛ تعرفت عليها منذ سنة تقريباً
في أحد مجموعات الرعب على مواقع التواصل الاجتماعي ، حَاوَلَت تحضير الجن عدة مرات لكنهم
كانوا يهربون منها في كل مرة ولم تنتهي واحدة من تحضيراتها بشكلٍ صحيح ، حسناً يمكن القول انها
شخصٌ مجنون ذو نفسية غير مستقرة ، في البداية كانت نظرتي إليها على انها حاله نفسية فريدة
من نوعها ، ثم اكتشفت كم هي طفلة صغيرة و إن كانت في التاسعة عشر من عُمرها ، و جدت نفسي أعتني
بها دون أن أُدرك ، وكما قال الكاتب العظيم أحمد خالد توفيق (( الهشاشة النفسية تجعلنا نتعلق بأي
شخص يمد لنا يد العون )) لا أتذكر الجملة بالضبط لكن هذا هو مضمونها ، و بدأت علاقتنا تأخذ منحناً
أخر بعيداً عن الاعتناء الابوي البريئ ، لهذا قررتُ أن أنهي هذه العلاقة لأنني لم أكن أدري حقيقة
مشاعري حينها ، لكنها لم تقتنع بالامر و ظلت العلاقة قائمة في حدود الصداقة المقربة ، كما أنني
حقيقة لا أتخيل إبتعادي عنها لاي سببٍ من الاسباب ، لهذا لم أُحاول منعها من تخطي حدود الصداقة
العابرة إلى الان ، الأمر في غاية التعقيد فلا تُفَكِر به كثيراً ، أعلم انك تراني شخصاً أناني مُجْحِف
المشاعر ، لكنني من النوع الذي لا يثق بمشاعره إلا إذا مر عليها عدة سنوات و لم تتغير ، حينها يمكن
أن أُخبرك أنني أُحب حقاً .
***
إستيقظت عند الثامنة صباحاً لأبدأ يومي المعتاد ، أديتُ فُرُضي ، ثم تناولت الافطار السريع ، وبدأت
في ممارسة عشقي الاول و الاخير ، المذاكرة ، أقضي كثيراً من الوقت أمام حاسوبي أقوم بمراجعة
ما تَنَاوَلَتْه الدورة التدريبية ثم أزيد دون أن أشعر ، حسناً أنا لستُ حالة شاذة ، لكن هذا يُدعى
بالانغماس الذي يُبعدني عن واقعي قدر المستطاع ، ربما يكون الانغماس في القراءة او مشاهدة
الافلام ، لكن في حالتي الحاسوب هو هوسي الوحيد لهذا لا أنفك عنه إطلاقا إلا عندما أشعر أن عقلي
توقف تماماً ، تراني مجنون الآن أليس كذلك ؟!
حسناً جرب أن تتعمق في ماهيتُك و تُدرك شغفك الخاص و سوف تدرك ما أتحدث عنه ، ثم ان المجد
لن يأتيك إطلاقاً على طبق من ذهب ، إن لم تُرهق نفسك في العمل فسوف يفتك بك هذا العالم بلا
رحمة ، إلا إذا كنت تمتلك واسطة بالطبع .
مرت الثوانِ و الدقائق و الساعات ، إلى أن فاض عقلي تماما من الأفكار و بدأت المعدة تُصدر
أصواتها مُعلنةً عن حقها الشرعي في تناول الطعام .
نظرت إلى ساعة الحاسوب لاجدها التاسعة مساءاً ، اللعنة لقد نسيت أمر مريم تماماً .......
سارعت إلى هاتفي وأعدت إدخال البطارية ، و بمجرد أن أصدر الهاتف أضوائه إرتفع الرنين بلا هوادة
، كان رنيناً غاضباً ساخطاً معبئاً بالشتائم في طياته.........
فأجبت بأدب : أحقر أهل الكوكب يُجيب ، من المتصل ؟
ردت بغضب : بجديه ، تمزح في وقت كهذا ؟
فحاولت إستمالتها قائلاً: أعتذر انت تعرفين جيدا كم انا مضغوط هذه الفترة .
قاطعتني بحدة قائلة: إهبط إلى الأسفل انا في إنتظارك على ناصية الطريق .
لا للجنون حدود و جدولي اليومي لن ينهدم بسببها, هكذا وجدت نفسي أصيح بها: هل جننت ، انا لم اتناول غدائي بعد ، ثم إن هناك وردية مذاكرة أُخرى تنتظر أن تنتهي .
فقالت ضاغطة على كلماتها: ستأتي طواعية ، أم أصعد أنا و ليشهد كل من في المبنى أن يوسف نور الدين يحضر فتاة إلى شقته
في هذا الوقت المتأخر .
زفرت بحنق ثم قُلت باستسلام: حسنا حسنا ، انا قادم .
كما أخبرتكم مجنونة ولا تيأس من تخطي الحدود و خطوطي الحمراء ، لكن ربما هذا هو أكثر ما
يعجبني بها ، تستهلك الكثير من وقتي الثمين لكنها الشئ المبهج الوحيد في حياتي البائسة ، لا أحبها
صدقني لكن هناك شئ سيتهشم بداخلي إذا إبتعدت لأي سببٍ من الاسباب .
غيرت ملابسي التي أرتديتها من الامس ، ثم تناولت سترتي السوداء و تأملت ذاتي في المرآه لأتأكد
من أنني لا أحتاج لأي تعديلات ، لكن حقاً أنا أحتاج لشخصٍ أخر ليحل محلي هذا منظر لا يليق ببشري
إطلاقاً .
قمت بتمشيط ذقني و شعري رغم أنني أُدرك جيداً أنه لن يتأثر بذلك ، و انطلقت ذاهبا لملاقاتها .
فور أن وقعت عينها علي صاحت بوجهي قائلة: لما أغلقت هاتفك؟
.كنت في غاية الارهاق فأسقطته دون ان اقصد أجبتها بهدوء:
ارتسمت على وجهها ملامح الغضب ، وتبرمت شفتاها مثل شفتا الطفل الصغير حينما يغضب ،
فلم استطع ان اقاوم و اعترفت بكل شيئ .....
(( اسقطته قصدا ))
فازدادت حدتها قائلة: انها المذاكرة اللعينة أليس كذلك ؟
فأجبت قائلاً: في الواقع كنت ارغب في النوم الشديد ، وأي عبث في ساعات نومي سوف يؤثر على ساعات
مذاكرتي .
فقالت: اللعنه على مذاكرتك .
ضحكت لالطف الجو قليلا و انا أقول : لا أعلم لماذا تعاملينها كأنها ضُرَتَكِ .
ضحكت هي الاخرى و قالت : صدقني ، انا أقلق على صحتك فقط لا غير .
فطمأنتها قائلاً: لا تقلقي انا بخير .
مدت يديها بغلافٍ كرتوني قائلة : لم تتناول غدائك بعد ، أليس كذلك .
نظرت إلى البيتزا بين يديها و كادت عيناي تذرفان الدمع وانا اقول : هذه من اجلي .
فقالت مازحة: حسنا يمكن ان تترك لي بعضها .
فقلت بتعطش كليثٍ منفلت الجماح: لا سأكلها وحدي فأنا في غاية الجوع .
ضحكت و مدت إليّ بعض المناديل ، فهي تعلم جيداً عادتي الارستقراطية التي تجعلني اقوم
بمسح فمي عقب اي شئ يدخله ، ليس في نهاية الطعام فحسب بل عقب كل قطمة اخذها ........
انقضضنا على قطعة البيتزا وفتكنا بها بلا رحمة ، ثم جلسنا قليلاً لنستريح على مقاعد محطة الحافلة
القريبة من منزل شقيقتي ........
فتساءلت بغتة: ما رأيك في موضوع السفاح هذا ؟
كان سؤالها كفيلاً بإشعال نار الشك بداخلي ، فقُلت بعفوية : سفاحة تقصدين ، حسناً أظنها
مصابة في إحدى عينيها ، أو تفعل ذلك من أجل إخفاء وجهها ايهما اقرب ، كما انها فتاة محجبة على أغلب الظن .
رمقتني بأعين مشدوهة قبل أن تسأل: كيف تعرف كل هذه التفاصيل ؟!!
فأجبت بلا مبالاة: قليلا من البحث هنا و هناك ، ثم ان هذه منطقة سكني فمن الطبيعي ان .......
قاطعتني بسؤالٍ مبهم قائلة: لماذا قابلتني إذاً ؟
لم أستوعب مكنون سؤالها فسألتها: ماذا ؟!
فدنت مني كمن أمسك بشخصاً متلبساً و هي تقول لا تحاول اخفاء الأمر ، لقد رأيتني أليس كذلك ؟
حسناً إنه أمر غير متوقع لكن يالا العجب فمريم هي القاتلة ذات رقعة العين التي رأيتها بالأمس ربما الأمر غريب بدرجة ما لكن بعد التفكير أنا أستطيع تميزها من بين مائة شخص, الأن يجب أن أتحدث بتعقل و هدوء حتى لا أُفسد الأمر, فقلت متصنعاً الحياد و التفهم: حسنا لم أرك لكن إظهار الشعر من إخفائه يغير 20% من مظهر الشخص خاصة الإناث في مجتمعنا
بسبب الحجاب ، انا لم أركِ من قبل بدون الحجاب لهذا من الطبيعي أن تظهري أمامي بدونه حينها .
ران الصمت كأن العربات توقفت عن المُضي من حولنا ولم يتبقى سوى هدير الأمطار .......
فلم أشأ أن أتركها لعقلها كثيراً خاصة أنها لم تُعطي إنطباعاً لجملتي فبادرت بالقول: لكلٍ منا رؤيته المختلفة تجاه هذه الحياة ، أنا على سبيل المثال أراها رمادية لم تبتسم إلي بعد لكنها
لم تُرني وجهها القبيح في أبشع صوره لأيضاً ، تكونت لدي هذه الرؤية من الظروف التي مررت بها ، انتِ
ايضاً لكِ رؤيتك الخاصة التي كونتها الحياة بداخلك ، لا أُبرر لكِ ولكنني لا أتَهِمُكِ ، تحدثي إلي .
رمقتني بعينين ذاهلتين يبدو عليهما عدم التصديق و هي تقول : ألا تشعر بالخوف ؟
بالطبع يُخيفني أيتها الخرقاء لكن لن أقول لكِ أبداً و هكذا نافقتها قائلاً: ربما إن كان أحد غيرك لما تصرفت بهذا الهدوء ، أعلم ان هذا ينافي العقل لكن يجب ان نتخلى عن
عقولنا قليلا لنستمتع بالحياة أليس كذلك ؟
أومأت برأسها ، ثم مدت يدها في حقيبتها لتناولني دفتر ملاحظات صغير الحجم ، قمت بفتحه دون
ان اسأل عن ماهيته لأجد كلمات بألوان و خطوط مختلفة في صيغة محادثة كالاتي :
- مرحبا ، انت لم تكتبي هذه الكلمات ، و لا يوجد من يعبث معك ، أنا فقط اكتفيت من الادعاء اننا
شخص واحد نمتلك ذات الحياة اللعينة ، اريدك ان تتركي لي المجال لأحيا انا ايضا.
= انت جني قادم من العالم السفلي لتتلبسني إذا ههه .
- لا لست كذلك ، انا هي انت لكننا شخصين مختلفين نعيش في ذات الجسد .
= حقا !! ، فلترد علي هذه المرة و سأعطيه لك بالكامل .
- انا موجودة .
= كيف دخلت إلى جسدي من أنت ؟!
- انا طفولتك التي تخليت عنها و تركتها وحيدة في ظُلُمات المجهول ، انا اصل هذا الجسد فلتتركي
بعض الوقت لي .
= مالذي تقصدينه بطفولتي ؟
- نسيتي كل شئ أليس كذلك ؟
= ما هو الشئ الذي نسيته ؟
- نسيتي كيف عَدَاكِ الجميع و لقبوكِ بالخرساء فقط لانك لم تريدي لاحد أن يتدخل في هذا العالم
الجميل الذي تعيشينه وحدك ، نسيتي كيف أرسلوك إلى الاطباء النفسين فقط لانك مختلفة عن باقي
الاطفال ، نسيتي هؤلاء الاوغاد الحقراء الذين تكاثروا عليك و أرادوا تمزيقك أرباً .
= عما تتحدثين ،متى حدث كل هذا ؟
- لا تتذكرين شئ كما توقعت ، إذاً فلتتركي لي المجال لأحيا انا الاخرى ، او لأسلبكِ حياتكِ للأبد .
******
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي