الفصل الثانى
وصلت حوا الى مكتب شئون العاملين ، طرقت الباب فسمح لها من بالداخل اقتربت من المكتب ليظهر خلفه رجل فى نهاية عقده الخامس يبدو عليه الشدة و الحزم رفع رأسه عن الاوراق التى كان يدرسها يتطلع الى من تقف امامه فى ثبات و نظرة ساخرة سرعان ما تشكلت على ثغره .
- خير يا استاذة ازاى اقدر اخدمك .
لم يفت على حواء نظرته الساخرة لها ، لذا قررت التعامل معه بطريقة رسمية و جمود ، فيبدو انه شخص يحكم على الناس و من حوله عن طريق المظهر الخارجى فقط .
قدمت له عدد من الاوراق الخاصة بها لاستكمال باقى اجراءات تسلم العمل .
- حواء احمد موظفة فى اتش ار الجديدة
تحولت النظرة الساخرة الى اخرى و عيناه تطوف على كامل جسدها بداية من شعرها و نهاية الى اقدامها ، و هى ثابته لا تحيد ببصره عنه تهديه نظرات جامدة تنتظر نهاية فحصه لها .
و قد تغير تقيمه لها فيبدو انها شابة جادة جاءت للعمل فقط مظهرها لا يوحي بأكثر من ذلك ، فهى ترتدى بدلة نسائية باللون واحد وهو الاسود عبارة عن سترة متوسطة الطول و بنطال باللون الاسود ايضا ، تتناسب مع جسدها كلية و اسفلها بلوزة باللون وردى هادئ منحه اشراق و لمحة من الهدوء
اما عن شعرها لم تكن تجمعه بل تركته حر طليق مما اضاف لها مظهر اكثر جرأة خصوصا مع لونه الطبيعي الجرئ ، اما عن و جهه كان خالى من مساحيق التجميل سوى عن كحل اسود ابرز لون عينيها الزرقاء بشكل اكثر وضوح لتصير بحر صافي ترغب فى الغوص فيه و ايضا ملمع شفاه بلون وردى هادئ فقط .
كانت امرأة حقيقية و غير مفتعلة جاءت من اجل العمل على حسب مظهرها و خبرته فى التعامل مع البشر ، لذا حاول تدارك طريقة تعامله الفظ معاها و اعتبرها ابنة له فهى تقترب فى العمر من احد اولاده .
لذا قرر التحدث معاها بطريقة ودودة .
- اهلا بيكى يا حوا فرد جديد معانا فى الشركة
بعد الفحص و اختبار المظهر الذى كانت تعلم نتيجته و رد فعله عليه .
قررت هى ان تنهى تلك الجلسة الغير ودودة ، لتبدأ عملها و تتجنب التعامل مع ذلك الرجل سوى فى اضيق الحدود ، على الرغم من تحوله فى التعامل معاها و طريقته الودود فى الترحيب بها الا انها لم تنسي طريقته الساخرة منها فى البداية ، و التى تؤكد على انه شخص سطحي .
- ميرسي جدااا لذوق حضرتك بعد اذنك مكتبي فين.
- هبعت معاك حد يوصلك ليه .
- مفيش داعي تقدر حضرتك توصف و انا هعرف اوصل لوحدى .
و بالفعل وصف لها عادل طريق مكتبها ، و الذى يقع فى الطابق الثالث ، وصلت الى هناك دخلت مكتبها الذى تتشارك مع اخرى ولكن لحسن حظها انها اليوم فى اجازة سوف تعود منها بداية من الغد .
جلست خلف مكتبها تشعر بالسعادة مع بعض من مشاعر الخوف ، لا تعرف ان كان رهبة من المكان خصوصا و انه اول عمل حقيقي تحصل عليه منذ تخرجها ، ام ان هناك امر اخر لا تعلمه !
ثوان و طرق الباب احد الاشخاص سمحت له بالدخول .
تقدم منها شاب يبدو من شكله و مظهره انه حديث التخرج او مازال يدرس فهو بعمر شقيقتها تقريبا .
ألقى التحية عليها و تقدم من مكتبها و وضع امامها احد الملفات ، شكرته ليرد عليها بأشارة من رأسه و انصرف الى الخارج ، امسكت الملف و راحت تتفحص ما يحويه من اوراق لتعرف المطلوب منها بالظبط .
ثوان و ارتفع رنين هاتف مكتبها رفعته تستمع الى صوت محدث ولم يكن سوى عادل ، مديرها المباشر يلقى عليها ماهو مطلوب منها عمله فى ذلك الملف .
- استاذة حوا فى ملف وصلك ، مطلوب منك تراجع الملف ده كويس جدا و تقدمي لى تقرير فيه التقيم السنوى عن أداء الموظفين الموجودة عندك اسماءهم فى الملف .
- تمام حضرتك .
اغلق الاخر الخط بعد ان انزعج من طريقتها فهى حتى لم تسأله عن كيفية عمل التقرير ليبدو له انها شخصية مغرورة ينتظر اى خطأ منها لتقع تحت يديه ليتم تعنيف على تكبرها فى التعامل معه ، لم يفهم انها تحب وضع حدود فى التعامل .
اما عنها درست الملف الموجود امامها بالكامل ثم بدات فى تقسيم اداء الموظفين الى عدة اقسام .
انخرطت فى العمل و لم تشعر بالوقت ، الا عندما ارتفع رنين هاتف مكتبه تخبرها رحمة ان وقت استراحة الغداء قد بدا .
- الو ايوه يا حوا انا رحمة يلا يا بنتى البريك بدء انا مستنياك فى الكافيه تحت انزل بالاسانسير الدور الارض تلاقيني مستنياك .
- سورى مكنتش حسه بالوقت شكرا يا رحمة بلاش تتعب نفسك انا ممكن اطلب اى ساندوتش و عصير و انا هنا عشان اخلص شغلي .
- انسي لازم تنزل و تتعرف على الزملاء انا مستنياك يلا بسرعة .
اغلقت الاخرى الخط دون ان تسمح لها بالرفض
فما كان منها سوى ان حفظت الملفات التى كانت تعمل عليها على جهاز الحاسوب الخاص بها و اغلقت و خرجت من مكتبها تحمل هاتفها فقط معاها حتى تطمئن والدها عليها كانت تعبث بهاتفه تكتب رسالة له دون ان تنظر امامها حتى وصلت امام الاسانسير ضغطت على احد الازرار فى استدعاؤه .
لتكون الصدفة الثانية لها معه ان كانت حقا صدفة دخلت و ضغطت على الطابق الارضي غير مكترث بمن حولها او من يشاركها ، تمسك هاتفها بين يديها و قد شغلت بالحديث مع شقيقتها على تطبيق الواتساب و قد سقط شعرها على احد جانبى و جهه يغطى بالكامل انزعجت منه فهو يحجب رؤيتها للهاتف لتقوم بجمعه على جانب واحد و لكن لم يفلح الامر
و الاخر يقف خلفها يراقب لكل حركة تصدر منها بعيون ذئب يحلل و يفكر و يتمنى ايضا لو يدس اصابعه فى ذلك النهر من الذهب و يستنشق رائحته
التي يفوح منها عطر اللافندر
وصل الاسانسير للطابق الارضي ، وبمجرد ان فتح الباب خرجت منه ووقفت على احد الجوانب تنهى محادثته مع فيروز قبل ان تلتقى ب رحمة .
اما عنه لم يخرج من الاسانسير بل بقي يتابعها ليعرف ماذا تنظر او من .
و بمجرد رؤيته لاحد موظفات الاستقبال تقترب منها ، تأكد انها كانت تقف تنتظرها ، ليقرر الابتعاد و يضغط على الطابق العاشر حيث يقع مكتبه
اقتربت منها رحمة تهتف بصوت مرتفع قليلا و صخب
- ايه يا بنتى كل ده انا فضلت واقفة و بعد كده قلت الحق اطلب اكل ليه و ليكي
- انا نزلت عشانك و مكنش فى داعى تطلبي لى اكل انا كنت اشرب اى عصير و بس .
شهقت رحمة مدعية الصدمة و عادت تكمل حديثها : -
- ايه ده انتى بخيل ولا ايه عموما متخافيش الاكل هنا على حساب الشركة احنا مش ندفع حاجه .
انزعجت حوا من طريقتها ولم تراها مزحة جيدة منها ، ولكن ظهر الضيق على تعبيرات وجه .
- ميرسي على تعبك بس انا بفضل السلطة بس مع اى عصير فرش .
شعرت رحمة انها اثقلت فى المزاح ، و انزعاج الاخرى منها ولكن لاتعرف كيف تتعامل مع تلك الفتاة فهى تشبه الصخر جامدة ، وهى تكاد تموت من شدة الفضول لمعرفة من تكون كما هو الحال مع اى موظفة جديدة تنضم الى صرح ادم البحيرى .
- شكلك زعلت مني انا اسفة يا ستي انا كده عفوية و ساعات ببقي زى الدبش فى كلامى
_ لاء عادى الموضوع مش محتاج اسف يلا نلحق ناكل الوقت يضيع مننا .
- لاء كله الا الاكل ده العشق بتاعي انا ممكن فرفر فيها و اجيب لكم مصيبة ده انا طالبة الشاورما و دى سورى يعنى اوعي وشك من التومية
ضحكت حوا لاول مرة منذ بداية اليوم على كلام رحمة و طريقته فى الحديث و كان ذلك تزامن مع دخولها الى الكافتيريا و التى تفاجات من كبر مساحتها و رقي التصميم فيها فهى تشبه افخم المطاعم بداية طريقة وضع المقاعد و الطاولات التى تمتاز بالطابع المودرن
التفتت العديد من الانظار لها مما اشعر رحمة بأهمية مصادقة حوا فهى محط انظار الجميع و هى معاها وهو الامر الذى تفضله كثيرا
تناولت حوا طبق من السلطة مع عصير برتقال طازج و بعدها استأذنت من رحمة للعودة الى عملها حتى قبل ان ينتهى وقت البريك الخاص بها
عادت الى مكتبها من جديد تعمل بجد و سرعة كما اعتادت ، انهت العمل المطلوب منها و قررت تقديمه الى عادل مباشرة قبل انتهاء موعد الدوام طبعت التقرير و عملت منه نسختين احتفظت بواحدة و وضعت الاخرى داخل ملف لتقدمه له .
خرجت من مكتبها الى حيث مكتب عادل وصلت و طرقت الباب .
سمح عادل الطارق بالدخول .
تفاجأ من وجودها حينما رفع رأسه . و لكن سرعان ما ارتسمت ابتسامة شماته ظن منه انها اتت تسأله على امر ما قد توقف معاها
- خير يا استاذة حوا فى حاجة وقفت معاكي
لمحت نظرة الشماتة المطلة من عينيه على الرغم من اتقان فى أخفاها
- لاء يا فندم انا جيت اقدم التقرير .
- لحقت انتى لسه اخد من كام ساعة و ده محتاج شغل كتير على الاقل يومين عشان يخرج التقرير سليم بدون اى اخطأ
- تقدر حضرتك تراجعه و تشوف اذا كان سليم او فى اخطاء .
- عموما هبقى ارجعه بكره و اتمنى ملقيش اخطاء انا مش بحب السرعة المهم عندى الدقة
- اوك تمام مستنيه رأى حضرتك بعد اذنك
تحركت من امامه للخارج وصلت الى مكتبه جمعت متعلقاته و خرجت
كانت تقف امام الشركة تنتظر والدها الذى اخبرها انه فى الطريق إليها يقلها الى المنزل
وصل والدها وركبت معه
مر اليوم الاول بسلام دون ان تحتك بأحد سوى رحمة و عادل ، كانت هادئة تحاول وضع الحدود فى تعاملها مع الجميع و خصوصا الرجال فهى تعرف النوايا مسبقا لذا قررت ان ترسم حولها هالة من الجمود .
كانت لغز لمن حولها باسمها وشكلها حتى بطريقة تعاملها منهم من يراها مغرورة ومنهم من يرى انها تتعمد صنع هالة لها لتكون محط انظار واعجاب الجميع .
ولكن كان ل ادم راى اخر فمنذ قابلها فى الاسانسير و عرف من تكون و تذكر عندما وقع على اوراق التعيين للموظفين الجدد كيف لفت نظره اسمها وعندما تطلع الى سيرتها الذاتية ازداد داخله الرغبة فى التعرف عليها لحل لغز
والان الرغبة لديه تزداد ولكن هو يفضل الصبر لم يكن يوما متسرع بل هو صياد ماهر ينتظر الوقت المناسب و الظروف الملائمة قبل ان ينقض على فريسته .
مرت الايام سريعة على حوا وعائلتها لم تخلو من المناوشات اللطيفة بين الاختين ككل يوم .
كذلك فى العمل اعتادت حوا على نظرات الاعجاب من زملائها و الغيرة من النساء منهم فهى أيقونة للجمال والحزم و شعلة من النشاط فى العمل .
الى جانب اعتياد حوا على عملها بقى التعامل مع زملاء العمل هو اكثر ما يؤرق صفو حياتها خصوصا نشوى التى تتشارك معاها المكتب فهى اظهرت لها العداء منذ رأتها اول مرة دون سبب يذكر من جانبها فهى لم تقترب منها او تتعدى على خصوصيتها ، لكن الاخرى لها رأى اخر الى جانب صمت فيروز وتبدل حالها وهو امر قررت ان تتحدث معاها فيه لن تسكت عنه ابدااا.
ولكن ما لم يكن فى الحسبان هو انها تحت عين مترصدة لها تنتظر مجرد هفوة لتقع بين يديه
وهو امر انتظره طويلا منذ لمحه اول مرة داخل الشركة تخطو الى داخل مجموعته الاقتصادية مرفوعه الرأس فى شموخ بصرها ثابت باتجاه نقطة واحدة لا يحد عنها لا تلتفت لنظرات الاعجاب من حولها .
وفى احد ايام العمل اليومية تلقت مكالمة هاتفية من شقيقتها
- الووو
لم يكن المتصل فيروز
- ايوه حضرتك اخت الانسة فيروز احمد .
هبط قلب فيروز بين قدميها و شعرت ان مكروه اصاب شقيقتها .
ردت على المتصل بانفعال و خوف مشاعر كثيرة انتابت .
- ايوه خير حضرتك مين و بترد على تليفون فيروز ليه اختى حصل لها ايه اختى فين
المتصل :اخت حضرتك عملت حادثة وهى حاليا فى مستشفى (....).
لم يكن منها سوى ان جمعت متعلقات بسرعة شديدة و تحركت من على مكتبه الى الخارج بأقصى سرعة تاركه نشوى فى دهشة من امرها
لم تتوقف حتى تنتظر المصعد بل هبطت الدرج مسرعة
حتى وصلت الى بهو الشركة لم تلتفت لنداء رحمة عليها لم تكن ترى امامها غير وجه شقيقتها و قلب ينتفض من الخوف خشية للقادم
وصلت الى المشفى ومنه الى غرفة العناية المركزة بعد ان ارشدتها موظفة الاستقبال بالمشفي لتجدها مسجاة على سرير ويحاوط جسدها العديد من الضمادات وجروح متفرقة فى الوجه الى جانب العديد من الاجهزة المتصلة بها
اقتربت بتمهل منها كى لا تيقظها ولكن تكلمت فيروز لتقطع هذا الصمت .
تكلمت فيروز بصوت شابة الهمس .
- حوا انا بموت .
حاولت حوا التماسك ولكن لم تعد قادرة كانت تتحدث مع شقيقتها والدموع تغرق وجهه وجاءت كلمات فيروز لتزيد من وجعها .
حاولت حوا تمالك نفسها و لكن غلبها البكاء
- لا يا حبيبتى انتى كويسة و هتخرجى من المستشفى شدى انتى بس حيلك كده امال مين يناقر فيه و تجرى ورايا زى كل يوم .
فيروز : انا هموت ولازم اقولك على حاجة مهمة اوى انا بحبك اوى اوعى تزعل منى فى يوم .
نفت حوا برأسها
- ازعل منك ازاى بس وانا طول عمرى اخدك بنتى مش اختى و اوعي تقول كده انتى هتبقى كويسة و نخرج لماما وبابا و تنورى البيت من تانى ونفضل مع بعض العمر كله .
لم تتلقي اى رد من شقيقتها
اصدرت الاجهزة المحاطه بها اصوات انذار فكانت اخر ما وصل لاذن حوا قبل ان تسقط فاقدة للوعى من الصدمة
استيقظت بعدها تتمنى ان يكون كل ما حدث ما هو إلا كابوس وليس واقع ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه
لقد فقدت شقيقتها و قطعت من روحها رحلت عنها دون ترتيب او وداع بل رحلت فى صمت
تمت اجراءات الدفن والعزاء والجميع فى حالة ذهول لا تعرف حتى كيف علم والديها بما حدث لفيروز ولا كيف مرت ايام العزاء عليهم لقد تبدل حال الجميع
والدها يلهي نفسه بالعمل فى محاولة للهروب من المنزل الذى يحمل ذكريات كثيرة له مع ابنته الراحلة الى جانب شوقه لها و افتقاد الى وجودها حولها .
اما عن والدتها لا تكف عن الدعاء وقراءة القرأن وقد وجدت فيهم السلوي و الصبر على ما فقدت .
مرت الايام بطيئة ومملة وتحول البيت المفعم بالحياة الى منزل خاوى لا روح فيه الجميع يمارس طقوس الحياة اليومية و كل يغلق على وجعه الف باب حتى لا ينهار
اما عنها فهى حبيسة غرفتها وطالت فترة انقطاعها عن العمال
الى ان تلقت خطاب انذار بالفصل الى جانب دفع مبلغ ضخم من المال كان شرط جزائي حينما عارضت اثناء توقيع العهود الموافقة عليه اخبره مدير الشئون انه مجرد اجراء روتين ولن يلجا إليه او يطالبوا بقيمته ابدااا
اردت ملابسها و وتوجهت فى اليوم التالى الى عملها لتمديد فترة الاجازة
دخلت مكتب شئون العاملين حيث استاذ عادل يبدو انه كان ينتظرها يخبرها انه ليس من ڜأن ولكن ليس القرار بيده الان هى تحت وطأة مديرها فلقد جاءت الفرصة لتقع بين يديه على طبق من ذهب
توجهت حوا الى الاسانسير ومنها الى الطابق العاشر حيث يقع مكتبه بمساحة الطابق الاخير بالكامل يضم قاعة اجتماعات واكثر من مكتب مساعديه توجهت نحو مكتبه وبداخلها عاصفة لا تهدأ
طرقت الباب بقوة ولم تنتظر الرد و اندفعت الى الداخل بقوة
ولكن الصدمة الجمت لسانها
- خير يا استاذة ازاى اقدر اخدمك .
لم يفت على حواء نظرته الساخرة لها ، لذا قررت التعامل معه بطريقة رسمية و جمود ، فيبدو انه شخص يحكم على الناس و من حوله عن طريق المظهر الخارجى فقط .
قدمت له عدد من الاوراق الخاصة بها لاستكمال باقى اجراءات تسلم العمل .
- حواء احمد موظفة فى اتش ار الجديدة
تحولت النظرة الساخرة الى اخرى و عيناه تطوف على كامل جسدها بداية من شعرها و نهاية الى اقدامها ، و هى ثابته لا تحيد ببصره عنه تهديه نظرات جامدة تنتظر نهاية فحصه لها .
و قد تغير تقيمه لها فيبدو انها شابة جادة جاءت للعمل فقط مظهرها لا يوحي بأكثر من ذلك ، فهى ترتدى بدلة نسائية باللون واحد وهو الاسود عبارة عن سترة متوسطة الطول و بنطال باللون الاسود ايضا ، تتناسب مع جسدها كلية و اسفلها بلوزة باللون وردى هادئ منحه اشراق و لمحة من الهدوء
اما عن شعرها لم تكن تجمعه بل تركته حر طليق مما اضاف لها مظهر اكثر جرأة خصوصا مع لونه الطبيعي الجرئ ، اما عن و جهه كان خالى من مساحيق التجميل سوى عن كحل اسود ابرز لون عينيها الزرقاء بشكل اكثر وضوح لتصير بحر صافي ترغب فى الغوص فيه و ايضا ملمع شفاه بلون وردى هادئ فقط .
كانت امرأة حقيقية و غير مفتعلة جاءت من اجل العمل على حسب مظهرها و خبرته فى التعامل مع البشر ، لذا حاول تدارك طريقة تعامله الفظ معاها و اعتبرها ابنة له فهى تقترب فى العمر من احد اولاده .
لذا قرر التحدث معاها بطريقة ودودة .
- اهلا بيكى يا حوا فرد جديد معانا فى الشركة
بعد الفحص و اختبار المظهر الذى كانت تعلم نتيجته و رد فعله عليه .
قررت هى ان تنهى تلك الجلسة الغير ودودة ، لتبدأ عملها و تتجنب التعامل مع ذلك الرجل سوى فى اضيق الحدود ، على الرغم من تحوله فى التعامل معاها و طريقته الودود فى الترحيب بها الا انها لم تنسي طريقته الساخرة منها فى البداية ، و التى تؤكد على انه شخص سطحي .
- ميرسي جدااا لذوق حضرتك بعد اذنك مكتبي فين.
- هبعت معاك حد يوصلك ليه .
- مفيش داعي تقدر حضرتك توصف و انا هعرف اوصل لوحدى .
و بالفعل وصف لها عادل طريق مكتبها ، و الذى يقع فى الطابق الثالث ، وصلت الى هناك دخلت مكتبها الذى تتشارك مع اخرى ولكن لحسن حظها انها اليوم فى اجازة سوف تعود منها بداية من الغد .
جلست خلف مكتبها تشعر بالسعادة مع بعض من مشاعر الخوف ، لا تعرف ان كان رهبة من المكان خصوصا و انه اول عمل حقيقي تحصل عليه منذ تخرجها ، ام ان هناك امر اخر لا تعلمه !
ثوان و طرق الباب احد الاشخاص سمحت له بالدخول .
تقدم منها شاب يبدو من شكله و مظهره انه حديث التخرج او مازال يدرس فهو بعمر شقيقتها تقريبا .
ألقى التحية عليها و تقدم من مكتبها و وضع امامها احد الملفات ، شكرته ليرد عليها بأشارة من رأسه و انصرف الى الخارج ، امسكت الملف و راحت تتفحص ما يحويه من اوراق لتعرف المطلوب منها بالظبط .
ثوان و ارتفع رنين هاتف مكتبها رفعته تستمع الى صوت محدث ولم يكن سوى عادل ، مديرها المباشر يلقى عليها ماهو مطلوب منها عمله فى ذلك الملف .
- استاذة حوا فى ملف وصلك ، مطلوب منك تراجع الملف ده كويس جدا و تقدمي لى تقرير فيه التقيم السنوى عن أداء الموظفين الموجودة عندك اسماءهم فى الملف .
- تمام حضرتك .
اغلق الاخر الخط بعد ان انزعج من طريقتها فهى حتى لم تسأله عن كيفية عمل التقرير ليبدو له انها شخصية مغرورة ينتظر اى خطأ منها لتقع تحت يديه ليتم تعنيف على تكبرها فى التعامل معه ، لم يفهم انها تحب وضع حدود فى التعامل .
اما عنها درست الملف الموجود امامها بالكامل ثم بدات فى تقسيم اداء الموظفين الى عدة اقسام .
انخرطت فى العمل و لم تشعر بالوقت ، الا عندما ارتفع رنين هاتف مكتبه تخبرها رحمة ان وقت استراحة الغداء قد بدا .
- الو ايوه يا حوا انا رحمة يلا يا بنتى البريك بدء انا مستنياك فى الكافيه تحت انزل بالاسانسير الدور الارض تلاقيني مستنياك .
- سورى مكنتش حسه بالوقت شكرا يا رحمة بلاش تتعب نفسك انا ممكن اطلب اى ساندوتش و عصير و انا هنا عشان اخلص شغلي .
- انسي لازم تنزل و تتعرف على الزملاء انا مستنياك يلا بسرعة .
اغلقت الاخرى الخط دون ان تسمح لها بالرفض
فما كان منها سوى ان حفظت الملفات التى كانت تعمل عليها على جهاز الحاسوب الخاص بها و اغلقت و خرجت من مكتبها تحمل هاتفها فقط معاها حتى تطمئن والدها عليها كانت تعبث بهاتفه تكتب رسالة له دون ان تنظر امامها حتى وصلت امام الاسانسير ضغطت على احد الازرار فى استدعاؤه .
لتكون الصدفة الثانية لها معه ان كانت حقا صدفة دخلت و ضغطت على الطابق الارضي غير مكترث بمن حولها او من يشاركها ، تمسك هاتفها بين يديها و قد شغلت بالحديث مع شقيقتها على تطبيق الواتساب و قد سقط شعرها على احد جانبى و جهه يغطى بالكامل انزعجت منه فهو يحجب رؤيتها للهاتف لتقوم بجمعه على جانب واحد و لكن لم يفلح الامر
و الاخر يقف خلفها يراقب لكل حركة تصدر منها بعيون ذئب يحلل و يفكر و يتمنى ايضا لو يدس اصابعه فى ذلك النهر من الذهب و يستنشق رائحته
التي يفوح منها عطر اللافندر
وصل الاسانسير للطابق الارضي ، وبمجرد ان فتح الباب خرجت منه ووقفت على احد الجوانب تنهى محادثته مع فيروز قبل ان تلتقى ب رحمة .
اما عنه لم يخرج من الاسانسير بل بقي يتابعها ليعرف ماذا تنظر او من .
و بمجرد رؤيته لاحد موظفات الاستقبال تقترب منها ، تأكد انها كانت تقف تنتظرها ، ليقرر الابتعاد و يضغط على الطابق العاشر حيث يقع مكتبه
اقتربت منها رحمة تهتف بصوت مرتفع قليلا و صخب
- ايه يا بنتى كل ده انا فضلت واقفة و بعد كده قلت الحق اطلب اكل ليه و ليكي
- انا نزلت عشانك و مكنش فى داعى تطلبي لى اكل انا كنت اشرب اى عصير و بس .
شهقت رحمة مدعية الصدمة و عادت تكمل حديثها : -
- ايه ده انتى بخيل ولا ايه عموما متخافيش الاكل هنا على حساب الشركة احنا مش ندفع حاجه .
انزعجت حوا من طريقتها ولم تراها مزحة جيدة منها ، ولكن ظهر الضيق على تعبيرات وجه .
- ميرسي على تعبك بس انا بفضل السلطة بس مع اى عصير فرش .
شعرت رحمة انها اثقلت فى المزاح ، و انزعاج الاخرى منها ولكن لاتعرف كيف تتعامل مع تلك الفتاة فهى تشبه الصخر جامدة ، وهى تكاد تموت من شدة الفضول لمعرفة من تكون كما هو الحال مع اى موظفة جديدة تنضم الى صرح ادم البحيرى .
- شكلك زعلت مني انا اسفة يا ستي انا كده عفوية و ساعات ببقي زى الدبش فى كلامى
_ لاء عادى الموضوع مش محتاج اسف يلا نلحق ناكل الوقت يضيع مننا .
- لاء كله الا الاكل ده العشق بتاعي انا ممكن فرفر فيها و اجيب لكم مصيبة ده انا طالبة الشاورما و دى سورى يعنى اوعي وشك من التومية
ضحكت حوا لاول مرة منذ بداية اليوم على كلام رحمة و طريقته فى الحديث و كان ذلك تزامن مع دخولها الى الكافتيريا و التى تفاجات من كبر مساحتها و رقي التصميم فيها فهى تشبه افخم المطاعم بداية طريقة وضع المقاعد و الطاولات التى تمتاز بالطابع المودرن
التفتت العديد من الانظار لها مما اشعر رحمة بأهمية مصادقة حوا فهى محط انظار الجميع و هى معاها وهو الامر الذى تفضله كثيرا
تناولت حوا طبق من السلطة مع عصير برتقال طازج و بعدها استأذنت من رحمة للعودة الى عملها حتى قبل ان ينتهى وقت البريك الخاص بها
عادت الى مكتبها من جديد تعمل بجد و سرعة كما اعتادت ، انهت العمل المطلوب منها و قررت تقديمه الى عادل مباشرة قبل انتهاء موعد الدوام طبعت التقرير و عملت منه نسختين احتفظت بواحدة و وضعت الاخرى داخل ملف لتقدمه له .
خرجت من مكتبها الى حيث مكتب عادل وصلت و طرقت الباب .
سمح عادل الطارق بالدخول .
تفاجأ من وجودها حينما رفع رأسه . و لكن سرعان ما ارتسمت ابتسامة شماته ظن منه انها اتت تسأله على امر ما قد توقف معاها
- خير يا استاذة حوا فى حاجة وقفت معاكي
لمحت نظرة الشماتة المطلة من عينيه على الرغم من اتقان فى أخفاها
- لاء يا فندم انا جيت اقدم التقرير .
- لحقت انتى لسه اخد من كام ساعة و ده محتاج شغل كتير على الاقل يومين عشان يخرج التقرير سليم بدون اى اخطأ
- تقدر حضرتك تراجعه و تشوف اذا كان سليم او فى اخطاء .
- عموما هبقى ارجعه بكره و اتمنى ملقيش اخطاء انا مش بحب السرعة المهم عندى الدقة
- اوك تمام مستنيه رأى حضرتك بعد اذنك
تحركت من امامه للخارج وصلت الى مكتبه جمعت متعلقاته و خرجت
كانت تقف امام الشركة تنتظر والدها الذى اخبرها انه فى الطريق إليها يقلها الى المنزل
وصل والدها وركبت معه
مر اليوم الاول بسلام دون ان تحتك بأحد سوى رحمة و عادل ، كانت هادئة تحاول وضع الحدود فى تعاملها مع الجميع و خصوصا الرجال فهى تعرف النوايا مسبقا لذا قررت ان ترسم حولها هالة من الجمود .
كانت لغز لمن حولها باسمها وشكلها حتى بطريقة تعاملها منهم من يراها مغرورة ومنهم من يرى انها تتعمد صنع هالة لها لتكون محط انظار واعجاب الجميع .
ولكن كان ل ادم راى اخر فمنذ قابلها فى الاسانسير و عرف من تكون و تذكر عندما وقع على اوراق التعيين للموظفين الجدد كيف لفت نظره اسمها وعندما تطلع الى سيرتها الذاتية ازداد داخله الرغبة فى التعرف عليها لحل لغز
والان الرغبة لديه تزداد ولكن هو يفضل الصبر لم يكن يوما متسرع بل هو صياد ماهر ينتظر الوقت المناسب و الظروف الملائمة قبل ان ينقض على فريسته .
مرت الايام سريعة على حوا وعائلتها لم تخلو من المناوشات اللطيفة بين الاختين ككل يوم .
كذلك فى العمل اعتادت حوا على نظرات الاعجاب من زملائها و الغيرة من النساء منهم فهى أيقونة للجمال والحزم و شعلة من النشاط فى العمل .
الى جانب اعتياد حوا على عملها بقى التعامل مع زملاء العمل هو اكثر ما يؤرق صفو حياتها خصوصا نشوى التى تتشارك معاها المكتب فهى اظهرت لها العداء منذ رأتها اول مرة دون سبب يذكر من جانبها فهى لم تقترب منها او تتعدى على خصوصيتها ، لكن الاخرى لها رأى اخر الى جانب صمت فيروز وتبدل حالها وهو امر قررت ان تتحدث معاها فيه لن تسكت عنه ابدااا.
ولكن ما لم يكن فى الحسبان هو انها تحت عين مترصدة لها تنتظر مجرد هفوة لتقع بين يديه
وهو امر انتظره طويلا منذ لمحه اول مرة داخل الشركة تخطو الى داخل مجموعته الاقتصادية مرفوعه الرأس فى شموخ بصرها ثابت باتجاه نقطة واحدة لا يحد عنها لا تلتفت لنظرات الاعجاب من حولها .
وفى احد ايام العمل اليومية تلقت مكالمة هاتفية من شقيقتها
- الووو
لم يكن المتصل فيروز
- ايوه حضرتك اخت الانسة فيروز احمد .
هبط قلب فيروز بين قدميها و شعرت ان مكروه اصاب شقيقتها .
ردت على المتصل بانفعال و خوف مشاعر كثيرة انتابت .
- ايوه خير حضرتك مين و بترد على تليفون فيروز ليه اختى حصل لها ايه اختى فين
المتصل :اخت حضرتك عملت حادثة وهى حاليا فى مستشفى (....).
لم يكن منها سوى ان جمعت متعلقات بسرعة شديدة و تحركت من على مكتبه الى الخارج بأقصى سرعة تاركه نشوى فى دهشة من امرها
لم تتوقف حتى تنتظر المصعد بل هبطت الدرج مسرعة
حتى وصلت الى بهو الشركة لم تلتفت لنداء رحمة عليها لم تكن ترى امامها غير وجه شقيقتها و قلب ينتفض من الخوف خشية للقادم
وصلت الى المشفى ومنه الى غرفة العناية المركزة بعد ان ارشدتها موظفة الاستقبال بالمشفي لتجدها مسجاة على سرير ويحاوط جسدها العديد من الضمادات وجروح متفرقة فى الوجه الى جانب العديد من الاجهزة المتصلة بها
اقتربت بتمهل منها كى لا تيقظها ولكن تكلمت فيروز لتقطع هذا الصمت .
تكلمت فيروز بصوت شابة الهمس .
- حوا انا بموت .
حاولت حوا التماسك ولكن لم تعد قادرة كانت تتحدث مع شقيقتها والدموع تغرق وجهه وجاءت كلمات فيروز لتزيد من وجعها .
حاولت حوا تمالك نفسها و لكن غلبها البكاء
- لا يا حبيبتى انتى كويسة و هتخرجى من المستشفى شدى انتى بس حيلك كده امال مين يناقر فيه و تجرى ورايا زى كل يوم .
فيروز : انا هموت ولازم اقولك على حاجة مهمة اوى انا بحبك اوى اوعى تزعل منى فى يوم .
نفت حوا برأسها
- ازعل منك ازاى بس وانا طول عمرى اخدك بنتى مش اختى و اوعي تقول كده انتى هتبقى كويسة و نخرج لماما وبابا و تنورى البيت من تانى ونفضل مع بعض العمر كله .
لم تتلقي اى رد من شقيقتها
اصدرت الاجهزة المحاطه بها اصوات انذار فكانت اخر ما وصل لاذن حوا قبل ان تسقط فاقدة للوعى من الصدمة
استيقظت بعدها تتمنى ان يكون كل ما حدث ما هو إلا كابوس وليس واقع ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه
لقد فقدت شقيقتها و قطعت من روحها رحلت عنها دون ترتيب او وداع بل رحلت فى صمت
تمت اجراءات الدفن والعزاء والجميع فى حالة ذهول لا تعرف حتى كيف علم والديها بما حدث لفيروز ولا كيف مرت ايام العزاء عليهم لقد تبدل حال الجميع
والدها يلهي نفسه بالعمل فى محاولة للهروب من المنزل الذى يحمل ذكريات كثيرة له مع ابنته الراحلة الى جانب شوقه لها و افتقاد الى وجودها حولها .
اما عن والدتها لا تكف عن الدعاء وقراءة القرأن وقد وجدت فيهم السلوي و الصبر على ما فقدت .
مرت الايام بطيئة ومملة وتحول البيت المفعم بالحياة الى منزل خاوى لا روح فيه الجميع يمارس طقوس الحياة اليومية و كل يغلق على وجعه الف باب حتى لا ينهار
اما عنها فهى حبيسة غرفتها وطالت فترة انقطاعها عن العمال
الى ان تلقت خطاب انذار بالفصل الى جانب دفع مبلغ ضخم من المال كان شرط جزائي حينما عارضت اثناء توقيع العهود الموافقة عليه اخبره مدير الشئون انه مجرد اجراء روتين ولن يلجا إليه او يطالبوا بقيمته ابدااا
اردت ملابسها و وتوجهت فى اليوم التالى الى عملها لتمديد فترة الاجازة
دخلت مكتب شئون العاملين حيث استاذ عادل يبدو انه كان ينتظرها يخبرها انه ليس من ڜأن ولكن ليس القرار بيده الان هى تحت وطأة مديرها فلقد جاءت الفرصة لتقع بين يديه على طبق من ذهب
توجهت حوا الى الاسانسير ومنها الى الطابق العاشر حيث يقع مكتبه بمساحة الطابق الاخير بالكامل يضم قاعة اجتماعات واكثر من مكتب مساعديه توجهت نحو مكتبه وبداخلها عاصفة لا تهدأ
طرقت الباب بقوة ولم تنتظر الرد و اندفعت الى الداخل بقوة
ولكن الصدمة الجمت لسانها