الفصل الثالث

تم تسليم أولئك الصغار لتتم العناية بهم وإطعامهم وكانوا سويًا برفقة بعضهم البعض، أصبحت غيف وماجي صديقتين وكذلك آدم وكريس، وتم إلحاق الجميع بما يناسب مواهبهم من خدمات، لكن آدم كان مختلف.
فآدم أظهر نبوغًا شديدًا أهله ليكون ضمن صفوف العلماء وينتقل من خانه الخدم الموهوبين لخانة الصفوة وأصحاب الأملاك.
ومرت الأيام...
جلس آدم في حديقة الفيلا الخاصة به يحتسي كوب القهوة التركي الصباحي بتلذذ فهو يعشق ذلك المشروب الصباحي الذي يبدأ به يومه أمام حوض الورد الأحمر البلدي المصري الذي يعشق التأمل به صباحًا فهو أول ما تطالع عيناه من شرفة غرفة نومه المطلة على الحديقة ثم سرعان ما يغادر غرفته بعد أن ينعم بحمام منعش ويرتدي ملابسه المناسبة لما هو مقدم عليه ثم يدلف للمطبخ ويشغل الآلة الخاصة بمشروبه بنفسه فآدم من الطراز القديم يهوى صنع الاشياء بنفسه كان بإمكانه بكلمة واحدة منه أن يجعل المتعدد وهو الاسم الذي يطلق على روبوت إدارة المنزل أن يعد القهوة ريثما تحضر إيف المديرة البشرية التي تعتني بالمنزل والحديقة خاصة.
تلك الزهور الخاصة جدًا فآدم يجري عليها أبحاثه بسريه تامة فالقوة الدولية للمصل تحظر إجراء أي أبحاث خارج أسوار المقر وإن نما لعلمهم ما يفعله آدم سيعاقب عقابًا شديدًا لكن آدم كله أمل أن تكون زهوره تلك هي نواة استخراج لقاح ضد الطفرة، وربما يستطيع بذلك القضاء بالتبعية على الكريتشر.
رفض آدم أن يدع أي روبوت متحرك يعتني بأزهاره فالأزهار كالبشر تشعر وتحس بما حولها ويجب أن تشعر بحب ساقيها لتتألق وتزهر، لذا اختار إيف بعناية من بين كل المرشحين للوظيفة فهي تمتاز بموهبة الزراعة وحسها الفني مرهف، وتمتلك أيضا موهبة الرسم والنحت، وهي المواهب الخاصة التي رشحتها للعمل بالعاصمة الدولية، لكن ما جعله يختار إيف هو صلته بها فلقد كان آدم رفيقًا لإيف وماجي حينما دخل المستقر كان يشعر أنهما مسؤولتان منه وظل هكذا حتى بعد أن أصبح من الصفوة واستمرتا هما بالإقامة في المستقر لقد حاول مساعدتهما دائمًا وأن يوفر لهما سبل الراحة.
ابتسم براحة بينما يرى إيف تدخل من البوابة الالكترونية التي توهجت بضوء أخضر دليل على استقرار حالة إيف الصحية وعدم وجود خلل بها وما أن رأت إيف آدم يجلس أمام الزهور حتى أشرق وجهها بابتسامة ساحرة بادلها آدم تلك الابتسامة بابتسامة أخرى وهو يقف تزامنًا مع إعلان الساعة التاسعة صباحًا وقت وصول السيارة التي ستوصله للمقر الدولي لأبحاث الطفرات.
ألقى آدم تحية الصباح على إيف بابتسامة واسعة ترتسم على شفتيه ثم ألقى عليها تعليماته لهذا اليوم والخاصة بالعناية بالزهور الحمراء المميزة، كانت إيف تتعجب من ولع آدم بتلك الزهور وبما أنها تمتلك موهبة الزراعة كانت تحس بوجود شيء غير عادي بتلك الزهور فبالإضافة لكون حجمها غير عادي بالنسبة للورد البلدي المصري فكان تألق لونها الأحمر واضحًا جدًا لم تره من قبل، ولكنها تعلم أن آدم حين يتعلق الأمر بعمله وأبحاثه يكون كتومًا جدًا حتى عنها وهي أقرب الناس له.
ودعت آدم بمودة وهي تدخل للفيلا، ثم هاتفت ماجي والتي زفت إليها أنها ستقضي عطلة الأسبوع برفقة السيدة شارلين في القطب الذائب؛ فتركتها إيف لتكمل ترتيب خطوات الرحلة مع السيدة شارلين وانصرفت هي لمهامها.
دلفت إيف للفيلا لتباشر مهامها اليومية العادية ومر اليوم كأي يوم بلا أحداث مميزة يوم روتيني تابعت فيه أعمال المنزل وشاهدت البث المصور للحلقات البشرية وهي تكافح في صراعها مع مخلوقات الكريتشر، كما شاهدت عمليات قتل وملاحقة السفليين المتمردين.
و فجأة كسر الهدوء طرقات متتالية قوية على الباب الزجاجي للحديقة، نهضت إيف فزعة لترى ما الذي يسبب تلك الطرقات لتجد أمامها ماجي التي تعمل بالفيلا المجاورة لهم وهي في حال يرثى لها ويبدو الفزع جليًا على محياها وهناك آثار دماء على ملابسها.
هرعت إيف نحو الباب لتفتحه وتدخل ماجي سريعًا وهي تصرخ:
- اغلقي الباب بسرعة أخشى أن تفيق وتلحق بي.
امتثلت إيف لما طلبته ماجي التي جلست منكمشة في إحدى الزوايا وهي تنتفض خوفًا، وحين حاولت إيف الاقتراب منها عم المكان ضوء أحمر متوهج مصدره خارج الفيلا وصوت علا في الأرجاء يتكلم عبر مكبر الصوت:
- إيف لا تقتربي من ماجي.
توقفت إيف عن الحركة ونظرت لماجي بغرابة وهي لا تفهم ما يحدث، ليقتحم المنزل فجأة رجال القوات البيضاء بملا بسهم المميزة، ليبعدوا إيف إلى أحد الأركان بينما أربعة رجال آخرون في زي محصن اقتربوا من ماجي وأمروها أن تقف، وقفت ماجي بصعوبة فقد كان جسدها يرتعد خوفًا، ليحيط بها الرجال في الزي المحصن، ويخرج كل منهم جهازًا يصدر أشعة خضراء ووجه الأربعة أجهزتهم في وقت واحد نحو رأس ماجي، لتغمرها هالة خضراء تحيط بجسدها كله فيتوقف جسدها عن الارتجاف، ويصبح جامدًا مستقيمًا، ثم يصدر عن الأجهزة صوت مرتفع جعل إيف تضع يديها على أذنيها كي تقلل حدته، بينما الضوء الأخضر ينزلق تدريجيًا على جسد ماجي حتى وصل لقدميها، ثم توقف الصوت ليعلن الرجال الأربعة انتهاء الفحص ويقول أحدهم:
- إنها سليمة.
تنفست ماجي الصعداء، بينما غيف تقف وهي لا تفهم أي شيء ليقول لها أحد رجال القوات البيضاء والذي لم يكن سوى مايكل صديق آدم الذي تعرفه جيدًا:
- لقد أصيبت السيدة شارلين بالطفرة، وحاولت التهام ماجي قبل أن تعمل شريحة (الكت) فكان يجب التأكد من خلو ماجي من أي إصابات.
نظرت له إيف في بلاهة:
- يا إلهي! هل تقصد يا مايكل أن شريحة ال(كت) تأخرت في عملها كيف يحدث هذا؟
هز رأسه بأسف وقال بصوت منخفض:
- للأسف ليست هذه أول مرة يحدث بها هذا الأمر لقد حدث قبل الآن، ولم يتوصل أحد للسبب، السيدة شارلين ليست أول من يحدث ذلك معها، وفي بعض الحالات حدثت إصابات، لكن الأمر محاط بهالة من السرية لكي لا ينتشر الخبر، لكنني أعتبرك صديقة إيف لذا وجب أن أحذرك.
قالت بقلق:
- من أجل هذا.
سألها:
- ماذا تقصدين؟ لم أفهم.
قالت بهدوء:
- آدم حذرني حين أتواجد في المستقر من الاختلاط بمن حولي وطلب مني أن أحترس.
- نعم بالتأكيد يجب أن تحترسي والآن سنغادر، طمئني ماجي وهدئي روعها وتوجهي معها لدائرة التوزيع فسيتم تحويلها للعمل في فيلا أخرى.
دقائق قليلة كان الكل قد انصرف بعد ان تم إطلاق غاز أبيض في المكان يسمى غاز التطهير للقضاء على اي بكتريا قد تكون علقت بالمكان من أثر دماء شارلين الذي كان على ملابس ماجي، التي أصبحت نظيفة تمامًا بعد ذلك الضوء الاخضر الذي غمرها كما أنه هدأ من روعها كثيرًا، لتلقي بنفسها على الأريكة بعد انصراف الجميع و تنفجر في البكاء، اقتربت منها إيف و احتوتها بين ذراعيها وهي تربت على ظهرها وتقول:
- ابكِ صديقتي، ابكِ، هيا اخرجي كل ما يعتمل في نفسك من خوف، مر الأمر بسلام نشكر الرب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي