الفصل3

أستيقظت حورية وكادت أن تلتفت حتى توقظ عاصم ولكن وجدت الفراش بارد ولم يكن له وجود، وضعت الملاءه على جسدها حتى تستره ولكن عليها أن تستر روحها، لن يكن محور حديثنا الان.

خرجت من الغرفة وهي تحاول طرد النعاس الذي يطغى على ملامحها وحتى نبرة صوتها، وأخذت تحاول أن تجد عاصم، لم تجده حتى مر دقائق جعلتها تتشتت أين ذهب بعد ليلة جعلتها تحلق في السماء، ولكن قبل ان تستمر في تساؤلاتها وثرثرتها الداخلية، وجدته يدلف من الباب بهيئته الرسمية التي تعشقها دائمًا، لم يكن عاصم وسيم كما تتخيل عزيزي ولكن أحيانًا نصنع الوسامة والجمال الخالص من أشياء أخرى تجعلها تطغي على ملامحنا.

ابتسم كعادته ابتسامة جانبية وهو يراها مازالت بهيئتها، اقترب منها وجلس بجانبها على الاريكة وضمها إليه حتى سمعها تقول بهمسها المغوي لنفسه : كنت فين؟

- كنت في المصنع بظبط الحسابات ورجعت على طول.

أبتعدت عنه قليلًا ولكن مازلت تحت ذراعه، ولكن اقتربت من وجهه كثيرًا حتى اصبح بينهم إنشات بسيطة وتبدلا النظرات لثوان حتى همست:

- كدة تسيب حورية حبيبتك وتنزل المصنع.

اخذ نفس بعمق وابتعد عنها حتى وقف امام البار الصغير والذي يحتوي على مشروبه المفضل، بعد دقائق بسيطة اتجه بكوب الشاي الأخضر إلى الشرفة، وهي ذهبت خلفه لتقف على طرفها :

- اسيب حورية واسيب الدنيا المهم مخسرش قوتي، القوة بتساوي فلوس ومتعة، ولا جديد عليكي الكلام دة؟!

- لا عمره ما يكون جديد عليا بس افتكرت اني أغلى عندك منهم!

ضحك بخفة دون أن تسمعه ومن ثم التف لها ليضع يده على وجنتيها جعلها تبتسم بإنتشتاء وتغمض عينيها ظنًا منها انها ستنال إجابة تثلج قلبها العاهر، ولكن وقعت إلى سابع ارض عندما قال :

- وانتي مين يا حورية عشان تكوني أغلى من الفلوس! انتي مجرد متعة وحتى مش لازم تكون دايمة ولا فيكي شىء يميزك عن أي متعة تانية، ممكن تنزل الكازينو اجيب مية زيك يكونوا تحت رجليا يقولولي احنا تحت امرك يا عاصم باشا.

انتفضت بعيدًا أثر كلماته جعل ملامحها تتحول للشراسة الممزوجة بالحزن، الفترة الماضية التي جعلته يتمسك بها ويجعلها تنتقل معه بأي مكان، ظنت انها امتلكت قلبه ومتعته الدائمة، ولكن لم تدري انها فقط ضمن أملاك عاصم الذي يستطيع الاستغناء عنها أي وقت.

لم يخفي سعادته من صدمتها فهو كمن جعلها تتلقى صفعة قوية على وجنتيها الناعمة ولكن دون أن يلسمها عن قريب أو بعيد!

سمع جرس الباب وهي الأخرى، هرولت للغرفة وهي يتلبسها شياطين الإنس والجن واغلقت باب الغرفة بقوة، أما هو ذهب ليعلم من هو المزعج في هذا الصباح الباكر، كادت أن تنفلت منه ضحكة من الواضح أن هذا الصباح سيجعله يضحك كثيرًا يتمنى ان ينتهي اليوم كذلك أيضًا، لم يكن الطارق سوى أخيه عابد الذي يقف ملامحه جامدة للغاية وكأنها تحتاج الحرارة حتى تلين، سمح له بالدخول عن طريق إشارة يديه، دلف بالفعل عابد والقى نظرة وجد هذا الشىء البغيض الذي يكره كما يكره العمى عجلة الروليت التي تحتل جزء لا بأس به من المكان بأكمله والبار الخاص به، يعلم أنه دخل بيت الشيطان من أوسع أبوابه ولكن دخل بإرادته، فالشيطان هكذا يوسوس حتى يجعلك تفعل ما يحلو له ثم يبتعد قائلًا انت من فعلت ليس من شأني.

جلس على الاريكة وجلس عاصم على مقعد واهو يضع قدم على أخرى، ليس من طبعه ولكن مع أخيه هناك أفعال خاصة للغاية في حضرته.

- منورني يا عابد.

التف له عابد ورمقه بحده دون داعي ولكن رد بإقتضاب : بنورك طبعا يا عاصم، طمني عليك.

فتح ذراعيه وتنفس بعمق قائلا : زي الفل يا اخويا، عايش احلى حياة ياريت تعيش زيها.

نهض بسرعة غريبة وهو يقترب من جميع أنحاء الشقة ويشير إليها قائلا بغصب يحرق الأخضر واليابس : أحلى حياة! وياريت اعيش زيها يا اخي دة انت مش عارف تقول يارب، فهمني ايه الحلو في الحياة ديه!

اقترب من البار الذي يحتوي على الخمور والمشروب المفضل لعاصم، القى جميعهم حتى صدر صوت قاسي أثر تحطيم الزجاجات، ثم اقترب من طاولة البوكر الكنز الثمين لدى عاصم واوقعها هي الأخرى حتى جعل جزء منها ينهار، شرارة أصبحت في مجرى خلايا عقله، جعلته يشتعل وكأنه أتى لينفذ مهمة ما، تعالت أصوات تنفسه توقع ان يجد من يصرخ عليه ولكن ما زاد لهيب صدره عندما رأي حورية تهرول على عاصم لتتأكد من سلامته بعد أن سمعت صوت التحطيم ومن الواضح على ملابسها ماذا تفعل هنا جيدًا، طغى على نبرته الألم والاشمئزاز معًا :

- ايه يا اخي ايه القذارة اللي انت فيها ديه، انت بتعمل ايه في حياتك من الكازينو للبيت لللعب والقذارة ديه! يا مرواح للمصنع اللي كان كل حاجة فيه حلال لغاية ما وسخته بفلوسك من القرف دة، وقد أشار على طاولة البوكر التي يعلم جيدًا ان مكسبه منها يدمجه مع أموال المصنع التي كانوا يمتلكوه حتى أصبح محرم عليه.

رفعت حورية نظرها لعاصم حتى تفهم اي رد فعل له ولكن لأول مرة تقع عينيها عليه ولا تفهمه، ملامحه جامدة للغاية لا تدل على اي شىء، ولكن في قاموس عاصم جمال الحداد فهو الجحيم الذي تجسد في ثباته وهدوءه، قطع هذا الصمت المصتنع دلوف ماجد من الباب فهو يمتلك نسخة من المفتاح، جاء حتى يعتذر من عاصم عما بدر منه ليلة امس ومن الواضح انه سيفعل شىء اخر ينقذ به للجميع من غضب عاصم الغير معروف.

صُدم مما رأه من تدمير وأدرك انها بفعل عابد بمجرد رؤيته هنا فهو يبغض وجوده دائمًا دون سبب، اقترب من حورية وهمس لها أن تأخذه للغرفة بهدوء وقبل ان تفعل ذلك همس هو الاخر لعاصم قائلا :

- اديني ساعتين وكل حاجة هترجع زي ما هي بس ابوس ايدك ادخل جوه.

هو يعلم جيدًا مصير من يحاول مجرد محاولة الاقتراب من ملاذه الخاص، فماذا اذا حكمها هكذا فأهلا بك في الجحيم لذلك قبل أن اندلع نيران هذا المكان حاول قد المستطاع السيطرة على الأمر، ذهب مع حورية عدة خطوات ولكن التف قائلا بهمس قاسي وصل لمسامع عابد :

- المرة الجاية هوريك القرف والحياة القذرة فعلا يا.. يا عابد.

وكأن قشعريرة ضربت جسده كهرباء احتلت خلاياه، هسيس شيطان وليس من بني آدم على الاطلاق!

بعد دقيقة كان قد اختفى هو وحورية، وقف ماجد امامه قائلا : انت ايه يا اخي عايز منه ايه ما هو باعد عنه وعن حياتك وسايبك في حالك فهمتي عايز منه ايه.

صرخ بوجهه ونبرته طغى عليها الألم : عايزه يبقى بني آدم مش بيتنقل بين الكازينوهات والزفت اللعب دة، ليه يخلي حياته كدة ليه.

- عشان دة عاصم ودة اللي عايزه.

وكأنها كلمة سر تنهي اي حوار " انه عاصم وهذا ملاذه" لذلك عليك أن تكون كالمشاهد فقط الذي لا يتدخل في سير الفيلم فهو سيحدث كل شىء دون أن تدخل من الأساس!

- ياريت تخرج برة، ومتجيش عند عاصم تاني عشان ديه حياته اللي اخترها بإرادته.

تهدلت اكتافه كمن كُسر، كان سيفعل شىء اخر ويتحدث بهدوء خطة صغيرة ارتسمت بعقله ولكن جن جنونه عندما رأي حياته هذه، نظر لكل شىء حطمه نظرة سريعة وخرج من الباب دون حتى أن يغلقه، اخرج ماجد هاتفه وأجرى عدة اتصالات حتى يجعل كل شىء كمان كان قبل أن يخرج عاصم مرة أخرى.

*****
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي