ادمان الحياة

شهد طارق`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-06-22ضع على الرف
  • 24K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل 1

" عن أحداث حقيقية "

عند قرائتك لهذه الجملة على الفور ستلمع عينيك وتسأل عن سعر الكتاب حتى تقتنيه؛ لتعلم ما هي الأحداث الحقيقية المدونة بين طيات هذا الكتاب المكون من عدة صفحات!

لكنك يا عزيزي لا تعلم انك تعيش بين هذه الأحداث الحقيقة وترى كل يوم ما هو مثير للغثيان والخوف والرعب، لم تقرأ في جريدتك الصباحية عنوان بالبونت العريض " مقتل رجل على يد زوجته لانه رفع صوته عليها!"
لم تقرأ في شاشة هاتفك التي لا تفارقك حتى عند النوم " اب يضع السم لابنائه الرضع في اللبن !" لم تقرأ عزيزي القارىء!

اجابتي لك، نعم قرأت وما ابشع من ذلك، فلا تنتظر ان تجد بين صفحات كتابي الذي بين يديك شىء مثير في الحقيقة، تمعن جيدًا عزيزي القارىء الخيال هو خيط من خيوط الواقع ليس خيط من اللاوجود!

تمنياتي لك برحلة سعيدة بين
" الأحداث الحقيقية "

يمعن التركيز في المهمة التي قادم عليها بعد ثوان يتأمل موزع طاولة البوكر " الديلر "، و يراقب ملامح كل من يجلسون حوله، جسده ثابت بشدة بؤبؤتي عينيه فقط تتحرك مع حركة يد الموزع بالأوراق، ولم يكن مهتم بما تفعل له حركات تصنف للاغراء على عضلات ظهره وتحاول الإقتراب منه بحميمية ولكن هو غارق في بئر عميق، فهو كالطفل الذي ينتظر إشارة والدته لبدأ الطعام، هو أيضًا ينتظر إشارة بدأ الرهان، وبالفعل بعد ثوان طبق " الديلر" كفيه على بعضهم تدل على حركة انتهاءه من توزيع الأوراق الذي جعلته يشكل نصف دائرة، ليمسك هو إحدى دوائر الطاولة الصغيرة التي تدل على الرهان الذي يريد اتخاذ القرار به، وهو ليس لاعب صغير حتى يرهن الكثير وتكون الخسارة هي نصيبه هو لا يعلم هذا المصطلح الغريب.

" خسارة " هذا مصطلح الاغبياء الذي يرضخون ل الاعيب الحياة التي تجعل نهاية مطافهم الجحيم.

الجميع ينتظر انه يضع رهانه والجميع ابتسم بسخرية ظنًا منهم انه خاسر لا مُحال، ولكن تأتي كرة عجلة الروليت الصغيرة تحسم مصير هذا الجدل، وأخيراً يرمي بها الموزع لتقع بإحدى الدوائر و يكسب الرهان، ابتسم من زواية فمه وهو يستمع إلى الهمس الناعم في اذنه :

- مبروك يا عاصم دايمًا بقول عليك لاعيب الروليت.

أرتشف اخر رشفة من كأس الخمر الانيق وقال وهو يلتف ويضمها من خصرها وابتسامة نصر تغلف ملامحه :

- عيب ديه الروليت ديه بنتي، ومفيش بنت بتعصى ابوها.

ولا يعلم انه يعصى الله عز وجل ويفعل ما جعله من محرمات الدنيا.

لبتبدأ رحلة الروليت .

****
في إحدى الطرق الصحراوية، سيارة صغيرة يبدوا عليها انها قديمة للغاية، ولكن لا يهم الان، يجلس بداخلها شاب في أواخر العقد الثاني، اللون الرمادي يحتل أسفل عينيه والشحوب يملىء كل انش بوجهه، ينظر في كل جهة لها من ينتظره يمّن عليه ويأتي حتى يتخلص من هذا الخوف المبرر له، كان ينظر في جهة اليمين وقطع ذلك أحدهم بطرق على زجاج جهة الشمال، فتحه على الفور ولم يبث بكلمة بسط كفه وهذه إشارة يعملها جيدًا، وضع هذا الشاب بيده حفنة المال ليست بقليلة، ثوان وكانت بين يدي هذا الشاب ورقة مطوية ولكن بشكل جيد حتى تحفظ ما بداخلها، نظر الرجل يمينًا ويسارًا ذهب سريعا كيفما جاء، فتح هذا الشاب الورقة سريعًا وابتسم بإنتشاء غريب، وضح قليل من هذا المسحوق الأبيض الذي يملئها واقترب بأنفه ليستنشق الكمية بأكملها، راحة لذيذة تملكت جسده، راحة مسممة، راحة مؤقتة لألم أبدي لن يدركه الان.

بعد أن ارتخت عضلات جسده بشدة لمدة بسيطة، أدار مقود السيارة حتى يبتعد عن هذا المكان المظلم، وانطلق سريعًا بالسيارة حتى بعد وقت قليل وصل إلى المدينة ذاتها، ولم يتعدى الخمسة عشر دقيقة حتى توقف امام عمارة تقع بمنطقة " المعادي" وصعد إلى حد الشقق، بخطوات بطيئة للغاية ولكن ممتعة فهو رغم هذل جسده وعدم قدرته على الحركة بشكل كامل ولكن هو الأن في أقصى مراحل المتعة كمن حصل على فاكهه محرمة اخيرًا بعد طول عناء.

- اتأخرت ليه يا ياسين، حرام عليك. قالها وهو يأخذ منه هذه الورقة المطوية ليهرول على الاريكة ويفعل كما فعل ياسين منذ قليل ليغمض عينه بإنتشاء ويتراجع للخلف برأسه حتى يستجيب لهذا الأنسياب الذي تشعر به عضلاته.

نحصل على الراحة من أشياء عدة ولكن هناك اوهام بالراحة، وهذا المسحوق الأبيض ما هو إلا وهم مؤقت وأخشى ان تنفلت هذه الراحة إلى عذاب لا نهاية له، هل تفكر في الأمر معي، شىء ابيض بمجرد أن تنثر عليه قطرات المياه تصبح لا وجود لها، هل تعلم مع يفعله بك هذا الوحش الأبيض!

لم يلاحظ ياسين الذي جلس على مقعد اخر وارتخى كثيرًا فمازلت أثار هذا المخدر بجسده، قال بنبرة هادئة للغاية :

- مفيش المكان كان بعيد يا اسامة، حاولت متأخرش.

لاحظ أسامة تغير نبرة صوته رغم الانشاء الذيي سيطر عليه ولكن هو صديقه ويعلم جيدًا حاله اقترب منه وحاول التركيز في ملامحه :

- مالك يا ياسين؟!

نهض ياسين واتجه إلى شرفة المنزل حتى يتنفس هواء نقي بعيد عن هذه الأشياء القاتلة، خرج خلفه اسامة وشعر أن هناك شىء خطير استند بكفه على الشرفة مثل صديقه وانتظر اجابته :

- مفيش يا أسامة انا تمام!

وقبل ان يعترض على قوله قاطعه ياسين قائلا : متعتبش يا اسامة من اللي احنا فيه!

عقد حاجبيه فهو لأول مرة يتحدث بهذه الطريقة ولكن أراد أن يكمل الحديث معه ليفهم ما به :

- اتعب ليه هو في احلى من اللي احنا فيه دة انتعاش يا جدع.

ادرك انها حرب خاسرة مهما اكمل الحديث الذي يريد أن يجهش به فلن يصل إلى حل، فهو لن يقدر على الابتعاد عن هذه السموم لذلك ابتسم على حديثه وصمت دافنًا جزع الخير الذي كاد ان ينبت بداخله.

هناك ما يسمى بالارادة، وليس الكثير يمتلكها فهي كنز ثمين تحتاج إلى مشقة حتى تحصل عليها وتنبت بداخلك.
*****
دلف إلى منزله وهو يترنح بشدة ولكن حاول أن يتماسك وهو يغلق الباب، دار بعينه الشبه مغلقة وجد ملامح امرأة تراقبه بحسرة شديدة، زفر بضيق فهو مُحلق بالسماء من السعادة، محلق في عالم آخر، عالم خاص به هو فقط بعيدًا عن أي شغب ولكن هي ستأتي وتنتزعه من هذا العالم بكل قسوة، نهضت من مجلسها وعينيها تدمع بشدة وقفت امامه بعد عدة خطوات وهي تحاول أن تتماسك امام مظهره القاسي بالنسبة لها ومهما حاولت الاعتياد عليه فلن تعتاد، كيف تعتاد على أن زوجها نصفها الاخر مدمن الكحول ويأتي كل ليلة مترنح هكذا!

- كنت فين يا سليمان؟!

مازال سليمان في عالمه الجميل قال وهو يقترب منها بخطوات بطيئة ويضع كفه على احدى وجنتيها قائلا بصوت ثقيل للغاية : ايه القمر... دة... يا قلب سلييمان.

بالفعل زوجته في غاية الجمال دائمًا رغم حزنها وحسرتها على حاله، هي تعشقه ولكن..

حاولت أن تغير ما اعتادت ان تفعله وامتدت بكفها تستند على يده قائلة وعينيها مازالت تدمع :

- انا قمر في عينيك يا سليمان، قولي هتفضل امتى بالحال دة كل يوم تيجي مش حاسس بنفسك، يا سليمان انا شايلة جوايا حتة مني ومنك، وامتدت بكفه لتضعه على معدتها، وأكملت حديثها بشجن : عايز ابنك او بنتك لما تيجي تلاقيك اتدمرت، تلاقيك بالمنظر دة هتبقى فرحان.

انتشلته من عالمه بكل بساطة فلتتحملي اذن، نزع كفه عنها على الفور وابتعد عنها خطوة للخلف قائلا بصريح ولكن ضعيف أثر ثمله :

- انتي كل ليلة بكلامك دة يا شيخة دة انا راجع مبسوط، مش هبطل يا زينة عشان الخمرا ديه مش غلط ولا تدمير بالعكس ديه بتخليكي في عالم تاني.

أنهى حديثه وهو يتجه للاريكة ويرتمي عليها ليسبح في نوم عميق وهو لا يدري ما حوله، ذهبت لتجلس على الأرضية بجانبه وهي تبكي بكاءًا شديد وتدعو الله بداخلها ان ينير بصيرته ويجعله يبتعد عن هذه السموم التي نهايتها الموت لا محال.

ليست كل الذنوب تُبنى على ماضٍ أليم، أحيانًا يكون الذنب لإرضاء متعة لحظية فتتحول إلى متعة دائمة ولكن لا تدري انها متعة وهمية.

****
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي