الفصل الرابع

رغم أن بعض الصدمات تكون قاسية وصعبة ولكن دائما تذكر أن هناك ما هو الأصعب , وبأن الله قد تلطف بك فيما أصابك , لعل بعد ذلك يأتيك الفرح من حيث لا تدري .
ميزة الأوقات الصعبة أنها تظهر لك معادن الناس , فأسعد لأنك ستعرف جنودك الأوفياء وشركاء المستقبل , لا تكن أحمق إنتبه لما حولك وأعرف جيدا من أمسك بيدك ليرفعك من بعد سقوطك ومن أمسك بيدك ليتأكد أنك قطعت النفس وضل الأمل طريقك , شتان بين الأثنين يا صديقي ......
عاد يوسف للفور بعد أن علم بأن جده محي الدين قد تم نقله للمشفي فتوجه إليه وأجل سفره الذي كان ينوي عليه فلقد كان متوجها للقاهرة من أجل فيري , بينما فيري خرجت من البوابات الخلفية للفندق متخفية من الكاميرات التي حاوطت الفندق لتترصد بها محاولة إلتقاط أي صورة أو أي خبر ليصنعوا عليه الحدث ...
ما كانت فيري لتبقي وهي تعلم أن حياة جدها بخطر وأيضا بسببها , ذلك صعب جدا عليها ....
في صباح اليوم التالي كان جميع أفراد العائلة مازلوا بالمشفي فالجد محي الدين تم وضعه بالعناية المركزة فلقد كانت النوبة القلبية شديدة عليه ,
ناصر مناديا علي إبنه : فراس , خذ زوجتك وأختك وأمك وإذهبوا للمنزل .
فراس : حاضر ....
درية : كلا سأبقي هنا
فريال : وأنا أيضا سأبقي أريد أن أطمئن علي جدي ...
ناصر : لا فائدة من بقائكم فالطبيب أبلغنا أنه لن يستيقظ سوي ليلا , وأيضا فرح متعبة يجب أن ترتاح بالمنزل , هيا يا درية لو بقيتي سيبقي الجميع , إذهبوا الأن وعودوا في المساء إن أردتم , سأبقي برفقة أبي ومعي يوسف سيتصل بكم علي الدوام ..
كانت فريال في وجه أبيها ما أن رأت فيري قادمة أمامها حتي صرخت بإسمها
نظر الجميع ومنهم بالطبع يوسف الذي ما أن سمع إسمها حتي تجمد مكانه ناظرا إليها , أما درية فمضت أمام زوجها ناصر كي تقابل إبنتها بالأحضان والدموع ,
جرت عليها فيري هي الأخري وإحتضنا بعضهما أمام الجميع
درية باكية : حبيبتي , كيف حالك ؟ قلقت عليكي كثيرا إبنتي الغالية ..
وظلت تقبلها بلهفة وإشتياق فهما لم يتقابلا وجهها لوجه هكذا منذ شهران عندما أتت فيري لتطلب الإذن من أبيها بالزواج ولكنه حينها وبخها وطردها من القصر أمامهم جميعا وحتي أمام وائل محسن الذي كان معها في ذلك الوقت في زيارة عائلتها ...
فيري : أنا بخير لا تقلقي أمي
ناصر وقد بدا الغضب عليه فتوجه إليهما جاذبا زوجته درية بعيدا عن فيري التي وقفت تنظر إليه بينما هو وقف بمقابلتها
ناصر : من تسألين ؟؟ بالطبع هي بخير فهي معتادة علي تلك المهزلة في حياتها لن يفرق معها ما جري حتي , لو أن الأمر عليها لما كنت سأهتم ولكنك تدمرين سمعة عائلتي ولن أسمح لكي بهذا
فيري : لا تقلق بشأن هذا , لا أحد يعرف عائلتي ولن أسمح بحدوث هذا أو أن سذكر إسمكم مقترنا بإسمي .
ناصر : خيرا فعلتي , الأن غادري من هنا لما أتيتي من الأساس ,ليس لكي أحدا هنا
فيري بهدوء : أتيتي من أجل جدي , كيف هو
ناصر غاضبا : ليس لكي جد هنا أبدا ولا يوجد لكي أي علاقة مع أحد من عائلتي .
درية وهي تري إبنتها واهنة وضعيفة :ناصر أرجوك , ليس الأن ؟؟
ناصر بحدة : إصمتي أنتي ..
فيري: أمي ليس لها ذنب ...أنا
ناصر صارخا في وجه فيري : إذهبي من وجهي الأن فأنا لم أعد أطيق وجهك .
في مثل تلك النقاشات بين فيري وأبيها لم تكن تستسلم بسهولة وكانت تجادله بقوة وبشراسة ولكنها هذه المرة لم تكن كذلك فهي متعبة ومرهقة مما قد حدث البارحة , ما أن صرخ والدها ناصر في وجهها حتي غادرت من أمام الجميع , كان قلب درية منفطر علي إبنتها بينما ناصر يقف في جمود لا يلين وفراس لم يبدي لا رفضه ولا قبوله بما حدث وقف فقط يشاهد , تسلل يوسف من جانب الجميع وذلك كي يلحق بفيري فهو لا يستطيع أن يراها دون أن يحدثها وخصوصا في هذا الوضع الحرج الذي تمر به
ما أن أختفي عن أنظارهم حتي توجه جريا لمدخل المشفي لعله يلحق بها , لم يجدها علي البوابة فوقف حزينا ظننا منه بأنها قد غادرت , بينما كان يتوجه للعودة للداخل حتي رآها قادمة تتجه للبوابة , كانت ترتدي وشاح و كاب ونظارة شمسية كي لا يستطيع أحد التعرف عليها ...
رأته فيري واقفا ينظر إليها تعرف تلك النظرة جيدا فلطالما رمقها بها , لطالما علمت أنه يحبها ولكنها كانت قاسية للحد الذي رفضته مرارا وتكرارا , الأن يقف بنفس اللهفة التي كانت لديه منذ ان كانوا اطفال صغيرة , توقفت أمامه ...
يوسف : هل أنتي بخير ؟؟
فيري : كلا ...
يوسف : تعالي معي ..
جذبها من يديها وهي تركت نفسها له , أخذها في سيارته لم يتحدقوا طيلة طريقهم , بعد حين توقف عند أحد الشواطئ...
جلسا جنبا إلي جنب ومازال الصمت هو المسيطر عليهم , بعد حين نزعت وشاحها ليظهر شعرها الأصفر , ومن ثم نظارتها ...
فيري : شكرا لك لأنك جلبتني إلي هنا , كنت حقا أحتاج إلي مثل هذا الهواء المنعش ..
يوسف من داخله شكرا لأنك لم تمضي دون أن أراكي وأجلس معكي كنت أحتاج هذا فعلا ..
فيري وهي تضرب كتفها بكتفه : ما الأمر ...لماذا أنت صامت هكذا ... هل أنت أيضا أتخذت قرارا بألا تحدثني ؟ هذه العائلة أصبحت لا تطاق ..
يوسف وهو ينظر إليها : كيف لكي أن تمزحي في مثل هذا الوقت ..
فيري باسمة : لا تقلق علي جدي لقد قابلت الطبيب قبل أن أقابلك وطمأني علي وضعه..سيكون بخير إن شاء الله
يوسف : أنا قلق عليكي أنتي ...
نظرت فيري للإتجاه الأخر بعيدا عن يوسف وعاد الحزن لملامح وجهها .
يوسف : لا تبعدي وجهك عني , أبقي هذه التصرفات للكاميرات , أنتي الأن معي أنا عائلتك , هل تخفي العائلة أوجعاها عن الباقيين
فيري وقد إحتضنته وراحت تبكي ... بينما هو كان قلبه يعتصر من الألم لأجلها . تركها تبكي إلي أن توقفت هي في نهاية الأمر لم يفعل شئ أخر ..
فيري : هل شاهدت الزفاف ؟
يوسف : أمازالتي تدعيه بالزفاف , لو كانت جنازة هذا الحقير كانت لتكون أسعد عندي .
فيري بإنكسار : تقصد جنازتي أيضا بهذا الحديث؟
يوسف : كلا .. أبدا ..لا تقولي هكذا مرة أخري , أنتي لم تستحقس سوي السعادة في تلك الحياة , أما ذلك وائل يجب ان يتعلم درسه جيدا ويعلم أن شرف الفتيات ليس مسموح لعبة يتسلي عليها وقتما شاء .
فيري : تعلم أني لم أفعل شئ مما قاله..تصدقني أليس كذلك؟
يوسف : ما بك أصبحتي تسألين أسئلة غبية اليوم , تعلمين لو أني عيني رأتك سأكذبها وأصدقك أنتي , فهل تعتقدين إن بمجرد كلمات من ذلك الأحمق سأصدقه ..
فيري : حقا أنت أجمل أخ بالدنيا .
يوسف باسما : بالطبع أنا كذلك ..وسأبقي كذلك
جلب لها يوسف بعض الأطعمة وأكلا سويا علي شاطئ البحر , كان يوسف يعلم أنها للا تملك مكانا أخر للذهاب إليه غيره يعلم أنها تحتاجه فبقي معها ولربما كان هو الأخر يحتاج هذا القرب أكقر منها , بينما فيري كان تعلم أنها ستجد الأمان من هذا العالم وهي مع يوسف , فظلا معا إلي أن غربت الشمس تحدث معها يوسف في كل شئ وفكر لها فيما يتوجب عليها أن تفعل فلقد كان أشبه بعقلها لطالما سدد إليها النصائح رغم عدم معرفته بمجال الغناء والسينما إلا أنه كان ذكيا والأهم من ذلك كانت فيري تثق بنصائحه وتعلم أنها نابعة من قلب يحبها بصدق .
وعدته أنها ستواجه الأمر بشجاعه ووعده بأنه سيظل يدعمها بالطبع في الخفاء بعيدا عن أنظار والدها ناصر ..
لم يكن أحد يعلم بأن فيري ويوسف علي تواصل دائم مع بعضهم البعض ولا أحد يعلم أنهم صديقين مقربين ويتحدثان تقريبا يوميا معا علي الهاتف قبل نومهم إما برسالة يطمئن فيها أحدهم علي الأخر أو بإتصال , ما كان أحد يعلم أن أول من ترسل له أغانيها قبل صدورها هو يوسف ليقول لها عن رأيه بها وما كان أحد يعلم أن فيري تأخذ رأيه في معظم أمور حياتها وأنه علي علم بكافة قرارتها , لم يكن أحد يعلم أن يوسف هو أول من أخبرته فيري عن خبر زواجها بوائل وأنه طلب يدها في مشهد رومانسي بأحد أفلامهم معا التي لم تصدر بعد وبأن موافقتها هذه كانت أول قرار تأخذه دون الرجوع ليوسف كما إعتادت .
كانت العلاقة بينهما قوية فيوسف لم يتخلي عنها بعد أن تركت العائلة وهي في عمر الثامنة عشر بل حافظ علي التواصل معها دائما , وما كانت فيري لتسافر في حفلة خارجية إلا ويذهب معها يوسف دون علم أحدا بالعائلة بالطبع فكان يتحجج بالعمل ويخفي أنه يتبع فيري , فهو لم يقدر علي أن يتركها تواجه ذلك العالم وحدها , كانت هي أمام الأضواء والكاميرات بينما هو في الخفاء يدعمها ويوجهها ويدفعها إلي الأمام .
أما فيري ما دعمت إلا نفسها , نست مشاعر الجب التي جمعتها بيوسف منذ زمن عندما كانا مراهقين ودفنتها في اعماقها ورسخت في وجدانها أن يوسف ما هو إلا أخ من العائلة لها تجاهلت بحثها عنه في كل مرة تقع في مشكلة , كانت تريد أن تسطع , وبالفعل سطعت لدرجة أنها أنغمست في تلك الشهرة ولم تعد تكتفي بقدر معين بل رأت أن من حقها أن النجمة الوحيدة والسوبر ستار دائما .
كلاهما يحبان بعضهما منذ زمن بعيد ولكن من أجل أن تولد النجم فيري مات توجب أن تموت العديد من الأشياء كان أولها هذا الحب , كان الأثنين يخسران طوال هذا الوقت لم يكن أحد منهم فائز والدليل علي هذا كلاهما لم يأبه بشئ ولا بأحد عندما جلسا سويا , فنسي الجميع لمدة خمس ساعات معا ..
ألا يكون الإنسان خاسرا وهو بعيد عن توأم روحه ....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي