الفصل الرابع

الفصل الرابع
سجين القلب


فُقدان الأب يعني فُقدان الحياة  ، فما معنى الحياة إن كانت بلى سند  .. وظهر  .. وأمان  .. وأحتواء وقت الحاجة  .. ودفئ وقت البرد  .. وظل حارس من مُقلبات الحياة  .. فتغدا الحياة كئودة لا يُمكن العيشُ بها وتغدا الروح يتيمة ضائعة ريشة تتقاذفُها أمواج الحياة فـ الأب نعمة ما بعدها نعمة. و كَم من وجوةٌ باسمة والقلوب باكية  ؟
وكَم من آرواحًا سعيدة وبداخلها جرحًا غائر لا يُمكن مداوته  ؟

آتتها الإجابة حينما آنكفأ برأسه مغيبًا عن نفسه  ، ويتبين لها الدماء التي آغروقت ظهره لتشهق في صدمة وهي تضع يدها على فمها.
بِجنون كانت تهزة وهي تولول في صراخ ويكاد قلبها بالتوقف  :
" يا سيد ما بك أجبني لو سمحت  ؟ ما الذي حصل لك .. انهض رجاءًا   "
كانت تشهق في هزع ورعدة قوية تسري بإوصالها  ،  توقفت عن هزه واستدارت مترجله من السيارة وفتحت الباب جهته وأخذت تهزه في بكاء مرة أخرى  ،  ثم استدارت راكضه كالمجنونة يمنى ويسر علّها تجد مَن يُساعدها  ،  مالت ممسكة بركبتيها في تعب وهي تبكِ بوجل ويأس ثُم عادة في هزه مرة آخرى  ،  دفعته على المقعد الآخر بمجهود عظيم ثُم جلست هي مكانه وأدارت عجلةُ القيادة وأنطلقت حيثُ منزلها  ،  أخذت تقود في سرعة فائقة وهي تبكِ بنشيج ونحيب ويدًا ترتعشًا وقلبًا يرتجف وروحًا تُرفرف خوفًا تنظر له من الحين للآخر بقلق بلغ ذروته حتى صفت السيارة أمام منزلها وترجلت سريعًا  ،  وفتحت الباب من جهته ومدت يدها تحاول جذبه لتنزيله فلم تنجح في زحزحته حتى  ، كابدت على تحريكه حتى يأست وبلحظة كانت تركض لمنزل جارتها وأخذت تقرع في هلع حتى فتح لها زوج المرأة في صدمة وتحدث بفزع  :
" مررااام خيرٌ يا أبنتي ما تلك الحالة، هل حدث لكِ شيئا ؟".
مرام ببحه و وهن من كثرة دموعها وهي تشير للسيارة بأعيُن حمراء  :
" أونكل محمد ساعدني أرجوك..  معي ظابط مُصاب في السيارة ".
محمد بهلع وهو يتجه ركضٍ إلى السيارة بخوف  :
"  خيرر يا رب سترك "
وتبعته مرام ثُم زوجته واستطاعا أخراجه بمساعدة بعضهما ثُم ولجوا به لمنزل مرام و وضعوه على الفراش في حذرٍ شديد على بطنه  ، واسرع محمد بجلب طبيب سريعًا  ، والذي كان أيضًا جارًا لهم  ، فَدقائق فقط وكان يحضر بحقيبة ما بيده وخرجت مرام وزوجة محمد للخارج وبقي محمد والطبيب  ،  جلست مرام بهمٍ على أقرب مقعد في شرود والدموع تتلألأ في عيناها  ، فاقت لشرودها على يدٍ تربت في حنو على منكبها وصوت جارتها تقول في هدوء  :
" كُل شيء سيكون على ما يرام يا حبيبتي أبشري واتركي ثقلك على الله  ، هيعوضك خير.، ولا تنسى ولا تجزعى واربطي على فؤادك بـ "إِنَمَّا يُوَفَّي الَصَّابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَاب" وأصبر لحكم ربك فأنك بأعيُننا  ، أطمئني يا أبنتي ربنا معكِ.
إفتر ثغرها عن بسمة خافته وربتَّ على يدها التي على منكبها بإمتنان ونظرت لها بنظرة مفعمه بالألم تتلألأ بالرضا وهزت رأسها أيجابًا وهي تهمس  :
" الحمد لله  ، الحمد لله  ، الحمد لله "
ما لبثت أن نهضت تزرع الطرقة ذهابًا وأيابًا بقلق يتفاقم  ،  حتى خرج الطبيب بملامح وهنه  ،  لِتهرع هي إليه متسائلة في هلع ولهفة  ،  فـ قالت  :
" أيها الطبيب كيف حاله الآن هل هو بخير "
رد عليها الطبيب في هدوءٍ  ،  وقال  :
" نعم الحمد لله ولكن هو في حاجة لراحة تامة فـ الرصاصه كانت سطحيةٌ في الكتف ولكن غدًا سيفوق وقد تذاد درجة حرارته لذلك من الازم لزوم احد بجانبه حتى يفيق،وسأكتب له علاجًا من الضروري أن تجلبوه في الحال وأن يتناوله في أنتظام "
أنهى جملته تزامنً وهو يدون شيء بالدفتر ثُم جذب الورقة مقدمها لها وهو يقول  :
" هذا هو العلاج   ..  السلام عليكم "
تناولت منه الورقة ثُم أخذها منها محمد وذهب لأحضار الدواء  ،  وما لبث أن عاد بحقيبةٌ يحوى العلاج ناولة لها  ،  و وصاها أن تنتبه لنفسها وأخذ زوجته ورحل.
هنا فقط أخذت تدور حول ذاتها بأعين ينهمر منهما الدمع بجرحًا غائر بـ سويداء الفؤاد وإذ بها  ،  يتراءى لها والدها بِكُل مكان  ،  أجل والدها.،  والدها الذى ترأه فتركض إليه لتضمه فلا تجده  وتتبخر صورته أمام عيناها ،  وتسمع صوته فتلبى النداء فيتضح إنه سرابٍ و ولى،  ضاقت بها الدنيا بِما رحبت لتنهار جاثية أرضٍ وهي تغط وجهها باكية  ،  فلم تدوم وكانت تنهض متؤضئة  ،  وبسطت مصلاها وشرعت لتصلي وتبث وتبوءُ للرحمن بِما يعتمل جعبتها  ،  من تراكمات الحياة وقسوتها وبِما في سريرتها لتطمئن.
سجدت سجدة طويلةٌ ثُم رفعت رأسها هادئة النفس مطمئنة السريرة مرتاحة البال  ،  وكيف لا وقد كانت تقابل الرحمن تُناجيه بقلب أضناه التعب  ،  فرغت من صلاتها ودلفت حيث الغرفة التي تحوي مُصعب  ،  تناهى لها هذيانه  ،  لتضيق عينيها قي قلق وهي تدنو منه،  وتحسَّت جبينه لتجد دراجة الحرارة عالية،  خرجت من الغرفة ركضًا  ولم تلبث أن عادة وبيدها قُماشة مبللة وضعتها فوق جبينه  ، وسحبت مقعد جالسه عليهِ بجانب الفراش  ،  ولم تشعر بذاتها إلا وقد غلبها النوم.
           

بِفيلا تبدو على أن سَكنيها أثرياء للغاية  ، كان يجلس بِكُل شموخ خلف مكتبة بغرفة المكتب  ؛ ويتحدث بنبرة لاذعه غاضبة للذي أمامه  ، وقال :
" ماذا تقول بحق الله كيف تفشل الخطة   ؟ مراااام ما زالت على قيد الحياة ؟ أنتم أغبياء لم يكن يجدر بيّ ان اعتمد عليكم "
تحدث أحدى الشباب وهو ناكس الرأس  :
" أعطينا فرصةٌ أخيرة يا باسا واعدك أن يصلك خبر موتها في القريب، كل ما يعيقنا هو المفوض مصعب فقط "
نهض من مقعده مقتربًا منه بخطوات غاضبة وأمسكه من مقدمة ملابسه وهدر بغضب هز الأبدان رعبًا  :
" إذا اضطر الأمر لأن تقتله هو الأخر فـ أفعل ولكن الفتاة ستموت باي طريقة كانت "
ثُم دفعه في قسوة للخلف وأولاه ظهره وهو يقول بفحيح  :
" لم اهملكم إلا يومين بالكثير وأن لم تنفذوا فلا تلوموا إلا أنفسكم "
أستدار له وهدر هائجًا  :
" أغربا عن وجهي ".
عاد جالسًا خلف مكتبه في شرودٍ بدا بتفكير  ،  علا رنين هاتفه منتشلاً أياه من دوامة التفكير التى أعترته لينظر بشاشة الهاتف ويتأفف في ضيق وردَّ بصوتاً هادئ  :
" الوو "
صمت قليلاً يستمع الطرف الآخر وهمهم  :
" كنتِ لدن مرام الآن .... لم تستطيعي مقابلتها لماذا ؟ "
صمت قليلاً يستمع إليها ثُم أكمل في خبث وقد خطر له أمرٍ ما  :
" يجب أن نلتقي لأمر ضروري "
أخذ منها مكان المقابلة وأغلق سريعًا ونهض مغادرًا لمقابلتها.

   

إِنقشعت الغشاوةُ مَن على عينيه  ،  وأخذ يفتح عينيه في تؤدة  ،  فما أن أعتاد الضوء  ،  نظر حوله في غرابة وبَهِتَ  ،  فـ هم أن يعتدل ولكنه تسمر موضعه وهو يكابد على تحمُل الألم ويجز على أسنانه  ،  وراحت عينيه تتأمل ذاك الملاك الذي يجاوره على المقعد  ،  تنام في سباتٍ عميق تُلقي برأسها على ظهرُ المقعد  ،  كانت حقًا قمرًا منيرًا بِهذا الخمار الذي جعلها تتلألأ كَقطعةُ قمر  على صفحات السماء  ينير سائر أرجاء الأرض  ، ؛ لقد بدأ حبها يتسلل إليه حتى صار يسرى بِمُهجته  ، ظل يتأملها لوقتٍ لا يدري مداه  ، فاق من شرودهُ على رنين هاتفه الذى صدح فجأة فـ أجفله  ، وجعلها هي تُحرك رأسها في يمنى ويسر بِأنزعاج  ، ليلعن المتصل بسره  ، هم أن يعتدل ليجلب الهاتف ولكنها منعته وهي تُردد في قلق  :
" حضرتك بخير   ؟ هل تشعر بأي ألم ؟."
أكتفى بهز رأسه وهو يعتدل بِجلسته وغمغم  :
" ما الذي حدث ؟ كيف جئتي بيّ إلى بيتك "
أنهى جملته وهو يلتفتُ لها  ، لتخبره بجدية ما حدث آنفًا وهي تنهض في أرتباك  :
" أنا من أتيتُ بك لحسن الحظ اني كنت أعرف كيف اقود السيارة وجلبت طبيب أخرج لك الرصاصة في يسر لأنها كانت سطحية فقط "
ضيق عينيه وهو يكظم غيظه وبغيرة واضحة تمتم  :
" وهل أتي الطبيب وأنتِ بمفردك ."
هزت رأسها في براءة ولم تدري سبب سؤاله  :
" لا  .. كانا معيّ أقاربي من الجيران لقد ساعداني لولاهما ما فعلتُ شيئا ".
عاد رنين هاتفه الذي نسى أمره تمامًا لتقول هي  ، وهي تتوجه لجلبه  :
"أبقى مكانك، سأأتيك به "
ألتقطته وناولته له في صمت وخرجت من الغرفة فورًا  في حين رد هو بِهدوء  :
" السلام عليكم  .."
ردت ورد بعجالة كإنها بِسباق  :
" وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته  ... هقفل وأفتح الوتس ضروري للغاية "
فـ رد قائلاً  :
" حسنًا "
ولكن قطع حديثه أغلاقها للهاتف فورًا فنظر به في بَهِت وأعين متسعة من الصدمة وردد في عدم تصديق ونظره لا يحيد عن شاشةُ الهاتف  :
" لقد أغلقت في وجهي "
ظل ساكنٍ هُنيهة قبل أن يفتح تطبيق الوتس آب  ،ليجد رسالة منها محواها  " أخبرني ما الذي حدث بالتحديد، هل الخطة تسير على ما يرام؟ "

فـ أرسل لها مطمئنًا اياها  :
" لا تشغلي بالك تسير على أفضل حال، لقد هاجمونا البارحة ولكن كله عدى بخير، تعالي نتقابل في مكتبي أنا أتي حالًا "

أغلق هاتفه وتنهد في تعب وأستقام بوقفته ونظره يتلهف شوقًا لرؤياها كأنه لم يرآها منذُ زمن  ، وهي التي لم تفارقه إلا مُنذ دقائق لا تُعد  ، بحث بعينيه عنها بتعجب وتناول مفاتيحه وسلاحه وسار متهاديًا للخارج وعينيه تدور بالأرجاء بحثًا عنها  ،   فما إن تراءت له حتى وقف مكانه يتأملها في هدوء وقد نسى هذهِ الحياة وما بها  ، كأن العالم خالي إلا منها  ، وراحت عينيه ترتوي من مرآها وتدبج صورتها على جُدران الفؤاد  ، وحناياه  ، إنبلجت بسمة ساطعة على ثغره وتمنى أن تكون له  ، له فقط كي يدسها بين جنبات روحه  ، أستدمعت عينيه ألمٍ وهو يفيق على صوتها من التسليم من صلاتها وتنبه لها ترفع كفيها تُناجي الرحمن   .
ثُم نهضت وهي تطوي سجادتها وألتفتت فرآته امامها بطالته وهيئته الرهيبة فدق قلبها في قلقٍ وتوتر وفركت أناملها في إرتباك تام بدا له جليًا غضت الطرف فوراً في حين تمتم هو بتوتر  :
" أنا  .. أنا  .. كُنت  سأخبرك أقصد سأشكرك على كُل ما فعلتيه لأجلي ليلة البارحة لن انسى لكِ ذلك، سأذهب الآن لكننا سنكن على تواصل حتى يُمسك الجاني"
أكتفت بإيماءة بسيطة دون النظر له ليبتسم هو مشرق المحيا ويستدير مغادرًا وهو يقول  :
" حادثيني أن حدث شيئًا ، السلام عليكم  "
رفعت رأسها وهي تُرد السلام ولكن لم تجده قد رحل فور أنهاء جملته.

جلست مرام تجول عينيها بِأنحاء المنزل بحنين يتدفق من شغاف فؤادها للأحباب الراحلون  ،  ثُم تذكرت صديقتها الوحيدة أو من تعتبرها أختها التي لم تُرزق بها  "سلمى"  فتبسمت مُشرقة المحيا ونهضت مُسرعة تجاه الهاتف  ،  وأجرت مكالمة هاتفية معها وطلبت منها المجييء  ،  وبالفعل لم يمض أكثرُ مِن نِصف ساعة وكان يُطرق الباب مُعلنًا عن قدومها  ، لتفتح لها مرام بسعادة تُغمرها وتعانقها ببهجة لا توصف وقد شعرت بالطمئنينة تتسرب بأوردتها  ، ثُم أنفجرت باكية بِما في جعبتها من أوجاع لا توصف  ، عسى هذهِ الغيمة الكئيبة تزول من فوقها  ، وتكف عن هطول الأوجاع على فؤادها الصغير  ، ضمتها سلمى في ألم لحالها ودلفت بها للداخل وهي تواسيها.، وحاولت التخفيف عنها.
فما إن أجلستها جاءت لها بكوبٍ من الماء وناولته لها في صمت وحسرة  ، فتجرعته مرام في صمت وكفكفت دموعها.
ثُم جلست سلمى إلى جانبها وهي تتسائل بلهفة  :
" مرام كيف خرجتي من السجن ما الذي تم جديد  ؟. "
صمتت مرام لبرهة ونظرت لها موضحه  :
" لأنه لا يوجد دليل يأكد بإني القاتلة  ،  والطب الشرعي أكد إنه أتقتل قبل دخولِ بِخمس دقايق  ،  كما أن كاميرات المراقبة أسفرت خروج حسن قبل دخولِ ".
أتسعت عينا سلمى في صدمة وفغر فاهها في عدم تصديق وهي تُردد وبصرها زائغ بدهش:
" أتعنين أن حسن هو القاتل ؟  "
مرام بتنهيدت ألم  :
" ليس كما تظنين فمل زال البحث مستمرًا، ولم ينتهوا من القضية بعد "
ثُم أغلقت عينيها بألم وهي تزفر بتعب وتابعت بوجيعة تقطع نياط فؤادها  :
" ما زالت لا أدرك ما الذي يخبئه ليّ القدر ثانيًا "
زاغ بصر سلمى إليها بتعب من تلك النبرة الموجعة وضمت كتفيها إليها بحنو وهي تتمتم  :
" مخبي لكِ كُل خير بإذن الله  ، هذه ليست مرام التي تثبت الجميع على التفاؤل وحسن الظن في الله، لم يكن غيرك يصبرني،والآن اقول لكِ كما كنتِ تقولين صبرٌ جميل والله المستعان" 
إبتسمت لها مرام بصفا وهي تبدالها العناق وقالت وقد إنهمرت دموعها:
" لم يعد ليّ في الحياة إلا أنتِ يا سلمى، من كان ليّ قد ذهب وأصبحتُ وحيدة دون حياة وأمل "
ضمت سلمى رأسها لحضنها وهي تربت على ظهرها وقالت بنبرة متحشرجة بالبكاء بألم  :
" أبكي يا مرام  ..  أبكي يا حبيبتي هونِ عن قلبك ما به "
بكاء  ،،  يليه شهقات عالية  ،  ثُم صرخة مدوية  ،  صرخة هزت جدران المنزل أجمعه  ،  وهزت الأرض هزًا ثُم أخذت تبوءُ بما في جعبتها وتتحدث كالمجنونة  ، واستولى الحزن والوجع فؤادها وروحها ولم تنتبه للتوتر الذى علا وجه سلمى في خوفٍ وحزن.


هبط الدرج بخطوات هادئة متزنة ثُم إقترب من المائدة وقبل رأس زوجته في حنو وهو يهمس ببسمة بسيطة ما كادت تظهر حتى تلاشت  :
" صباح الخير يا حبيبتي "
نظرت له في عشق وبسمة تتلألأ على ثغرها وقالت وهي مشرقة المحيا   :
" صباح النور يا روح حبيتك "
غمز لها بعبث  ..  ثُم نظر لأبناءه الصغار وتمتم  :
" صباح الخير يا حلوين   "
رد إبنه البكر ببرود  :
" الحمدُ لله  "
ضيق حسن عينيه وهم بتحريك شفتيه لتعنيفه على رد إبنه المقتضب ولكن لجمه جملة طفله الأصغر  الذي قال في شجى  :
" جدو أوحشني يا أبي ..  اريد ان أراه، كيف لن اراه مجددًا ؟ "
أنهى جملته مُجهشًا في البكاء ليربت حسن على منكبه بدموعٍ ترقرقت في عينيه وهو يتنهد بتعب وقال ببحه تحمل من الحزن ما يكفى ليوزع على العالم ويفيض  :
" يا حبيبي جدو حاليًا عند ربنا ادعي له لأن دعواتك سكن له "
حمله على قدمه وأخذ يعبث بخصلاته وهو يتابع بألم  :
" جدو يحتاج منك دعوات جمة لكن لا تبكي ولاأشتاق وحن وما رأيح بأن نزوره غدًا "
أنهى جملته وهو يميل ناظرًا بتمعن لوجه طفله الذي برقت أساريره في سعادة وصفق بكفيه  :
" بجد يا أبي "
قبل حسن وجنته في تأكيد  :
" بجد يا قلب أبيك "
ربتت "هنية"  على ذراع "حسن"  في بسمة ليبادلها البسمة بإمتنان على وقوفها بجانبه عز حزنه على فقد أبيه كمال الشامي.
تناولا طعامهم في صمت عم الأرجاء وحسن يطع طفله الصغير في سرور وبسمة خفيفة مخبوء وراءها حُزنًا عميق ملأ فؤاده.
فما إِن فرغا من طعامهما نهض حسن وهو يمسك بكف صغيرة ويتمتم في بسمة هادئة بسيطة  :
" هيا لأوصلكم المدرسة لأذهب إلى عملي "
صفق الصغير في غبتة أعترته وتمسك بِكف والده في محبة وهو يستعجلة  ، في حين تناول حسن حقيبته الصغيرة وأتجه نحو الباب وفتحه ليجد مُصعب أمامه ويده مرتفعة اوحت له بأنه كان يهم لدق الباب فضيق عينيه في تعجب وقال بهدوء وعينه تدور بالعساكر  :
" أستاذ مُصعب  ؟!!!"
ثُم فتح الباب وتنحى جانبًا وهو يقول في بسمة  :
" تفضل  .. ولكن ما سبب هذه الزيارة هل من مستجدات؟ "
تنهد مُصعب بتعب وخطى للداخل وهو يقول  :
" ستعلم يا استاذ حسن "
أقبل حسن واقفًا أمامه وهو يقول  :
" لقد علمت بتبراءة مرام وانا على يقين انها بريئة "
مُصعب برفع حاجب  :
" مُتأكد لماذا؟ هذا شيءٌ غريب "
أبتسم حسن وهو يقول في بساطة  :
" أبدًا لكن مرام لها فترة كبيرة في العمل معنا تحب ابي وأبي يعتبرها ابنته الثانية كما ان والدها صديق أبي المقرب وان كان في نيتها شيءٌ لفعلتها "
أومأ مُصعب برأسه بإبهام  :
" هي بالفعل بريئة  "
هم حسن بالحديث فقاطعه الصغير وهو يجذبه من ملابسه  :
" يا أبي هيا بنا تأخرنا "
ربت حسن على خصلات صغيرة وهو ينظر لِمُصعب  :
" إذًا وهل علمتم القاتل   ؟".
مُصعب بِأجش  :
" هذا ما سنعرفه حين ان تأتي معنا يا سيد حسن، لماذا قتلت والدك ؟ هذا ما سنعرفه فما تسمى خروجك قبل خروج مرام بدقائق قلائل ؟ فما الدافع الذي دفعك لقتله حضرتك مطلوب القبض عليك "
ثُم علا صوته قائلاً وهو يرمق حسن المُتصنم ببهت شديد لا يصدق ما يسمع  :
" ستشرفنا للأسف سيد مصعب، يا عسكري   "
أنهى كلمته وهو يستدير خارج المنزل في ذات وقت  دخول العساكر وصراخ هنية وبكاء الأطفال الذين يتشبثون بـِوالدهم كلا يأخذوه.

أنقضت ساعات في الأستجواب حتى زُج حسن بالحجز وما زالت القضية تأخذ مجراها.




"والشوق لرؤياكِ جعلني أرى طيفكِ بِكُل الوجوه يا سيدتِ القلبِ."

تنهد مُصعب في تعب مما بذل من مجهود شاق طيلةُ اليوم  ، وأسند رأسه للخلف وهجمت عليه لحظاتهُ مع مرام ليبتسم وقد زال كُل ألمه كأنه لم يكن قط  .. وأستكانت ملامحه براحةً وسرور  ، لقد أشتاق لها يراها بأي مكان يذهبُ إليه  ، بكل الوجوه هي فقط من يرآها  ، لقد تخللت شغاف فؤاده واستقرت بداخله لا يدري متى وكيف ولكن هُناك شيء يخبره أنها منه وله وأنه مسئول عنها..
زفر بكئودة وهو يحادث نفسه  "ماذا فعلتي بي يا مرام كي تستولي ذهني وقلبي وروحي هكذا  ، وماذا ستفعلين  ،  لقد وهبتي لقلبي الحياة بنقاء روحك وطيبة قلبك وصفاءك  ، لقد أنرتي ظلمتي الكاحله وبتِ أنتِ فقط سراجي المنير بين ثنايا قلبي المظلمة"
صدح رنين هاتفه منتشلاً آياه من صراع نفسه  ،
نظر لشاشة هاتفه ببسمةً رائعه أشرقت على ثغره ورد بلهفه  :
" حبيبة قلبي كيف حالك "
رد الطرف الآخر  :
" الحمد لله  .. لماذا لا تسأل ؟  ؟"
أنب مُصعب ذاته ورد ببسمة  :
" لا تزعلي يا حبيبة قلبي، هل عدتي من الكلية "
ظلا يتحدثا لبعض الوقت حتى أغلق معها وصمت هنيهة قبل أن تدمع عينيه بألم   ، يجب أن يوقف تلك الزرعة من قلبه يجب أن يقطعها قبل أن تنمو ويسير تحت وطأة العشق رهينة  ولكن كيف له أن يسُد موجات العشق قبل الوقوع بها  ؟ وكيف يداوى جروح روحه الدامية  ؟ وكيف له أن يداوي تقرحات قلبه التي أصابته  ؟
لقد ارتقى حبها بقلبه وسما وأنبتت زهرة الحب لأول مرة.
حرك مُصعب يده على وجهه في تعب وهو يقول  :
"انتبه لعملك يا مصعب"


غادرة سلمى من عند مرام بأخر اليوم كليلة  ،  لم تستطع الذهاب لمنزلها تشعر بأنها محطمة كليًا تود البكاء فقط علها ترتاح قليلاً ويهدأ فؤادها الهائج  ،  لذلك ذهبت إلى الشاطئ و وقفت هنيهة فقط وكانت تنفجر باكية وهي تصرخ في تعب وتجثى أرضً على ركبتيها  ،  لا تدري كم مر من الوقت وهي بهذه الحالة فقط اخرجت هاتفها من الحقيبة وأجرت أتصال فأتاها الرد ولم تنطق سوا بكلمة واحده  :
" لقد أخذت القرار وسأخبر أبي بكل شيء "

ثُم اغلقت الهاتف قبل أن تسمع كلمة أخرى.
ونهضت وهي تنظر بشرود وتفكير للبحر وموجاته أمامها  ،  أن هذه الموجات تشبه موجات الحياة تمامًا بتقلباتها فقد تكون بسعادة الآن ثم بلحظة تُسلب منك وتداهمك بالأحزان والأوجاع فتنسى ما هي السعادة  ،  لفح الهواء وجهها كي يفيقها من دوامتها لتتنهد براحة لقرارها التي أتخذته توًا وكفكفت دموعها وسارت تتهادى نحو سيارة أجرى أوقفتها وذهبت إلى بيتها  ،  فما أن وصلت لوجهتها حتى ترجلت من السيارة بعدما حاسبة السائق وهمت بالدخول للبناية لتتفاجأ بأحد يُكمم فمها بيده ويجذبها عنوة داخل السيارة وهو يحملها من على الأرض وينطلق في لحظه كأنه يُسابق الريح  ،  حاولت نزع يده من على فمها وهي تتلوى بين يديه ليأتيها صوتًا اجش قائلاً   :
" سأرفع يدك وأياكِ ان تفعلي شيء "
اؤمات سريعًا ما أن علمت من يكون  ،  ليرفع يده ويتحاشى النظر لها لُتصيح هي بسخط  :
" أنت مجنون يا هذا كيف تأخذني بتلك الطريقة ، ماذا سيقلون ان رأك أحد ؟ "
كظم غيظه وما يكمن بداخله وهو يميل بجانب أذنيها هامسًا في فحيح أرعبها  :
" لا اريد ان اسمع لكِ صوت الآن وألا اقسم بأني سأأخذ روحك وأنتِ تعلمين بأني أفعلها دون تردد"
اذردت ريقها في رهبة وهي تنظر له في خوف ليبتسم هو برضا وهمس مرة أخرى  :
" أين كنتِ   "
أنهى جملته تزامناً مع اصطفاف السيارة جانبًا ليستطرد قائلاً وهو يترجل من السيارة  :
" ترجلي "
ترجلت بتوجس وصعدت معه لأحدى الشقق ليضمها إليه بشدة ما ان اغلق الباب وقال بصوتًا رخيمٌ  :
" لماذا تفعلين كل هذا ، لما تجبريني على اخافتك وانا أحبك، ألم أقل لكِ ان تصبري وتمهليني بعض الوقت "
هوت دموع سلمى بقهر وهي تتمتم  :
" اخشى ان يعلم أحد سيقتلوني ان علموا "
قاطعها وهو يضم وجهها بين راحتيه  :
" لا يستطيع احد أن يصيبك بأذى "
ضمها بقوة إليه مرةً أخرى وهو يبتسم في غموض وتفكير وسولت له نفسه بِما سيفعله للتخلص منها  ،  سار بها وهي بحضنه لأحدى الأرائك وجلسا فما أن هدأت حتى ظلا يتحدثا....


فلما كانت في جوف الليل الأخير إستيقظت على صوتُ المنبه العالي الذي وضعته بجانبها ليُقظها حتى لا يفوتها السحور لصيام الإثنين  ،  نهضت وهي تتثاءب وتتنهد بألم بعدما تذكرت والدها لقد كانت في مثل هذا الوقت هو مَن يُقظها ليتسحرا سويًا  ،  أغروقت عينيها بالدموع عيناها التي تقرحت أجفانهما من كثرة حُزنها  ،  شعرت بالشبع وكيف يأتيها جوع ومن كان يؤنسها قد ذهب بلا عودة  ،  فتوضأت وهرعت لبارِئها وأخذت تبث له له ما يعتريها من ألمٍ فما إن فرغت من صلاتها حتى أقبلت تُرتل القرآن ترتيلاً بصوتاً شجي مُطرب للأذان  ، وإذ بها غارقه في تلاُوتها ودموعها التي تهوى دون شعورٍ منها  ، تناهى لها حركة غير أعتيادية سرت الرعب بمهجتها وأوصالها  ، وأرتجف له قلبها وأرتعش بدنها  ،فـ نهضت بتوجس وعيناها غائرة بالدمع وضمت المصحف لقلبها  ، وتحركت قدميها في بطئ للخارج مُضطربه  ، طلت من خلف الباب وهي تُنظر حولها في هلع  ، فلم تجد أحد لذا تحركت بتسلل على أصابعِ قدميها نحو الدرج فما إن همت بالنزول حتى تيبست قدميها في صدمة وهي تضع يدها على فمها تكتم شهقاتها وانهمرت الدموع من عينيها  ، تراءى لها شاب فاره الطول عريضُ المنكبين مُخيف الهيئة يرتدي بنطال اسود وتيشرت أسود ولا يظهر سوء عينيه يدلف من النافذة دون صوتٍ او حركة بترقبٌ وحذر  ، فـ ألتفتت عائدة لغرفتها وأغلقت الباب جيدًا بالمفتاح  ، ونظرت حولها بـ قلب يدق
بهلعٍ ورهبة ضمت بذراعيها نفسها تود لو تطمئن وما زال المصحف بين يديها وروحها تناجى رب العالمين بأن يُنقذها  ، صرخة برجفة حينما أتاها صوت أقدامٍ تقترب من غرفتها  ،  وإذ ببصرها يقع على الهاتف فأسرعت إليه وعلى عجل اجرة مكالمة على مُصعب  ،  الرنه الاولى لا رد فـ أعادة الأتصال الذي لم يدم وأتاها صوته قائلاً بتوتر  :
" السلام عليكم  ..  مرام هل يوجد شيء لترني في مثل هذا الوقت ؟ "
لم يكمل جملته بسبب صُراخها الذي أهتز لها روحه ورج قلبه رجًا وشطر نفسه  .......

يتبع




ــــــــــــــــــــــــــــــ

#سجين_قلب
#ندى_ممدوح
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي