الفصل الثاني

سلكت الطريق مسرعة , عليا اللحاق بهما قبل أن

يغلقوا الباب ويتركوهما في الشارع .. آه ياله من يوم

" أرجوان انتظري "

التفتت للخلف حيث الراكضة نحوي بسرعة وقلت

" عليا الذهاب لإحضار الطفلين سأتأخر عنهما "

وصلت عندي تلهث قائلة " اتصلت بي ماجدة الآن وقالت

أن الحافلة أقلت الأطفال لأن العطل تم إصلاحه "

وقفت أتلقف أنفاسي مثلها فقالت " يالها من مسئولية التي

تحملينها عليك أن تتزوجي هذا الوضع صعب عليك وحدك "

قلت ونحن نتابع سيرنا " من سيتزوج بفتاة معها إخوتها

الثلاثة الصغار وقد سافر بها العمر "

قالت بضيق " آه بربك أرجوان كلها أربع وعشرون عاما

كيف سافر بك العمر ثم أنتي من كنتِ ترفضين الزواج لأجلهم

وكل ما أخشاه أن تبقي يوما وحيدة وتندمي على عمرك هذا "

سلكنا الطريق وقلت بأسى " كم أخشى من اليوم الذي

يكبرون فيه ويتزوجوا وأفقدهم "

ضحكت وقالت " أرجوان يالا أفكارك , أمجد أكبرهم في

الثامنة كم من السنين تحتاجين ليحدث ذلك "

تنهدت وقلت " لا شيء أسرع من ركض السنين "

وقفتْ وشهقتْ ثم قالت بدهشة " غبية ... الآن انتبهت

لكلامك ما قصدك أن يتزوجوا وتبقي وحيدة "

وصلت عند باب المنزل وقفت أمامه وقلت

" أعني لن أغير رأيي أخوتي هم أبنائي وزوجي وكل حياتي "

هزت رأسها بيأس وتابعت طريقها وتركتني

وضعت المفتاح في الباب فسمعت صوتها خلفي فقلت بفزع

" سوسن يا حمقاء أفزعتني ألم تغادري الآن "

ضحكت وقالت " نسيت أمرا كنت سأخبرك عنه "

نظرت لها بحيرة فقالت " هناك رجل سأل عنك اليوم "

نظرت لها باستفهام وقلت " رجل سأل عني أنا !! "

ضربتني على كتفي وقالت " لا عني أنا "

ثم نفخت بشفتيها قائلة " أوووف لو رأيته يا

أرجوان له شخصية مدمرة من أين تعرفين هذا

الصنف الهجين من الرجال "

قلت باستغراب " من يكون ؟! "

قالت مغادرة " لا أعلم قال سيعود في الغد

كان سيدركك لولا خروجك راكضة من أجل أخوتك "

تجاهلت كل ما قالت ودخلت المنزل وما أن فتحت الباب

حتى شهقت بصدمة وقلت " بيسان ما هذا في يدك "

نزلت بجسدها تحييني ثم قالت

" مرحبا بالإمبراطورة أرجوان "

ثم دارت حول نفسها وقالت " انظري ماما ما

رأيك بما أحضر أمجد "

اقتربت منها أخذته من يدها وقلت " من أين

أحضره ومن أعطاه إياه "

قالت بعبوس " إمبراطورا كيف تتكلمين هكذا هل

نسيتي أنك سيدة المكان , ماذا سيقول عنك الخدم "

ابتسمت رغما عني , يالا هذه الطفلة الحالمة هذا هوا

عالمها الذي يستحيل أن يخرجها أحد منه أعانني الله

عليها , نظرت حولي وقلت " أين هي ترف وشقيقك "

رفعت فستانها الطويل وقالت وهي تدور حولي

" كونتيسة ترف تستحم ولم تخرج

دوق أمجد مختبئ عنك كي لا يستحم "

قلت مبتسما وأنا أتبعها بعيناي " والأميرة

بيسان هل استحمت "

حضنتني وقالت " نعم ماما شمي رائحتي "

لمست شعرها وقلت " ولم تغسلي شعرك "

ابتعدت عني وقالت " نعم "

وقفت وقلت " حسننا هيا اذهبي لغرفة الطعام سأصعد

لهاذين الشقيين وأعود إليك فيبدوا أنا وأنتي فقط

سنتناول الطعام معا "

ركضت مرحة وصعدت أنا السلالم , إخوتي أصبحوا

كل عالمي منذ ذاك اليوم الذي جاءتني فيه تلك السيدة

وأحضرتهم لي وهي تصارع المرض لتخبرني أنهم أبنائها

من والدي مع أوراق تثبت ذلك ورسالة منه لي كتبها قبل

وفاته وكانت حينها ترف أصغرهم عمرها لم تتعدى

الشهور , بيسان عامان وأمجد ثلاث سنوات فقط

خمس أعوام مرت منذ ذاك اليوم الذي وجدت فيه نفسي

مسئولة عن ثلاث أطفال وعمري لم يتجاوز التاسعة عشرة

تركت دراستي وعملت لأوفر لهم سبيلا للعيش بعد وفاة

والدي معيلي الوحيد وأهلي وكل من لي في الحياة

رغم أنه كان مسافرا للخارج لكنه كان يعيلني ويرسل لي

النقود من مكانه لتأتيني المفاجئة منه من هناك زوجة وأبناء

تركتهم في عهدتي , وصلت الغرفة ودخلت الحمام وكما

توقعت المياه تملأ المكان والآنسة ترف تلعب في حوض

الاستحمام, وقفت واضعة يداي وسط جسدي وقلت

" كم مرة نبهتك وكلما تأخرت كررتِ نفس الخطأ "

خرجت من الحوض راكضة نحوي وحضنت ساقاي

بمياهها فلم أستطع سوى الابتسامة لهذه العينان البريئتان

رفعتها من ذراعيها وخرجت بها لففتها في المنشفة وقلت

" أمامك عشر دقائق ترتدي ثيابك وتنزلي للأسفل

لتتناولي غدائك وتنامي بعدها هيا بسرعة "

غادرت من عندها وخرجت لغرفة أمجد دخلت ولم أجد

أحدا , أعرف جيدا أين سيكون وقفت عند الخزانة

وطرقت بابها قائلة " تخرج أو أخرجك بنفسي "

خرج صوته من الداخل يردده صدى الخزانة

" استحممت ماما لا تحمميني مجددا "

ابتسمت وقلت " أخرج لنرى "

فتح الباب وخرج منها وفتح ذراعيه وقال

" هه شمي رائحتي فراولة "

ابتسمت وحضنته قائلة " رائع كبرت يا رجل هيا

لتناول الغداء لتنام ثم نرى دروسك اليوم "

نزلت وهوا خلفي يحكي ما حدث معه اليوم

مفصلا دون توقف حتى وصلنا طاولة الطعام

*

*
وصلت القصر سريعا ودخلت لأجد الجالسة على كرسيها

الوثير تصدر أخشابه صريرا وهي تتحرك به للأمام والخلف

بنظراتها الباردة التي لم نعرف غيرها في حياتنا بشفاه لم

تبتسم يوما وشخصية صلبة ربت جيلا من الصلابة

والقسوة , وصلت عندها قبلت يدها وجلست بجانبها

فقالت من فورها " لم أرك أحضرتهم "

نظرت للأرض وقلت بجدية " ذهبت ولم أجدها "

قالت بذات صلابتها وبرودها " هل يلزمك مشاورتها على

ذلك , لن تكون ابني الذي ربيته وأنت تراعي مشاعر النساء "

رفعت رأسي ومررت أبهامي على جبيني محاولا تبديد إرهاقي

وقلت بهدوء " أنا لا أراعي مشاعرها وأنتي تعرفيني جيدا

لكن لكل شيء أصوله فعليها أن تعرف أولا "

قالت بسخرية " لا أعرف كيف تكون جابر الذي يخافه

أعتا المجرمين وتلعب بك النساء بسهولة "

وقفت وقلت " أمي هل سنعود دائما لذات السيرة "

وقفت وقالت مغادرة " إن لم تحضرهم معك المرة

القادمة لن تكون أقل من ذلك "

تأففت وفتحت ربطة العنق لأتنفس بأريحية ورفعت هاتفي

وأنا أصعد السلالم وقلت " جهزوه للتحقيق معه مجددا

أقل من ساعة وسأعود إليكم "

قال " لكن سيدي... "

وصلت الغرفة دخلتها وقلت صارخا

" من دون لكن ما قلته تفعله , دقائق وسأغادر من هنا

عائدا له وأخبر الفريق ليقوموا بزيارة موقع المصنع حالا

للتحقيق في الأمر عمار وقيس ويختارا واحدا فقط معهما

البقية لقسم التحقيق حالا أجدهم هناك عند وصولي مفهوم "

قال من فوره " مفهوم "

أغلقت الهاتف ورميته على السرير ورميت السترة وربطة

العنق وغادرت الغرفة والجناح للغرفة منها طرقت الباب

عدة طرقات ولم يجب فضربته بقبضة يدي بقوة وقلت

" معتصم تفتح الباب أو كسرته تفهم "

لم يأتي الرد أيضا فقلت صارخا بغضب " حركات الفتيات

هذه أضنك أكبر منها فدعنا نتحدث بلين أفضل لك "

فتح الباب ودخل يردد بغضب " لا أحد منكم له سلطة

علي حتى متى سأعيش على هواكم قلت لن أدخل ذاك

القسم يعني لن أدخل ولن أترك تلك الشلة ولا تلك

المزرعة , حياتي وأنا حر فيها "

أدرته ناحيتي وأمسكته من قميصه وقلت بحدة

" تحترمني أولا أنا أكبر منك وما قالته أمي تنفذه

فلم تفني عمرها في تربيتنا لنخالفها "

أبعد يدي وقال بسخرية " يكفيها أنت وشقيقتك

صنعت منكما ما تريد أنا لا يتحكم أحد بي "

قلت صارخا بغضب " لم أقطع كل هذه المسافة

لأسمع منك اسطوانتك المعتادة هذه "

قال بغضب " وأنا لم أفتح لك الباب لتسمعني موشحك ذاته

والدتي ووالدتي وربتنا , على ماذا ربتكم يا رجل لم تخطئ

حسناء يوم هربت بأبنائها من جبروتكم ولا فؤاد الذي

رمى ابنتكم وفر بجلده هاربا من كل البلاد , بالله

عليكم عائلة أنتم أم وحوش "

تنفست بقوة وقلت من بين أسناني " معتصم ضع عقلك في

رأسك لا أريد أن أفقد أعصابي وأنت تعرفني جيدا "

قال بصراخ " لن يخيفني تهديدك لي لا يا ابن والدتك "

أمسكته بقوة أكبر وقلت من بين أسناني " ابنها مثلك يا صعـ.... "

قطعت كلمتي فأبعد يدي وقال بحدة " نعم قلها صعلوك لأني

اخترت أن أدرس ما أريد وأرافق من أريد وأعيش حيث

أريد نعم هكذا هم الصعاليك أما الجبابرة مثلكم هم الفخر والمجد "

ثم قال مغادرا الغرفة " ستروا من اليوم وصاعدا ما سيصنع

الصعلوك ولم تروه بعد لأنه سيظهر الآن "

*

*

" بتول تعالي وأمسكي شقيقك عني "

قلت بصوت رقيق متذمر " لا أريد تعبت

تعبت من أبناءك أف "

قالت بغضب " لا تنفعين لشيء سوى التذمر ولكن

الذنب ذنب والدك الذي دللك "

رميت الهاتف من يدي وقلت بضيق " مدللة وسيئة

ولا تنفع لشيء , أبنائك كسروا لي ظهري ولا

أعجبك لم نعد نريد أبناء يكفي "

قالت بقلة صبر " تعالي وخذيه بعيدا أفضل لك ولي يا بتول "

تأففت واقتربت منه وقلت " مقزز أنظري إليه كم مرة

أخبرتك أني لا أحب الأطفال المصابين بالزكام "

عطس حينها ليخرج مخاط أنفه فقلت بقرف

" يع امسحيها بسرعة يا أمي "

نظرت للسقف وقالت " أعانني الله عليك بل أعان

من سيتزوجك على أطباعك من يراك لا يصدق

أنك ابنة السادسة عشرة "

قلت بصوت باكي دون دموع

" أمي لما تحبين إهانتي ؟ لما والدي ليس مثلك "

نظرت لي وقالت بحدة " لأنه لا يعاني من تدليله لك

غادري الآن لقصر عمك واجلبي أوراق والدك

من جابر بسرعة قبل أن يغادر "

ضربت بقدمي الأرض وقلت

" لا أريد سأجد ابنهم طويل اللسان ذاك لن أذهب أبدا "

قالت بضيق " لا نفع من هذه الفتاة ستصيبني بالجنون

لما تهربين منه دائما أخبريني "

قلت بغضب " أكرهه أمي لا أريد الذهاب "

قالت ببرود " إذا تعالي وامسكي شقيقك وامسحي أنف

مصعب وستصل حافلة عمر قريبا لتأخذه للمدرسة

فغيري له ملابسه وجهزي له فطوره "

قلت بتذمر مغادرة " تعرفين كيف تجبرينني على الذهاب

إن وجدته هناك فلن أذهب لهم ثانيتا ما حييت "

خرجت من باب المنزل الخارجي أتأفف بتذمر

وأعدل وشاحي ودخلت باب قصرهم وكل مناي أن لا

أجد الكارثة المسماة معتصم هنا ويا لا حظي السعيد

كان يقف في الحديقة مستندا على سيارته ويتحدث في

الهاتف بغضب ويبدوا مستاءً , حمدا لله لن يجد مزاجا

ليسخر مني , تخطيته مسرعة على إنهائه للمكالمة

فوصلني صوته قائلا " هيه انتظري "

نظرت له بكبرياء وتجاهلته وتابعت سيري فقال

" هيه نخلة انتظري قلت لك "

وقفت والتفتت له وقلت باستياء

" نخلة أنت وأمثالك وأشباهك يا متعجرف "

ابتعد عن سيارته وقال " حسننا لا تغضبي

فسيلة النخلة أفضل "

ارتفعت الدماء في رأسي لو هناك من سيجعلني

أكره اسمي فسيكون هذا المتعجرف , لا بارك الله في

اليوم الذي سموني فيه بتول , قلت بحنق

" اسمي بتول وليس نخلة تفهم "

وضع يديه في جيوبه وقال ببرود " كلاهما اسمك "

أخرجت له لساني وغادرت وتركته فأوقفني صوته

قائلا " هيه فسيلة "

تأففت والتفتت له وقلت باستياء مفعم بالغنج

" سترى إن لم أخبر والدي "

قال مقلدا لي وراميا بيده في الهواء " سترى إن لم أخبر والدي "

امتلأت عيناي بالدموع وقلت " سترى يا معتصم "

ضحك وقال " حسننا لا تبكي يا قطعة العلكة الممضوغة "

قلت وأنا أغادر من أمامه ودموعي عبرت خداي

" أقسم أن أشتكيك لوالدي وسترى "

وصلني صوته صارخا " علكة وبالفراولة أيضا "

ثم غادر ضاحكا ودخلت أنا القصر ككل مرة

كارهة لنفسي بسببه
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي