الفصل الثامن 8
لم أرى قط شبيها لهذه الأعين المتعطشه للدماء ، أعلم ان هناك بعض المخابيل الذين يغيرون لون
أعينهم لكن هذه تبدو حقيقيه لدرجه كبيره .........
الألم ينتشر في جسدي و أنا احاول الدفاع عن نفسي و السيطره على هذه اليد التي تحاول طعني
بقلم الألوان .
صرخت في ماري لتنجدني من بين يدي هذا الشيطان ، لكنها ظلت واقفه بمكانها تنظر إلي بتألم و هي
تطبق على يدها اليسرى التي ارتعشت بقوه و تشنجت بعصبيه ...........
لم ادري مالذي افعله في هذا الموقف بالضبط ، لكنني لاحظت شيئا في عيني هذا الكائن ، عينيه
بدت مثل أعين من يتعاطى بعض المخدرات او المسكنات الدماغيه ، ربما ليس بوعيه بالفعل ولا يدري
من انا بالضبط ، مما يعني انه لا يهاجمني انا لشخصي بل يهجم بعشوائيه .........
امسكت بكلا معصميه و استجمعت قوتي ، ثم ركلته بقوه بركبتي من الخلف و في ذات اللحظه ازحته
بعيدا عني ليرتمي ارضا بينما يحدق في الفراغ و يطعن الهواء بإصبع الألوان بيده .
هممت بالنهوض لكنني تيبست مكاني حينما اقتربت مني ماري فجأة و مدت يدها اليسرى صوب
وجهي لتتحسسه بيد مرتعشه إلى ان هبطت بيدها إلى رقبتي و أطبقت عليها برفق و زادت حدة إرتجافها و هي تطبع هذه الابتسامه الزائفه على و جهها و تتسائل : أنت بخير ؟
استجمعت اعصابي و أمسكت بيدها المرتعشه و أستندت عليها في النهوض و انا اقول : أهذا الطبيعي
هنا ؟
كاري بعدم تركيز: إنفعال ليو ؟
يوسف: نعم .
ماري: لا ، لكنه منتشي أكثر من اللازم كما يبدو .
ظللت احملق في هذا الجسد الهائج الذي يضرب الفراغ بجل طاقته ، إلى ان توقف أخيرا و بدأ في
التقاط انفاسه بصعوبه كأنه كان غارقا في الاعماق ، و بعد ان جمع شتاته ظل يتفرس المكان حوله إلى
ان وقع نظره علي انا و هذه الفتاة الشقراء التي مدت يدها نحوه بمظروف صغير الحجم ، التقط منها
المظروف و هم عائدا إلى الحمام مره أخرى .
يوسف: مخدرات ؟
ماري مصححة: مروفين ، يجب ان تستنشق بعضه لتهدء من ضغوطك قليلا .
رمقت يدها المرتعشه بنظره متفحصه فأبتسمت و هي تقول : يجب ان اتناول البعض انا ايضا .
ثم دلفت إلى احد الحمامات السبعه .
تفحصت ذاتي في مرءاة الحمام الذي بدلت ملابسي به من قبل ، فلم اجد سوى جروح طفيفه و بعض
الخدوش فقط ، فقد كان مجرد قلم ألوان على أي حال ، لكنني صرت معتادا على ان تخترق الاشياء
جسدي هذه الأيام فلم اجزع حينما رأيت هذه الجروح .
أعدت إرتداء ملابسي و انا استمع إلى ألحان استنشاق المروفين كما يفعل أغلب المدمنون ، جذبت
مقبض الباب ليرتفع صوت استنشاق المروفين أكثر ، ثم تهم ماري في الخروج و هي تقول مازحه :
تأخرت عليك ؟
ابتسمت و انا اقول : لا ، فقد كنت استمع إلى ألحان أنفك و هي تلتهم المروفين في الداخل .
اطلقت العنان لضحكاتها بإفراط ، ثم مدت إلى بمظروف أخر من يدها ، لأتسائل ببله : ما هذا ؟!
ماري ضاحكه : فلتشاركنا العزف بأنفك .
ابتسمت و انا اقول : أشكرك فعوادم السيارات تكفيني .
ماري بذهول : ألم تستنشق المروفين من قبل ؟!
يوسف: حسنا لم يصبني الشرف لكن إذا ظللت هنا سأتعاطاه بالتأكيد .
ماري: صدقني انت لم تعش حياتك بعد ، فلتجربه .
يوسف: قريبا ، الان انت في العشرين من عمرك أليس كذلك ؟
ماري: نهايتها .
يوسف: حسنا مالذي ألقاكي في هذا المكان ؟
ماري: يمنع علينا التحدث في هذه الاشياء خارج الحلقه لكن سأخبرك ، انا مسكونه .
يوسف مشدوهاً: ماذا ؟!
رددت ماري :مسكونه .
يوسف: كيف ؟
ماري: بي كائن شيطاني يسيطر على نصفي الأيسر .
يوسف: اممم كائن شيطاني يسيطر على نصفك الايسر ؟
ماري: بالضبط .
ابتسمت بسخريه و انا اقول : لم يقوى الشيطان على مصاريف جسدك بالكامل فاستأجر نصفه أليس
كذلك ؟
ضحكت بقوه بسبب الانتشاء الذي سيطر عليها و قالت : انت ايها المغفل ، فلتعطني كتفك لاستند عليه
و انا اتوجه إلى هؤلاء المجانين لاقص عليهم حكايتي ........
حاولت الهرب منها لكنها تشبثت بكتفي و هي تتابع : ليو ايها الوغد ، انه موعد تجمع الملاعين فلا
تفوته .
لوهله فكرت ان استنجد ب ليو ليرحمني منها ، لكن عندما فكرت في الامر بترو ، ابعدت الفكره عن
رأسي و بصقت عليها .
(( لماذا يبتعد الجميع عني ، لما انا هنا بالضبط ، انا لست مخطأه اقسم لك ))
توقفت عن المقاومه و رمقت دمعاتها المختلطه بملامح الأسى و الكئابه ، حسنا هذه الملامح ليست
بغريبة عني ، لكنها ليست مريم لأهتم بأمرها ، فلتذهب إلى الجحيم .
دفعتها بجفاء و انا اقول : أعتذر فأنا .........
قاطعت كلماتي بلكمه ساحقه إلى الحائط كادت ان تهشم قبضتها اليسرى ، تبعتها بأخرى ثم أخرى و
هي تهتف : لماذا ، لماذا اصبت بهذه اللعنه لماذا؟
لم ادري مالذي افعله حينها ، لكنني امام مريضه نفسيه حقيقيه قد تؤذي نفسها حقا بسبب تصرف
اخرق لم اقصده .
يوسف: اهدئي ، لا داعي لكل هذا ، فلتخبريني عما بداخلك .
رمقتني بأعين باكيه و هي تقول : خلصني منها ، خلصني من لعنتي .
يوسف: أين ترتدينها و سأنزعها عنك على الفور .
توقف الموقف لثوان ، قبل ان تتعالى ضحكاتنا لتعود إلى طبيعتها الضحوكه المنتشيه ....
ماري: احمق .
ابتسمت و انا امد يدي لاصافحها من جديد : دعينا نعقد اتفاق على ان لا نلكم الجدران مره اخرى فهي
تشعر مثلنا و اخشى ان تنكسر .
صافحتني و هي تجيب : اعدك ، بشرط ان تحضر احدى حفلاتي الصاخبه .
يوسف: اعدك .
كان هذا الوعد بمثابة إحدى ابواب الجحيم التي تتفتح إلي في هيئة امرأه جميله ، لا أعلم لماذا اطبق
الصواب في كل شيئ عدى ما يتعلق بهذا الركن الكئيب من حياتي ، و ها انا ادفع الثمن غاليا .
(( لا اظنها المكان الذي نقصده ))
ماري: بلى انها غرفتي .
ابتلعت ريقي بصعوبه و تراجعت للخلف كمن رأي جحر الشيطان يترقب دخوله .
يوسف: اعتذر ، لست في مزاج يسمح لي بالاحتفال الأن .
ماري: لهذا بالضبط تقام الحفلات ، يجب ان تهرب من تعقيدات الواقع قليلا .
يوسف: حسنا ، هذا ما افعله طوال حياتي لدرجة انني مللت الامر .
دفعت مقبض غرفتها إلى الداخل و هي تقول : يمكنك اخباري كل شيئ ، نحن هنا لنستمع إلى بعضنا
اليس كذلك ؟!
يوسف: إلى بعضنا و ليس إلي وحدي ، لهذا سأنتظر بعضنا إلى ان ياتو .
اطلقت العنان لضحكاتها و هي تطبق على ذراعي بيديها و تجذبني إلى الداخل .
ماري: لا تشعر بالخجل هذا ليس منزلي على اية حال .
تصببت عرقا و انا اشبك اصابع يداي ببعضهما كالحسناء التي يقدمها والدها لزوجها المستقبلي .
ادخلت رأسها في الثلاجه و هي تقول : مالذي أتى بك إلى هنا ، لا تبدو مجرما بالنسبة إلي ؟!
تمنيت ان اقول انت ايضا لكن الاجرام باد تماما على ملامحها ، فاكتفيت بقول : محاولة انتحار
طائشه .
ابتسمت بسخريه و هي تقول : صارو يعدون الانتحار جريمه في الخارج ام ماذا ؟!
يوسف: صدقيني انا ذاهل مثلك ، إنها نفسي لا يجب ان يعيقني احد وانا احاول قتلها .
ناولتني كأس من المشروبات الغازيه بينما اعدت لنفسها كأس من مشروب اخر بنفسجي اللون و هي
تتلفظ بإحدى العبارات البذيئه التي عاده ما نترجمها ب (( فليذهبوا إلى الجحيم ))
قربت المشروب الغازي من فمي ، لكنني تراجعت في أخر لحظه قائلا : ما سبب قدومك إلى هنا .
تجرعت البعض من كأسها ثم قالت و هي تبتسم بخبث : القتل .
ابتسمت و انا اقول : طريق جميل و كفيل بحجز غرفة مكيفه لك .
رمقتني بنظره ذاهله و هي تقول : ألست خائفا ؟!
ماري: لا فقد اعتدت على التعامل مع محترفي المهنه مؤخرا .
رشفت من كأسها مره أخرى ثم قالت بتلقائيه : تقصد هذه الفتاة صديقتك .
نظرت إليها بذهول و توجس و انا اتراجع إلى الخلف، و هممت بسؤالها عن كيفية علمها بالامر ، لكنني
اطبقت على لساني و أبتلعت كلماتي حتى لا افضح امري ، لكنني لم اجد الوقت الكافي لاختلاق كذبه
متقنه فأكتفيت بالصمت و النظرات المصدومه فقط .
ماري: أخبرني ذلك اللعين مراد بكل شيئ ، لا تنخدع بكلماته المعسوله فهو من أرسلني إلى هذا الجحيم بعد
انتزاعه الاعتراف مني ، لكن طريقته لم تجدي معك ، تدري لماذا ؟
يوسف: لماذا ؟
ماري: لانك لا تعاني من شيئ ، انت لم تنتحر بل تم طعنك و تحاول التستر على الأمر ، ربما تحبها ، ربما هي
شخص مهم بالنسبة لك ، ايا كان الأمر فهو لا يهمني ، هذا اللعين يريد الايقاع بك ، و قام بإختياري
بإعتباري اكثر الاشخاص تعقلا هنا لانتزاع الكلمات منك ..........
و فجأه ألقت الكأس بعرض الحائط و بدأت يدها اليسرى تصدر تشنجاتها العصبيه من جديد و هي
تسطرد : لكنه لا يعلم ان بداخلي ما هو اكثر جنونا من الجميع هنا .
ثم بدأت في الاقتراب مني و هي تجر ذراعها اليسرى التي بدت كذراع خالية الروح معلقه بجسدها .
حسنا مصطلح الخوف لا يلائمني ، فلنقل اني تفاجأت من تبدل حالها المفاجئ هذا ، فتراجعت إلى
الخلف و انا اتلفت حولي باحثا عن اي نافذه أخرج رأسي منها ثم اهتف بكل قوة : الحقني يا مراااااااد .
لكن كالعاده لا توجد نوافذ .......
ماري: انت تظنني قاتله لعينه الأن أليس كذلك ؟
يوسف بوجل: لا اطلاقا انا اراكي بديعة الجمال ، انظري إلى يدك كم هي فاتنه .
التصقت بالحائط بينما توقفت هي امامي مباشرة ، و اشرأبت برأسها حتى لامست انفاسها اذني : لا
تكرهني على ذلك ، انا لا اريدك أن تصير مثلي يوما ما .........
و بمجرد ان انهت كلماتها ، أعتصرت يدها اليسرى رقبتي بقوه عاتيه لا تتناسب ابدا مع اليد اليسرى
لفتاة .
لكنني أعددت نفسي لهذه اللحظه جيدا ؛ على الفور قمت بإلقاء المياه الغازيه بوجهها ثم دفعتها بعيدا
عني .
اطلقت صرخه مدويه و هي تحاول ابعاد المياه الغازيه عن وجهها ........
لكن يدها اليسرى لم تنفك عن اعتصار رقبتي اطلاقا ، كأنها يد شخص أخر غير خاضع لإرادة هذا
الجسد .
صرخت في و جهي باكيه : لماذا فعلت هذا ، انا افعل كل هذا لأجلك ، لماذا ، لماذا ؟
و مع صرخاتها زادت قوة ضغطها اكثر فأكثر ، حتى انني صرت كالطفل العاجز بين اصابعها ، فمي
منغفر على أخره لاحاول التقاط اي ذرة اكسجين عابره لكن لا شيئ .
حينها فقط تذكرت عجز هذا المشرد بين يدي مريم و هي تطعنه الطعنه تلي الاخرى ، ماذا كنت لأفعل
إذا كنت مكانه ، هل كنت سأدافع عن نفسي و أؤذي مريم ام كنت سأظل ساكن في عجز و قد ماتت
روحي قبل أن يموت قلبي ؟
لا أعلم لماذا افكر في هذه الامور الأن ، هل هو شريط حياتي يمر امام عيناي كما يقولون ام .........
فجأه و جدت نفسي أطيح بيدها اليسرى بفم الكاس .........
لم تتحرك من مكانها ، لكن حدث ما اريده بالضبط ......
تحطم الكأس بيدي ، على الفور أمسكت بالقطعه الحاده التي تبقت في يدي ، و غرزتها في موضع
شراينها ثم جذبتها بقوه لتتطاير الدماء على و جهي و ترتخي قبضتها تماما و ترتجف بعنف .
افلت نفسي من بين قبضتها وسقط ارضا بينما صرخت ماري بقوه و هي تنظر إلى يدها التي تذرف
الدماء كأنها تبكي خشية من الموت .......
ألتقط انفاسي بصعوبه و انا احول ان اجمع شتاتي ، و على الفور مذقت ذراع ملابسي و اقتربت منها
لأضمض به يدها لكنها دفعتني بعيد عنها بخوف و هي تقول : ارجوك ابتعد عني ، انا لم اقصد ايذائك .
يوسف: انا لا اريد ان اؤذيك ايتها المغفله ، يجب ان نوقف النزيف .
سقطت ارضا و اتخذت و ضعية الجنين و هي تردد بخوف : ارجوك ، لم اقصد ايذائك .
كنت اتمنى صفعها لتستعيد رباط جأشها كما يحدث في الأفلام لكن للاسف الواقع ليس بهذه السهوله .
انتزعت ذراعها غصبا عنها وسط محاولاتها للهروب مني ، لكنها كانت هشه تماما في الواقع كأن قوتها
كلها تجمعت في يدها اليسرى بينما ظل باقي الجسد واهنا بلا حول ولا قوه .
للففت القماش على موضع الجرح و ضغط عليه بقوه لأسيطر على النزيف .........
يوسف: ستكرهيني لذلك ؟!
صمتت و لم تجبني ، فأشرت إليها لتضغط على جرحها بدلا عني لأحضر لها شيئا ليعوض الدماء التي
فقدتها, فهزت رأسها بالنفي .
يوسف محاولاً اقناعها: يجب ان تعوضي عن هذه الدماء إلى ان يصل احدهم .
ماري واجفة: لا اريد ان اعوض عن شيئ ، فقط ابقى هنا .
طاوعت رغبتها وجلست بجوارها ، اتأمل سقف الغرفه مع من حاولت قتلي منذ ثوان معدوده ، اظنكم
الأن تأكدتم ان عقلي ليس على ما يرام .
يوسف: تخافين منها ؟
اومئت برأسها دون ان تنطق بكلمه ، فتابعت قائلا : لا تستطيعين السيطره عليها إطلاقا أليس كذلك ؟
ماري: ليس اطلاقا فقط في بعض الاحيان .
يوسف: عدى ذلك انت طبيعيه ؟
ماري: ماذا تظن برأيك ؟
يوسف: حسنا لست طبيعبه تماما لكن على الاقل لست كهذا المهوس العاشق لدورة المياة .
طبعت على وجهها ضحكه خفيفه ، قبل ان تستمر في صمتها مره أخرى .
يوسفك إنه قرار ظالم أليس كذلك ؟
ماري: ما هو ؟!
يوسف: ان تقضي حياتك حيث لا تنتمي ، تتعايشين مع كونك قاتله مريضه نفسيا بينما انت لست كذلك .
اتسعت حدقتاها على اخرهما و هي تقول بذهول : أنت مجنون ، كيف تتحدث بهذا الهدوء مع من
حاول قتلك منذ لحظات .
ابتسمت وانا اقول مازحا : ربما ارغب في علاقة غريبة الأطوال .
ماري: لا تبدو كذلك بالنسبة لي .
يوسف: عندما ألقيت عليك المياه الغازيه اتخذ جسدك بالكامل الوضع الدفاعي عدى يدك ، هذا دليل كافي
على انك لم تريدي إذائي حقا .
اجابتني بالصمت التام ، بينما اقتربت برأسها مني بشده ، اغلقت عيناها و برزت شفتاها و تقلصت
المسافه بيننا و ...........
عدة طرقات بذيئه اخترقت اركان الصمت المجيد الذي احاط بنا بكل بجاحه .............
***
أعينهم لكن هذه تبدو حقيقيه لدرجه كبيره .........
الألم ينتشر في جسدي و أنا احاول الدفاع عن نفسي و السيطره على هذه اليد التي تحاول طعني
بقلم الألوان .
صرخت في ماري لتنجدني من بين يدي هذا الشيطان ، لكنها ظلت واقفه بمكانها تنظر إلي بتألم و هي
تطبق على يدها اليسرى التي ارتعشت بقوه و تشنجت بعصبيه ...........
لم ادري مالذي افعله في هذا الموقف بالضبط ، لكنني لاحظت شيئا في عيني هذا الكائن ، عينيه
بدت مثل أعين من يتعاطى بعض المخدرات او المسكنات الدماغيه ، ربما ليس بوعيه بالفعل ولا يدري
من انا بالضبط ، مما يعني انه لا يهاجمني انا لشخصي بل يهجم بعشوائيه .........
امسكت بكلا معصميه و استجمعت قوتي ، ثم ركلته بقوه بركبتي من الخلف و في ذات اللحظه ازحته
بعيدا عني ليرتمي ارضا بينما يحدق في الفراغ و يطعن الهواء بإصبع الألوان بيده .
هممت بالنهوض لكنني تيبست مكاني حينما اقتربت مني ماري فجأة و مدت يدها اليسرى صوب
وجهي لتتحسسه بيد مرتعشه إلى ان هبطت بيدها إلى رقبتي و أطبقت عليها برفق و زادت حدة إرتجافها و هي تطبع هذه الابتسامه الزائفه على و جهها و تتسائل : أنت بخير ؟
استجمعت اعصابي و أمسكت بيدها المرتعشه و أستندت عليها في النهوض و انا اقول : أهذا الطبيعي
هنا ؟
كاري بعدم تركيز: إنفعال ليو ؟
يوسف: نعم .
ماري: لا ، لكنه منتشي أكثر من اللازم كما يبدو .
ظللت احملق في هذا الجسد الهائج الذي يضرب الفراغ بجل طاقته ، إلى ان توقف أخيرا و بدأ في
التقاط انفاسه بصعوبه كأنه كان غارقا في الاعماق ، و بعد ان جمع شتاته ظل يتفرس المكان حوله إلى
ان وقع نظره علي انا و هذه الفتاة الشقراء التي مدت يدها نحوه بمظروف صغير الحجم ، التقط منها
المظروف و هم عائدا إلى الحمام مره أخرى .
يوسف: مخدرات ؟
ماري مصححة: مروفين ، يجب ان تستنشق بعضه لتهدء من ضغوطك قليلا .
رمقت يدها المرتعشه بنظره متفحصه فأبتسمت و هي تقول : يجب ان اتناول البعض انا ايضا .
ثم دلفت إلى احد الحمامات السبعه .
تفحصت ذاتي في مرءاة الحمام الذي بدلت ملابسي به من قبل ، فلم اجد سوى جروح طفيفه و بعض
الخدوش فقط ، فقد كان مجرد قلم ألوان على أي حال ، لكنني صرت معتادا على ان تخترق الاشياء
جسدي هذه الأيام فلم اجزع حينما رأيت هذه الجروح .
أعدت إرتداء ملابسي و انا استمع إلى ألحان استنشاق المروفين كما يفعل أغلب المدمنون ، جذبت
مقبض الباب ليرتفع صوت استنشاق المروفين أكثر ، ثم تهم ماري في الخروج و هي تقول مازحه :
تأخرت عليك ؟
ابتسمت و انا اقول : لا ، فقد كنت استمع إلى ألحان أنفك و هي تلتهم المروفين في الداخل .
اطلقت العنان لضحكاتها بإفراط ، ثم مدت إلى بمظروف أخر من يدها ، لأتسائل ببله : ما هذا ؟!
ماري ضاحكه : فلتشاركنا العزف بأنفك .
ابتسمت و انا اقول : أشكرك فعوادم السيارات تكفيني .
ماري بذهول : ألم تستنشق المروفين من قبل ؟!
يوسف: حسنا لم يصبني الشرف لكن إذا ظللت هنا سأتعاطاه بالتأكيد .
ماري: صدقني انت لم تعش حياتك بعد ، فلتجربه .
يوسف: قريبا ، الان انت في العشرين من عمرك أليس كذلك ؟
ماري: نهايتها .
يوسف: حسنا مالذي ألقاكي في هذا المكان ؟
ماري: يمنع علينا التحدث في هذه الاشياء خارج الحلقه لكن سأخبرك ، انا مسكونه .
يوسف مشدوهاً: ماذا ؟!
رددت ماري :مسكونه .
يوسف: كيف ؟
ماري: بي كائن شيطاني يسيطر على نصفي الأيسر .
يوسف: اممم كائن شيطاني يسيطر على نصفك الايسر ؟
ماري: بالضبط .
ابتسمت بسخريه و انا اقول : لم يقوى الشيطان على مصاريف جسدك بالكامل فاستأجر نصفه أليس
كذلك ؟
ضحكت بقوه بسبب الانتشاء الذي سيطر عليها و قالت : انت ايها المغفل ، فلتعطني كتفك لاستند عليه
و انا اتوجه إلى هؤلاء المجانين لاقص عليهم حكايتي ........
حاولت الهرب منها لكنها تشبثت بكتفي و هي تتابع : ليو ايها الوغد ، انه موعد تجمع الملاعين فلا
تفوته .
لوهله فكرت ان استنجد ب ليو ليرحمني منها ، لكن عندما فكرت في الامر بترو ، ابعدت الفكره عن
رأسي و بصقت عليها .
(( لماذا يبتعد الجميع عني ، لما انا هنا بالضبط ، انا لست مخطأه اقسم لك ))
توقفت عن المقاومه و رمقت دمعاتها المختلطه بملامح الأسى و الكئابه ، حسنا هذه الملامح ليست
بغريبة عني ، لكنها ليست مريم لأهتم بأمرها ، فلتذهب إلى الجحيم .
دفعتها بجفاء و انا اقول : أعتذر فأنا .........
قاطعت كلماتي بلكمه ساحقه إلى الحائط كادت ان تهشم قبضتها اليسرى ، تبعتها بأخرى ثم أخرى و
هي تهتف : لماذا ، لماذا اصبت بهذه اللعنه لماذا؟
لم ادري مالذي افعله حينها ، لكنني امام مريضه نفسيه حقيقيه قد تؤذي نفسها حقا بسبب تصرف
اخرق لم اقصده .
يوسف: اهدئي ، لا داعي لكل هذا ، فلتخبريني عما بداخلك .
رمقتني بأعين باكيه و هي تقول : خلصني منها ، خلصني من لعنتي .
يوسف: أين ترتدينها و سأنزعها عنك على الفور .
توقف الموقف لثوان ، قبل ان تتعالى ضحكاتنا لتعود إلى طبيعتها الضحوكه المنتشيه ....
ماري: احمق .
ابتسمت و انا امد يدي لاصافحها من جديد : دعينا نعقد اتفاق على ان لا نلكم الجدران مره اخرى فهي
تشعر مثلنا و اخشى ان تنكسر .
صافحتني و هي تجيب : اعدك ، بشرط ان تحضر احدى حفلاتي الصاخبه .
يوسف: اعدك .
كان هذا الوعد بمثابة إحدى ابواب الجحيم التي تتفتح إلي في هيئة امرأه جميله ، لا أعلم لماذا اطبق
الصواب في كل شيئ عدى ما يتعلق بهذا الركن الكئيب من حياتي ، و ها انا ادفع الثمن غاليا .
(( لا اظنها المكان الذي نقصده ))
ماري: بلى انها غرفتي .
ابتلعت ريقي بصعوبه و تراجعت للخلف كمن رأي جحر الشيطان يترقب دخوله .
يوسف: اعتذر ، لست في مزاج يسمح لي بالاحتفال الأن .
ماري: لهذا بالضبط تقام الحفلات ، يجب ان تهرب من تعقيدات الواقع قليلا .
يوسف: حسنا ، هذا ما افعله طوال حياتي لدرجة انني مللت الامر .
دفعت مقبض غرفتها إلى الداخل و هي تقول : يمكنك اخباري كل شيئ ، نحن هنا لنستمع إلى بعضنا
اليس كذلك ؟!
يوسف: إلى بعضنا و ليس إلي وحدي ، لهذا سأنتظر بعضنا إلى ان ياتو .
اطلقت العنان لضحكاتها و هي تطبق على ذراعي بيديها و تجذبني إلى الداخل .
ماري: لا تشعر بالخجل هذا ليس منزلي على اية حال .
تصببت عرقا و انا اشبك اصابع يداي ببعضهما كالحسناء التي يقدمها والدها لزوجها المستقبلي .
ادخلت رأسها في الثلاجه و هي تقول : مالذي أتى بك إلى هنا ، لا تبدو مجرما بالنسبة إلي ؟!
تمنيت ان اقول انت ايضا لكن الاجرام باد تماما على ملامحها ، فاكتفيت بقول : محاولة انتحار
طائشه .
ابتسمت بسخريه و هي تقول : صارو يعدون الانتحار جريمه في الخارج ام ماذا ؟!
يوسف: صدقيني انا ذاهل مثلك ، إنها نفسي لا يجب ان يعيقني احد وانا احاول قتلها .
ناولتني كأس من المشروبات الغازيه بينما اعدت لنفسها كأس من مشروب اخر بنفسجي اللون و هي
تتلفظ بإحدى العبارات البذيئه التي عاده ما نترجمها ب (( فليذهبوا إلى الجحيم ))
قربت المشروب الغازي من فمي ، لكنني تراجعت في أخر لحظه قائلا : ما سبب قدومك إلى هنا .
تجرعت البعض من كأسها ثم قالت و هي تبتسم بخبث : القتل .
ابتسمت و انا اقول : طريق جميل و كفيل بحجز غرفة مكيفه لك .
رمقتني بنظره ذاهله و هي تقول : ألست خائفا ؟!
ماري: لا فقد اعتدت على التعامل مع محترفي المهنه مؤخرا .
رشفت من كأسها مره أخرى ثم قالت بتلقائيه : تقصد هذه الفتاة صديقتك .
نظرت إليها بذهول و توجس و انا اتراجع إلى الخلف، و هممت بسؤالها عن كيفية علمها بالامر ، لكنني
اطبقت على لساني و أبتلعت كلماتي حتى لا افضح امري ، لكنني لم اجد الوقت الكافي لاختلاق كذبه
متقنه فأكتفيت بالصمت و النظرات المصدومه فقط .
ماري: أخبرني ذلك اللعين مراد بكل شيئ ، لا تنخدع بكلماته المعسوله فهو من أرسلني إلى هذا الجحيم بعد
انتزاعه الاعتراف مني ، لكن طريقته لم تجدي معك ، تدري لماذا ؟
يوسف: لماذا ؟
ماري: لانك لا تعاني من شيئ ، انت لم تنتحر بل تم طعنك و تحاول التستر على الأمر ، ربما تحبها ، ربما هي
شخص مهم بالنسبة لك ، ايا كان الأمر فهو لا يهمني ، هذا اللعين يريد الايقاع بك ، و قام بإختياري
بإعتباري اكثر الاشخاص تعقلا هنا لانتزاع الكلمات منك ..........
و فجأه ألقت الكأس بعرض الحائط و بدأت يدها اليسرى تصدر تشنجاتها العصبيه من جديد و هي
تسطرد : لكنه لا يعلم ان بداخلي ما هو اكثر جنونا من الجميع هنا .
ثم بدأت في الاقتراب مني و هي تجر ذراعها اليسرى التي بدت كذراع خالية الروح معلقه بجسدها .
حسنا مصطلح الخوف لا يلائمني ، فلنقل اني تفاجأت من تبدل حالها المفاجئ هذا ، فتراجعت إلى
الخلف و انا اتلفت حولي باحثا عن اي نافذه أخرج رأسي منها ثم اهتف بكل قوة : الحقني يا مراااااااد .
لكن كالعاده لا توجد نوافذ .......
ماري: انت تظنني قاتله لعينه الأن أليس كذلك ؟
يوسف بوجل: لا اطلاقا انا اراكي بديعة الجمال ، انظري إلى يدك كم هي فاتنه .
التصقت بالحائط بينما توقفت هي امامي مباشرة ، و اشرأبت برأسها حتى لامست انفاسها اذني : لا
تكرهني على ذلك ، انا لا اريدك أن تصير مثلي يوما ما .........
و بمجرد ان انهت كلماتها ، أعتصرت يدها اليسرى رقبتي بقوه عاتيه لا تتناسب ابدا مع اليد اليسرى
لفتاة .
لكنني أعددت نفسي لهذه اللحظه جيدا ؛ على الفور قمت بإلقاء المياه الغازيه بوجهها ثم دفعتها بعيدا
عني .
اطلقت صرخه مدويه و هي تحاول ابعاد المياه الغازيه عن وجهها ........
لكن يدها اليسرى لم تنفك عن اعتصار رقبتي اطلاقا ، كأنها يد شخص أخر غير خاضع لإرادة هذا
الجسد .
صرخت في و جهي باكيه : لماذا فعلت هذا ، انا افعل كل هذا لأجلك ، لماذا ، لماذا ؟
و مع صرخاتها زادت قوة ضغطها اكثر فأكثر ، حتى انني صرت كالطفل العاجز بين اصابعها ، فمي
منغفر على أخره لاحاول التقاط اي ذرة اكسجين عابره لكن لا شيئ .
حينها فقط تذكرت عجز هذا المشرد بين يدي مريم و هي تطعنه الطعنه تلي الاخرى ، ماذا كنت لأفعل
إذا كنت مكانه ، هل كنت سأدافع عن نفسي و أؤذي مريم ام كنت سأظل ساكن في عجز و قد ماتت
روحي قبل أن يموت قلبي ؟
لا أعلم لماذا افكر في هذه الامور الأن ، هل هو شريط حياتي يمر امام عيناي كما يقولون ام .........
فجأه و جدت نفسي أطيح بيدها اليسرى بفم الكاس .........
لم تتحرك من مكانها ، لكن حدث ما اريده بالضبط ......
تحطم الكأس بيدي ، على الفور أمسكت بالقطعه الحاده التي تبقت في يدي ، و غرزتها في موضع
شراينها ثم جذبتها بقوه لتتطاير الدماء على و جهي و ترتخي قبضتها تماما و ترتجف بعنف .
افلت نفسي من بين قبضتها وسقط ارضا بينما صرخت ماري بقوه و هي تنظر إلى يدها التي تذرف
الدماء كأنها تبكي خشية من الموت .......
ألتقط انفاسي بصعوبه و انا احول ان اجمع شتاتي ، و على الفور مذقت ذراع ملابسي و اقتربت منها
لأضمض به يدها لكنها دفعتني بعيد عنها بخوف و هي تقول : ارجوك ابتعد عني ، انا لم اقصد ايذائك .
يوسف: انا لا اريد ان اؤذيك ايتها المغفله ، يجب ان نوقف النزيف .
سقطت ارضا و اتخذت و ضعية الجنين و هي تردد بخوف : ارجوك ، لم اقصد ايذائك .
كنت اتمنى صفعها لتستعيد رباط جأشها كما يحدث في الأفلام لكن للاسف الواقع ليس بهذه السهوله .
انتزعت ذراعها غصبا عنها وسط محاولاتها للهروب مني ، لكنها كانت هشه تماما في الواقع كأن قوتها
كلها تجمعت في يدها اليسرى بينما ظل باقي الجسد واهنا بلا حول ولا قوه .
للففت القماش على موضع الجرح و ضغط عليه بقوه لأسيطر على النزيف .........
يوسف: ستكرهيني لذلك ؟!
صمتت و لم تجبني ، فأشرت إليها لتضغط على جرحها بدلا عني لأحضر لها شيئا ليعوض الدماء التي
فقدتها, فهزت رأسها بالنفي .
يوسف محاولاً اقناعها: يجب ان تعوضي عن هذه الدماء إلى ان يصل احدهم .
ماري واجفة: لا اريد ان اعوض عن شيئ ، فقط ابقى هنا .
طاوعت رغبتها وجلست بجوارها ، اتأمل سقف الغرفه مع من حاولت قتلي منذ ثوان معدوده ، اظنكم
الأن تأكدتم ان عقلي ليس على ما يرام .
يوسف: تخافين منها ؟
اومئت برأسها دون ان تنطق بكلمه ، فتابعت قائلا : لا تستطيعين السيطره عليها إطلاقا أليس كذلك ؟
ماري: ليس اطلاقا فقط في بعض الاحيان .
يوسف: عدى ذلك انت طبيعيه ؟
ماري: ماذا تظن برأيك ؟
يوسف: حسنا لست طبيعبه تماما لكن على الاقل لست كهذا المهوس العاشق لدورة المياة .
طبعت على وجهها ضحكه خفيفه ، قبل ان تستمر في صمتها مره أخرى .
يوسفك إنه قرار ظالم أليس كذلك ؟
ماري: ما هو ؟!
يوسف: ان تقضي حياتك حيث لا تنتمي ، تتعايشين مع كونك قاتله مريضه نفسيا بينما انت لست كذلك .
اتسعت حدقتاها على اخرهما و هي تقول بذهول : أنت مجنون ، كيف تتحدث بهذا الهدوء مع من
حاول قتلك منذ لحظات .
ابتسمت وانا اقول مازحا : ربما ارغب في علاقة غريبة الأطوال .
ماري: لا تبدو كذلك بالنسبة لي .
يوسف: عندما ألقيت عليك المياه الغازيه اتخذ جسدك بالكامل الوضع الدفاعي عدى يدك ، هذا دليل كافي
على انك لم تريدي إذائي حقا .
اجابتني بالصمت التام ، بينما اقتربت برأسها مني بشده ، اغلقت عيناها و برزت شفتاها و تقلصت
المسافه بيننا و ...........
عدة طرقات بذيئه اخترقت اركان الصمت المجيد الذي احاط بنا بكل بجاحه .............
***