الفصل التاسع 9
(( لما هي حبيسه هنا ، لا اظنها تعاني من خلل نفسي ))
داعب مراد شعره و هو يرمق ماري عبر الزجاج الفاصل بينها و بيننا : سمعت من قبل عن يد الشيطان؟
يوسف: صدقني أفلام الرعب لا تجدي معي فلا تحاول .
مراد: انا لا اخبرك عن احد افلام الرعب ، ماري لا تستطيع السيطره إطلاقا على يدها اليسرى .
يوسف: لكن باقي الجسد لازال قابعا تحت سيطرته .
مراد: المشكله هنا ليست في من يسيطر على الاخر ، كمثال انت تعلم ان المخدرات تدمر الجسد ولا
تتعاطاها ، لكن فلنقل انك اكرهت على تعاطي عدة جرعات ، سيعتاد جسدك عليها و إذا زال من يكرهك
على تعاطيها فإنك ستستمر رغما عن ذلك ، أليس كذلك ؟
يوسف: اظن ذلك .
مراد: ماري الامر ذاته ؛ اعتادت على رؤية الدماء و القتل لدرجة ان حاجز الخوف تهشم عندها ، لهذا
تحولت إلى قاتله رغما عنها .
يوسف: لكنها لم تقتلني .
مراد: لانك دافعت عن نفسك .
يوسف: ليس هذه المره ، عندما جائت إلى دورة المياة ، تحسست يدها اليسرى رقبتي لكنها كبحتها .
مراد: لكن فيما بعد هاجمتك .
يوسف: هذا خطأك .
مراد متفاجئاً: عذرا ؟!
يوسف: إذا لم تحاول ارسالها لاستجوابي لما هاجمتني .
ولاني ظهره و سار في طريقه و هو يقول : لا تحاول تبرئتها فهي ليست بصديقتك السفاحه .
ادرته اتجاهي ثم دفعت به صوب الحائط و أزدت الخناق على رقبته و انا اقول بنبره بارده : إذا ظننت
انني سأكون فأر تجاربك السابع فأنت مخطأ ، فأنا قد ارتب جريمه كامله لأجلك ، و أريد منك ان تفكر
في الرأي العام حينما يكتشفون ان مصر صارت مكبا للسفاحين .
ابتسم بسخريه و هو يقول : هل أعتبر هذا تهديدا لعدم الافشاء بأمرك ؟!
يوسف: انت لا يهمك إيجاد الحقيقه بل ينصب جل همك على اضافة عينة جديده لمختبرك اللعين .
مراد: لماذا تتخذني خصماً لك ، صدقني نحن في نفس الفريق .
ازدت الضغط على رقبته بمرفقي و انا اقول : صدقني انت ، انا لا اتشرف بأن اصير معك في الفريق
ذاته...........
ثم وصل ضغطي زروته وانا ارمقه بنظره باهته مجنونه لا تمتلك حدود ولا تعترف بالقانون : لا يوجد
ما يمنعني من قتلك هنا و الأن فنحن في مسرح للقتله و السفاحين على اي حال .
اوشك على الاختناق و بدأت يداه في التشنج و محاولة التشبث بأي امل في الحياة ........
نظرت إلى عينيه التي صارت خيوط الدماء تترسب على جبينهما ،ثم تركته و وخلعت عني نصف
الستره البيضاء التي لطختها الدماء و تبادلت النظرات مع ماري التي كانت تراقب الموقف
في صمت ، ثم نفخت في الزجاج الفاصل بيني و بينها و كتبت بإصبعي ( لا تقلقي لن اصير قاتلا ) .
ابتسمت و هي ترفع إلى إبهامها ، فرددت عليها بالمثل و اتجهت خارجا من قلعة الدماء التي قضيت بها
الساعات الأكثر جنونا في حياتي .
(( يمكنك ان تاتي لزيارتها في اي وقت تشاء ))
يوسف: ألا زالت حنجرتك تعمل ؟!
اطلق العنان لضحكاته ، ثم اخرج سيجار فاخره من جرابها و أشعلها ثم نفث أدخنتها و هو يتامل ظلمة
الليل : انا لم احضرك إلى هنا لاحقق في امرك ، كل ما في الأمر انني وجدت بك علاج لبعض الحالات
هنا ، فكرة علاجي هنا تندرج تحت مفهوم الاختلاط و التأثير إما ان تؤثر عليهم انت او يؤثرو هم عليك
و هذا هو طريقك في الحياة إما ان تصير مثلهم و إما ان تحتفظ بعقلك .
يوسف: مالذي سيجبرني على الاختلاط بهم ؟
مراد: انت بشري اكثر من اللازم .
ابتسمت بسخريه وانا اقول : يسعدني عدم تواجد ايا من جينات القوارد بداخلي هذا شيئ مطمئن حقا .
هم عائدا إلى داخل المشفى و هو يقول : ستدرك ماهية كلامي قريبا ، لكن تذكر هذا المكان بيتك الثاني
في حال رغبت في المجيئ .
اطلقت ضحكه تهكميه و انا اتمتم : كأني سأفكر في ذلك .
***
(( لم اصدق حينما دوى صوتك من هاتفي ))
يوسف: حسنا لم ارغب ان يراني احد بملابس المجانين هذه قبلك .
نزعت سترتها و ألبستني إياها و مريم تقول بحرج : حمدا لله اننا في الليل ، إذا رأك احدهم بهذه الهيئه
لكنت الان عائدا إلى هناك مره اخرى .
ضحكت و انا ألقي بجسدي على احد الارصفه القريبه ، ثم تاملت السماء و انا اقول : لا اظنني سأكره
ذلك .
دمعت عيناها و هي تقول : يا إلهي لقد جننت حقا ، كل هذا خطأي انا اسفه .
ضحكت مره أخرى ثم قلت : حسنا لقد جننت هل ستقبلين بي هكذا ؟
مريم: يكفي وجودك بجانبي فقط .
يوسف: هذه الجمله صارت تتردد كثيرا على مسامعي هذه الايام ، لم ادرك ان الجميع يرغب بوجودي
هكذا .
مريم بتحفز: من الذي اخبرك ان بهذه الجمله ؟
اجبتها بعفويه : فتاة التقيت بها في دورة المياة .
هل سأفتقد هذه اللحظات حقا ، هل من الممكن ان افكر في العوده إلى هناك مره أخرى ، لكن لحظه
واحده ما هذا السكون التام الذي حل هنا .......
ألتفت إلى مريم لأجدها تمسك بسكينها الذي ناولتها إياه قبل ان اختفي عنها منذ ايام .......
تأملت السكين و الأبتسامه القاتله تعلو وجهها : المكان في غاية الهدوء أليس كذلك ؟
توجست وبدا الجرح الذي سببته لي من قبل يبشرني بقدوم شقيق له في القريب العاجل ، فاحترمت
نفسي و رسمت البسمه على وجهي وانا اقول : المنحرفون لا يضعون علامات توضح دورة مياه الذكور
من الاناث فالجميع يدخل دورة المياة ذاتها ، و لم اكن هناك وحدي اقسم لك ........
اخرستني بإحتضانها لي و هي تذرف الدمع و تقول : ظننتني لن اراك ثانية ، إياك ان تبتعد هكذا مره
أخرى وإلا اخترقت هذه السكين في عنقك .
احتضنتها بشوق انا الأخر فقد افتقدت حقا هذه الطفله الصغيره التي طالما وجدتها بجواري في
ضيقتي ، ادمنتها حت صرت اصارع الجميع من اجلها ، كم هي كريهه حياتي بدونك يا قمري المضيئ.
***
نمت كثيراً هذه الليلة لدرجة أنني كنت على دراية بأن مواعيد جدولي اليومي تنهار لكنني لم أستطع أن أرفع رأسي عن الوسادة, ليس لعمق نومي لكن للتفكير الثقيل الذي أخمدها؛ فماذا الآن؟
أهذه هي النهاية السعيدة التي يجب أن أرقص لها طرباً, أم أن الأمر لم ينتهي بل تناسيته فحسب؟
نهضت أخيراً وجهزت إفطاري و عقلي لا ينفك عن التفكير لدرجة أن قهوتي قد ثارت و غرقت أعين الموقد لكنني لم ألاحظ, فأفكاري المتعلقة بندى لم تنتهي بعد فهي لازالت قاتلة و أنا لا أزال متستراً على كومة من الجرائم......
تناولت لقيمات إفطاري بتجهم و فتور, غير مبالي بهاتفي الذي لم يتوقف عن الرنين فلم أتخذ قراراً بعد عن الاجراء الذي يجب أن أتخذه ولا يُوجد من أستعين بمشورته.....
قضيت هذا اليوم بطوله أفكر و أبحث عن حل لهذه المعضلة لكن لم أجد....
و ها هو مزعج آخر يطرق باب شقتي لينتشلني من نهر الحيرة الذي أغرق به, لماذا تنقذني أيها الوغد؟
فتحت الباب لأجدها واقفة أمامي متقوسة القدمين, تتنحنح في خجل و تضع رقعة طبية على عينها اليسرى.....
انتصبت شعيراتي فزعاً من رقعتها الطبية, فقالت بحنق: كأنك رأيت شبحاً, لا تخف لن أُؤذيك.
رسمت الابتسامة على وجهي بشقاء, فكل مخاوفي و قلقي و توجسي تشكل لي في أول شيئ أراه في هذا اليوم المعتم.....
لم تنتظر مريم لأفسح لها المجال للدخول بل إقتحمت المنزل عنوة قائلة: منزل لطيف, لم يختلف عن آخر مرة رأيته بها, مبعثر و يبدو كمنزل مراهق لكنه لطيف.
هذه اللكنة الخشنه الفاترة لن تأتي من مريم التي أعرفها مطلقاً, إنها حتما.....
بترت أفكاري قائلة: طفولتها, أو نصفها الآخر, أياً كان ما تسميني به.
كان يجب أن أنطق بشيئ و إلا أثرت شكوكها و تحفزها, هكذا وجدت نفسي أعرض عليها بأدب: تريدين القهوة؟
رمقتني برهة بنظرة باردة بلا معنى, ثم رسمت على ثغرها إبتسامة مصطنعة قائلة: أجل من فضلك.
هكذا هرعت إلى المطبخ و كأنه الملجأ الأخير لي رغم أنها لم تكن تبعد عني سوى أمتارٍ قليلة.....
أدركت بعد أن غرقت في حيرتي أن الأمر فاقني ولم أعد أفهم منه شيئاً, لقد كان إستنتاجي صحيحاً في البداية حول إطضراب الهستيريا المزاجية أو أياً يكن لا أتذكر, لكن بقائي ليومٍ كامل في المشفى مع المرضى العقليين جعلني أعي كم أنا جاهل بأمورهم ولا أستطيع التنبؤ بأفكارهم, و هذا ما جعلني منغلقاً على نفسي منذ الصباح لا أدري كيف أتعامل مع مريم الآن......
أتترك القهوة لتثور هكذا عادة؟
نطقت مريم جملتها بتهكم فإنتفضت و أمسكن بالقدر الصغير فاحترق إصبعي, فأفرجت عن ضحكة خافتة و هي تتمتم قائلة: أحمق.
أعددت قدراً آخر و إنتبهت له هذه المرة, ثم صببت القهوة لي ولها ووضعت الكوبين على المنضدة ثم جلست على المقعد المقابل لها متسائلاً بشيئ من الهدوء: حسناً, فلتخبريني بما يحدث هنا, لأنني لم أعد أفهم شيئاً, ولا تخاطبيني كالمرة السابقي كطبيبٍ نفسي أو عاقل يحاول معالجتك, بل كأحمق يستمع إليكِ.
هزت رأسها موافقة وهي تقول: هذا أفضل, فلا يوجد من يشعر بالارتياح برفقة العقلاء.
ثم رشفت من كوب القهوة غير مكترثة بسخونته ثم أردفت: أتدرك هذا الأمر حينما تتألم من شيئ يفوق قدرتك فتفتعل ألماً آخر أقل وطأة, هكذا بدأ الأمر.....
ثم رشفت مرة أخرى من الكوب وواصلت: لقد مررت ذات مرة من هذا الطريق لأقابل رجلاً عجوزاً متسولاً, أشفقت عليه و أخرجت من حقيبتي عدة عملات معدني و ناولتها له, لكنه حينما لامس يدي هذه اللمسة الشهونية المتوحشة, صُعق ذهني و اجتاحته ذاكرة الطفولة الجحيمية برمتها, فهذا الرجل العجوز كان أربعينياً ذات يوم و هو يختطفني من جوار والدتي ليحضرني إلى مكب نفايات أو أياً يكن هذا المكان النتن الذي أخذني إليه ليدلهم علي العديد من هذه الوحوش القذرة و ينتهكون جسدي الصغير بلا رحمة......
بدت عليها القشعريرة و الارتعاد من تذكر هذه الأمور البشعة التي حلت بها و التي أذهلتني و أصابتني بالخرس التام, حتى أخرجت علبة تبغ من حقيبتها و أخذت منها لفافة و أشعلتها و نفثت دخانها قائلاً بمشاكسة صبيانية: نسيت أن أخبرك, مريم تدخن إن لم تكن تمانع, و حتى إن كنت تمانع فأنا من أدخن حقيقة وليس هي, فما أحمله في ذهني نيابة عنها يفوق الاحتمال.....
لم أعلق فخقوط الحقيقة تنكشف لي لتخبرني كم أنا مغفل لا أعرف شيئاً عن أقرب الأشخاص إلي و ها أنا أتلقى الصدمات واحدة تلو الأخرى فبأي حقٍ أتحدث؟
لم تعر ملامحي الباهتة إهتماماً بل تابعت بطريقتها اللامبالية بأي شيئ: لا أحتاج أن أخبرك بما فعلوه بي فشناعته واضحة من غلي و حقدي عليهم, فحينما رأيت هذا العجوز تملكت عقل مريم ووعيها و راقبته طوال اليوم دون أن يلاحظ, ثم أحضرت سكين المطبخ و طعنتها بعنقه, لم تكفني ضربة واحدة أو إثنتين, بل مزقته تمزيقاً حتى غابت ملامحه, ثم تربصت بهم جميعاً, كل واحدٍ منهم على حدى, ثم كان هناك أنت.....
ارتعدت فرائصي كأن دوري قد حان في إختبارٍ شفهي, فسألتها محاولاً تبرئة نفسي من خطأ لا أدري أرتكبته أم لا: لم أفعل شيئ يؤذي مريم.....
لقد كنت تقف حائل بيننا و بين الانتقام.
نطقت مريم, أو بالأدق مريم الشريرة هذه الجملة فتسألت بإحتاج: كيف تقولين ذلك بعد أن أنقذتها و كادت تقتلني.
ابتسمت لسذاجتي و رشفت ما تبقى من القهوة ثم أجابتني قائلة: أتظن الأمر كان هيناً عليها ان تقتل أمامك, لا تنسى أن هذا جسدها و هذه مشاعرها و هي من ستقتل في نهاية المطاف, فلن أفعل شيئاً ما لم تأذن لي, لهذا كان يجب أن أتخلص منك دون أن أذيها, فأردت إبعادك قليلاً عن طريق إقحامك في جريمة لم ترتكبها, لكنك رفضت تركنا و شأننا إلى الآن, و بالأمس جعلتها تقرر أن تعدل عن هذا الطريق, قد لا تقصد ذلك لكنك تؤثر بها دون أن تشعر, لها أطلب منك أن تبتعد عنها.
صمت بعض الوقت مفكراً في ردٍ لائق, فلن أكذب عليك إن أخبرتك أنني كنت أفكر في هذا بالفعل, فمريم قاتله و لا يجب أن يلومني ضميري على الافتراق عنها و فوق كل ذلك تشرب السجائر, قد أتسامح مع القتل لكن لن أتهاون أبداً مع شرب السجائر.....
لكنني أشعر الآن أنني مجرد وغدٍ وضيع يترك من يحب لأنها قاتله!!
هكذا وجدت نفسي أقول دون وعي: لا أستطيع.
مطت حاجبيها قائلة بلهجة من تنبأ بهذا الرد: إذا لم تترك أمامي حلاً آخر.....
ثم أطفأت لفافة التبغ في كوب القهوة و همت بالذهاب قائلة بتهكم: الوداع أيها المحب الواقع في الغرام, فلتحرص على إغلاق النوافذ جيداً, فمنتصف الليل ليس ببعيد.
ثم صكت الباب خلفها بقوة و غضب معبأين بالوعيد و التربص, و أدركت أن ليلتي لن تكون هنئة أبداً.
***
داعب مراد شعره و هو يرمق ماري عبر الزجاج الفاصل بينها و بيننا : سمعت من قبل عن يد الشيطان؟
يوسف: صدقني أفلام الرعب لا تجدي معي فلا تحاول .
مراد: انا لا اخبرك عن احد افلام الرعب ، ماري لا تستطيع السيطره إطلاقا على يدها اليسرى .
يوسف: لكن باقي الجسد لازال قابعا تحت سيطرته .
مراد: المشكله هنا ليست في من يسيطر على الاخر ، كمثال انت تعلم ان المخدرات تدمر الجسد ولا
تتعاطاها ، لكن فلنقل انك اكرهت على تعاطي عدة جرعات ، سيعتاد جسدك عليها و إذا زال من يكرهك
على تعاطيها فإنك ستستمر رغما عن ذلك ، أليس كذلك ؟
يوسف: اظن ذلك .
مراد: ماري الامر ذاته ؛ اعتادت على رؤية الدماء و القتل لدرجة ان حاجز الخوف تهشم عندها ، لهذا
تحولت إلى قاتله رغما عنها .
يوسف: لكنها لم تقتلني .
مراد: لانك دافعت عن نفسك .
يوسف: ليس هذه المره ، عندما جائت إلى دورة المياة ، تحسست يدها اليسرى رقبتي لكنها كبحتها .
مراد: لكن فيما بعد هاجمتك .
يوسف: هذا خطأك .
مراد متفاجئاً: عذرا ؟!
يوسف: إذا لم تحاول ارسالها لاستجوابي لما هاجمتني .
ولاني ظهره و سار في طريقه و هو يقول : لا تحاول تبرئتها فهي ليست بصديقتك السفاحه .
ادرته اتجاهي ثم دفعت به صوب الحائط و أزدت الخناق على رقبته و انا اقول بنبره بارده : إذا ظننت
انني سأكون فأر تجاربك السابع فأنت مخطأ ، فأنا قد ارتب جريمه كامله لأجلك ، و أريد منك ان تفكر
في الرأي العام حينما يكتشفون ان مصر صارت مكبا للسفاحين .
ابتسم بسخريه و هو يقول : هل أعتبر هذا تهديدا لعدم الافشاء بأمرك ؟!
يوسف: انت لا يهمك إيجاد الحقيقه بل ينصب جل همك على اضافة عينة جديده لمختبرك اللعين .
مراد: لماذا تتخذني خصماً لك ، صدقني نحن في نفس الفريق .
ازدت الضغط على رقبته بمرفقي و انا اقول : صدقني انت ، انا لا اتشرف بأن اصير معك في الفريق
ذاته...........
ثم وصل ضغطي زروته وانا ارمقه بنظره باهته مجنونه لا تمتلك حدود ولا تعترف بالقانون : لا يوجد
ما يمنعني من قتلك هنا و الأن فنحن في مسرح للقتله و السفاحين على اي حال .
اوشك على الاختناق و بدأت يداه في التشنج و محاولة التشبث بأي امل في الحياة ........
نظرت إلى عينيه التي صارت خيوط الدماء تترسب على جبينهما ،ثم تركته و وخلعت عني نصف
الستره البيضاء التي لطختها الدماء و تبادلت النظرات مع ماري التي كانت تراقب الموقف
في صمت ، ثم نفخت في الزجاج الفاصل بيني و بينها و كتبت بإصبعي ( لا تقلقي لن اصير قاتلا ) .
ابتسمت و هي ترفع إلى إبهامها ، فرددت عليها بالمثل و اتجهت خارجا من قلعة الدماء التي قضيت بها
الساعات الأكثر جنونا في حياتي .
(( يمكنك ان تاتي لزيارتها في اي وقت تشاء ))
يوسف: ألا زالت حنجرتك تعمل ؟!
اطلق العنان لضحكاته ، ثم اخرج سيجار فاخره من جرابها و أشعلها ثم نفث أدخنتها و هو يتامل ظلمة
الليل : انا لم احضرك إلى هنا لاحقق في امرك ، كل ما في الأمر انني وجدت بك علاج لبعض الحالات
هنا ، فكرة علاجي هنا تندرج تحت مفهوم الاختلاط و التأثير إما ان تؤثر عليهم انت او يؤثرو هم عليك
و هذا هو طريقك في الحياة إما ان تصير مثلهم و إما ان تحتفظ بعقلك .
يوسف: مالذي سيجبرني على الاختلاط بهم ؟
مراد: انت بشري اكثر من اللازم .
ابتسمت بسخريه وانا اقول : يسعدني عدم تواجد ايا من جينات القوارد بداخلي هذا شيئ مطمئن حقا .
هم عائدا إلى داخل المشفى و هو يقول : ستدرك ماهية كلامي قريبا ، لكن تذكر هذا المكان بيتك الثاني
في حال رغبت في المجيئ .
اطلقت ضحكه تهكميه و انا اتمتم : كأني سأفكر في ذلك .
***
(( لم اصدق حينما دوى صوتك من هاتفي ))
يوسف: حسنا لم ارغب ان يراني احد بملابس المجانين هذه قبلك .
نزعت سترتها و ألبستني إياها و مريم تقول بحرج : حمدا لله اننا في الليل ، إذا رأك احدهم بهذه الهيئه
لكنت الان عائدا إلى هناك مره اخرى .
ضحكت و انا ألقي بجسدي على احد الارصفه القريبه ، ثم تاملت السماء و انا اقول : لا اظنني سأكره
ذلك .
دمعت عيناها و هي تقول : يا إلهي لقد جننت حقا ، كل هذا خطأي انا اسفه .
ضحكت مره أخرى ثم قلت : حسنا لقد جننت هل ستقبلين بي هكذا ؟
مريم: يكفي وجودك بجانبي فقط .
يوسف: هذه الجمله صارت تتردد كثيرا على مسامعي هذه الايام ، لم ادرك ان الجميع يرغب بوجودي
هكذا .
مريم بتحفز: من الذي اخبرك ان بهذه الجمله ؟
اجبتها بعفويه : فتاة التقيت بها في دورة المياة .
هل سأفتقد هذه اللحظات حقا ، هل من الممكن ان افكر في العوده إلى هناك مره أخرى ، لكن لحظه
واحده ما هذا السكون التام الذي حل هنا .......
ألتفت إلى مريم لأجدها تمسك بسكينها الذي ناولتها إياه قبل ان اختفي عنها منذ ايام .......
تأملت السكين و الأبتسامه القاتله تعلو وجهها : المكان في غاية الهدوء أليس كذلك ؟
توجست وبدا الجرح الذي سببته لي من قبل يبشرني بقدوم شقيق له في القريب العاجل ، فاحترمت
نفسي و رسمت البسمه على وجهي وانا اقول : المنحرفون لا يضعون علامات توضح دورة مياه الذكور
من الاناث فالجميع يدخل دورة المياة ذاتها ، و لم اكن هناك وحدي اقسم لك ........
اخرستني بإحتضانها لي و هي تذرف الدمع و تقول : ظننتني لن اراك ثانية ، إياك ان تبتعد هكذا مره
أخرى وإلا اخترقت هذه السكين في عنقك .
احتضنتها بشوق انا الأخر فقد افتقدت حقا هذه الطفله الصغيره التي طالما وجدتها بجواري في
ضيقتي ، ادمنتها حت صرت اصارع الجميع من اجلها ، كم هي كريهه حياتي بدونك يا قمري المضيئ.
***
نمت كثيراً هذه الليلة لدرجة أنني كنت على دراية بأن مواعيد جدولي اليومي تنهار لكنني لم أستطع أن أرفع رأسي عن الوسادة, ليس لعمق نومي لكن للتفكير الثقيل الذي أخمدها؛ فماذا الآن؟
أهذه هي النهاية السعيدة التي يجب أن أرقص لها طرباً, أم أن الأمر لم ينتهي بل تناسيته فحسب؟
نهضت أخيراً وجهزت إفطاري و عقلي لا ينفك عن التفكير لدرجة أن قهوتي قد ثارت و غرقت أعين الموقد لكنني لم ألاحظ, فأفكاري المتعلقة بندى لم تنتهي بعد فهي لازالت قاتلة و أنا لا أزال متستراً على كومة من الجرائم......
تناولت لقيمات إفطاري بتجهم و فتور, غير مبالي بهاتفي الذي لم يتوقف عن الرنين فلم أتخذ قراراً بعد عن الاجراء الذي يجب أن أتخذه ولا يُوجد من أستعين بمشورته.....
قضيت هذا اليوم بطوله أفكر و أبحث عن حل لهذه المعضلة لكن لم أجد....
و ها هو مزعج آخر يطرق باب شقتي لينتشلني من نهر الحيرة الذي أغرق به, لماذا تنقذني أيها الوغد؟
فتحت الباب لأجدها واقفة أمامي متقوسة القدمين, تتنحنح في خجل و تضع رقعة طبية على عينها اليسرى.....
انتصبت شعيراتي فزعاً من رقعتها الطبية, فقالت بحنق: كأنك رأيت شبحاً, لا تخف لن أُؤذيك.
رسمت الابتسامة على وجهي بشقاء, فكل مخاوفي و قلقي و توجسي تشكل لي في أول شيئ أراه في هذا اليوم المعتم.....
لم تنتظر مريم لأفسح لها المجال للدخول بل إقتحمت المنزل عنوة قائلة: منزل لطيف, لم يختلف عن آخر مرة رأيته بها, مبعثر و يبدو كمنزل مراهق لكنه لطيف.
هذه اللكنة الخشنه الفاترة لن تأتي من مريم التي أعرفها مطلقاً, إنها حتما.....
بترت أفكاري قائلة: طفولتها, أو نصفها الآخر, أياً كان ما تسميني به.
كان يجب أن أنطق بشيئ و إلا أثرت شكوكها و تحفزها, هكذا وجدت نفسي أعرض عليها بأدب: تريدين القهوة؟
رمقتني برهة بنظرة باردة بلا معنى, ثم رسمت على ثغرها إبتسامة مصطنعة قائلة: أجل من فضلك.
هكذا هرعت إلى المطبخ و كأنه الملجأ الأخير لي رغم أنها لم تكن تبعد عني سوى أمتارٍ قليلة.....
أدركت بعد أن غرقت في حيرتي أن الأمر فاقني ولم أعد أفهم منه شيئاً, لقد كان إستنتاجي صحيحاً في البداية حول إطضراب الهستيريا المزاجية أو أياً يكن لا أتذكر, لكن بقائي ليومٍ كامل في المشفى مع المرضى العقليين جعلني أعي كم أنا جاهل بأمورهم ولا أستطيع التنبؤ بأفكارهم, و هذا ما جعلني منغلقاً على نفسي منذ الصباح لا أدري كيف أتعامل مع مريم الآن......
أتترك القهوة لتثور هكذا عادة؟
نطقت مريم جملتها بتهكم فإنتفضت و أمسكن بالقدر الصغير فاحترق إصبعي, فأفرجت عن ضحكة خافتة و هي تتمتم قائلة: أحمق.
أعددت قدراً آخر و إنتبهت له هذه المرة, ثم صببت القهوة لي ولها ووضعت الكوبين على المنضدة ثم جلست على المقعد المقابل لها متسائلاً بشيئ من الهدوء: حسناً, فلتخبريني بما يحدث هنا, لأنني لم أعد أفهم شيئاً, ولا تخاطبيني كالمرة السابقي كطبيبٍ نفسي أو عاقل يحاول معالجتك, بل كأحمق يستمع إليكِ.
هزت رأسها موافقة وهي تقول: هذا أفضل, فلا يوجد من يشعر بالارتياح برفقة العقلاء.
ثم رشفت من كوب القهوة غير مكترثة بسخونته ثم أردفت: أتدرك هذا الأمر حينما تتألم من شيئ يفوق قدرتك فتفتعل ألماً آخر أقل وطأة, هكذا بدأ الأمر.....
ثم رشفت مرة أخرى من الكوب وواصلت: لقد مررت ذات مرة من هذا الطريق لأقابل رجلاً عجوزاً متسولاً, أشفقت عليه و أخرجت من حقيبتي عدة عملات معدني و ناولتها له, لكنه حينما لامس يدي هذه اللمسة الشهونية المتوحشة, صُعق ذهني و اجتاحته ذاكرة الطفولة الجحيمية برمتها, فهذا الرجل العجوز كان أربعينياً ذات يوم و هو يختطفني من جوار والدتي ليحضرني إلى مكب نفايات أو أياً يكن هذا المكان النتن الذي أخذني إليه ليدلهم علي العديد من هذه الوحوش القذرة و ينتهكون جسدي الصغير بلا رحمة......
بدت عليها القشعريرة و الارتعاد من تذكر هذه الأمور البشعة التي حلت بها و التي أذهلتني و أصابتني بالخرس التام, حتى أخرجت علبة تبغ من حقيبتها و أخذت منها لفافة و أشعلتها و نفثت دخانها قائلاً بمشاكسة صبيانية: نسيت أن أخبرك, مريم تدخن إن لم تكن تمانع, و حتى إن كنت تمانع فأنا من أدخن حقيقة وليس هي, فما أحمله في ذهني نيابة عنها يفوق الاحتمال.....
لم أعلق فخقوط الحقيقة تنكشف لي لتخبرني كم أنا مغفل لا أعرف شيئاً عن أقرب الأشخاص إلي و ها أنا أتلقى الصدمات واحدة تلو الأخرى فبأي حقٍ أتحدث؟
لم تعر ملامحي الباهتة إهتماماً بل تابعت بطريقتها اللامبالية بأي شيئ: لا أحتاج أن أخبرك بما فعلوه بي فشناعته واضحة من غلي و حقدي عليهم, فحينما رأيت هذا العجوز تملكت عقل مريم ووعيها و راقبته طوال اليوم دون أن يلاحظ, ثم أحضرت سكين المطبخ و طعنتها بعنقه, لم تكفني ضربة واحدة أو إثنتين, بل مزقته تمزيقاً حتى غابت ملامحه, ثم تربصت بهم جميعاً, كل واحدٍ منهم على حدى, ثم كان هناك أنت.....
ارتعدت فرائصي كأن دوري قد حان في إختبارٍ شفهي, فسألتها محاولاً تبرئة نفسي من خطأ لا أدري أرتكبته أم لا: لم أفعل شيئ يؤذي مريم.....
لقد كنت تقف حائل بيننا و بين الانتقام.
نطقت مريم, أو بالأدق مريم الشريرة هذه الجملة فتسألت بإحتاج: كيف تقولين ذلك بعد أن أنقذتها و كادت تقتلني.
ابتسمت لسذاجتي و رشفت ما تبقى من القهوة ثم أجابتني قائلة: أتظن الأمر كان هيناً عليها ان تقتل أمامك, لا تنسى أن هذا جسدها و هذه مشاعرها و هي من ستقتل في نهاية المطاف, فلن أفعل شيئاً ما لم تأذن لي, لهذا كان يجب أن أتخلص منك دون أن أذيها, فأردت إبعادك قليلاً عن طريق إقحامك في جريمة لم ترتكبها, لكنك رفضت تركنا و شأننا إلى الآن, و بالأمس جعلتها تقرر أن تعدل عن هذا الطريق, قد لا تقصد ذلك لكنك تؤثر بها دون أن تشعر, لها أطلب منك أن تبتعد عنها.
صمت بعض الوقت مفكراً في ردٍ لائق, فلن أكذب عليك إن أخبرتك أنني كنت أفكر في هذا بالفعل, فمريم قاتله و لا يجب أن يلومني ضميري على الافتراق عنها و فوق كل ذلك تشرب السجائر, قد أتسامح مع القتل لكن لن أتهاون أبداً مع شرب السجائر.....
لكنني أشعر الآن أنني مجرد وغدٍ وضيع يترك من يحب لأنها قاتله!!
هكذا وجدت نفسي أقول دون وعي: لا أستطيع.
مطت حاجبيها قائلة بلهجة من تنبأ بهذا الرد: إذا لم تترك أمامي حلاً آخر.....
ثم أطفأت لفافة التبغ في كوب القهوة و همت بالذهاب قائلة بتهكم: الوداع أيها المحب الواقع في الغرام, فلتحرص على إغلاق النوافذ جيداً, فمنتصف الليل ليس ببعيد.
ثم صكت الباب خلفها بقوة و غضب معبأين بالوعيد و التربص, و أدركت أن ليلتي لن تكون هنئة أبداً.
***