الفصل العاشر

••
صـوت الـجرس دق بـالمكان ، لـيهرول احد الـأطفال و يـقوم بـفتحه ..
وقـف ينـظر لـتلك الـشابة الـحسنة الـواقفة على استحـياء تـسأل :-

_ صـباح الـخير يا حـبيبي ، ممـكن تنـدهلي حـد كـبير اكـلمه ؟

صـرخ الـطفل يـلوح بـكفيه امـامها :-

_ و انـا مش عـاجبك و لا مـش اد الـمقام يعني ؟؟؟

ارتـدت الـفتاة للـخلف تـزمجر من بين اسنـانها على ذلك الـطفل ، فـي نفس الـوقت اتت والـدته تـعنـفه مـن مـلابسه :-

_ كـام مرة اقـولك تلـبس هـدومك ، مـبتسمعش الـكلام و قـاعدلي لـيل نهـار بـالفانلة ليـه على ايـه اومـال لو كـان فيـك عضـمتين زيـادة هـتعمل فيـنا ايه هـا انطق ؟!

ظلـت تـعنفه بـتلك الـكلمات و بـكفها الـآخر حـذاء مُـتلف يطرق على جـسده عـدة طـرقات .. لاحظت وجـود فـتاة تنـظر بـصدمة نحوهما فـإلتفتت لها بـتساؤل :-

_ ايـوة ؟؟

اسـتجمعت الـفتاة شجـاعتها قليلاً ، لـتبتسم بـهدوء مُجيبة :-

_ حـضرِتك هو دكـتور زيـن مـوجود ؟؟

وقـفت اخـت زين تُـحدق لـها ببـلاهة :-

_ مـين ؟

اعـادت تــاج الـسؤال ، لـتبتسم بسخافـة الـأخرى و قد رحـبت بها بـجنون :-

_ ايـه الـي مـوجود ؟ ده مـوجود و لو مش مـوجود نجيبهولـك مـن سـابع ارض اتـفضلي اتـفضلي ..!

لـم تـحتاج للـقول ، فـقد دفـعتها فوراً للـداخل كـادت ان تسـقط على وجههـا بـسبب ذلـك ..
نـظرت تــاج بـشك نحوهـا خـاصة بعد ان نـدهت والـدتها بـصوتها الـمرتفع الـمزعج :-

_ يـا أمــــــا ! تـعالى بـسرعة ضـيوف لـزين ، اللـي عـليه الـكلام و الـعين و الـقلب مـايله يـا ام زيــن !!

لـم تفـهم تــاج تـلك الـطلاسم ، و لـم تـاخذ وقتاً بـالتفكير ..
انـهال عليها اخـواته الـأخريات بـالتقبيل و الـتأملات !

ابتـعدت تـاج تـحاول استـيعاب مـا الذي يـصير الآن ؟

انـقذتها ايـضاً والـدته :-

_ اوعـى انتي و هى من سكتي ، يـلا كـل واحدة على شـغلها مش عـايزة اشوف حد هنا !

انـصرف الـجميع على مضض ، لـتبتسم " زيـنب " والـدة زيـن لـها بـإعتذار :-

_ انـا آسفة عـلى الـدوشة اللـي حـصلت دي ، بس احـنا مش بـيجيلنا ضيـوف كـتير فـفرحانين بيكي .. مـا بـالك لو مـن طـرف زيـن ؟

ردت تـاج الـإبتسامة بـمثلها ، تنـفى مـا سمعتـه للـتو :-

_ محـصلش حـاجة و بعـدين ضـيوف ايـه ؟ انـا بس حـبيت لـو اشـوف دكـتور زيـن لـإن ابن اخـتي تعب فـجأة و .. و دكتـور زيـن اللـي كـان بيـعالجه بس !

صـرت تـاج على اسنـانها تتـمنى ان تنـخدع " زيـنب " بـكذبتها ..
فـي الـمقابل اكـتفت زيــنب بـإيماءة بـسيطة ، و تـجولت مقـلتاها تـكتشفها و تتـفحص جيـداً ..

شـعرت بـالريبة تجـاههن ، الـحال لـيس طـبيعي لـتجلس اكـثر مـن ذلك ؟

_ هـو هنـا ؟ اقـصد دكتـور زيـن هـنا ؟!

_ هـو خـرج مـن شـوية ، هبـعتلك حـد يـروح يجـيبهولك .. بس قـوليلي انتي اسمـك ايـه بقى يا حـلوة ؟

ظـلت " زيـنب " تنـهال بـالأسئلة على تــاج حـياتها دراسـتها عـملها حتى عـلاقتها الـعاطفية .. شعـرت تـاج بـالإختناق و الـملل مـن تـلك الـمُحادثة فـحمحمت بـحرج و ابـتسامة لـطيفة :-

_ هـو انـا آسفة بـس مـستعجلة و ابن اخـتي تعـبان جـداً مينفـعش اتـأخر عـليه و انا مـشواري طـويل ، فـلو مافيهاش ازعـاج ممـكن اشـوف دكـتور زيـن مـن فـضلك ؟

ضـربت زينب كـفها على ذراعـيها بـعتاب :-

_ عينيّا يا حـبيبتي حـاضر ، بس متصلتيش بـيه لـيه بـدل الـدوخة دي كـلها ؟!

تـزغللت مـقلتان تــاج فـي الـارجاء ، تـحاول الـعثور على حُـجة وجـدتها مـن الـفراغ :-

_ مـاهو كـان مقفـول ..

نهـضت زيـنب بـتثاقل تبتـسم لهـا بـإنشكاح ، ولـتها ظهرهـا و خـرجت لـتتبدل مـلامحها فـوراً ..
لـوت فمـها بـتهكم ، و هـرول اخـوات زيـن عـليها :-

_ هـا ايـه اللـي حصـل ؟ طـلعت صـحبته خـطيبته حـبيبته ؟؟

_ اوعـى تـقولي يا مـامـا انـه غلط مـعـاها و جـاية تتسـتر عـلى الـفضيحة ؟!

هـتفت الـثالثة بـهم تـزمجر بـإستهجان :-

_ بس يـا مُـتخلفة مـنك لـيها !! قـوليلي انـا يا ماما طـلبت ايـده و لا لـسا ؟

زفـرت زينب بـنفاذ صبر لـتدفعهم مـن امـامها سـاخطة عليهن :-

_ اوعـى اوعـى انتي و هى من وشيي هـتشـلوني !!

استوقـفتها احداهـن تُصـيح :-

_ استني بس يا امـا هتروحي فـين و تسيبي الـبسكوتة اللـي جوا دي ؟!

وقـفت زينب على مـضضٍ :-

_ روحي انـدهيلي ابنـك ، خـليه يجي يـوصلها لـزين فـي الـحتة اللـي بيقعد فيها دائماً دي ..

رفـعت ذراعيها ببـلاهة مُسـتنكرة :-

_ طـب مـا تبـعتي الـواد يـروح يجيب زيـن و يجي و اهـم يبقوا تحت عـينك بـدل مـا الـجمبري يـلعب هـنا ولا هـنا و الـشيطان شـاطر !

صـاحت زينب و انكمشت جـفونها عن عينيها الـكاحلتين فـأضافت لها لـمحة وقـار :-

_ انـا قـولت كـلمتي تتـنفذ مـن غير نـقاش سمعـاني انتي و هى ؟
نـاديلي عُـمر عشـان يـوصلها …!

تـحركت زينب للـأمام تهمهم بين اسنانـها بـسخرية :-

قـال تليفونه مـقفول قـال !

••

استـعادت تـاج انفـاسها ، حـاولت ابـقاء اتزانـها الـنفسي بـعد جـلسة مـن الـتحقيق الـعصيبة ..
لمـحت مـجموعة مـن الـصور الـصغيرة الـمعلقة على الـجدران ، فـنهضت بـحذرٍ شـديد مُـتوجهة لـتلك الـ صور ..

ظـلت تُـحدق فيهم دون تـوقف ، شـخص يقف يرتدي بنـطاله الـصوفيّ مـن اللـون الـرماديّ ، و قـميص ابـيض مغلقة ازراه جـميعها فوقـه ستـرة سوداء ثـقيلة تُـعطيه نصف حجـمه الـاصلي !
نـظارة طبية تـستر نصف وجهـه ، و قـصة شعـر كـوميدية مـع ابتسامـة سمـجة يبتسم بـها يبدو انه كان مُـجبر عليها !
امسكتها تتـمعن فيها بـوضوح ، الـملامح ؟!! الـملامح واحـدة ثـابتة !

" لا لا لا .. اكيد ده اخـوه و لا واحد شبهه ! "

هـكذا تمتمت بـخوف بينما سبابـتها تسير ذهابـاً و إيـاباً على سطح الـصورة ..

_ معـلش يا حبيبتي اتـأخرت علـيكي ! كـنت بـندهلك الـواد عُـمر عـشان يـوصلك لـزين ...

ابتسمت تـاج بـتوتر تُـعيد الـصورة لـمحلها ، اعـتذرت بـخجل :-

_ انـا آسفة بس الـصور شدتنـي ..

ضـحكت زيـنب عـلى تـوترها الـمُبالغ فـيه ، ربـتت على ذراعيـها تحتويه :-

_ الـبيت بيـتك مفيش داعى تعتذري ، قوليلي بقى ... ايه رأيـك فـي زيـن قـبل الـنيولوك اللـي حصل ؟

هـذا زين ؟؟ فـغرت شفتـاها مُـنصدمة ، كـيف يـكون ذلك الـشاب الـوسيم الـمُـثير كـيف !
همـست بـصوتٍ يكـاد يُـسمع :-

_ ده زيــن ؟ مـش معقول !

سمـعتها زينـب الـتي بـالعادة تسمع طـرقات الـنمل ..:-

_ لـيه مش مـعقول ؟ شـايفاه اكـعت و لا بـعين واحدة !

تـقلقت الـحروف داخـل حلـقها فـخرجت بـذبذبة مـرتجفة :-

_ ا .. اصل بس يعني ، مش شبه زيــن بـعد الـنيولوك ابـداً !!

تنـهدت زيـنب بـعمق ، شـردت بـالصورة :-

_ هـو مش شبهه فـعلاً ! اتـغير …

نفـضت رأسـها لـتعاود الابتسـامة الـحنونة محياها :-

_ عـمر زمـانه جـاي هـيوصلك لـزين ، لـو مـش حـابة انـا ممكن اخـليه يبعت لـزين و يجي بس حبيت تتـفرجي على الـبلد .. شكلك اول مـرة تيجي ؟

اومـأت بـإيجاب و إيجـاز :-

_ ايـوة اول مـرة ، و اكـيد حـابة كدة ..

لا تعلـم لـما ازدادت دقـات فـؤادها ، احـمرت وجنتاهـا بـقلق مـن الـآتي خـاصة بعد ان اتى " عُـمر " الـصغير لـإصطحابها ..

لكن هـدأت نفسـها بـأن كل شئ اصـبح بـخير ، لـيست مـريضة و لـيس بـشيطان ..

صحـيح …؟؟ !

••

كـان زيـن ممـدداً على الـأرجوحة الـمعلقة بين الـخشبتين ، ينـظر للـسماء الـصافية مـن فوقـه .. تمـنى لو حيـاته صـافية مثلـها لـكم سيـصبح سعيداً !!

بـدأ في غـناء اغـنيته الـمفضلة لـتكمل روعـة الجـو ، و لـيبوح بـمشاعره الـكامنة داخـل طيـات قلـبه الـمجروح،
انـدمج مـع الـأغنية ، غنـاها رغم قـبح صوتـه لـكن دون شـعور منـه خرجـت الـكلمات عـلّها تهدئ عذاب فـؤاده ..
سمـع تكمـلة للـأغنية و لكـن بـصوتٍ آخر ، بـصوتٍ عـذب انثوي جـعله ينـظر خـلفه مصعوقـاً عندمـا رآهـا ..


تـقف خـلفه على بعد امتـار ، اكـملت اغـنيته الـمفضلة فـانـفغرت شفـاهه غير مصدقـة وجـودها ، اتـسعت مقـلـتيه تتـفحصها جيداً .. تهـللت اسـارير فـؤاده حتى شعـر بـه يندلـع من مـوضعه ..

ابـتلع ريقـه بـصعوبة ، و اعـتدل فـي وضعيته يـحاول الـنزول مـن على الـأرجوحـة و سـؤال واحد بـخياله

- يـا إلـه الـكون انـا بـحلمٍ امـ عـلم !! -
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي