لأجلها أصبحت شيطانا

نوران شعبان`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-06-25ضع على الرف
  • 23.4K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

••
الخامس من مايو و تحديدًا في منتصف الليل،
ليلة من ليالي الربيع الهادئة، يهب الهواء المنعش يمينًا و يسارًا و مع كل دفعة هواء تتراقص شعراتها التي تشبعت بلون خشب الورد معه بـعشوائية لطيفة تليق معها، كان الهواء منعش و لكن أيضًا اختلط معه القليل من لمسات البرد، و على الرغم من ذلك، و على الرغم من أنها أيضًا ترتدي كنزة صيفية خفيفة لا تكاد أن تتصدى لتلك الموجات الهوائية الباردة لم تشعر تلك الشابة الجميلة بـ البرودة إطلاقًا، كانت الحماسة تدب في أوصالها مصدرة هالة من الأدرينالين تجعلها تشعر بالدفء لا إراديًا...
مـرت الــدقـائـق و الـثوانِ و لـازالـت هـى قابـعة بـمكانـها،
تـحدق من بين فراغـات الـنافذة بـنظراتها الهائمـة، بـأعينها اللـامعة ، و دقـات قـلبٍها تتضارب بشكل لطيف..

لـا تـعلم كم مرّ من الـوقت و هى بـتلك الـحالة الـضائعة، لـكن كـل ما تـيقنت منـه أنها أسعد الـلحظـات الـتي عاشتـها و حتماً ستـعيش به‍ا ..

ذلك الـشاب الـوسيم منذ أن استوطن الـمنزل الـمقابل لها و هى تـرقد خلف نافـذتها تنـتظره بـالساعات حتى يـهِّل بـهالته التي تفتك بها و يـقف في شُرفة غرفتـه،
شرفة غرفتـه التي شاء الـقدر الـعظيم أن تصبح مقابل شرفتـها مباشرةً !

عـضت شفتـها السفلى بـخبثٍ مُطالِعة إيـاه ، بـشرته الـذهبية تـذكرها بـ الصيف و تحديدًا عندما تسقط أشعة الشمس الحارة على تلك الرمال البيضاء التي تحيط بالبحر فتنقلب الرمال تدريجيًا إلى ذلك اللون البرونزي الجميل..
و هو أيضا على ما يبدو لم يتأثر بضربات الهواء الباردة، فنجده يرتدي فانلة بيضاء طُبعت على جسمه فـتبين لها عضلـات صدره الـصلبة و عضـلاته الـسداسية الـمتناسِقة ..
تـلك الـعروق الـبارزة من معصمـيه و هو يدخـن سيكـاره كـالعادة تشـبه سيول الـماء الـچارية الي حدٍ كبير !

- كـأنها جـزءاً مـن الـطبـيعة ؟

نـظرت خلفـها لـتلمع فكرةٌ ما بـخاطرها، و لم تـلبث سوى ثوانٍ حتى كـانت تجتاز عتبة غرفتـها مُختلسة الـخطوات على انـامل قدميها ..

تأكدت من ان جميع من في الـمنزل يغط في سبات عميق فـابتسمت بـحماس عائدة لـمآواها مرةً اخرى،
وضعت يـدها على مقبض الـشيش الخشبي الذي كانت تراقبه من خلفه على استحياء استعداداً لـفتحه ، و في ذلك الوقت رنّت جملة والدها من الذكريات عندما كانوا يجتمعون حول مائدة الطعام في لحظة نادرة :

" الشارع كله مالوش كلام غير على الراجل الغريب اللي سكن في الشقة اللي قصادنا على طول، بيقولوا عليه لبش و أيده واصلة للسما، معرفش انا الاشكال دي سايبين الڤيلل بتاعتهم و جايين الشارع عندنا ليه ! "

ارتشف من وعاء الشوربة أمامه مصدرًا صوتًا يدل على استمتاعه بمذاقها، ليكمل بعدها مسترسلًا :

" المهم ادينا عرفنا، ياريت تحاولي تقفلي بلكونة اوضتك يا تاج لأنها في وشه على طول، مانضمنش شره ممكن يوصل ل إيه .. "

امتدت يده بحماس نحو تلك الفرخة أمامه ليقطعها بعنف قليلًا و بدأ في التهامها بشراسة و هو يهمهم بدون انتباه :

" يمكن يطلع زعيم مافيا زي الأفلام! "

- اخــطر رجـل بــالعالم ؟؟! -

لـمعت عـيناها بـوميض الـحماس و هى تـتخيل الـآتي " زعيم مافيا " و هذا يعني :- قـتل و تدمـير و سحق كل من يتعرض لـدَربِه !
و هذا يعني :- انها فرصة لن تتكرر مرتين
هذا يعني :- انها و اخيراً سـتعيش چولـة من چولات احلامـها الـخيالية ،
هذا يعني :- ان جمـيع الـروايات و الـقصص الاسطورية التي قرأت و سمعت عنها ستـعيشها اخيراً !
سـتصبح الـبطلة الـجميلة ، و هو الـوحش القاسي الـمُفترس ..
ستصبح الـأميرة الـنائمة التي ستـسقط الـامير الـمغرور بــشباكها ..
و سيـصبح وحـشها الـلعين الذي طالـما عذّبها .!

لم تتـمهل و لَوت الـمقبض لـيتحرر من عـقدته و تـنفتح الـنافذة على مصرعيها ، كانـت مـلامحهـا حماسـية متوهـچة قبل ان تتـحول للـغضب و الـحنق ؛ فـهى لـم تجده بـالتأكيـد ذهـب لـإلحاق نـومه كـالبقية ..

شـدت قبـضتها على شعرهـا تـجِز على أسنانهـا ، فـكانت حقاً متحمسة لـرؤيته وجهاً لـوجهٍ و لكن ربـما تأخـرت قليلاً .
جابـت الـشرفة يميناً و يساراً لـتهديء من روعـها حتى وقـفت في الـمنتصف فـاغرةً فمهـا تمـاماً عندما وجدتـه يـقف في شـرفته مستنـداً على حافة السور بـابتسامة مـاكرة .!

وقـفت مكانـها تـحدق به و بـإبتسامته التي زادته وسامةً فـكان حقاً يشبه أبـطال الـروايات التي تقرأها .. لا لا ليس يشبهـهم فقط بـل و كأنـه واحداً منهم !
شـعره الـأسود الـلامع ، عـيناه الـسودوان الـمنطفئتان بـجاذبية و وقّار ، ذقنه الـتي تكاد تلمحـها من خفتـها ..!

شـهقت بـخفة عندمـا رأته يـرفع كأسه الذي لم تتعرف كثيرًا على محتواه أو بالأحرى لم تهتم، رفعه للأعلى ناظـراً لها كأنه يـحييها، و يبعت لها نظرات ماكرة ب عينيه..
تـوقفت الـحروف بـحلقها و جهلت تماماً ماذا تـفعل الآن ، و على عَجَلٍ دخلـت لـغرفتها ثانيةً مُغلقة النافذة خـلفها ..

وقـفت خلف الـنافذة تضع يدهـا على قلـبها محاولةً تهدئـته ، و ابـتسمت بـبلاهة قبل ان تـتوجه لـذلك الـركن الـمظلم في آخر الـغرفة و تعود لـجلستها الـقرفصاء دافِنة وچهها بين ركـبتيها ، مستسلمة لـلـخيال بدلاً من الـنوم ...

- تــاج عصـام -
فـي الـعقد الـثاني من عمرهـا ، تـعشق كـل ما يخص الـخيال مـن قصص اسطورية و روايـات و غيرها ..
و خاصـة ذلك الـنوع الذي يـظهر دور الـبطل الـقاسي الـشرس و الـبطلة الـمتمردة سليطة اللـسان و الذي يـنتهى بـقصة حب بعد عـذاب كـالمُعتاد ..
سـاعدتـها مـلامحـها الـبديعة الـمنمقة من أعـينٍ مـائلة لـخضار الـعشب ، و شَـعرٍ طـويلٍ ممـوج يـتلون بين الـأسود و الـبندقي ، و بـشرة صـافية من اللـون الـقمحي على تـرسيخ مبدأ قصص الـحب في وعـيها ، فـأصبحت تنتظر ذاك الـيوم الذي ستـتقابل اعـينها مع اخرى حادة قاسـية فتذوبـان فوراً امام جمالهما !

••
العاشر من مايو، و قد مرّ خمسة أيام منذ أن رأت جارها الوسيم..
كانت قـابعة في نفس الـركن الـخاص بها بغرفتها و الذي لطالما لجئت إليه في جميع الأوقات، كأن في ذلك الركن جاذبية شديدة دومًا تجعلها تهرب إليه، أو ربما مجرد اعتياد ؟ كانت تأخذ وضعية القرفصاء و هى تخبيء وجهها بين ركبتيها عندما دخـلت اُختها الـتي تكـبرها بـسبعة سنين لتتفاجيء بالظلام المخيم على الغرفة و تلك الهالة الكئيبة التي تنبعث منها، أضاءت نور الغرفة لتجد أختها الصغيرة كعادتها جالسة هناك فاقتربت منها بشيء من السرعة و دنت لمستواها هاتفة :

_ أوطى خلق الله اللي نست إن ليها أخت تعـبرها و تسأل عليها عاملة إيه يا تراا ؟

لم تتلق " إيمان " الأخت الكبرى ردًا، فوضعت كفها على كتف تاج تنبهها بوجودها و في تلك اللحظة رفعت تاج رأسها و كأنها استيقظت للتو، مسحت على وجهها تتنهد في هدوء لـتكمل " ايمان " قائلة في إحباط :

_ توقعت هتاخديني بالحضن و لا حاجة..

تحركت تاج أخيرا و ضمت أختها إليها بشيء من الفتور و البرودة، لتهمس بصوت منخفض نسبيا :

_ معلش انا لسه صاحية من النوم فتلاقيني مش فايقة اد كدة بس..

رفعت " ايمان " إحدى حاجبيها باستنكار لتردف :

_ و انتي كنتي نايمة على قعدتك كدة ؟

تريثت " تاج " لثانيتين لتجاوب باندفاع:

_ لا طبعا، كنت نايمة عادي على السرير بس نمت تاني على نفسي من شوية.

سكتت الأخت الكبرى بينما لوت شفتيها بـإستياء واضح على حالة الأخت الصغرى، أكملت " تـاج " قائلة:

_ يا رب متتكلميش على نفس الموضوع تاني، أنا مش قادرة اسمع حاجة.

أغمضت " ايمان " جفنيها في هدوء و هى تفكر في تلك الحالة المملة التي علقت بها " تـاج " لفترة زمنية ليست قصيرة، فتحتهما على مهل لتنظر لتلك الهالات التي تقبع أسفل عيني تاج، و قالت بهدوء :

_ انا مش عارفة انتي عاجبك حالك ده ازاي، قاعدة في اوضتك أربعة و عشرين ساعة بالعافية لما تطلعي تقعدي معاهم على الغدا حتى و التليفون مش بتسيبيه من ايدك، الناس كلها في سنك بتنزل تخرج و تتفسح و تتعرف على ناس جديدة و انتي قاعدالي كدة في كورنر الاوضة مبتتحركيش..

زفـرت " تـاج " و أغمضت عينيها بـملل، كما تشعر دائما عندما يحدثها أحد ما على هذا الموضوع السخيف بالنسبة لها، بينما اكملت " إيمان " :

_ على العموم براحتك انا مش هتكلم، انتي حتى المفروض مبقتيش صغيرة على الكلام ده كل شوية..

صدح صوت طفلها الصغير يبكي بالخارج، فنهضت بتأفف لـتلحق به، و بعدها نهضت تاج تغلق ذلك النور المزعج الذي تركته " إيمان " و قبل أن تعود لتجلس مكانها توجهت لـشرفة الغرفة تختلس الأنظار بين فتحات الشيش الخشبي لعل و عسى يُتاح لها رؤية جـارها الجديد و لكن تحولت ملامحها لأخرى محبطة و عاودت الجلوس في نفس مكانها، تهمس بـصوت منخفض محدثة نفسها :

" حقيقي مش عارفة ليه صعب أوي على البني آدم يعيش بالطريقة اللي هو حاببها أو يعمل اللي يحبه بجد، لازم كل واحد يجي يرمي آراءه السلبية و نقده الممل من غير اي هدف "

تريثت لمدة ثانيتين، لتسود عيناها و هى تكمل بإحباط :

" مـمـلـيـن.. "

نهضت مرة أخرى ناحية الشرفة، و لكن هذه المرة لم تقف خلف الشيش مختبئة، بل فتحته على مصراعيه بقوة لـيأتي هواءً لطيفًا يداعب وجهها الجميل الذي يحمل ملامح بريئة نوعا ما، أخذت نفسًا عميقًا و هى تتحدث داخليًا مع نفسها :

" أكيد يوم من الأيام الملل ده هيروح، و هييجي واحد يخلي ايامي كلها مختلفة و بعيدة عن الكلام التقليدي ده، واحد يكون مختلف عنهم كلهم، يكون زي ما بتمنى دايما و يقدر يحقق لي أحلامي.. "

أطلقت زفيرًا قويًا و هى تحاول أن تؤكد صحة أفكارها و أمانيها لنفسها، فـتهمس قائلة :

" أكيد هيحصل.."

ازدادت قوة الرياح فجأة، لتزداد أيضًا تلك اللكمات الهوائية على وجهها مسببة شعورا ما بداخلها، شعور يخبرها بأن تفتح عينيها الآن..
فـاستجابت لذلك الشعور و بدأت جفونها بالانكماش تدريجيًا لتظهر عيناها الخضراوتان المنطفئتان، و على الرغم من ذلك الانطفاء كانتا جميلتان ..
كالعادة، وقع بصرها على ما هو أمامها مباشرة، غرفة ذلك البطل الذي اختلقت له قصة زعيم المافيا من قبل أن تعرفه أو تتأكد من تلك الشائعات الرائجة حوله، كان هو بشعره الأسود و بنيته المتناسقة، واقفًا بغرفته و قد ترك شباك الشرفة مفتوحًا على آخره بينما يقف أمام المرآة عاري الصدر...

وقفت تراقبه مفتوحة الثغر كالبلهاء، تنظر له لا إراديًا و قد احمرت وجنتيها أيضًا، رأته يبدأ في ارتداء قميصه الأسود و يغلق ازراره واحدًا تلو الآخر. شعرت في تلك اللحظة أنها حادة البصر و تستطيع تمييز كل إنشً في تلك الغرفة و ما تحتويه، حتى أنها تستطيع تمييز عدد تلك الازرار التي يغلقها، رأته يمسك بـزجاجة عطر سوداء و أخذ يضع من ذلك العطر تحت ذقنه مرة و بمختلف أنحاء جسده عمومًا، وجدته يمشط شعره الطويل نسبيًا بأصابعه فقط و على الرغم من ذلك كان يبدو جذابًا... جذّابًا جدا !

شهقت " تـاج " و احتلها التوتر عندما التف هو فجأةً و نظر لها نظرة .. ربما جانبية، و ربما عميقة ؟ لا تفهم لما التف من الأساس هل كان يلاحظ وجودها من البداية ؟
كان يرتدي ساعته و يحاول إحكام إغلاقها بينما عيناه تتركز عليها هى فقط.. و ملامحه لا تُقرَأ ...

شهقت " تـاج " أكثر و أكثر عندما وجدت من يضع يده على كتفيها من الخلف لـتلتف في خوف، و حينها رأت والدها ينظر لها غاضبًا قائلا :

" هو انا مش قولت بلاش تطلعي البلكونة خصوصا لو الراجل اللي في وشنا ده موجود ؟! "

تلبكت " تـاج " قليلا بينما لم ينتظر هو ردها، ف قد جذبها للداخل بهدوء بينما اوصد الشيش من خلفه تـاركًا ذلك الزعيم ينظر لهم تلك النظرة الجانبية ذات المغزى ....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي