الفصل الحادى والثاني

وصل كريم أمام بيته ليجد المنزل مظلم، فتح الباب ودخل ليجد زوجته ساجدة تناجى ربها فجلس على الاريكة ينتظر انتهائها.

&&&&&&&&
تحركت عبير بعد تقييد وموجة من الالم ناحية المقابر كى تكمل ما بدأه، وصلو الي هنالك بكل عزم وإصدار ثم جلس الرجل وزوجته أمام قبرا خالي من البشر وقال لها
- هنبدا شغل دلوقتي الا حصل هناك حاجه والا هنا حاجه وكله في الاخر عشان مصلحه ولادك.
كانت تدرك أنها مخطئة لكنلا تستطيع فعل شئ، نفذت كل ما طلب منها بكل حرف وعينيها تسقط دمعا كما تسقط الأشجار ثمارها، لم يلتفت لها أحد ولم يبحثو عن ما يبكيها بكل عماهم الشيطان حتي باتوا يرأون الصالح طالح، أنهت ما طلبوه كاملا ثم ذهبت إلى حيث أتت، الي المشفي لترى زوجها وابنته ثم تذهب الي ابنتها، طال الطريق وطال معه الذنب والندم لم تستطيع التحدث مع أحد وفضلت السكوت، وصلت بعدما قضت أكثر من 6ساعات في الطريق لكنها انتبهت على حالتها فغيرت مسارها إلى المنزل، دخلت المنزل وبدأت بالغسيل والاستحمام لعله ينضف جسدها من أثر ما حدث لها، لكن الرائحة عالقة في أنفها والذنب قد دنث جسدها ولا تستطيع الحديث.

أنهت إرتداء ملابسها وحملت ثياب الي زوجها وذهبت اليه بهدوء يقتلها من الداخل.

&&&&&&&&
وصلت حيث غرفة زوجها لتجد الأطباء يدخلون ويخرجون بسرعة وحالة من الهرج والمرج تدور في غرفته فزعت عندما رأت ذلك فتقدمت الى حيث زوجها فأوقفتها الممرضه قائلة
- راحه فين ياست استني المريض تعبان.
- انا مراته يا بنتي دخليني.
- ادخلك ازاي استني بس.
- مليش دعوه انا عايزة اشوفه، دخليني.
- ياست استني بس.

ثم اغلقت الباب بينهم بينما بقيت عبير تصرخ فيهم كى يجعلوها تدخل لزوجها، مر نصف ساعه وصراخها لم يتوقف وكذلك التوتر والهرج واامرج يفوق المكان حتى خرج الطبيب معلنا عن وفاة الزوج بعد تدهور حالته، صرخة رجت ارجاء المكان تجمع العديد من الناس حول السيدة التي ظلت تصرخ وتصرخ وتضرب وجهها مما جعلها ناقمة على امر الله معترضة لا راضيه بقضائه.
حضر سيد الى المكان بعد انتهاء عمله ليجد تجهر امام غرفه ابيه فاسرع يري امه ليجدها تبكي والجميع حولها، فسألها بفزع قائلا
_ ايه اللي حصل ياما في ايه.
- ابوك مات يابنى وسبني ملحقتش اشبع منه.

ذهل سيد ولم يتحدث بقي صامتا

&&&&&

انقضى الليل بما فيه من الم وصراخ وعويل واتي الصباح بعد مر اصاب القلب وادماه، كانت مني تبكي بهلع وصراخ يؤلم القلب والروح، ظل اليوم يسير بالم ودماء تسيل كل لحظة على موت محمود، كان أحمد وكريم في الصفوف الاولي من المعزين وكذلك جلس سيد يبكى بعد دفن ابيه وشكى الى ربه رحيل ابيه، بينما كانت نسمة تبكي على تقصيرها الايام الماضية حتي انها نست كيف راته اخر مره،
انتهي اليوم واتي الليل حاملا معه فراغ لا يدرى أحد من الناس كيف يأتي خاويا من حبيب فقدناه
حملت مني القلم وكتبت علي مذكرتها

بين ظلام العالم ووحشة القلب المخيفة
تساقطت قطرات الدمع كالزهرة الموجودة
بين أحضان الصحارى الجافة
تبكى الموت والهجر على طرقات الحياة
فهل تتذكروا يوماً معنى الخواء؟
أنه يشبه الشخص الوحيد بين غرفة
مغلقة بأصفاد مهيبة
تقتل الروح من شدة خوفها
وتقضى على الروح الغريبة
من أول لحظه هل تدرون أنها الحياة
فانيه بلا أناس مؤلمة حد السماء
لو يشعرون بالانين بين الضلوع
لشكو الليل السكون
لرب قادر على أجابه الخلق
وحاكما عليها بأنها قاتلة لا محالة.

اغلقت مذكرتها وافترشت الارض كى ترتاح من ما حدث طوال اليوم وتذكرت حنان ابيها وفقدته منذ الليلة الاولى.

&&&&

عاد كريم الى زوجته الحامل كى يرها ويطمئن عليها وجدها تبكي فأقترب بهلع منها وقال
- مالك يا هالة في ايه
_ تعبانه.... مش قادره اتحرك.
_ ليه هتولدى دلوقتي
- حاسه ياليلة بيضة.
انتي مش عارفه تستحملى شويه
- هو الوجع فيه شويه ارحمنى يا كريم

نظر لها مليا ثم حملها ونزلت الى السيارة وعاد مرة اخرى يأخذ ما يحتجانه كى لا يعود.

&&&&&&&


امام غرفة العمليات وقف يدور حول نفسه وهو ينتظر خروجهم من الباب لكن لم يخرج أحد ولا يتحرك.

خرجت الممرضه بعد وقت قليل تحمل بين يدها طفل يبكى ثم وضعته بين يديه وعادت كى يتعد الام للخروج، رن هاتفه فاخرجه وجده احمد اخيه، فتح الهاتف واجاب
_ ايه ياحمد خير
_ فينك يا كريم بطمن عليك
- في المستشفى
- خير تاني أي اللي حصل
_ مراتي بتولد
- ايه امتي دي فين وانا جايلك.
- مفيش................... قفل

بعدما اغلق الخط حمل احمد حاله وعاد الي المستشفى مرة اخرى، وجد كريم يقف امام الباب وزوجته يركونها ناحية غرفة قريبة من السلم فاسرع ناحيتهم ثم وقف امام اخيه وقال
_ يتربي في عزكم يارب ياكريم
_ الله يخليك يا حبيبي
- الحاجه عامله ايه دلوقتي
- الحاجه هتفرح بابنك تعال..... تعال
ثم سحبه من يديه ناحية الممر حتي وصلو امام غرفة العناية فدخل احمد حاملا معه ابن شقيقه ثم وضعه علي وجه امه، ارتسمت ضحكه بسيطه علي ملامحها ثم حركت اصبعها ببطء جعل احمد يدرك انها تشعر بابن شقيقه، بينما كان كريم يقف بالخارج يضحك ويبكى بسعادة لا توصف جعلته يدرك انه قائم على اخراجها من الموت مثلما كان السبب في ما حدث لها .
#يتبع

وصل امام غرفة العناية فدخل احمد حاملا معه الطفل ثم قربه من والدته ورفع يدها علي وجهه، وقف قليلا ثم شعر بالصغير يتمسك بأصابعها ويتحرك بتململ، دخل كريم الغرفة فحول احمد نظرته له ثم قال
_شوفت ابنك مسك اديها ازاي
_ ايوة كأنه بيقول اصحي يا نينه.
_ ايوة سبحان الله.
_ يلا يا كريم خده لامه وأنا جاى وراك.

اقترب حاملا صغيره من يد شقيقه ثم خرج بعدما قبلها من وجهها، سقطت دموع كريم علي حال والدته وما حصل لها ثم تذكّر انه السبب فقال
_ ليه ليه أنا السبب هي دنيتي كلها مكنتش لازم اعمل كده، خسرتها وخسرت نفسي ليه اعمل كده وعشان ايه.
وصل امام الغرفة فوجد الممرضه تضع المحاليل الجديد في يد زوجته فرفع عينه تجاهها وأنتظر حتي انهت ما بدأته ثم وضع الصغير بجوار امه، اقتربت الممرضه ترتمي عليه ف احتضنها بين يديه كي لا تسقط لكنه اقتربت تطبع قبله علي وجهه، برغم ذهوله إلا أنه كان لا يتحرك.

ظلت بضع دقايق في احضانه ثم قالت له شيء وخرجت بعدها، بينما ظل كما هو ينظر ناحية زوجته الراقدة وعينها تدور في انحاء المكان، تذكر زوجته مني وانه لم يرها اليوم ولم يسأل عنها فادار وجهه وجلس يفكر فيما سيفعل خلال الفترة القادمة، رن الهاتف الخاص بيه فإذ به يجد ابنه محمود، فتح الهاتف ثم قام
- مالك ياحودة في ايه
_ أنا زعلان.... زعلان منك أوى يابابا، متسالش عليا ولا علي أحمد حتي ماما منى بتعيط ومش عارفه انت فين.
- ماما مني ليه هي فين ولاشوفتها فين.
- قاعده معانا وزعقت لعمتو هند وخدتنا البيت.
- ومتصاتش بيا ليه ياحودة.
- لا اتصلت ومحدش رد حضرتك فين يابابا.
- انا في مشوار وجاي الصبح.
- خدو بالكم من تفسكم وانا راجع.
اغلق الهاتف ثم رماه إلى جواره ثم وضع يدي على وجهه وهو يتسأل
- منى رجعت قبل ما اعرف هعمل ايه، كمان الا نايمه دى مين هياخد بالو منها، هالة مش هتقدر تتحرك والواد معاذ مش هيسكت.
على سيرته بكى فقام من مكانه وجده يصرخ فحمله وظل يجوب الغرفة يمين ويسار حتى وجد هاله تقول
- هاتو وساعدني اتعدل.
سكت قليلا ثم فعل ما اخبرته به تحرك بالطفل ناحيتها ثم وضعهه الي جوارها وبدا برفعها حتى تجلس وتستعد لإرضاعه.

حملته بين يديها وهي جالسه منه ثم بدأت بإطعامه فرفع كريم يده كى يزيح دنوعها العالقة في اهدابها، وقفت قليلا كى يزيح دموعها بعدها استدارت عنه.

&&&&&&&&&

في المشفي

وجد أحمد والدته تحرك اطرافها فتحرك ناحيتها واحتضنها وظل يخبرها عن ما حدث في غيابها حتى انه قال لها
_ كان نفسي تشوفي معاذ وهو ماسك فيكى وفرحته بوجودك جنبه، كريم غلط لكن دول ذريّته ملهمش ذنب.

رفعت عالية يدها تربت علي وجهه في حنو بينما رفع احمد رأسه ليجدها تبكي في صمت، احتضنها ثم قبل رأسها وقال
- بتبكي علي ايه يا حبيبتي محدش يستاهل دموعك، ابنك راجل ومسؤال علي تصرفاته اوعي في يوم تزعلي علشان حاجه.


&&&&
نظر كريم مليا الى هالة

لا يعلم لما اليوم يرها مختلفة أو ربما ثيابها من أوحت له ذلك، حيث زينت وجهها بحجاب فيروزي يشبه لمعة عينيها الزرقاء مثل البحر في حضرتها، لتقول بصوت مهزوز ضعيف:
لا شكرا

أردت الاختلاء بنفسها والسكون ربما يريح سعير فؤادها المشتعل وأنين روحها المتألم، فالحياة تعطينا من الكوب سعاده مثلما تعطينا الحزن والآلم كل شئ بالتساوي، ربما رأت الألم لكن الدموع كفيله بشفاء روحها ومعافة جرحها.

جلس يحمل معاذ ثم قال
- شويه وهنروح بيتنا عشان تطمني علي نفسك وصحتك

هزت رأسها في طاعة ثم تركت عينيها تدور المكان وتبحث عن شي يجعلها تدرك انها زوجه بالخطأ لكن يبدو ان الخطأ لن يمحو.

&&&&&&
عاد احمد الي غرفة شقيقه وزوجته ثم طرق الباب وقال
_ كريم تعال شوف الحاجة فاقت
هرول كريم الى الخارج ثم بدأ بالسير الي غرفة والدته ليجد الممرضه التي كانت في غرفه هالة ف طريقه فقال
_ ياحمد ياحمد
تحرك احمد الي غرفة والدته وقف امام الفتاه
تركتهم الفتاه وتحركت ناحية غرفة والدته
...




&&&&&&
في الخارج وقف احمد يسأل ثم
_صحة الحاجة ع

قال الطبيب بتعجيل:
_ بخير لكن حالة القلب مجهدة ولكن لدينا حالة مرضية مستعجلة ساعود مرة اخرى، وقف الابن ينظر جهة رحيل الطبيب ليرى نور ومعها والدتها تبكى ليقترب ببطئ، استندت على الحائط ببطء بعدما جلست والدتها ثم قالت بصوت مبحوح:
_ أخشى أن يتركنا ابي واخى ليس هنا امى، حديثه لا يوحى غير بالرحيل اخبريني كيف سأعيش.

رفعت الام وجهها جهة ابنهاده ثم سحبت يدها لتضمها اليها
خرجت الممرضة ومن خلفها خرج الطبيب ومن معه، اقترب كريم بسرعة ثم سألت
الطبيب وقال
_في ان ولدتك مريضة لازم تاخد بتلها
_ إذا مرت الساعات التالية بخير ستكون بخير.

_ يارب يا دكتور يارب
خرج الطبيب تاركا خلفه قلوب ترتجف رعبا من فقد جديد.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي