الانطوائيه٣

.. كان يجلس فهد في غرفة مكتبه بأحدى شركاته، فكانت الغرفة كبيرة الحجم؛ لدرجة أنها تكفي لأقامة أسرة تضم سبعة أفراد، وبها مكتبة من الكتب ضخمة الحجم، ففيها أمهات الكتب، وتضم طاولة للاجتماعات كبيرة الحجم، بها العديد من الكراسي، وأنترية من الجلد الطبيعي، مستورد من أمريكا، وشزلونج أمام حائط من الزجاج، يطل على المدينة الصاخبة، وأخيراً مكتبه من خشب الزان الذى صمم خصيصاً له، فهو مطعم بماء الذهب الخالص، ظل فهد يدور بكرسي المكتب حول نفسه ويفكر، فمصطفى قد اخبره بقبول شذى للزواج منه، فضحك قليلاً عندما تذكر موقف شذى، عندما رأت لون عينيه، يالها من بلهاء! فهى تشعر بالخوف من لون عينيه الزرقاء، فكثير من الفتيات، يعشقن لون العيون الزرقاء، فالعيون الزرقاء كالبحر، يغريك لتقترب منه، ثم يتركك تغرق في أمواجه، وسرح قليلاً عندما تذكر وجهها الطفولي، وملامحها الجذابة، ثم أبتسم عندما تذكر خجلها الشديد، فأصبح الخجل والحياء عملة نادرة، في زمن ينعدم فيه البراءة، فقرر الأتصال بأمه، لكى يبشرها بالموافقة، ويحدد معها ميعاد الخطوبة لكى يبلغهم بها.
- صباح الخير يا ست الكل، صحتك عاملة أيه تمام؟ أنا قولت أقولك قبل ما أرجع البيت، المهندس مصطفى قالي أن العروسة موافقة، أيه رأيك نتفق على الخطوبة الاسبوع اللِ جاي؟ تمام أنا قولت أخد رأيك الأول، الفيلا.. تمام فكرة كويسه؛ بس مش شايفه أن حفلة الخطوبة لو كانت على الضيق، كانت هتكون أحسن، علشان بابا مش معانا، اللِ تشوفيه يا ست الكل.. مع السلامة يا أمي.
.. ضغط فهد على زر الأتصال بالسكرتيرة، الذى يوجد على مكتبه قائلاً:
-ابعتي المهندس مصطفى، دلوقتي.
- حاضر يا فندم.
.. عندما طلبت السكرتيرة حضور مصطفى لمكتب فهد باشا، ظل مصطفى يفكر هل طلب حضوره بشأن العمل، أم بشأن زواجه من أبنته؟ وعند وصوله لمكتب فهد، طرق على الباب للاستأذان بالدخول، حتى سمح فهد له بالدخول، ودخل المكتب قائلاً:
-تحت أمر سيادتك يا باشا، خير.
.. كان فهد يقرأ ملف مهم لصفقة ما، وخلال ذلك سمع طرق الباب فسمح بالدخول، وعندما رفع عينيه من الملف رأى المهندس مصطفى يقف أمامه، فطلب منه الجلوس، حتى يتحدث معه في تفاصيل الخطوبة وميعادها، وقال له:
-الأمر لله، ثم فهد باشا أيه، احنا خلاص بقينا نسايب وأهل، مش كده ولا أيه؟ بلاش رسميات، اتفضل واقف ليه، أنا كلمت والدتي واتفقنا تكون الخطوبة، الخميس اللِ جاي، يعني بعد أسبوع، في الفيلا عندنا.. أيه رأيك؟
- اللِ تشوفه الهانم.
- ومتشيلش هم أي مصاريف، كل حاجه عليا، حتى فستان الخطوبة.
.. شعر مصطفى بالحرج الشديد، ففرق المستوى الاجتماعي والأقتصادى كبير بينهم، فهو عجز عن أقامة حفلة خطوبة، بالأمكانيات التى تناسب العريس، فكان يتمنى أن يشعر بأنه من قام بتجهيزات ابنته، حتى ترتفع مكانتها وسط أهل زوجها، فحاول الاعتراض حتى يحفظ ماء وجهه قائلاً:
-بس يعنى...
-من غير بس، احنا بقينا عيلة واحدة، ولا أيه؟ على العموم والدتي هتتواصل مع العروسة " ان شاء الله" كله هيكون تمام.
.. كانت شذى تنام على بطنها في السرير، وهى ترفع رجليها، وتحركهم ذهاباً واياباً، وبيدها الهاتف تتحدث به مع صديقتها شيماء، لتحدثها عن الزواج وعريس الغفلة، وتحاول تبرير رفضها، بأظهارها مخاوفها من فكرة الزواج قائلة:
- يا شيماء افهميني أنا خايفة، الجواز دا حاجة وحشه مش كويسة، أنا كل لما اتخيل نفسي وأنا مع فهد لوحدنا، الفكرة نفسها بترعبني.
- أيه الهبل دا، أنتِ شايفه علاقه مامتك مع بباكي، حاجة مش كويسة.
- لأ طبعاً.. أيه اللِ دخل كلامنا، بعلاقة ماما مع بابا؟
- ليه مش هما متجوزين، اشمعنا بقااا.
.. فكرت شذى في كلام صديقتها شيماء للحظات، ثم نفضته من عقلها، فهى لا تفهم شيء من مخاوفها، فكيف لا تعلم تلك المخاوف وهى صديقة دربها؟ الا تعلم ما يحدث لها يومياً! شعورها بالخوف من الرجال، رعبها لو ظلت وسط مجموعة من الافراد؛ بدون حامي يحميها، فقلت لها وأنا منفعلة:
- انتِ مش فااااهمة حاجة، أنا بخاف أسلم على ولد أو حتى اكلمه كلمتين، عايزاني أزاي اتجوز بس! دا حتى انتِ اللِ صاحبتيني في الكُلية، أنا ماكنتش بكلم أي حد، مش بعرف أتعامل مع حد، بخاف من الأماكن والناس الغريبه، أزاي هعيش مع حد غريب، وابعد عن أهلي، دا من المستحيلات.
.. أنصتت شيماء بعناية لحديث شذى، وحاولت فهمها على قدر المستطاع، وظلت تحاول أقناعها بفكرة محاولة تقبله، وأعطاءه فرصة للتقرب منها، لعله يستطيع فك شفرتها، وعلاجها مما هى فيه، فقالت لها:
- انا تقريبا فهمت مشكلتك، بس زي ما اتعودتي عليا تتعودي على فهد، ويمكن تحبيه اكتر من اهلك نفسهم، ادى لنفسك فرصة تقربي منه، ويمكن هو اللِ يقدر يخرجك من عزلتك، اللي انا فشلت اني اخرجك منها.
- هحاول، شكرا لأنك معايا.
- بطلي عبط احنا اخوات، وانا بقااا معزومه في خطوبتك ولا هتستندلي معايا.
- رجلك قبل رجلي، اللِ مصبرني على الخطوبة؛ انك هتكوني جنبي، مش هتسبيني مش كدا؟
- دا اكيييد.
(يوم حفلة الخطوبة)
.. تم تجهيز الفيلا على أعلى مستوى، فأكبر شركة لتجهيز الأفراح، قامت بتصميم ديكورات؛ لتناسب حفلة الخطوبة، وحضر العديد من رجال الأعمال، سواء داخل مصر أو خارجها، فاليوم هو خطوبة أشهر وأغنى رجل أعمال في الشرق الأوسط، في الأعلى في غرفة فهد، نجده يرتدي البدلة الأسموكن، ويضع في يده، الساعة الرولكس، ويرتدي حذاء توم فورد، المصنوع من جلد التمساح، والمرصع بالألماس، وننتقل للغرفة المجاورة، حيث تجلس شذى أمام أشهر الميك اب ارتست، وترتدي فستان خطوبة، الذى صنع خصيصاً لها، من أشهر مصمم لفساتين الزفاف والخطوبة، وترتدي حذاء مرصع بالألماس، ذو كعب زجاجي، وترتدي فوق طرحة الزفاف، تاج مرصع بالأحجار النادرة، وتوسطها حجر من الالماس، ولكن شذى لم تكن سعيدة، فهى تشعر بالخوف من المجهول، وعند أنتهائها من تجهيز نفسها، أقتربت شهيناز هانم وهى تعاينها قائلة:
- ايه الجمال والحلاوة دي! لا يا منى.. لازم ترقى بنتك، بالجمال ده هتتحسد، دا فهد غيور جدا، لو شافها بالجمال دا، يمكن ما ينزلهاش لحفلة الخطوبة.
- عندك حق، بسم الله أرقيكي، من كل عين ما صلتش على النبي، ربنا يحميكي من كل عين حسوده{ قل اعوذ برب الفلق، من شر ما خلق، ومن شر غاسق اذا وقب، ومن شر النفاثات في العقد، ومن شد حاسد اذا حسد}
.. واثناء ذلك طرق فهد الباب للدخول، فضحكت أمه لشذى، وطلبت منها أنزال طرحة الزفاف على وجهها، حتى لا يجن فهد من جمالها، وبعد ذلك سمحت له بالدخول، فعند دخول فهد وقف قائلاً:
- مش هننزل ولا أيه! الكل حضر، واحنا تأخرنا، بس ممكن تسبقونا، أنا وشذى نزلين وراكم.
.. أول لما ماما نزلت، كنت هجري وراها، أزاي تسبني معاه لوحدي، وشيماء الكل*به نزلت تجيب حاجة وقالت عدولي، ينهار اسود دا بيقرب مني ليه ده؟! اضربه ولا اعمل ايه؟ استرها يارب.
- مبروك يا عروسة، أنتِ منزله الطرحة ليه؟ ممكن ترفعيها، عاوز اشوفك.
- ايييه لأ، كدا كويس.
- كويس! ممكن ارفعهالك.
- لااااا ابعد عني، انا هرفعها لوحدي، بس ابعد شويه.
.. استغرب فهد من تغطية شذى لوجهها، تساءل هل أصاب وجهها مكروه؟ ولذا قامت بتغطيته، وطلب منها رفعها؛ حتى يتسنى له رؤيتها، ولكن رفضت ذلك بشدة، مما اغضبه فهو لا يقبل بالرفض، وعندما اقترب منها لرفعها بنفسه، طلبت منه البعد حتى ترفعها بنفسها دون الحاجة لمساعدته، ولكن تفاجئ بالكارثة، التى لم تكن في الحسبان؛ فهى أصبحت ذو جمال باهر، يخشى عليه خدشه، من عيون الناس، وقال لها وهو مازال في صدمتة:
- يا نهاااارك مش فايت!
نظرت له شذى بدهشة، وهى لا تعلم ماذا فعلت؟ قائلة:
- أااايه في ايه!
نظر لها فهد وهو يرفع اصبعه تجاهها ويحذرها قائلاً:
- نزلي الطرحة، اوعي تترفع تانى تحت، انتِ سامعة.
.. شعرت شذى بالخوف منه، فهو يصرخ في وجهها؛ بالرغم أنها لم ترتكب شئ خاطئ، فماذا رأى في وجهها، حتى ينفعل كل هذا الانفعال؟ وتساءلت هل هو مجنون؟ وظلت تندب حظها العسر، فهى بمفردها معه في الغرفة، ولا أحد يستطيع مساعدتها في أبعاده عنها، والفرار بلا رجعة، وحاولت استجماع نفسها وقالت له:
- انت بتزعق فيا كدا ليه؟ طيب.. انا مش نازله، انا عاوزه اروح بيتنا.
.. لاحظ فهد خوفها منه، فعينيها أمتلئت بالدموع، فحاول طمئنتها والاعتذار منها، ولكن تفاجئ من نفورها منه، وابعاد يديه عنها، وهى تصرخ، فأراد تهدئتها قائلاً:
- انا مش قصدي ازعقلك، من الاخر كدا، انتِ حلوه اوى، ولو شفت حد عينه جت عليكي، هقتله
نظرت له شذى وهى جاحظة العينين قائلة:
- تقتله!
اندهش فهد من خوفها وارتعاش جسدها، فهو لم يفعل لها شيء قائلاً:
- انتِ خايفه مني ليه، اهدى بتترعشي كدا ليه؟!
ظلت شذى ترجع للخلف وهى تحاول الابتعاد عنه قائلة:
- لو سمحت ابعد عني، شيل ايدك عني.
سحب فهد يديه من على ظهرها، وهو يرفع كفيه لأعلى، قائلاً:
- انا كنت بطبطب عليكى؛ علشان تهدى أنا أسف، أيدي بعيد متخافيش، يلا ننزل، بس لو سمحتي نزلي الطرحة على وشك، معلش استحمليني انا غيور بطبعي.
.. عندما أقترب مني شعرت بالخوف، والمصيبة عندما حاول احتضاني، فعندما لمس ظهري شعرت بكهرباء تسري بجسدي، كنت أتلفت حولي للبحث عن أي شيء أستطيع من خلاله الدفاع عن نفسي وذلك عبر حدفة على رأسه، وعندما أرتفع صوتي وهو يرتعش خوفاً توجس الخيفه مني، ولكني تساءلت لما يريد تغطية وجهى؟ ولكن لم أهتم بالأجابة على سؤالي، فأنا أريد الفرار من هذة الغرفة، وقررت تنفيذ طلبه حتى يتسنى لي الفرار قائلة:
- اهه أي أوامر تاني، بس زي ما انا سمعت كلامك، انا عندي طلب؛ أنك ما تمسكش أيدي ممكن.
نظر لها فهد بدهشة قائلاً:
- ليه انا خطيبك!
- خطيبي مش جوزي، لما نتجوز ابقى امسك ايدي.
.. تعجب فهد من موقفها من عدم أمساك يدها، والادهى سماحها له بإمساك يدها عند الزواج، أذن فمتى مرحلة الحضن؟! أهو عند الموت! لابد من انها زواجة منظورة، فقبلت شرطها على مضض مني، حتى لا نتأخر على الضيوف، فقابلنا عند نزولنا أبيها مصطفى، وتساءل عن سبب تأخرنا، وأن الناس في الحفلة يسألون عن سبب التأخير، والمفاجئ في الأمر هى هرولة شذى تجاه والدها، والأمساك بيده بشدة، ألهذه الدرجة شعرت بالخوف مني؟! فهى تتصرف كالأطفال الذين يحتمون بأبيهم خشية الخطف أو العقاب.
..شذى بصوت منخفض، وهى تتوسل الى والدها قائلة:
- والنبي يابابا، خليك واقف معايا ماتسبنيش، انا خايفه منه.
- مايصحش كدا يا شذى، فهد يقول ايه والناس؟ متخافيش دى خطوبتك وسط اهلك وقرايبك، وكلهم فرحانين بيكي، محدش هيأذيكي.
-احم ممكن تقربي يا شذى، ماتخفيش مني، انا مش هاكلك، لو سمحت يا عمي تتفضل انت، شذى لو سمحتي تعالي عندي.
.. شذى وهى تسترخم فهد، وتحاول تهدئة نفسها؛ بمحاولة أقناعها بأنه مجرد يوم عابر، وسينتهي سريعا، وسوف تعود مرة أخرى مع أهلها فلابد من الصبر، وحاولت رسم ابتسامة مزيفة حتى لا تحزن والديها
..فهد وهو في الكوشة، واصحابوا يرقصوا ويحتفلوا به، كان عينيه على شذى، ولاحظ انها مطأطأة رأسها لأسفل، فكأنها في عالم آخر بعيداً عنهم، وللأسف لم يكن قادراً على رؤية وجهها بسبب وضعها للوشاح على وجهها.
.. انا ايه الل جابني هنا؟ مش عاوزه اتجوز يا ناس هو بالعافية، اعمل ايه بس يا ربى؟ اهرب! جاتك نيله تهربي ايه؛ دا انتي بتخافي من ضلك، وفجأة شعرت بمن يضع يده على يدي وقال لي:
-شذى مالك انت تعبانه؟
سحبت يدي من تحت يده بعنف، وأنا ارتعش قائلة:
- انا كويسه، ممكن تنادي على ماما.
.. تعجب فهد من رعشة يدها، الا تزال تخف منه؟! ثم حاول معرفة اذا كانت تواجه مشكلة ما، ولكنها صدته وطلبت حضور أمها، فلم يجد بدُ غير تنفيذ طلبها، وبالفعل حضرت والدتها وهى تسألها ماذا بها؟ ولكن ردت عليها قائلة:
-انت سيبانى لوحدي ليه؟! اقفى جنبى، مش انت وعدتينى، وفين شيماء هى اختفت فين؟
تلفتت منى حولها، واقتربت من أذن شذى قائلة:
- اهدى يا شذى، انا بسلم على الناس اللِ بيهنوا ويباركوا، مش معقول اسيبهم، وافضل واقفه جنبك زى عمود النور، بس متخافيش هنادي شيماء ثانية واحدة وابعتها، وانتِ اهدى شويه بلاش فضايح.
.. وبالفعل قامت امها بالنداء على شيماء، وطلبت منها البقاء مع شذى؛ تجنباً للفضائح، وبالفعل ذهبت شيماء مسرعة الى شذى، واعتذرت منها، وقامت شذى بعتابها وقالت:
- ماشى يا كل*به البحر، كدا تبعينى! مش متفقه معاكى، كنتى فييين؟!
ضحكت شيماء بصخب قائلة:
- انا اسفه والله يا شذى، اصل فيه موووز مالى الحفلة، وانا قولت اللقط رزقي، مش ممكن الصنارة تغمز، وحد يتقدملى منهم.
امسكت شذى بأيدي شيماء وهى تسحبها لأسفل قائلة:
- هتمووتى على الجواز ياختى، ماتتجوزى مكانى وتعملى فيه جميله مش هنسهالك طول عمرى، اقفى جنبى ماتمشيش.
.. استغرب فهد بشدة، فهو راقب تصرفات شذى وكلامها مع صديقتها وأهلها، ووجدها تتحدث كالقرد معهم، ولكن لما تتصرف وتتعامل معه هكذا؟ كأنة وحش يريد الفتك بها، فكثير من الفتيات يتمنون أشارة أو أبتسامه منه.
..صرخت شيماء وهى متفاجئة، قائلة:
- يا لهوووى مش ممكن، دا تامر حسنى! يا شذى انا هيغمى عليا.
تلفتت شذى حولها لرؤيته ولكن لم ترى بوضوع بسبب الوشاح قائلة:
- بجد! الزفت اللِ على وشى دا، مش شايفه بسببه كويس، أنا هرفعها.. الحمدلله فهد مش جنبى، اتفرج براحتي.
..كان تامر حسنى يغني اغنية "يا فرحة أنا مستنيها"
.. كنت أرقص مع أصدقائي عند حضور تامر حسنى الخطوبة، وعندما ألتفت خلفي رأيت شذى من غير الوشاح على وجهها، شعرت بأنها عارية بدون ملابسها، ركض تجاهها وأنا أغطي وجهها بالوشاح مرة أخرى، وكنت سأتهور واضربها بالكف على وجهها، لكن سيطرت على أعصابي، وقلت لها بصوت كالفحيح:
-لو قلعتيه تانى، هتشوفى مني وش، مش هيعجبك، انت فاااااهمه.
شعرت شذى بالرعب من نبرة صوته وتهديده لها قائلة:
-فاااهمه.
.. لاحظت منى المشادة الكلامية ما بين شذى وفهد، وعندما اقتربت، وجدت شذى وهى تبكى في صمت، وترتعش من الخوف، وامر فهد لها بنصح ابنتها، لكى تستمع لكلامه، وأنصرف في غضب من جوارهم، وحاولت منى معرفة سبب هذه المشادة من شذى، ولكن شذى طلبت منها الرحيل معها لدورة المياه، فتفاجأت منى من طلبها فهو ليس بوقته، ولكن رضخت لطلبها، وقامت بمساعدتها حتى الوصول لدورة المياه، ولكنها وجدتها تبكي وتصرخ، وتريد الرحيل قائلة:
- انا عاوزه اروح، انا مش عاوزه الخطوبة دي، لو سمحتي يا ماما افهمينى، والا والله اموت نفسي.
- تموتى نفسك! انت اكيد اتجننتى، ايه اللِ حصل فهمينى؟!
- دا انسان متسلط، وزعقلى علشان رفعت الطرحة عن وشى، انا خايفه منه، انتوا بتكرهونى لييييه، لو مش عاوزيني، انا هعيش عند جدتى وترتاحوا مني.
- انا هنادى على ابوكى يتصرف معاكى، شيماء خليكى معاها دى مجنونه، ممكن تعمل حاجه في نفسها، وانا هنادى لمصطفى، يتصرف معاها.
.. ظل فهد يعاتب نفسه، فهو قام بأخافتها منه اكثر، ولكنه لم يستطع تحمل رؤية أصدقائه لها، فهم كانوا ينظرون لها كالفريسة التى يريدون أكلها، ولذا لم يستطع التحكم في أعصابه، فما العمل الآن؟! ولكنه رأى شذى وهى ترحل مع أمها، من الكوشة لداخل الفيلا، ووجدها فرصة مناسبة للاعتذار منها، وعند الذهاب خلفهم؛ وجد منى تتجه ناحيته، وتسأله عن مكان تواجد زوجها، فعلم منها ان شذى ليست بخير بسببه، ولذا طلب منها الدخول لها لإصلاح الموقف، وعدم ابلاغ مصطفى بذلك، فلا داعي لقلقه، وبالفعل طرق فهد باب دورة المياة قائلاً:
-ممكن ادخل ياشذى، أنا فهد.
.. سمحت شيماء بدخول فهد إليهم، فحالة شذى لم تكن بخير، واعتقدت بأنه يستطيع حل الأمر، وطلب فهد منها الرحيل بطريقة مهذبة، حتى ينفرد بشذى، ويستطيع التحدث معها بحرية تامة، وعند خروجها قامت شذى بأمساك يدها لعدم تركها معه بمفردها، ولكن طمئنها فهد بأنه لن يمسها بسوء، ولذا رضخت شذى، وطلبت من صديقتها شيماء ان تبقى قريبه منهم، ولا تبتعد عنهم كثيراً، وتعجب فهد من خوفها الشديد منه قائلاً:
- للدرجادى خايفه منى! انا أسف.. عارف انى زوتها معاكى شويه، بس انا قولتلك يا شذى ماترفعيش الطرحة؛ علشان بغير وانت مسمعتيش كلامي، فغصب عنى اتنرفزت، سامحيني لو ضايقتك مني وخوفتك.
نظرت له شذى وهى تفرك يديها ببعضهم البعض قائلة:
- لو قولتلك اني مش عاوزه اتجوزك، هتعمل ايه؟
- نعم!
ياترى رد فعل فهد هيكون ايه؟ وشذى هتكمل الجوازة دي، ولا هتعمل ايه؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي